|
وردة على قبر الله
الناصر لعماري
الحوار المتمدن-العدد: 4024 - 2013 / 3 / 7 - 22:32
المحور:
كتابات ساخرة
لقد مات الله .. الآن علينا إعلان حالة الحداد العام لموت خالق الكون و راعي الإنسانية. لقد أصبحنا أيتاما بعد أن فقدنا الإله و السيد و الراعي و المدبر. من بعد الآن سيرعانا من علياء سماؤه ! من بعد الآن سندعوه بربي و إلهي ! من بعد الآن سيدافع عنا ضد قوى الشر الخبيثة ! كيف سنواصل الحياة بدون الله ! من سيحمينا و يقوم سلوكنا و ينشر الخير و العدل بين الناس ! هل إنتهى عصر النعيم الذي كنا نحيا فيه في حمى الله ؟ يا ترى كيف سيكون مستقبل البشرية الآن ؟ لقد إنكشف الغطاء و أصبحنا كلنا عرايا و ربما قد حانت نهاية البشرية أيضا.على العموم حتى لو لم تحن نهاية البشرية فإن شكل الحياة على الأرض سيتغير تماما بموت الله : لا توجد قيامة بعد الموت و لا خلود و لا جنة و لا جهنم و لا حساب و لا ثواب و لا عقاب. لا أحد سيقيم العدل في الحياة الآخرة لأنه لم يعد هناك إله يقيم الموتى لكي يعدل بينهم.
ربما علينا الآن أن نحاول إقامة العدل في الدنيا بقدر الإمكان و ربما علينا أن نفلح الأرض لكي نحولها إلي أشبه ما تكون الجنة. لقد ورثنا عن الله عالم لا عدل فيه و لا شجر و علينا أن نزرعهما في الأرض بدلا من إنتظار الموت و من ثم جنة العدل في الحياة الأخرى. لقد ألقى الله على عاتقنا بموته ميراثا ثقيلا و دينا كبيرا تجاه إنفسنا كان يسدده إلها بأكمله و الآن علينا كبشر فانين أن نسدده. ربما سنغير بعض القوانين و الأعراف الغريبة التي كان الله متمسكا بها. لم تعد الطقوس الدينية مهمة الآن و لا إضطهاد المرأة و المختلف في الدين و لم يعد من اللائق تجريم التحرر الجنسي مادامت الجنة لن تأتي أبدا. لم يعد مهما أن نكره في الله أو نعادي أحدا بإسمه أو نحارب من أجل إعلاء كلمته فلقد مات الله على أي حال.
أذكروا محاسن موتاكم
حسنا, ربما لم يكن الله نعمة للبشرية على أي حال. لقد كان ديكتاتورا دمويا في أوقات كثيرة. أوف, لقد كان جاثما على صدورنا بالفعل طوال الوقت و بدون أمل في التخلص منه. نعم, كنا ننافقه و نمدحه كثيرا و لكن ما الذي يمكننا فعله و لقد كان جبارا عتيا متسلطا و لم يكن أي واحد قادرا على الوقوف أمامه. تكفي المعتقلات الإلهية في جهنم و التي كانت تلقي الرعب في قلوب المجرمين و المنحرفين و في نفس الوقت المفكرين و شهداء الرأي. لم يكن الله يميز بين الكفرة و القتلة في العقاب بل كان يعد الكفر أكبر ذنب رغم أنه لا يؤذي أحدا. لكن المثل يقول : أذكروا محاسن موتاكم .. و قد كان لله الكثير من الحسنات التي يجب علينا أن نذكرها له. لقد وهبنا الوجود و الحياة و أعطانا العقل و حرية الإرادة و القدرة على تغيير الواقع. ثم إنه وعدنا بالخلود في جنة حقيقية لو إننا فقط أطعناه و تغاضينا عن حريتنا لنصبح عبيدا له. لقد وعد بانه سيحقق العدل في الآخرة ليصحح الظلم الواقع في الدنيا. ياله من إله عظيم يعد بأشياء عظيمة .. ! صحيح أن كل هذة الوعود الآن قد ذهبت أدراج الرياح و أن الظلم الواقع في الدنيا التي خلقها هو لن يتم تصحيحه أبدا و أن الحياة الشاقة التي خلقها لنا في الدنيا لن يتم تعديلها إلا أنه كان إله خير يتمنى لنا كل خير. ربما كان من الأفضل أن يهبنا الله العدل في الدنيا و الجنة على الأرض بدلا من وعود عظيمة قد تتحقق أو لا تتحقق. ربما كان من الأفضل لو علمنا الله كيف نعتمد على أنفسنا بدلا من أن نصلي كل حين لكي يتدخل في حياتنا على الأرض و يصحح ما تركه هو يفسد. لماذا كان الله يعدنا بأشياء عظيمة بدلا من أن يحققها حالا ؟ لماذا كان كل شيء يعتمد عليه و على وجوده ؟ ليس هذا مهما الآن فلقد مات بلا رجعة.
