أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - المخرج هادي ماهود: لم أكن سعيداً بفيلم - جنون - الذي فاز بجائزة تقديرية أسترالية، وقناة الجزيرة سطت على السيناريو الذي كتبته لفيلم - سندباديون-















المزيد.....

المخرج هادي ماهود: لم أكن سعيداً بفيلم - جنون - الذي فاز بجائزة تقديرية أسترالية، وقناة الجزيرة سطت على السيناريو الذي كتبته لفيلم - سندباديون-


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1158 - 2005 / 4 / 5 - 10:28
المحور: الادب والفن
    


الحلقة الأولى
هادي ماهود مخرج موهوب عَدَّهُ بعض من النقاد علامة فارقة في السينما العراقية. وقال عنه المخرج محمد شكري جميل قبل ربع قرن من الزمان حينما فاز فيلمه " بائع الطيور " بجائزة أفضل مخرج، وأفضل ممثل في مهرجان أفلام الشباب عام 1980 قال:" سيكون هادي ماهود واحداً من أهم مخرجي السينما العراقية " وصدقت نبؤءة محمد شكري جميل عندما تسنى لهادي ماهود أن يخرج عدداً من الأفلام المهمة من بينها " الساعة 1800 " و " الغريق " و " جنون " الذي نال جائزة تقديرية في أستراليا، و " تراتيل سومرية " و " عرس مندائي " و " عاشوراء "، و " سندباديون " و " العراق وطني " الذي عُرض مؤخراً في مهرجان لاهاي الثاني للأفلام العراقية. ولمناسبة اشتراكه في المهرجان التقاه " الحوار المتمدن " وكان لنا معه هذا الحوار الطويل الذي سننشره في حلقات متتالية:
* دعنا نتوقف عند مرحلة البدايات، كيف تولد لديك الهاجس السينمائي، وهل تولد هذا الهاجس كنتيجة طبيعية لطموحاتك وتطلعاتك ورغباتك الشخصية، أم أن هناك مؤثرات أُخَر كأن يكون شخصاً محداً دفعك باتجاه السينما؟ منْ هم هؤلاء الأشخاص أو السينمائيون الذين مهَّدوا لك هذا الطريق للولوج إلى عالم السينما؟
- الحقيقة أنا بدأت مسرحياً قبل أن أبدأ في السينما بحكم أن أخي الأكبر عبد الحسين ماهود هو خريج كلية الفنون الجميلة، قسم المسرح، وهو مسرحي من السماوة. وقد بدأ في المسرح منذ الستينات عندما كنت أنا طالباً في الابتدائية، فكنت أحضر العروض المسرحية التي يقدمونها، وأحفظ النص المسرحي كاملاً وأعيد إخراجه حينما أذهب إلى الصف. لقد بدأت بالإخراج المبسّط وأنا في الصف الثالث الابتدائي، يعني أن أنقل دقائق العمل المسرحي، وأخرجه من جديد للطلاب. وعندما كبرتُ أصبحت عضواً في الفرقة المسرحية في المرحلة المتوسطة، وبالتالي دخلت في معهد الفنون الجميلة، ودرست في السنة الأولى مسرحاً، ثم اكتشفت أنني ميال كثيراً إلى السينما، وفي السنة الثانية فتحوا لنا نحن الذين نجحنا من الصف الأول صفاً للسينما. أنا في الحقيقة شعرت في نفسي أنني أقرب إلى هذا المكان، بل وجدت نفسي فيه، والدليل على ذلك أنني بعد أن درست سنة واحدة أخرجت فيلماً في العطلة الصيفية، وهذا شيء مبكر بالنسبة لي، وكان بعنوان " بائع الطيور ". اشترك هذا الفيلم في مهرجان الشباب الأول الذي عقد في بغداد سنة 1980 وفاز بجائزة أفضل مخرج من بين 40 فيلماً، وكانت هذه الأفلام هي أفلام من المعهد، والأكادمية، والتلفزيون التربوي، والزراعة، والمؤسسات غير الاحترافية. هذه قفزة كبيرة بالنسبة لي، وقد كُتب عني في الصحف والمجلات باعتباري أصغر مخرج عراقي. هكذا بدأت بشكل جدي في هذا الاتجاه. كنت أعمل مع طلبة المعهد في أطاريحهم، وحتى أن ضعف بعض الطلبة أتاح لي فرصة إخراج بعض أعمالهم. قبل تخرجي كنت أعرف تفاصيل كثيرة في العملية الإنتاجية بينما كان طلاب متخرجون لا يعرفونها، وتجربة فيلم " بائع الطيور " هي خير مثال لذلك لأنه أنا عندما بدأت بهذا الفيلم لم أكن أعرف بالضبط ما هي المراحل الإنتاجية ولكن في أثناء هذه المراحل اكتشفت دقائقها، فعندما اكتمل الفيلم دخلت بالتجربة بكل تفاصيلها وبالتالي حققت في تلك السنة فيلماً متكاملاً في الوقت الذي كانت فيه الأطاريح في تلك الفترة أفلام أقصر، وأفلام صورة بلا صوت، ويتخرج الطالب والعمل عبارة عن نسخة تقطيع، لكن أنا قدمت فيلماً كاملاً صوتاً وصورة ونسخة نهائية، بالإضافة إلى فوزي بجائزة أفضل مخرج وجائزة أفضل ممثل، لأن الممثل الذي لعب دور البطولة في فيلمي فاز بجائزة أفضل ممثل أيضاً. وهذا يعني أن أهم جائزتين في الفيلم أخذناهما عن جدارة.
