اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني
الحوار المتمدن-العدد: 4019 - 2013 / 3 / 2 - 15:14
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
حول التقدم الاجتماعي
دراسة في جزأين
الجزء الأول:
إن تطور المجتمعات من وجهة نظر التاريخ يتجه في خط صاعد لولبي, و هو يعني الانتقال من الأشكال الدنيا إلى الأشكال العليا .
يستخلص هذا من التحليل العلمي للحوادث التاريخية , و هو لا يعتمد على الرغبات الذاتية, و إنما على مقاييس موضوعية دقيقة.
إن مقاييس التقدم الموضوعية تختلف باختلاف الميادين المختلفة, فمثلا مقياس التقدم الصحي يمكن معرفته بمتوسط حياة السكان في المجتمع المعني, و الكثير من الأمثلة حول ميادين الحياة الأخرى.
و من اجل الحكم على التطور الصاعد للحياة الاجتماعية بمجملها, تطرح الماركسية اللينينية الموضوعة العلمية عن (تطور القوى المنتجة).
إن تطور القوى المنتجة يشكل شاهد مباشر على التقدم في ميدان مهم للغاية, إنتاج وسائل حياة الناس.
و الناس بتطويرهم للتكنيك و إلمامهم بعادات العمل يتحررون بشكل تدريجي من سيطرة قوى الطبيعة و يخضعونها لهم, و تطور القوى المنتجة يحدد في آخر المطاف سيطرة الإنسان على الطبيعة, و يتوقف على تطور القوى المنتجة التقدم في ميادين الحياة الاجتماعية الأخرى في آخر المطاف.
عندما بدأ نشاط الإنسان في العمل يعطي منتوجا زائدا عن حاجة المنتج نفسه, تمكن جزء من أعضاء المجتمع أن يتحرر من العمل الجسدي و بدأوا بالتفرغ و الانشغال بالفن و الأدب و العلم و الفلسفة, و هذا أدى إلى إحراز نجاحات باهرة في تطوير الثقافة الروحية.
إن تطور القوى المنتجة- الذي هو شرط لتبدل التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية اللاحقة –يؤدي إلى جعل التقدم ممكن و ضروري في ميادين الحياة الاجتماعية السياسية, فخلال تاريخ المجتمعات الطبقية التناحرية ظهرت أكثر أنواع التبعية الشخصية قهرا, مثل العبودية, و بمقدار تطورها , أي القوى المنتجة, نمت الثقافة عن المنتجين المباشرين و نما وعيهم و تنظيمهم, و كلما انتقلت التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية إلى تشكيلات أكثر تقدما اشتد نال و دور الجماهير الشعبية, و زاد دورهم في حياة المجتمع.
إن تطور القوى المنتجة, يمهد في نهاية المطاف إلى تحرير الإنسانية بشكل تام من نير القوى الاجتماعية الغاشمة و المستغلة, و المقصود هنا العلاقات الاجتماعية الاقتصادية للنظام الاستغلالي, الذي لا يستطيع منتجي الخيرات المادية أن يتصرفوا بما ينتجوه, و يفقد الناس فيه حريتهم.
إن أساس استعباد الناس من قبل قوى اجتماعية غريبة عنهم يكمن في امتلاك حفنة من الأشخاص لوسائل الإنتاج, أي الملكية الخاصة لها, و في انقسام المجتمع إلى طبقات, و عندما تصل القوى المنتجة إلى مستوى رفيع من التطور يمكن للإنسانية أن تتخلص من العلاقات الاجتماعية الاقتصادية التي تستعبدها و القائمة داخل المجتمع المنقسم إلى طبقات.
إن إقرارنا بكون القوى المنتجة هو المقياس الحاسم للتقدم يؤدي بنا إلى استنتاج صيغة التقدم لتطور المجتمع و يطلع بدور ميتودولوجي (منهجي) في دراسة المجتمع دراسة علمية.
و من واقع أن تطور القوى المنتجة هو أساس التقدم الاجتماعي يستخلص استنتاج آخر : هو أن المجتمع في تطور مستمر و اتجاه تطوره ضرورة تاريخية, و هذا يعني انه لا يمكن لأفراد من الناس أو جماعات أن تقف حاجز أمام تطور المجتمع إلى الأمام وفقا لرغباتهم.
إن محاولات من هذا النوع جرت كثيرا و انتهت بفشل ذريع, و من مثل هذا الثورات المضادة , إن الثورات المضادة محكوم عليها بالفشل من وجهة نظر التاريخ, إلا أنها تنجح أحيانا لأسباب عديدة, مثلا القوى الاجتماعية التقدمية تكون في حالة ضعف شديد في تلك الحالة.
منظري البرجوازية أعداء التقدم:
إن البرجوازية المعاصرة بتحولها إلى طبقة رجعية, تخلت عن فكرة التقدم الاجتماعي التي دافع عنها ممثلوها في نهاية القرن الثامن عش, و و البرجوازية في أيامنا هذه تتجه نحو نظريات مستندة على الجمود و تخلف المجتمع, فهم ينكرون القوانين الموضوعية للتاريخ و يقترحون مفاهيم و نظريات كثيرة أمثال (الدورة التاريخية) و مفهومهم (البنيوي الوظيفي) للمجتمع, و (التبدل الاجتماعي).
