سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 4026 - 2013 / 3 / 9 - 21:01
المحور:
الادب والفن
ظل يتسكع طوال النهار من شارع لشارع، ومن مقهى لمقهى، زار عدة مكاتب، وقابل عدة أشخاص، تحدث معهم، سألوه عما يستطيع أن يفعله في الحياة، طلبوا منه أوراقا وطوابع وصورا، وأخبروه بضرورة العودة في اليوم التالي. سار طويلا بجانب النهر العكر الذي يجتاز المدينة، والتقط خشبة صغيرة تآكلها الماء والريح ووضعها في جيبه، وقبل مغيب الشمس بقليل قرر العودة. زاوية المبنى تقسم الشمس إلى شطرين برتقاليين، وتحجب نصف السماء، والمبنى ذاته يبدو له للمرة الأولى بهذا اللون الاسمنتي الكالح، حيث تفوح منه رائحة العمل المرهق للعمال المهاجرين، تقطعه بالطول أو عموديا عدة ميازيب صدئة تمتد من السقف حتى أسفلت الشارع، وأفقيا مجموعة من الخطوط الاسمنتية بعدد الطوابق، تشكل قواعد النوافذ التي تصطف بانتظام، مكونة شكلا هندسيا يشبه رسوم الأطفال. مجموعة من الصناديق أو المربعات، بعضها مضيء، وبعضها الآخر مجرد بقع سوداء. يقف عند الجهة المقابلة للمبنى، ينتظر توقف حركة السيارات حتى يعبر إلى الجهة الأخرى، وحينما نظر إلى المبنى مرة ثانية، اكتشف بدهشة انه لم يفكر مطلقا حتى اليوم في بشاعة هذا المكان الذي حشر فيه منذ زمن لا يستطيع تقديره بدقة. ورفع عينيه عن الخطوط البيضاء العريضة المرسومة على الاسفلت، لتحدد المكان الذي يستطيع أن يعبر فيه الشارع، يغالبه نوع غريب من الشك، وشاعرا ببعض القلق لعدم توقف السيارات عن الحركة، الواحدة تلو الأخرى. لاحظ مجموعة من الملابس المتدلية من عدة نوافذ، وتعرف على قمصانه وملابسه الداخلية القديمة، لم يكن يعرف أن ملابسه تنشر وتجفف في الشارع بهذه الطريقة المخجلة، وأحس بنفسه كأنه يقف عاريا على الرصيف. نظر حوله، ولكن لم يكن أي مخلوق يهتم بأن يعرف إن كان عاريا أم لا. وتعرف على نبتة الجيرانيوم الصغيرة تزينها عدة زهور وردية اللون رغم فقدانها لأغلب أوراقها، شجرة الجيرانيوم الصغيرة التي اشتراها من بائعة الزهور في الشارع،. الهدية الوحيدة التي قدمها لابنته قبل أن تغادره منذ عدة أشهر، والتي لا يعرف عنها أي شيء حتى الآن. منذ ذلك اليوم لم ير شجرة الجيرانيوم، سوى في هذه اللحظة، وتسائل في نفسه وهو يعبر الشارع أخيرا .. لماذا على أن أعرف إن كانت زوجتي أم ابنتي هي التي وضعت شجرة الجيرانيوم على النافذة ؟.. أية أهمية ؟ عبر الشارع واجتاز السلم الحجري المظلم الذي لا ينتهي، والذي تفوح منه رائحة رطبة نفاذة لم يستطع مطلقا أن يحدد مصدرها، وتوقف عند باب شقته ليتنفس بعمق. اتكأ على الحائط ليفتش في جيوبه عن المفتاح، واغمض عينيه.
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