* أتعتقد أن فوز هذا الفيلم بجائزتين تحديداً كان بسبب السيناريو أو الرؤيا الإخراجية، أم بسبب أداء الممثل أو المؤثرات الصوتية والبصرية. كيف استطعت أن تحصد هاتين الجائزتين المهمتين؟
- أنا أتذكر جيداً كلمة المخرج الكبير محمد شكري جميل الذي حضر المهرجان وقال بالضبط " أنا أرى هادي ماهود مثل محمد شكري جميل عندما كان في بداياته وفي مثل سنه الآن، وأنا أتوقع في يوم من الأيام أن هادي ماهود سوف يكون أهم مخرج في السينما العراقية. "هذه شهادة مهمة جداً لمخرج مهم وأنا كنت في تلك الحقبة صغير سناً. لقد كبر هذا الموقف في داخلي. وعوّلت، في حقيقة الأمر، عليه. أنا عندما أخرجت الفيلم كان عمري 19 سنة، وعندما أقيم المهرجان كان عمري 20 سنة. وهذه القياسات في العراق عندما يكون عمرك 19 وتخرج فيلماً يشارك في المهرجان ويفوز بجائزتين فهذه مسألة كبيرة جداً. وأعتقد أن الفيلم فيه إخراج جيد، وسيناريو جيد أنا كتبته، وفيه تمثيل جيد نال استحسان النقاد والمشاهدين على حد سواء.
* في تلك الحقبة الزمنية المبكرة التي أخرجت فيها عدداً من الأفلام هل تعتقد أنك توفرت على أسلوب أو تيارٍ محدد. بمعنى هل كنت تقلد التيار العراقي السائد، أم تنتمي إلى تيار عربي أو أوروبي محدد؟
- حتى نصل إلى هذا الفهم الذي تطرحه نحتاج إلى تواصل. يعني أنك تخرج فيلماً ثم تنتظر ثلاث أو أربع سنوات حتى تأتيك فرصة لإخراج فيلم جديد، فحتى يكون عندي اتجاه أو أسلوب أو رؤية خاصة بي أحتاج إلى عمل متواص، وخبرة تتراكم يوماً بعد يوم. أما عندما تأتيك فرصة كل ثلاث سنوات فكيف تستطيع أن تؤسس لأسلوب محدد، ولا يوجد هناك من تستند عليه. ففي داخل العراق حتى أستاذك ينافسك للحصول على هذه الفرصة. الجميع هم بلا فرص. هناك مخرجون مهمون لكنهم يعملون كموظفين في دائرة السينما والمسرح، لا كمخرجين، ولذلك فهم بحاجة إلى فرص لإخراج أفلام معينة تدور في أذهانهم، فتراهم جالسين في المؤسسة يستنزفون وقتهم، وحتى لو حصلوا على أفلام فهي أفلام قصيرة، وتُفرض عليهم موضوعات الفيلم، وطريقة معالجتها، لأن الفيلم يمثل رأي النظام، ورأي مدير السينما، ولا يمثل رؤية المخرج نفسه. ويحز في النفس أن مؤسسة السينما والمسرح العراقية، وهي مؤسسة الدولة أن تنتدب مخرجين أنصاف موهوبين من دول عربية وتعطيهم الفرصة الأولى لإخراج أفلام روائية في الوقت الذي كان فيه عبد الهادي الراوي جالساً لسنوات ينتظر فيه أن يخرج فيلماً روائياً، بينما كان فيه فؤاد التهامي مخرجاً تسجيلياً مصرياً يأخذ فرصة مهمة مثل فيلم " التجربة " وهو أول فيلم روائي في حياته على حساب مخرجين عراقيين هم أحق بهذا الفيلم من غيرهم، أو تأتي هذه المؤسسة بمخرج غير موهوب اسمه محمد منير فنري من سوريا، وتعطيه إمكانيات هائلة لإخراج أفلام روائية في الوقت الذي كان فيه المخرج العراقي ينتظر فرصته التي لم تأت أبداً ما لم ينسجم مع عقلية النظام، ويتماهى في أفكاره الساذجة. لم تكن هناك نية حقيقية لصناعة سينما عراقية حتى نستطيع أن نساهم فيها ثم تكون لدينا أساليبنا المحددة التي تتحدث عنها. نحن نحتاج إلى نية حقيقية وجادة لأن نصنع شيئاً، لا أن تعتمد على أمور فردية كما هو الحال الآن حتى بعد سقوط النظام الشمولي.