لكن لحظة .. كيف مات الله ؟
لقد كان منيعا قويا قادرا على كل شيء. لقد آمنا أن يوم البشرية سيكون قبل يومه. لقد إحتمينا فيه و إكتملنا به و اعتقدنا أن ما من شيء يستحيل علينا لو إعتمدنا عليه. كيف إذن حدثت فاجعة الفواجع تلك ؟ كيف إنهار البناء العظيم ؟ من قتل الله ؟ هل قتلته الوحدة ؟ هل إنتحر ؟ الحقيقة لقد كان من أكثر نقاط ضعفه أن لم يكن لديه جماعة خاصة به أو قبيلة نشأ فيها, لقد واحدا وحيدا متوحدا مثل راهب ترك العالم كله و عاش في مغارة في الصحراء. بالطبع لم نكن نسلي وحدته تلك لأنه أعلن لنا مرارا انه لا يحتاجنا و اننا لن نمثل له أكثر من حطب جهنم لو لم نطيعه. بالطبع لم نكن بالنسبة لله اكبر من النمل بالنسبة للإنسان فهو كان يراقبنا و يقيم سلوكنا و يجازينا من أجل تحسين نوعية حياتنا و ليس لكي نسلي وحدته العظيمة. لقد كان الله محتاجا لزوجة و أطفال و أصدقاء أنداد له و إلا لما قتلته الوحدة. بل أنه ليس أكيدا أن الوحدة هي التي قتلته فلقد كان يعيش حياة طويلة مديدة مثل سجن إنفرادي مؤبد, ربما قتله الملل من تلك الحياة الطويلة العقيمة .. لكن الحقيقة أن الله لم يمت بالوحدة او الملل أو الشيخوخة لأنه ليس كائنا حقيقيا بل كان كائنا معنويا يحيا في قلوب و وجدان كل بشري آمن بوجوده و إحتمى فيه. لقد كان الله شخصا عزيزا لكل مؤمن حيث يسمع شكوانا و يحقق دعانا و يجبر جراحنا. لكن الآن معظم الناس لم تعد تعتمد على وجود الله و لم تعد تفكر فيه كثيرا فالإنسان العادي أصبح متحكما في الكثير من أمور حياته و قادرا على تحقيق سعادته بنفسه و بالتالي لم يعد الله مطروحا أو متداولا إلا في وقت المحنة فقط. لقد مات الله مقتولا فعلا, قتله تزايد القدرات البشرية و لا يزال يقتله, مثل سم زعاف يسري بطيئا في عروقه هكذا يموت الله. لقد قتل الله تزايد الوعي الإنساني و قدرة الناس على تفسير غوامض الأمور بأسلوب عقلاني و علمي. لم يعد الله يطلق البرق أو ينشر الأمراض او يسبب الزلازل أو يسلط التسونامي علينا, بل أصبح لكل تلك الأحوادث أسباب طبيعية منطقية. لم يعد الله مطروحا أو متداولا أو محبوبا, لم يعد الله موجودا أو حيا بيننا. لقد أصبحنا كبارا و ناضجين لكي نفكر و نعرف أننا وحدنا في هذا الكون الشاسع الموحش.
حداد أم فرح ؟!
و الآن هل علينا حقا أن نعلن الحداد العام أم نعلن الفرح العام ؟ الأفضل أن نخبئ الخبر عن البشر المؤمنين بالله لأن الله بالنسبة لهم رمزا كبيرا و سيصدمون بموته. فليكن الله بالنسبة لهم حيا و عظيما و حاميا أبديا لهم و لكل البشر. هم سيعرفون بالتدريج أن الله مات. حين يدعونه فلا يستجيب سيعرفون أن الله مات. حين يبحثون عنه فلا يجدونه سيعرفون أنه مات. حين يستنجدون به فلا ينجدهم سيتأكدون من أنه قد مات. لكن نحن العارفين بامر موته لا يجب أن ننقل الخبر. سيدعوننا نحسا و سوء طالع و لن يصدقوا الخبر أبدا, سينعتوننا بالحاقدين على الله و المتمنين موته. سيظنون أننا نريد موته طمعا في عصيانه بلا رادع أو سيظنون باننا مجرمين نكره الله كرهنا لجهنم. لو أخبرناهم لما صدقوا و إن صدقوا لن يقولوا أنهم صدقوا لذلك فنشر الخبر لن يفيد أحدا بل سينشر التعاسة بين الناس و سيجعلهم أكثر ميلا للعدوان و الهمجية. و سيعامل الناس من ينقلون الخبر على أنهم خونة ملعونين. في هدوء علينا أن نبني عالما رائعا جديدا يؤرخ بموت الله. عالم بلا إله بلا شيطان بلا خلود بلا جنة او جهنم, عالم يعتمد على أذرعنا و عقولنا فقط, عالم مليء بالأشجار و العدل و الجمال في كل مكان. عالم كل الناس فيه سواسية كأسنان المشط حيث لا أحد مقرب من الإله او متحدث بإسم الإله. عالم ليس فيه حروب دينية او حتى غير دينية لأنه لا يوجد إله يحمي طيشنا و يجبر جراحنا بل كل ما نصنعه يرتد إلي نحرنا. و في وسط هذا الهدوء فلنبني نصبا تذكاريا لله العظيم الذي ساعد آباؤنا و أجدادنا على فهم العالم و قبول العيش فيه. فليكن هذا النصب التذكاري هو قبر الله و طريقتنا في التعبير عن الإمتنان لهذا الإله الذي رعانا لقرون طويلة و عبر لنا عن دعمه و تقديره من خلال الأنبياء و الكتابات التي كتبها. و بدلا من أن نذرف الدموع حزنا على فقد الإله فلنكن أقوياء أشداء و نتحمل الصدمة. لقد مات الله فعلا و لكنه سيظل جزءا من ذكرياتنا حيا في قلوبنا يلهب خيالنا. لقد مات الله فعلا و لكننا ورثناه, لقد أصبح على الأرض الآن أكثر من ستة مليارات إله.
نهاية الله هي بداية الإنسانية
لا .. لن نبكي لفقد الإله لأنه لم يكن سيريدنا أن نبكي عليه. كان سيريدنا أن نفرح بالحياة و أن نحبها و نتكل على أذرعنا و عقولنا. لو كان الله موجودا لفرح بنا و عرف أننا قد كبرنا أو أنه من الممكن أن نكون أشداء و أقوياء من دونه. كان الله سيحب كل إنجازاتنا و قدراتنا المتزايدة. لا لن نبكي بل سنقول لله ستبقى ذكراك في قلوبنا. سنضع على قبره ورودا و لن نتشاجر على التركة التي تركها لنا. العالم واسع و سيسعنا جميعا و إن كان الله قد مات فنحن لا نزال أحياء و ليس لنا إلا بعضنا البعض. سنقول له بكل صمود : وداعا .. وداعا يا من كنت إلهي
#الناصر_لعماري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لمصلحه من نكره بعضنا البعض ؟؟!!!
-
حدود الممارسة الجنسية عند اللاديني
-
السعوديين تاجروا بالجواري حتى عهد قريب
-
نقد الأخلاق البوذية
-
لماذا يؤمن الناس بالآلهة و الأديان ؟
-
خرافة نوح
-
الأخلاق الاسلامية
-
المتدين يحتقر نفسه
-
الموسيقى
-
الوهابية
-
إن لم تشك فأنت مؤمن
-
الدمقراطية العربية
-
فكرة تجسيد شخص الله
-
فوبيا الجحيم
-
الغيب و العلم
-
عاطفة الإيمان
-
الأخلاق الدينية
-
هل من الممكن ان يكون هناك شيء اسمه تعصب اسلامي؟
-
رياح خريف الاسلام السياسي
-
الطب النبوي الخاطئ
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|