الخندق الغميق سهيل إدريس

رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 4016 - 2013 / 2 / 27 - 09:53
المحور: الادب والفن
    

الخندق الغميق
سهيل إدريس


هذه الرواية تتحدث عن فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي
وتدور أحداث الرواية حول عائلة مكونة من أب الذي يشغل وظيفة مؤذن في احد المساجد في مدينة دمشق، بالإضافة إلى تجارة متواضعة إلى حلب ، وثلاثة أولاد وبنت واحدة وألام، فتخبرنا الرواية بان الأب حريص على أن يشغل احد الأبناء وظيفة المشيخة، كاستمرار للإرث الأبوي في العائلة، ومن هنا يتم إرسال الابن سامي الذي لم يتجاوز الثانية عشر عاما إلى احد المعاهد الدينية ليدرس الأصول والعلوم الدينية، وها هو ويلبس الجبة والعمامة، ويبدأ في الذهاب إلى هذا المعهد وهناك يحدث ما لم يكن في الحسبان، حيث يلتقي برفاق له في المعهد ويتفقوا على الذهاب إلى السينما خفية عن دراية المعهد وعن دراية الأهل، فسامي لم يشاهد أي فلم في حياته، ومن هنا يشارك الرفاق في خططهم، لا انه ينكشف أمره عند الوالد ، الذي لا يتوانى عن توجيه اللوم والتأنيب له ومهددا إياه إذا أعاد الكرة إلى ذلك المكان "الذي يتفشى منه الفسق والفجور،" ويتكرر هذا الأمر مع مدير المعهد، الذي بدورة يقوم بتهديد سامي لهذا الفعل، تتطور الأمور مع سامي ورفاقه وتبدأ مغامرة جديدة تتمثل بمشاهدة إحدى الفتيات ومراقبتها من نافذة المعهد .
في العطلة الصيفية يقرر الأب الذهاب إلى إحدى القرى في رحلة استجمام هو والعائلة وهناك يلتقي سامي بمحبوبة سيماء وتبدأ مغامرة جديدة معها وينكشف أمره والفتاة ويخضع لعملية الحبس داخل المنزل إلا انه يستغل ذهاب الأهل من المنزل ويخرج من النافذة ويتسلق جدران منزل المحبوبة وهناك يلتقي بها بكل حرية وبعيد عن المراقبة، وتأخذهم نشوة اللقاء ولا يشعران بالوقت إلا بعد أن يحين موعد وصول الأهل، يحاول سامي العودة إلى منزله بنفس الطريقة التي دخل فيها إلا انه يقع من النافذة ويصاب بالكسر ويغمى عليه.
أما الأخ الأكبر فوزي فهو يمثل دور الأخ الذي يقلد الأب في كل شيء، ومن هنا كانت علاقته جيدة وأكثر انسجام مع الأب، إلا انه أيضا يحاول اكتشاف العالم الآخر من خلال الملاهي الليلة ويتم معاشرة المومسان وشرب المسكرات، ويتم كشف أمره من خلال سامي وألام الذين يعملان على إخفاء الأمر عن الأب، أما البنت فأنها تتفتح عيونها على صديق سامي الذي تعجب به ويعجب بها، ويبدأ في زيارتها في البيت من خلال أخيها سامي الذي يجمعهما معا من خلال درس الرياضيات، ثم تتطور الأمور إلى علاقة حب بينهما، أما الأب فانه يقف حائرا أمام هذا الوضع الذي يمثل هدم للأسرة، فيقرر الذهاب إلى حلب ويتزوج هناك، وعندما تعلم الأم بزواجه يصيبها انهيار، وهنا تأخذ أحداث الرواية التحول العكسي في مسيرة الأسرة، حيث يتصدى جميع أفراد الأسرة للأب ويخضع لهم ويطلق زوجته الحلبية، ويقرر سامي خلع الجبة والعمامة، وتقرر البنت ترك الحجاب وعدم ارتداده، وتخرج كاشفا شعرها، وهنا يحدث الانقلاب الثاني مع الأب الذي يصاب بجلطة توقفه عن الحركة والكلام، إلا أن الابن سامي والابنة يرفضان العودة عن قرارهما والخضوع للأب حتى وهو في حالته المرضية المزمنة، ويبقى الأب طريح الفراش إلى أن يتوفى .
هذا تلخيص مكثف لأحداث الرواية التي تمثل أحداثها دعوة إلى التحرر والحرية والانعتاق من كافة التقاليد والمفاهيم الأخلاقية والدينية، فقد جعل الكاتب الثمن باهظ جدا ـ حياة الأب ـ كما أن مفهوم الحرية عند إدريس كان شكلا أكثر منه جوهرا، بمعنى أن اهتمامه منصب على الشكل وليس الجوهر، كما كان متطرف جدا في طرحة، فليس هناك موقف ـ يترك الأب يحتضر والأولاد بهذه القساوة ـ ونعتقد بان السبب في ذلك يعود إلى فكرة تقليد الغرب في تلك الفترة من الزمن بكل ما فيه من سلبيات و مشاكل اجتماعية، فهو يعتقد بعدم إمكانية تحرر البنت بدون خلع الحجاب، وبعدم عصرية الرجل إلا بعد ارتداء الملابس الأوروبية الحديثة . إن طريقة الطرح هذه، تفكك وتدمر المجتمع، ولا يمكن لها أن تكون طريقة حداثة أو عصرنة المجتمع أو الأفراد، إننا أمام فكر هدام ومدمر لا يمكن أن بأخذنا إلى الأمام بتاتا، ومثل هذا الطرح يدفعنا إلى الجحيم الأرضي قبل الجحيم السماوي، إننا أمام عمل يدعو إلى التخلي عن كل ما لدينا لصالح التقليد فقط ليس أكثر من ذلك، فهو يبتعد كثير عن أفكار الحرية والطريق السليم للوصول إليها .
إن إدريس لم يقنعنا بالأسباب التي كانت وراء انحراف الابن الأكبر فوزي
بهذا الشكل المتطرف، كما أن عودة فوزي إلى جادة الصواب ـ بعد زواج الأب ـ كانت على طريقة الميلو دراما أكثر منها واقعية .
من هنا فإننا متأكدون لو أن سهيل إدريس كتب هذا العمل الآن لتخلى عن هذا الأسلوب الذي يدعونا لنزع جلودنا، ولتخلى الكاتب عن الكثير من الأطروحات التي يدعو إليها، غير أن العمل يعبر عن فترة الخمسينات والعقلية التي كانت تركض خلف كل ما هو غربي، كما إن الأدباء في تلك الفترة اتجهوا إلى المواضيع التي تهم الأسرة تحديدا، ومن الذين كتبوا في هذا الموضوع عبد الحليم عبد الله، الذي أسهب كثيرا غب هذا الموضوع.
قد خرج سهل إدريس عن أسلوب الراوي الذكري وإعطائها فصلين كاملين لأخت سامي لتروي الأحداث، وهذا الأسلوب يتفق مع الأفكار التي يطرحها الكاتب تحرر المرأة وإعطاءها دور فال في المجتمع.

رائد الحواري

#رائد_الحواري (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات