|
حصاد الجماعات الاسلامية لغراس الانتفاضات الجماهيرية
عتريس المدح
الحوار المتمدن-العدد: 4017 - 2013 / 2 / 28 - 14:39
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
كتب الكثير من المحللين والمعلقين والكتاب حول أسباب جني التيارات الاسلامية لنتائج الانتفاضات العربية بسيطرة التيارات الاسلامية ونجاحها في الانتخابات في كل من مصر وتونس في الوصول إلى سدة الحكم والدولة، وتساءل هؤلاء كثيرا عن أسباب فشل اليسار في استقطاب تأييد الجماهير العربية إلى صفوفه، ويرى جزء من الجماهير أن لا غضاضة في سيطرة التيارات الاسلامية على السلطة وقيادة الدول. أنا هنا في هذه العجالة لن أحاول الإجابة على هذه التساؤلات ولن أحاول تحليل أسباب نجاح التيارات الاسلامية، فقد تصدى لذلك كثير من الكتاب ، ما أنا بصدده هنا محاولة لتلمس إجابة حول موضوع الجماهير التي ترى أنه لا غضاضة في سيطرة التيارات الاسلامية على السلطة وقيادة الدول، لكن قبل أن اصل لهذه الاجابه أرى أنه لا مناص من استعراض سريع لممارسات الجماعات الاسلامية في تاريخ البلدان العربية الحديث ، مع العلم أن هذا الاستعراض لن أقدمه موثقا بل هو جزء من انطباع شخصي لقراءات كتب ووثائق إضافة إلى ملاحظات ومشاهدات عينية . لنبدأ .. -إبان الاستعمار الانجليزي لمصر تشكل تنظيم الاخوان المسلمين بتمويل ودعم من شركة قناة السويس المملوكة في حينه إلى الاستعمار الانجليزي، ويذهب جل المؤرخين والكتاب إلى أن هذا الامر جرى بتواطؤ المخابرات البريطانية والقصر الملكي. - نجحت حركة الضباط الاحرار بطرد الانجليز والملك فاروق من حكم مصر وتوجه الضباط إلى بناء الجمهورية المصرية، طلبوا من الغرب شراء السلاح الحديث، وطلبوا منه أيضا تقديم الفني والتمويل لبناء السد العالي، بالمحصلة رفض الغرب تسليح الجيش المصري بالسلاح والعتاد الحديث، كما رفضوا تقديم الدعم الفني والمال لبناء السد العالي، بدأ عبد الناصر بالتوجه إلى المعسكر الاشتراكي من أجل السلاح والسد العالي، في تلك الفترة دخلت جماعة الاخوان المسلمين في حالة جذب وصراع مع جمال الناصر توجت بمحاولة إغتيالة . - تخلص السادات من معارضة القوى الوطنية والتقدمية واليسارية وصفى نفوذ الناصريين و أزاحهم من طريقه، و أزاح كل معارض في تلك الحقبة بما فيهم ضباط بالجيش المصري، برزت في تلك الفترة الجماعات الاسلامية وبدأت بهجوم على اليسار والنقابات والقوى الوطنية والناصرية واستخدموا السلاح الابيض السكاكين والهراوات والجنازير ضد الطلبة اليساريين والوطنيين في الجامعات المصرية، لم يتحرك النظام الساداتي ضدهم. -في صراع الغرب الامبريالي ضد المعسكر الاشتراكي وحركات التحرر في المنطقة العربية جرت محاولة من قبل الاطلسي لتشكيل حلف بغداد، تحركت الجماهير العربية بقياد الشيوعيين والقوميين والوطنيين ضد الحلف، في الاردن مثلا إستخدم النظام الملكي البطش والقمع ضد المعارضين وفتح السجون، في تلك الفترة برز قوى الاخوان المسلمين دون غيرها من الجماعات الاسلامية وسكتت عن محاولات تشكيل حلف بغداد بل لعبت دورا دعائيا وقمعيا وتعاونت مع السلطات الاردنية ضد المناضلين وكانت جماعة الاخوان المسلمين هي الجماعة السياسية الوحيدة التي تعمل بشكل علني بل كان لها أيضا مقرات ومكاتب. - في الضفة الغربية المحتلة بدأت الجماهير الفلسطينية في تنظيم صفوفها في الجبهة الوطنية لمقارعة الاحتلال تحت قيادة الشيوعيين، ونجحت لجنة التوجيه