*هل تعتقد أن السينما هي فن الواقع بامتياز، ألا يمكن لعنصر التجريب أن يدخل إلى السينما على صعيد كل شيء بدءاً من السيناريو وانتهاء بالمؤثرات الصوتية والبصرية؟
- بالتأكيد لأنه أنت كمخرج غير ملزم بأن تنقل الواقع بتفاصيله أنت تخلق واقعاً آخر، الواقع المرئي هو واقعك أنت، وكيفية رؤيتك لهذا الواقع، وبالتالي فهذه هي رؤيتك لهذا الواقع، وأنت حر في تكوينها، وحر في أن تتآمر على هذا الواقع لخلق واقع جديد، وهذا التآمر يعني أن تتآمر على الصوت لتخلق صوتاً آخر، وتتآمر على الصورة وتغيرها تماماً على صعيد اللون، بالتالي سوف يكون واقعاً مفترضاً، لكنه ليس الواقع الحقيقي، وإنما هو الواقع الذي صنعته أنت عبر مخيلتك السينمائية.
*هل لنا أن نتوقف عند الفيلم الأول الذي أخرجته بعد مغادرتك العراق، وهل يمكن القول أن هناك أفلاماً عراقية أنتجت في المنفى، ولا نريد القول بأن هناك سينما عراقية في المنفى؟
-أنا حقيقة استنزف المنفى مني وقتاً طويلاً أعتبره في حكم الوقت المُضاع. فقبل أن أخرج فيلم " جنون " الذي تقصده في متن السؤال كنت قد أخرجت مسرحية في مخيم " رفحاء " كان اسمها " بعيداً عن السماء الأولى " كتبها الأخ طارق حربي. ثم عملت في إذاعة المعارضة فاشتغلت ثلاث سنوات أنا أعتبر هذا العمل عملاً وطنياً معارضاً بشكل صريح للنظام، ويشرفني أن أعمل بهذه المهنة ضد الدكتاتورية في كل مكان، ولكن بنفس الوقت أساء لي هذا العمل جداً لأنني مخرج سينمائي أتعامل بالصورة، والإذاعة هي لغة كسرت أشياء كثيرة في داخلي، فعندما تركت الإذاعة ورحلت إلى استراليا حتى أعيد بناء نفسي من جديد، وأرجع كمخرج سينمائي، وأنقذ نفسي من هذه الورطة. أنت في بلد مثل أستراليا تطمح أن تشتغل مثلهم، وأن تكون لديك أحلاماً أسترالية، أي أن يكتبوا عنك في الصحف والمجلات،.أخرجت أول فيلم باسم " جنون "، وموضوع هذا الفيلم أسترالي بحت يتحدث عن العنف المنزلي، وهذه الثيمة هي قضية أسترالية مثيرة بالنسبة للأستراليين، ويشتغلون عليها يومياً، ولكنها ليست مهمة بالنسبة لي. ومع ذلك فأنا تعاملت معها برؤيتي كشرقي، وأخرجت هذا الفيلم بحرفية عالية، وشاركت به في مهرجان باثرست، وحصلت على جائزة تقديرية، غير أنني لم أكن سعيداً بهذه الجائزة ولم أكن فرحاً بالفيلم لأنني بعد أن أنهيت الفيلم قلت حسناً، لقد أعجبهم الفيلم، ولكن أنا لم اشعر بميل إلى الفيلم أو انتماء له، وحتى الآن لا أتفرج عليه. اشعر أنا مخرج عراقي وأمام مسؤولية أن استثمر نفسي لعمل عراقي، ولا بأس أن يكون عملاً عراقياً في المنفى، ولكن أن تبحث في قضية أسترالية، وأن تأتي بممثلين أستراليين، وموضوع أسترالي، فهذا أمر لا يعنيني كثيراً.
