أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جورج حداد - المسيحية قبل وبعد ميلاد السيد المسيح















المزيد.....



المسيحية قبل وبعد ميلاد السيد المسيح


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 4012 - 2013 / 2 / 23 - 14:40
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



المسيحية قبل وبعد ميلاد السيد المسيح
(المنعطف التاريخي الاساسي نحو تشكيل الامة العربية)
جورج حداد*

)مثلت الحروب البونية (بين روما وقرطاجة، والتي انتهت بالتدمير التام لقرطاجة) نقطة التحول التام والنهائي من المرحلة المتأخرة للمجتمع المشاعي البدائي الى مرحلة المجتمع العبودي الذي جسدته روما تماما واستعبدت بموجبه شعوب العالم المتحضر القديم. وظهرت الديانة المسيحية (الايمان بمجيء المسيح ـ المخلص) كرد فعل على انتصار روما والمجتمع العبودي، وكشكل من اشكال النضال الانساني ـ الاجتماعي ـ السياسي ـ الايديولوجي ـ الديني ضد العبودية الرومانية وضد ملحقها وخادمها الاستغلالية والفسادية اليهودية. وانتشرت العقيدة المسيحية اول ما انتشرت في البلدان التي تعرف اليوم بـ"الوطن العربي الكبير"، وكان لها الفضل الاول في تقريب شعوب تلك البلدان وتآخيها في الاطار الديني المسيحي، مما مهد لبلورة وظهور الامة العربية لاحقا. وهذا البحث المتواضع يحاول ان يلقي الضوء على هذه العملية التاريخية، التي هي من اكبر العمليات الحضارية في التاريخ والتي تؤكد ثلاث حقائق جوهرية: الاولى ـ حضارية الامة العربية. والثانية ـ ان الامة العربية ولدت في الكفاح ضد الاستعمار والاستعباد الاوروبي والفساد اليهودي. والثالثة ـ ان المسيحية هي الاس الاساسي لولادة الامة العربية.(


في الـ25 كانون الاول من كل سنة يحتفل العالم المسيحي (بما فيه العالم العربي) بذكرى ميلاد السيد المسيح ومن ثم بدء السنة الميلادية الجديدة. واصبح يغلب على هذه المناسبة الطابع الاحتفالي، الطقسي والانشراحي، حيث تقام الصلوات التقليدية وتتم السهرات وتبادل الزيارات والتهاني والتمنيات بالصحة والسلامة والتوفيق. وفي البيئات المسيحية ـ الاسلامية المختلطة، يتم تبادل التمنيات الشكلية والتأكيد الكلامي على التعايش الاسلامي ـ المسيحي. ونظرا لسيادة "الثقافة" المملوكية والعثمانية، التي لا تزال تعشش في بعض الجماجم الفارغة وتجرجر اذيالها منذ مئات السنين، فإن بعض المتاجرين بالدين الاسلامي، ولا سيما في المواقع السلطوية والنافذة، وخصوصا بعض التكفيريين، لا يجدون غضاضة في تمنين المسيحيين باستمرار وجودهم في "المنطقة الاسلامية" طوال الحقبات الماضية. وبعضهم يرفع شعار طرد المسيحيين من بلاد العرب، ويعمدون الى تفجير الكنائس والاديرة والى قتل رجال الدين والمواطنين المسيحيين، ويدعون ويتصرفون وكأن المسيحيين هم "ضيوف" على الاكثرية الاسلامية، وليسوا اكثر من "جاليات غريبة وغربية" و"محميات اجنبية" و"تفاصيل" متخلفة عن "المسألة الشرقية".
ولضمان استمرار وجودهم، فإن المسيحيين التقليديين في مختلف البلدان العربية، هم ملزمون عمليا بأن يدعموا السلطة القائمة، ولو كانت سلطة صدام حسين او سلطة الاحتلال الاميركي وعملائه في العراق، والا أفلتت عليهم العصابات المسعورة المتجلببة زورا بالاسلام، لاقتلاعهم من جذورهم الضاربة في هذه الارض منذ آلاف السنين قبل ظهور المسيحية والاسلام. وهذا هو "الدرس" الاساسي الذي أريد تلقينه للمسيحيين المصريين والعراقيين والسوريين، في التفجيرات الاجرامية التي تعرضت لها بعض الكنائس والاحياء المسيحية في مصر والعراق وسوريا. اي: اما ان يكون المسيحيون مع السلطة العميلة لاميركا، ويحملون السلاح دفاعا عن انفسهم، من خلال الدفاع عن اميركا واسرائيل، واما ليرحلوا الى اميركا والغرب، واما... القبر والقهر! وفي سوريا المجاورة دست في بعض المظاهرات التي تقوم بها المعارضة المشبوهة شعارات مثل "المسيحي عا بيروت".
وفي الاجواء الاحتفالية الشكلية لعيد الميلاد، من جهة، والسياسية والامنية المشحونة، من جهة ثانية، تضيع المدلولات الدينية والتاريخية القيّمة لميلاد السيد المسيح.
ونحن نترك لرجال الدين المسيحي الصادقين التعامل اللاهوتي مع ضياع المدلول الديني ـ الروحاني لهذا العيد، وتحويله الى مناسبة كرنفالية تجارية لنشر التهتك والعربدة والاباحية والدعاية التجارية وتسويق السلع وعلى رأسها سلعة اللهو والاستعراض واستهلاك المسكرات والمخدرات والعاهرات.
ولكننا ـ كمواطنين في هذا العالم المجنون، ولا سيما كمواطنين عرب ـ نرى من الضروري التوقف عند ضياع المدلول التاريخي لرواية ميلاد السيد المسيح، ومجزرة قتل الاطفال في منطقة بيت لحم وجوارها، وهرب العائلة المقدسة واختبائها في مصر.
ونسمح لانفسنا ان نقول، امام تعجب من يريد ان يتعجب ونحن بدورنا نضع على تعجبه الف علامة تعجب والف علامة استفهام، انه خلال ما يسمى "الحروب الفونية" كان من الممكن لتلك الحروب ان تنتهي بتدمير روما، لولا التعفف الافلاطوني ونكاد نقول "المسيحي" (بالمعنى الاخلاقي) لهنيبعل. ولكن الامتناع "المسيحي!" لهنيبعل عن تدمير روما فتح الطريق لروما كي تقوم هي لاحقا بتدمير قرطاجة (146 ق.م) وبيع من تبقى من اهلها أحياء للنخاسين (وجلهم من اليهود) كي يقوموا بدورهم ببيع القرطاجيين الاشاوس كعبيد.
وبعد تدمير قرطاجة، اتخذ النضال ضد طغيان روما شكل ثورات العبيد. وبعد سحق الثورة الثالثة بقيادة الاغريقي او السلافي سبارتاكوس (71 ق.م)، اتخذ النضال ضد روما شكلا جديدا، نضاليا ـ اخلاقيا ـ دينيا، تمثل في انتشار "العقيدة المسيحية" (الايمان بمجيء "المسيح ـ ابن الانسان" الذي سيقضي على العبودية والظلم ويقيم العدالة ويساوي بين البشر).
وإن الرواية الانجيلية عن ميلاد السيد المسيح وتداعياتها هي تعبير ديني عن اول حركة تاريخية كبرى، اجتماعية وقومية، في طريق التكوين اللاحق للقومية العربية والامة العربية.
فالمنطقة الكبرى التي نسميها اليوم "الوطن العربي الكبير" وتقطنها "الامة العربية" الواحدة، كانت قبل ميلاد المسيح، تتألف من عدة بيئات طبيعية ومحاور اجتماعية ـ حضارية مختلفة، اهمها (كعناوين كبرى): المغرب العربي الكبير، وادي النيل، سوريا الطبيعية (فينيقيا وكنعان)، جنوب وشمال شبه الجزيرة العربية والخليج، ما بين النهرين (العراق). وقد نشأت في القديم في هذه المنطقة المترامية والمتنوعة حضارات متميزة، لها شخصيات او هويات مستقلة ابرزها: الحضارة القبطية (المسماة: فرعونية، وهي تسمية خاطئة تماما لانها تسمي شعب وبلد باسم الحكام، كما هي تسمية "السعودية" اليوم، وهي تسمية لا مدلول حضاري ـ تاريخي فعلي لها، الا عرفا ومجازا)، الحضارة الفينيقية، حضارة اليمن وشبه الجزيرة العربية، حضارة ما بين النهرين. كما نشأت فيها العديد من الدول التي تركت بصمات لا تمحى في التاريخ والحضارة العالميين. ونذكر منها، بدءا من شمال افريقيا: نوميديا، قرطاجة، الدولة المصرية، الدول الفينيقية، الدولة النبطية، الدولة التدمرية، دول اليمن وشبه الجزيرة العربية، الدولة العراقية. وكانت الصفة المميزة لتلك الدول هو استقلالها بعضها عن البعض الاخر، حتى حينما تكون لها لغة واحدة (كالدول ـ المدن الفينيقية، او دول الخليج وشمال شبه الجزيرة العربية)، وعلى العموم فإنه كانت لكل من تلك الدول: لغتها، ومجتمعها واقتصادها وديانتها، ونظامها السياسي وبنيتها العسكرية. وبحكم الجوار الاقرب او الابعد كان يتم التعاون والتبادل التجاري والحضاري بين تلك الدول. ولكن، وبالرغم من التلاقي والتفاعل والتآخي بين شعوب تلك المنطقة، و"بفضل" تناحر انظمة الحكم والطبقات المالكة السائدة، فإن الطابع المميز للعلاقات بين تلك الدول كان التحاسد والتناحر والعداء المستتر او المكشوف، وكانت تحارب بعضها بعضا، وتسبي شعوب بعضها بعضا، وتأخذ سكان بعضها بعضا عبيدا. ولعل ابشع ما يمكن ذكره على هذا الصعيد هو: ان عددا من الدول ـ المدن الفينيقية قد ضمت اساطيلها الى اسطول الاسكندر المقدوني لدى حصاره واحراقه مدينة صور (وقد جاء في موقع "يا صور" http://www.yasour.org : ان مدن ارواد وجبيل وصيدون ورودس ضمت اساطيلها الى اسطول الاسكندر). كما ان ماسينيسا ملك نوميديا الامازيغية (الذي يعتبر بطلا قوميا تاريخيا لدى الامازيغ في شمال افريقيا) قاتل الى جانب القائد الروماني "سيبيون الافريقي" ضد جيش هنيبعل في معركة زاما التي هزم فيها هنيبعل (202ق.م)، والخيالة الامازيغ هم الذين باغتوا جيش هنيبعل وسحقوه لصالح روما. وقد "كافأت" روما فيما بعد البربر (الامازيغ) بأن استعبدتهم هم ايضا بعد تدمير قرطاجة في 146ق.م. واستعباد اهلها الاماجد. ومع ان روما كانت تكره اكثر ما تكره قرطاجة والقرطاجيين، الا انها جعلت من اسم "بربري" مرادفا لصفة "همجي" و"متوحش" لاطلاقه على العبيد، من اجل "التبرير الاخلاقي" للاستعباد. وصار الرومان يسمون العبيد القرطاجيين انفسهم "برابرة" لتبرير استعبادهم ايضا.
وبظهور الشكل الاولي لـ"المسيحية"، اي مسيحية ما قبل مجيء المسيح، او مسيحية التبشير بحتمية مجيء المسيح "ابن الانسان"، وحتمية انتصاره على الموت وعلى العبودية الرومانية وعلى النخاسة (التجارة بالعبيد ـ بالانسان) اليهودية، ودعوته لتحرير لجميع شعوب العالم، ودعوته الى اقامة "ملكوت السموات" على انقاض انظمة العبودية واستغلال الانسان المتحيون للانسان المخلوق على صورة الله ومثاله، ـ نقول بظهور المسيحية الاولى (الدعوة لحتمية مجيء المسيح ـ المخلص) ظهرت اول "جماعة منظمة" اخلاقية ـ اجتماعية ـ ذات مدلول ومفعول سياسي (ذاتيا وموضوعيا) ـ وذات لحمة ايديولوجية/دينية/سماوية (فوق بشرية)، تبشر وتنادي بوجود "قوة خالقة" فوق الامبراطور او الملك او الطبقة السائدة او الجيوش "الارضية!"، وان هذه "القوة الخالقة" ستتجسد كبشر، لتنتصر على العذاب بالعذاب، وعلى الموت بالموت، ولتحرر كل البشر من الخطيئة ومن العبودية التي هي تجسيد للخطيئة وعقاب عليها.