الوطني في السيطرة على معظم بلديات الضفة الغربية في مواجهة أزلام النظام الاردني ورجالات الاحتلال، بدأت الجماعات الاسلامية بتشكيل جمعيات رياضية واجتماعية وبدأت الاموال تتدفق عليها من النظام الملكي في الاردن، وغضت اسرائيل النظر عن تدفق هذه الاموال للجماعات الاسلامية التي بدأت تتشكل في جمعيات ، في تلك الفترة صرح أحد الجنرالات الاسرائيليين الذين حكموا قطاع غزة في كتابه العصا والجزرة بأن سلطات الاحتلال كانت تغض النظر عن تدفق هذه الاموال للجماعات الاسلامية لانها ستنافس القوى والتيارات الوطنية والقومية واليسارية الصاعدة وتشكل سدا منيعا أمام امتداد نفوذها وتأثيرها في صفوف الجماهير. -نجح الجيش والشعب الافغاني في اسقاط نظام الحكم الرجعي وتشكل نظام تقدمي هناك تلقى هذا النظام كل الدعم والمؤازرة من المعسكر الاشتراكي ومن حركات التحرر الوطني، ودخل الجيش الاحمر لترسيخ نظام الحكم التقدمي بعد أن بدأ الغرب الامبريالي ودول الخليج العربي الرجعية بتشكيل الجماعات الاسلامية والمقاتلين ( المجاهدين) وإرسالهم لاسقاط النظام التقدمي ولمحاربة الجيش الاحمر. - نشط الاسلاميون في الجامعات الفلسطينية ضد التيارات اليسارية والتقدمية، وبدأوا بحرب السلاح الابيض والجنازير ضد قيادات هذه التيارات ورموا بعض الاساتذه المعروفين بتوجاتهم اليسارية من الطوابق العليا، وصرح أمير الجماعة الاسلامية في جامعة النجاح والذي أصبح فيما بعد أحد المؤسسين لحركة حماس بأن الاولوية لقتال الملاحدة والسوفييت في أفغانستان على قتال أهل الكتاب ( القصد بأهل الكتاب هنا الاحتلال الاسرائيلي ) في فلسطين. -إندلعت في العام 1987 الانتفاضة الجماهيرية ضد الاحتلال الاسرائيلي وسارعت القوى الوطنية والتقدمية واليسارية غلى تشكيل القيادة الوطنية الموحدة كتكريس للوحدة الوطنية في الصراع الجماهيري ضد الاحتلال الاسرائيلي، جزء من عناصر الجماعات الاسلامية حاول الالتحاق بصفوف المناضلين في الاحياء والبلدات والقرى الفلسطينية، سارعت الجماعات الاسلامية بتشكيل تنظيم حماس والذي توجه منذ البداية للعمل منفردا رافضا الانضمام للقيادة الوطنية الموحدة ، فأصبح النضال الفلسطيني بقطبين كل يعطي توجيهاته وكانت توجيهات حماس دائما مناقضة لبيانات القيادة الوطنية بل و أرهقت بطلبات الاضراب المتكررة عاتق الجماهير الفلسطينية بالاضافة إلى أن جزءا من نضالات حماس تركز ضد بعض الاشخاص تحت حجج أخلاقية واهية، انعكس هذا سلبا على الجماهير، وأدى إلى اصطدامات بين القوى الوطنية والتقدمية من جهة وقوى حماس في المناطق التي كانت حماس تشعر فيها بأنها قوية. بهذه الاستعراض وغيره يوجد الكثير في التاريخ الحديث للشعوب العربية، وتعرفها التيارات التقدمية والوطنية واليسارية جيدا، أود فقط أن أبين بأن التيارات الاسلامية كانت في الخندق والشق الآخر لتوجهات القوى الوطنية والتقدمية واليسارية ، وبأن القوى اليسارية وبالذات في كل من مصر وتونس كانت مخطئة حين تحالفت مرحليا مع الجماعات الاسلامية، لا يوجد أحد يمكن له أن يتعايش مع أفعى سامة في بيته. نأتي هنا إلى محاولات تلمس لماذا نجحت القوى والجماعات الاسلامية الان من جني ثمار الانتفاضات والانتخابات في كل من مصر وتونس. لكن لنؤكد أولا بأن هذه الانتفاضات جاءت بشكل عفوي بعد أن فاض الكيل بالجماهير التي بلغ لديها السيل الزبى وتراكم لديها الاستياء والمعاناة الاجتماعية وبعد أن سدت أمامها الطرق بالحياة الكريمة والتخلص من القهر والاستبداد والقمع والديموقراطية، وبأن القوى اليسارية والديموقراطية لم يكن لديها أي دور في تفجير الانتفاضات بل لحقت بعد ذلك وحاولت قيادة الجماهير، ولم يكن لدى الانتفاضات والقيادات التي لحقت بها أية برامج سياسية أو إجتماعية أو مطلبية سوى التخلص من الحكام، لكن كيف ولماذا ؟ لم يرتق أحد من هذه القيادات في الوقت المناسب إلى مستوى الاحداث لبلورة ذلك. بالاستعراض أعلاه عاشت الجماعات الاسلامية تحت رداء المعارضة الناعمة الاستعراضية للسلطات الديكتاتورية بل وسمحت الجماعات الاسلامية للسلطات الديكتاتورية من استخدام الجماعات الاسلامية كبعبع لتخويف الحلفاء الغربيين والجماهير من تقدم هذه الجماعات للاستيلاء على السلطة، ورضيت هذه الجماعات على مر تاريخها بلعب دور الرديف المؤازر للسلطات الرجعية والتقدمية ضد الإتجاهات الديموقراطية واليسارية المعارضة، وتلقت كامل الدعم المالي والاعلامي والتواطؤ من قبل الحكومات الرجعية، بل وسمحت الحكومات والسلطات الاجتماعية لهذه الجماعات من إقامة مساجدها وجمعياتها وبناء حاضنات إجتماعية عبر الجمعيات الخيرية ولجان دفع وتوزيع الزكاة ولجان الاغاثة والتطبيب...إلخ. بالتزامن مع هذا كان المعارضة الديموقراطية واليسارية تتعرض للقمع الدائم والمستمر ولم يكن لديها أي دعم مادي ومعنوي ودعائي بل كانت تغلق مؤسساتها ولجانها فانعزلت عن الجماهير، إضافة إلى أن القوى اليسارية والتقدمية فقدت بانهيار المعسكر الاشتراكي المثل الاجتماعي عن الاشتراكية ، وتعدى الامر هذا إلى أن هذه القوى اليسارية والتقدمية أسقط في يدها و أصبحت يتيمة بعد أن ساورتها الشكوك بصحة النظرية والاهداف والايديولوجيا، إضافة إلى أن تكلسها الفكري والاجتماعي والتنظيمي لعب دورا سلبيا في تقديم الابداعات بالتعبير عن مطالب الجماهير. في ظل معمعان الانتفاضات الجماهيرية زاد تدفق أنهار المال على الجماعات الاسلامية من قبل دول الخليج ومن قطر تحديدا ، وحيث أن النظام لم يسقط بل سقط رأسه لم يكن بديلا للغرب الامبريالي وللقوى الرجعية والطبقية متواطئة مع العسكر في بلدان الانتفاضات سوى استبدال رأس النظام بهذه التيارات والتي لا تختلف من حيث المصالح الطبقية مع الانظمة القائمة وذلك عبر صناديق الاقتراع ، معتقدة بذلك إمكانية تصوير الامر لدى الجماهير الواسعة والعريضة بإنتصار للثورة. فهل إنتصرت الجماعات الاسلامية، مرحليا قد يكون الجواب نعم، لكن المرحلة هذه لم تنته بعد، وتيار الجماعات الاسلامية بفكر الديني والطبقي لن يقدم للجماهير شيء يخرجه من حالة الافقار وفقدان الامل بالمستقبل الزاهر والواعد، إذن الصدام قادم لا محالة فاذا ما استتب الامر للجماعات الاسلامية فلن يكون ذلك إلا بممارسة القمع والاضطهاد وصعود الفاشية الدينية، وسيكون هذا عكس جريان التطور والتاريخ ، لذا فحتمية سقوطه ستأتي لكن قد تكون بمخاضات عنيفة ومؤلمة.
#عتريس_المدح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا لم تتم المصالحة الفلسطينية حتى اللحظة؟؟!!!
-
ثورة..ثورة مضادة .. مع سوريا .. ضد سوريا.. كل هذا اللغط!!
-
الحل العادل والحل المنصف للقضية الفلسطينية بين اليمين واليسا
...
-
غضب الطبيعة والاحتلال الاسرائيلي
-
الهرطقة الصهيونية – الى يعقوب ابراهامي
-
سوريا الى أين ؟
-
الصهيونية اليسارية – مرة أخرى
-
الصهيونية اليسارية
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|