* ما الذي حفزّك لإخراج فيلم " تراتيل سومرية " هل يكمن السبب في الشاعر العبثي الجميل غيلان، وفي سلوكه الفنتازي القريب من سلوك جان دمّو " مع فارق التشبيه في خصوصيات كل منهما " أم السبب في عائلته التي تنتمي إلى عالم الأدب والفن، أم أنك أردت أن تناقش موضوعة تلاقح ثقافتين مختلفتين؟
-أخرجت " تراتيل سومرية " بمحبة كبيرة، ربما لأن هذا الفيلم كان عن الشاعر غيلان الذي أعتبره من وجهة نظري الشخصية شاعراً يكتب بشكل جميل جداً رغم كونه إنساناً عبثياً جداً، لكن بالمقابل غيلان عنده عائلة راقية جداً، وأحد أولاده فنان، والآخر شاعر، وزوجته " زهرة " فنانة تشكيلية، وهو وزهرة يصدران مجلة أسمها " جسور " لقد وثقت هذه الشخصية كشاعر ومبدع ومنتج للثقافة. وفي الوقت نفسه أخذت موضوع الطفل في المنفى، ورصدت حالة الارتباك التي يعانيها أولاده كونهم من خلفية عراقية ويعيشون في مجتمع آخر مختلف ثقافياً، والأسرة عندما تتعامل داخل الثقافة الأخرى تواجه بعض المشكلات الجدية في تربية أبنائها الذين يدرسون ثقافة مختلفة، ويتلقون عادات جديدة لم يألفوها من قبل، بينما يتلقون في منزلهم عادات وتقاليد مغايرة. هذا التصادم الثقافي وانعكاساته على الطفل والعائلة هو الذي رصده الفيلم أيضاً.كما كان الفيلم تحليلاً لعائلة عراقية في المنفى تعيش داخل ثقافة أخرى، وقد كنت سعيداً جداً بهذه التجربة التي تهمني وتهم شريحة واسعة من أبناء شعبي الموزعين في المنافي العالمية.
* لم يعالج كارثة الغرقى العراقيين في مركب سيفيكس أو " تيتانك الفقراء " أحد سوى المخرج هادي ماهود، وقد قرأت لك في حينه نداءً موجهاً إلى المعارضة العراقية قبل سقوط النظام، وغلى المنظمات الإنسانية، وإلى الأثرياء العراقيين، ولم يستجب لك أحد! كيف تسنى لك أن تخرج هذا الفيلم الرائع الذين يدين الحكومات العربية أولاً والعالمية ثانياً؟
- عندما غرق مركب اللاجئين الذي سمى بـ " سيفيكس " بين أستراليا وأندونيسيا، وهذا حدث كبير جداً يعني أن يغرق في البحر حوالي 364 عراقي، أي أن ينطفئ 364 حلم بالحياة والاستقرار. هذه القصة هزتني جداً، ولكنها للأسف لم تهز الآخرين، إذ أرسلت الكثير من الرسائل للعديد من الناس هم الآن يتسابقون للحصول على مناصب أو كراس في العراق الجديد. في تلك الفترة التي كانوا هم فيها معارضة للنظام الدكتاتوري، وكانت عندهم إمكانات مادية كبيرة، اتصلت بهم لدعم هذا المشروع، وأردت منهم أن يدفعوا لي فقط تكاليف السفر من أستراليا إلى أندونيسيا، لكي أذهب وأصور هذه الواقعة. يعني أخلاقيا عندما تستلم رسالة من شخص يجب أن تجيبه، وتقول له استلمت منك هذه الرسالة. لم يجب أحد على هذه الرسائل، وأنا لا أستثني أحداً، إذ راسلت كل من يهمهم الأمر أمريكا، وبريطانيا، وبعض الدول الأوروبية، وبعض الدول العربية، والمراجع الدينية العراقية، بما فيهم مراجع شيعية كبيرة جداً، لكن لا المراجع السياسية ولا المراجع الدينية استجابت لهذا النداء، الأمر الذي دعاني لأن أترك هذه الدعوة مفتوحة على الإنترنيت، إذ قد