وقد انتشرت هذه "الدعوة" او "الجماعة المنظمة المسيحية" صاحبة هذه الدعوة في ثلاث دوائر كبرى هي:
ـ1ـ الدائرة "العربية" (نقول "العربية" بشكل مشروط، عن تلك المرحلة، حتى لا نقع تحت مقصلة بعض "العروبيين" السخفاء و"ابناء عمومتهم" من اليهود السفلاء)، التي امتد فيها الانتشار "المسيحي القديم" (قبل ميلاد المسيح) من شواطئ البحر الابيض المتوسط، الى شواطئ المحيط الاطلسي، الى شواطئ البحر الاحمر، الى شواطئ المحيط الهندي، الى شواطئ الخليج العربي. (يوجد دراسة قيمة في شكل كتاب للباحث والمؤرخ العراقي فاضل الربيعي بعنوان "المسيح العربي، النصرانية في الجزيرة العربية والصراع البيزنطي ـ الفارسي". ويعتبر فاضل الربيعي انه يوجد شكلان للمسيحية وهما ما يسميه: النصرانية (مسيحية عيسى بن مريم) والمسيحية الرسولية (نسبة الى بولس الرسول). وهو يعرض لانتشار "النصرانية" في اليمن والجزيرة العربية والعراق والشام. ويستنتج من هذا الكتاب ان "النصرانية" ذابت في "الاسلام"، وان المسيحية الراهنة (التي تقول بالمسيح ابن الرب والمسيح ـ الاله) هي المسيحية "الرسولية"، علما ان "العامة" درجت على المطابقة بين "النصرانية" و"المسيحية"). ونحن لا ندخل هنا في نقاش مع فاضل الربيعي. ولكن ما يهمنا هو ان باحثا ومؤرخا رصينا مثله يؤكد انتشار المسيحية ("النصرانية") في الجزيرة العربية والعراق والشام.
والعامل الاساس في انتشار "المسيحية القديمة" في هذه الدائرة هو التقارب النَسَبي ـ العنصري وبالاخص التقارب اللغوي والحضاري بين الشعوب الاساسية في هذه المنطقة. والكثير من المؤرخين يعتبرون ان هذا التقارب يعود الى جذر "قومي اصلي" واحد لتلك الشعوب هو: الامة العربية القديمة ـ الام، واللغة العربية القديمة ـ الام، التي تطلق عليها بعض التسميات غير دقيقة السمات مثل: العرب العاربة، او اللغة السامية ـ الام. وقد ساعد هذا التقارب النَسَبي ـ العنصري والحضاري على انتشار اللغة الارامية (اللغة التي تكلم بها وبشر بها السيد المسيح) في كل تلك المنطقة في مرحلة تاريخية معينة. وكان ظهور المسيحية الاولى (الدعوة الى الايمان بمجيء المسيح ـ المخلص وانتظار ظهوره) كدعوة وكتنظيم سري حديدي معاد للسلطة الرومانية، محفزا رئيسيا لتشديد التقارب بين شعوب المنطقة "العربية" الشاسعة. وفي مسار تاريخي لاحق، بعد ميلاد السيد المسيح وانتظام الحركة المسيحية وتوسعها، فإن هذا التنظيم تمخض عن ظهور الكنيسة (التي قاموسيا تفيد معنى مرادفا او قريبا من: "الجماعة"، "الجامع"، "المجموعة" ، التجمع", الخ.). وقد كسر ظهور الجماعة المسيحية، ومن ثم الكنيسة الجامعة، كل اشكال العداء القديمة بين دول وشعوب المنطقة. وبوجود الكنيسة المسيحية الشرقية ("العربية") وجد لاول مرة في التاريخ رابط "مجتمعي"، اخوي، منظم ومتين بين تلك الشعوب. ولعلنا لا نخطئ اذا قلنا ان هذا الرابط، اي "المسيحية الشرقية "العربية" وكنيستها (جامعها، او جامعتها) هي المدماك المنظم المتين الاول لظهور الامة العربية والقومية العربية الكبرى في المسار التاريخي اللاحق. وبعض "الاسلاميين!" المزيفين والتكفيريين الذين يناصبون اليوم المسيحية والمسيحيين العداء، انما يعملون ـ بوعي او بدون وعي ـ الى تدمير الاساس الاول والامتن للعروبة والامة العربية والقومية العربية والحضارة العربية، وبالتالي هم يعملون ـ بقصد او بغير قصد ـ لالغاء وجود الامة العربية عن الخريطة الحضارية والتاريخية للعالم، لصالح "الاسلام!" المزيف "العثماني" او "الجنكيزخاني" او "التيمورلنكي" .
ـ2ـ الدائرة الثانية التي انتشرت فيها "الدعوة" و"الجماعة المنظمة المسيحية" هي: الدائرة الهيلينية، التي امتدت من ليبيا ومصر وسوريا، الى كيليكيا وارمينيا وجورجيا والقوقاز، الى انطاكيا واسيا الصغرى، والى بلاد البلقان (الاغريق والمقدون والالبان والبلغار والصرب والكروات).