فمثلا تنطلق فكرة التبدل الاجتماعي في المؤلفات السوسيولوجية للبرجوازيين في عصرنا الرهن حول الابتعاد عن أي حكم حول تطور المجتمع و الانحصار في ملاحظة (التبدل و التغير البسيط)و هكذا فان علماء الاجتماع البرجوازيين انطلاقا من مصالحهم الطبقية ينفون مفهوم التطور إلى الأمام , الخاضع للقوانين الموضوعية.
في مؤلفات المنظرين البرجوازيين, و حتى أيامنا هذه يحددون تطور الميادين الاجتماعية المختلفة بخصائص (الطبيعة الإنسانية) الخالدة السرمدية, و هنا يعزون أن العنف و الجريمة هي صفات فطرية في داخل الإنسان نفسه, و هكذا فان المصائب التي يولدها النظام الرأسمالي المتعفن تبرر في مؤلفاتهم و تلقى على أسطورة (الطبيعة الإنسانية الخالدة).
يدعو الكثير من منظري البرجوازية إلى العودة إلى عصور الإقطاع , و يعزون أسباب الخراب إلى التقدم العلمي التكنيكي, و يمكننا أن نرى هذا في كثير من مؤلفاتهم الفنية و الأدبية التي تتحدث عن مستقبل الإنسانية المظلم, حيث لا تجد الإيمان في المستقبل, و لا تجد التفاؤل بالحياة, حيث يتنبئون بالعودة إلى عصر الوحشية و يبشرون بخراب المدن و انهيار الحضارات .
إن التشاؤم المظلم يتخلل أيديولوجية البرجوازية المعاصرة و ثقافتها, و يظهر تيار منحط في الفن, و هذه النظرات القاتمة ليست تجلي لصدفة ما, فالنظام الرأسمالي يسير إلى نهايته, و تخرج شعوب العالم منددة به تطالب بإسقاطه, و تقوم الرأسمالية بسد الطريق أمام التقدم الاجتماعي..
إن النظرية الماركسية اللينينية تقف بحزم أمام هذه النظرات السوداوية للمشعوذين البرجوازيين, و تدرس أفكار تفاؤلية علمية و تقول بأن تاريخ المجتمع يمثل التقدم, و يتحرك موضوعيا من الأشكال الدنيا إلى العليا, إن هذه النظرة إلى التاريخ هي جزء هام لا يتجزأ من نظرة الطبقة العاملة و كل الفئات التقدمية, إلى العالم.
إن الطابع الموضوعي لحركة التقدم لا تعني طبعا أن هذه العملية تجري من ذاتها بمعزل عن نشاط الناس الواعي, فهذه العملية تمر من خلال نشاط الناس و الأحزاب التي تريد بناء المجتمع و تحوله تحويلا تقدميا, و كلما كان هذا النشاط واعيا و منظما أكثر و كلما كانت الجماهير مشتركة فيه بصورة أكثر فعالية كان التقدم أسرع.
إن الممارسة الاجتماعية بمجملها تؤكد أسس التفاؤل التاريخي لوجهة النظر الماركسية, و مفهوم التقدم الاجتماعي الماركسي اللينيني يمنح العمال و الفلاحين و كل الناس المعنيين بالتغيير سلاح جبار في النضال من اجل التقدم الاجتماعي.
اختلاف طابع التقدم الاجتماعي باختلاف التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية:
بالرغم من أن النظرية الماركسية اللينينية تؤكد أن تاريخ المجتمع يسير في خط صاعد حلزوني يتقدم إلى الأمام إلا أنها تأخذ بعين الاعتبار تعقيدات العملية التاريخية, فلا يمكن تصور العملية أنها متناسقة الى ذلك الحد من دون وجود عوائق, إن استمرارية التقدم الاجتماعي مثبتة تماما, و لكن ما قيل عن الحركة و التقدم الاجتماعي ما هو إلا سوى الاتجاه العام للتاريخ, و هو أي(التقدم) يتحقق عبر النضال القاسي و يشق طريقه عبر كثرة من التراجعات و الفشل.
فمثلا تقوم البلدان الرأسمالية المتقدمة تقدم البلدان المتخلفة, دول الأطراف, وكثيرا ما تدفعها للتراجع أشواط طويلة.
و يمكن الحديث أيضا عن تطور مختلف نواحي الحياة, فهو غير متساوي بشكل عميق, فمثلا, حلول المجتمع الإقطاعي في أوروبا الغربية محل العبودية فتح آفاق واسعة لتطور القوى المنتجة, و لكن من ناحية اخرى, خضعت الثقافة الروحية لنفوذ الكنيسة آنذاك و كبح التطور العلمي..
#اللجنة_الاعلامية_للحزب_الشيوعي_الاردني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