الاب يوسف جزراوي
الحوار المتمدن-العدد: 4012 - 2013 / 2 / 23 - 19:38
المحور:
الادب والفن
ديك لا يصيح أبعد من حيّه
مُصيبة البعض منّا أنهم عندما يطالعون نصًا أو كتابًا أو مقالاً تراهم يقرأون بعيونهم ولا يقرأون بفكرهم مُستندين إلى التساؤل والتحليل والفهم والإستيعاب.
هناك من يقرأ النص للوهلة الأولى ثم تراه يدلو بدلوه. وهناك من يقرأ النص ويتبناه دون أن يتسائل ما الذي مسه وما الذي ينطبق عليه؟ألستم معي أن قلت: إنَّ القراءة السريعة تعمي صاحبها وتحجب الرؤية عنه وتعيق فهمه لمضامين الأفكار؟
أشجع الناس على القراءة اليومية، ولكنني أريدها قراءة التأمل والفهم والإستيعاب، كي تُساعد القارئ على هظم الأفكار والخبرات الحياتية للكاتب، للخروج بخلاصة تكمنه من تقوّيم مسار الحياة.
للكاتب مُعاناة عديدة، لعل أهمها، معاناته من أنعدام الحرية الفكرية، فالكاتب يُعاني مجموعة من الضغوط الإجتماعية والسياسية والمالية التي تشله أو تدفعه إلى دفن نتاجه الفكري أو الأدبي، لأن مساحات الحرية الفكرية معدومة في بلداننا الشرقية، وباتت محدودة لدى القرّاء.
معظم الكُتّاب في الشرق هم أناس مفلسون ماديًا، لأسيما في العراق! الفنانون والمبدعون والكُتّاب والأدباء والشعراء والرياضيون أهم أفقر الناس مادة. لماذا؟! لان الأدب والكتابة لا تعد موردًا للعيش كما هو الحال في الغرب، ولم تعد مصدرًا للتأثير على فكر القارئ كما كان في السابق، والسبب في ظني يعود على الحكومات وإلى نوعية القرّاء الذين يقرأون دون فهم وإستيعاب.
في بلداننا العربية قد يعاني الكاتب ذو الكلمة الحُرة ما يعانيه من جراء ما يكتبه، أو يعاني من إنتقاد الجهلة وذوي الآفاق المحدودة، أو محاربة الحكام والسلاطين والساسة. الأديب الغربي حُرّ في صياغة افكاره ورسم صوره الأدبية والمعاني الفكرية. حرّ في بلد حرّ، ولكن الأديب العربي هو أديب غير حُرّ في ظل حكومة لها مساحات من الحرية المطلقة في مصادرة أدبه وإجتثاث افكاره.
ناهيك عن معاناة الأديب العربي من بعض النقاد الذين يجدون في نتاجه الفكري والأدبي مادة دسمة لأنتقاده، علهم بإنتقادهم له ينالون جزءً من شهرته! هؤلاء النقاد الذين يتصديون بالماء العكر يكادون هم الوحيدون الذين ينتقدون ويطلقون الأحكام النهائية على شاكلة "محاكم التفتيش"!!، بينما يجب أن يتجسد دور الناقد في أضاءة درب الكاتب وتوجيهه بعد أن يتم الأستفسار منه حتّى يتم الفهم. ولكن غالبًا ما يكون النقد نابعًا من الغيرة والحسد أو لتصفية الحسابات الشخصية، أو لغرض الشهرة.
وبعض (أنصاف الكُتّاب) يوزعون (شيكات فكرية) بلا رصيد، فالبعض منهم يوظف نفسه كاتبًا دون أن يكتب فكرة أو خبرة ذاتية من عصارة فكره وتأمّلاته، وأن كتبوا فتجد كتاباتهم خالية من الفكرة والمضمون وبعضهم الآخر عندما تقرأ لهم تجد نفسك في قرف مما يكتبون!! وهناك كُتّاب ملؤ أقلامهم بالسموم بدلاً من الحبر لكي يكتبوا ما امُليَ عليهم. وما أكثرهم اليوم!!
حياة الكاتب وأن لبس الذهب والحرير وكتب للسلطان، وأن طبقت شهرته الأفق، تظل محفوفة بالمخاطر ومقرونة بالمعاناة ومبتسمة للألم، ففي معظم بلداننا تجد الحكومات تضع رقابة على ما تكتبه وتدقق في سيرة قلمك، كلماتك ومواقفك، أفكارك! تارة يفسرون الكلمات كما يحلو لهم، وتارة أخرى يقتصوا من كلماتك كي تخلو
الفكرة من المعنى المراد لها!
لقد أخفق بلدي شأنه شأن الكثير من البلدان العربية في حبّ وتقييم مبدعيه ودعم وتسويق إبداعاتهم في كافة الميادين، فأدركت أنّه لاجدوى من أن تكون كاتبًا أوأديبًا أومُفكرًا أومحاضرًا أو رياضيًا أو فنانًا أونجمًا أو موسيقيًا.... في بلد أو مجتمع أو نظام سياسي وإجتماعي لايساعدك أن تكون كما تريد أن تكون، بل يُطالبك ان تسير مع التيار.
وربما معظم مُبدعينا وجدوا في بلدان الغرب ملاذًا آمنًا يحترم حريتهم الفكرية والأدبية والإنسانية، إذ هنالك مؤسسات وأشخاص تقيمهم وتقيم وزنًا وحسابًا لهم ولإبداعاتهم لتعزز فيهم الطموح والتواصل على الإنتاج والإبداع وتسوق ابداعهم. بينما كان ولايزال الدعم في بلداننا محدودًا، دعم يجعل منك ديكًا لايصيح أبعد من حيّه!
ورغم الدعم وسرعة الإنتشار الذي نتلقاه من بلدان الغرب، ولكن ما الفائدة إذ كان البلد الغربي يحفز فيك الإبداع ويساعدك كي تكون كما تريد، كاتبًا،أديبًا،مُفكرًا.... دون أن يكون لك وطنًا يثمن إبداعك ويُثني عليه، ويحترمك ويقيمك ويفرض على الاخرين واجب أحترامك وأحترام نتاجك الأدبي والفكري والثقافي والفني والعلمي والرياضي، لأنني من المؤمنين أن الأديب بل أي مبدع يستمد حجمه الدولي من حجم بلاده وقيمته الأدبية فيها.
الأديب يُمني النفس بأن تنغرس بصماته (كتاباته، أفكاره، أدبه ) في أذهان القرّاء وفي كل بلد قرأت فيه كتاباته وأنتشرت أفكاره. كتاباته هي اضاءات تُضيئ ليالي الحياة بقناديل الإبداع وبثمار عطائه التي ستقطفها الإجيال لتتذوق مذاقها بعد غروب شمس حياته..... لاننا في الغالب لا ننتبه إلى مبدعينا الى حين يتوارون عن أنظارنا برحيلهم إلى العالم الآخر.
#الاب_يوسف_جزراوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