يكون عراقياً في أي مكان في هذا العالم تهزه هذه الواقعة ويقول لي حسناًً أنا أدعمك. وحصل أن أتصل بي أحدهم وقال لي أنا أدعمك. ثم أعطيته السيناريو، لكنني اكتشفت لاحقاً أن هذا يعمل في تلفزيون الجزيرة، وأخذوا السيناريو وصوروا في أندونيسيا. من حسن الحظ أنني كنت أحتفظ بكل رسائله، وأنا أحمّل كل الناس الذين كتبت لهم مسؤولية ما حدث من سطو فني لي، وتركوني عرضة للحاجة المادية، إذ كنت طيباً جداً معهم، أقصد قناة الجزيرة، وقد منحتهم كل شيء، لأنه كان يهمني قبل كل شيء أن اصل إلى كل الناس قبل أن تخف مشاعرهم، فالذي يخرج من البحر، وهو فاقد لعائلته ومنهار، هذا الانهيار يهمني ولكن بعد ستة أشهر تخف هذه الحالة. هذا الموضوع برمته ذكرتني بالسندباد، فربطت هذه القصة بقصة السندباد باعتبار أن السندباد عراقي من بغداد وسافر للبصرة وركب البحر باتجاهات مختلفة بحثاً عن التجارة وحباً بالمغامرة، وبعد هذه القرون الطوال يتحكم بالعراق رجل بلا قلب وهو صدام الذي جر الناس من حرب إلى حرب وجعلهم يتحولون إلى سندباديين، يبحرون مثل السندباد باتجاهات مختلفة بحثاً عن أوطان آمنة تقيهم شر الدكتاتورية وظلم صدام، لكن الذي لم يحققه صدام حققه البحر عندما اغتال أحلامهم البريئة. فالفيلم يتأطر بشهرزاد وشهريار وهي تروي له الحكاية عن قصة السندباد، ثم أدخل في واقعة الغرق المروّعة. إن ما أستنكره هنا هو أن طاقم الجزيرة قد ذهب إلى مكان الحادثة، وصوروا وتنكروا لي، الأمر الذي دفعني لأن آخذ كل أوراقي والرسائل المتبادلة بيني وبينهم، وأذهب إلى محامي أسترالي حيث درس القضية بكل جوانبها، وقال لي من الأفضل أن أنسى الموضوع لأنني أعطيت كل شيء من دون توقيع أي عقد معهم. المهم أنهم قدموا حلقة من برنامج اسمه " يحكى أن " وكانت المعالجة سطحية جداً لهذه الواقع المأساوية. ثم ساعدني الأستراليون وعلى رأسهم محامي اسمه جوليان بوستهايد، إذ أعطوني بطاقة لي ولمصوري وللمصور الآخر الذي تبرع بالمجيء معنا مجاناً. ذهبنا إلى أندونيسيا واستطعنا أن نلحق ببعض الناجين، ووثقنا أحاديثهم وشهاداتهم، ثم وثقنا لأناس آخرين كانوا يريدون السفر على مراكب أخر. صورنا حياة المنفى في أندونيسيا. ثم حصل أن تفاضت مع التلفزيون الأسترالي بصدد هذا الفيلم، وكانوا معجبين بمنحاه الفني، وتقنياته، وموضوعه، ولكنهم اعترضوا على وجود شهرزاد وشهريار. أنا قلت في نفس، إذا رفعت هاتين الشخصيتين الدالتين فسوف يصبح موضوع الفيلم تقليدياً جداً، بل أن فكرة الفيلم نفسه تتقوض، ويصبح فيلماً آخر تماماً. أنا أريد أن أقول إن هؤلاء اللاجئين الذين تسمونهم لاجئين غير شرعيين جاؤوا من ثقافة كبيرة جداً. وكل الأستراليين يعرفون " ألف ليلة وليلة " ولكنهم لا يعرفون أن هؤلاء الناس هم أحفاد السندباد. هؤلاء ليسوا لاجئين وإنما مثقفون تحدروا من ثقافة عريقة جداً، من ملحمة كلكامش، وألف ليلة وليلة، وهذه التفصيلات مهمة جداً بالنسبة لي كمخرج وإنسان عراقي في الوقت ذاته. وعندما قالوا لي أحذف هذه التفصيلة قلت لهم كلا، لا أريد أن أبرم عقداً على أنقاض هذا الفيلم. بقيت كل هذه السنوات وأنا أحلم أن أنجز هذا العمل. و عندما رجعت إلى العراق كان عندي كومبيوتر وبرنامج مونتاج وعندي ثلاثين ساعة من التصوير. قلت فلأبدأ بالعمل، صحيح أنا لست مونتيراً، لكنني بدأت أمنتج هذا الفيلم الذي انتظرته طويلاً على وفق شروطي الخاصة. أنا مخرج، ولكن ليس لدي امكانية لكي أدفع للمونتير فبدأت أمنتج بنفسي وبالتالي أنجزت الفيلم ومدته 26 دقيقة، وهو غير معروض في أي مكان حتى هذه اللحظة. أنا تُركت وحدي أتحمل مسؤولية المأساة، وقد وثقتها وحدي من دون استجابة أي طرف عراقي. إن السينمائي في المنفى بلا سند في الوقت الذي نحن في المنفى نشكل مؤسسة ثقافية هائلة جداً، وأنت واحد من هذه المؤسسة الكبيرة، ولكن هذه المؤسسة الثقافية لم يلمها أحد، وقد فرطوا بها كما ترى، وتركوها نهباً للريح. لم يُستثمر المثقف أو الشاعر أو المخرج أو الرسام في صناعة العراق الجديد كما يشاع، ومن المؤكد أنهم تركونا وحدنا في المنفى، ودخلوا العراق يتسابقون على الكراسي، وحتى عندما جلسوا على هذه الكراسي لم يكلفوا أنفسهم أن يسألونا ماذا يفعلون.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفنان ستار كاووش لـ - الحوار المتمدن -: أحب الموضوعات التي ...
- الشاعرة التونسية زهرة العبيدي لـ - الحوار المتمدن -: القصيدة ...
- موفَّق السواد في (أسرَّة الفتنة): مُخيّلة مشتعلة تستقطر عسل ...
- هادي ماهود في فيلمه التسجيلي الجديد - العراق وطني -: كوميديا ...
- مدخل إلى نصب الحرية - لعدي رشيد: تفتيت الحبكة، وتشتيت الأحدا ...
- الفنان الهولندي خيرت يان يانسن: أكبر مزوِّر في القرن العشرين ...
- فيلم - فيزا - لإبراهيم اللطيف الحاصل على التانيت الذهبي لعام ...
- المخرج عدي رشيد في فيلمه الجديد - غير صالح للعرض -: بنية الت ...
- - الرحلة الكبرى - للمخرج المغربي إسماعيل فروخي: عدسة مُحايدة ...
- فيلم - الأمير - لمحمد الزرن: يجمع بين النَفَس الكوميدي والوا ...
- - بغداد بلوجر - لسلام باكس:الفيلم الذي وُلِد مكتملاً، والمخر ...
- القصّاص الدنماركي الشهير هانز كريستيان أندرسون: في سيرة ذاتي ...
- السلاحف يمكن أن تطير لبهمن قباذي: مرثية موجعة للضحايا الصامت ...
- البرلمان الهولندي يعلن - الحرب - على التطرّف الإسلامي، ووزير ...
- في الدورة الـ - 55 - لمهرجان برلين السينمائي الدولي: جنوب إف ...
- الرئيس الأمريكي في خطابه الإذاعي الأسبوعي يؤكد على دحر الإره ...
- العميان سيشاهدون مباريات كرة القدم في ألمانيا
- الأميرة ماكسيما تؤكد على رؤية الجانب الإيجابي في عملية الاند ...
- قوانين جديدة تحد من إساءة التعامل مع الأطفال الهولنديين
- صورة محزنة لإعصار تسونامي تنتزع جائزة الصورة الصحفية العالمي ...


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - المخرج هادي ماهود: لم أكن سعيداً بفيلم - جنون - الذي فاز بجائزة تقديرية أسترالية، وقناة الجزيرة سطت على السيناريو الذي كتبته لفيلم - سندباديون-