سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 4024 - 2013 / 3 / 7 - 14:04
المحور:
الادب والفن
اتكأ على الحائط وأغمض عينيه، وبقي لحظات طويلة في هذا الوضع، وقبل أن يغلبه النعاس هب واقفا واتجه إلى النافذة المطلة على الشارع الذي يبدو صامتا ومعتما. فتح مصراعي النافذة ليدخل هواء المساء البارد، وأخرج رأسه مطلا ناحية اليمين حيث يمتد الشارع بعيدا حتى ساحة المدينة الرئيسية حيث تتناهى أصوات بعض السيارات القليلة، ثم إلى اليسار حيث المبنى الرمادي الكبير المضاء بنور مصفر وحيث لافتة كبيرة تلعب بها الريح مكتوب عليها "مركز شرطة المدينة". أقفل مصراعا واحدا من النافذة وترك الآخر مفتوحا وعاد واستلقى على السرير واضعا قدميه على الصندوق. نفس الصورة. يتبعها تكرار.
منذ مئات السنين مات الملايين من البشر، من أجل ملايين الأشياء. ماتوا من الحرب الغبية، بالسيوف بالحراب بالرصاص أو بالغازات السامة أو بالقنبلة النووية. وماتوا أيضا من الجوع والبرد، أو من أمراض التخمة والملل، وآخرون ماتوا بالصدفة ومن أجل لاشيء. وآخرون ماتوا من أجل أنفسهم، من أجل قضاياهم الشخصية أو العامة، القصة طويلة، والمنطق غائب، واللحظة الحاضرة مجرد سؤال .. هل نستطيع أن نموت من أجل الآخرين ؟؟ لايعرف الجواب ولا يريد أن يعرفه. فالعقل حجاب، كما ان الصحو حجاب. العقل مسافة وهمية، مساحة شاسعة تفصله عن الناس والأشياء. ويواصل السير ويدخل زقاقا طويلا معتما، مضاء بمصباح يرسل ضوءا باهتا على أرضية الشارع الترابية السوداء، ويتراءى له سكين صدئ مغروز في قلب الفراغ. تصفر ريح صحراوية مسافرة عبر الأزمان، ودقات قلب ينبض، وصوته وهو يصرخ: أنا سكين صدئ مغروز في هذا القلب، أنا حلم مستحيل التحقق، أنا داء يسري في الكون، أنا صدأ.. أنا صدى .. أنا عدم. نحرت نفسي بسكين صدئ أمام المرآة، وضعت رأسي تقطر دما على قطعة قماش صفراء وسط السوق.. فمن يشتري ؟؟ من يشتري هذه الرأس التي تنبعث منها رائحة الهزيمة ؟؟ هذه الراس المحشوة ببقايا الكلمات المكسرة الحواف، والمختلطة بغبار عشرات السنين ؟ من يشتري رأسا ملت الوجود، وفقدت الاتصال بباقي الجسد ؟ من يشتري رأسا للشواء ؟ لا أحد .. لا أحد في هذا العالم الملعون. علقت رأسي على بوابات العالم القديمة التي تفوح برائحة الثوم، وبوابات المدن الحديثة التي تنبعث منها رائحة البترول المحترق. على بوابات المدن المتعفنة التي فقدت أبوابها بفعل الريح وشياطين التجارة والليل والتاريخ. ثبتته بمسمار صدئ على اللوح الخارت .. وكتبت باصبعي الملطخ بالدم: هذه رأسي تنظر إليكم .. أنا موجود في البار المقابل!!
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