والعامل الاساس في انتشار "المسيحية القديمة" في هذه الدائرة هو التفاعل بين الحضارة الاغريقية والحضارات الاقليمية القبطية و"السورية" و"العراقية"، وهو التفاعل الذي نشأت عنه الحضارة "الكوسموبوليتية" التي سميت تاريخيا "الحضارة الهيلينية" او "الهلينستية"، التي تنطلق من الحضارة الاغريقية ولكنها لا تتطابق معها كما يعتقد البعض بل هي اوسع واغنى منها بكثير.
وتجسد الاساطير الاغريقية التفاعل الحضاري في اطار الهيلينية. ومن هذه الاساطير اسطورة تقول ان زيوس كبير الآلهة الاغريق خطف "اوروبا" ابنة الملك الفينيقي اجينور وتزوجها، واطلق الاسم الفينيقي "اوروبا" على القارة الاوروبية. وتقول اسطورة ثانية ان "نختنبو" اخر فراعنة مصر الذي طرده الفرس من بلاده هرب الى مقدونيا، وكان ساحرا، وقد التقى والدة الاسكندر الاكبر وكانت عاقرا، فخدعها بأن كبير الآلهة زيوس سيضاجعها بصورة افعوان كي تحمل، وقام هو بمضاجعتها بهذه الصورة فولدت الاسكندر. ولهذا يسمى الاسكندر احيانا "ابن الالهين"، زيوس والفرعون الهارب، باعتبار ان المصريين القدماء كانوا ينظرون الى الفرعون كإله.
ومن ابرز الامثلة الحضارية ـ التاريخية على التفاعل الحضاري لشعوب المنطقة مع الحضارة الاغريقية، مثلان هما:
الاول ـ اخذ الابجدية الفينيقية من قبل الاغريق، وتأسيس الابجدية الاغريقية عليها (ومن الابجدية الاغريقية أخذت الابجدية "الكيريلية" التي اشتقت منها كل الابجديات السلافية، من جهة، والابجدية اللاتينية التي اشتقت منها غالبية الابجديات الاوروبية من جهة ثانية. ومن تاريخ نشوء الابجديات ذاته نجد الانشقاق الى شرق ـ غرب، ونجد الصلة الوثيقة بين الشرق العربي والاغريق والسلافيين (الروس والبلغار والصربيين الخ).
والمثل الثاني الكبير هو ظهور الفلسفة الرواقية التي اسسها الفيلسوف زينون الفينيقي (335 ق.م ـ 264 ق.م) الذي ولد في قبرص وعلم في اثينا. وقد دعت الرواقية الى رفض الاستغلال والظلم والعبودية، والى سيادة الاخلاق والحرية والتآخي البشري كقوانين طبيعية فوق القوانين المدنية. ومن وجهة نظر فلسفية ـ فكرية ـ ايديولوجية، فإن الرواقية مهدت لظهور وانتشار المسيحية و"تسلحها الفكري". ومن هذه الزاوية نظر يمكن اعتبار الرواقية انها المقدمة الفلسفية والفكرية و"الام المرضع" للمسيحية القديمة. وانا شخصيا اميل الى الاعتقاد ان تعفف هنيبعل عن مهاجمة وتدمير روما بعد السحق الكامل لجيشها في معركة كاناي (216 ق.م) انما يعود الى تأثره بالمبادئ التي كانت تدعو اليها الفلسفة الرواقية. وهنيبعل كما هو معروف كان على اطلاع على الفلسفة والثقافة الاغريقيين. وكان معلمه الاغريقي ملازما له.
ـ3ـ الدائرة الثالثة لانتشار "الدعوة" و"التنظيم" المسيحيين هي: الدائرة السلافية (الروس والاوكران والبلغار والصرب والكروات وغيرهم). وقد اضطلع البلغار بدور مركزي كناقل رئيسي في هذه الدائرة، فيما اضطلع الروس بدور الجسم الاكبر والثقل الاساسي في هذه الدائرة. ويمكن رسم الخط البياني التالي: من المسيحيين العرب (من سوريا الطبيعية اكثر تحديدا) انتقلت الدعوة والتنظيم المسيحيان الى الاغريق، كما انتقلت الابجدية. وعن الاغريق اخذ البلغار الابجدية والمسيحية، وعن البلغار اخذ الروس والشعوب السلافية "المسيحية الشرقية" الاخرى الابجدية و"المسيحية الشرقية". وتقول الرواية التاريخية شبه الاسطورية ان الاخوين القديسين "كيريل" و"ميتودي" (وهما من اصل يوناني، ولكنهما تبلغرا) هما اللذان صاغا الابجدية البلغارية القديمة استنادا الى الابجدية اليونانية القديمة، وهما اللذان ترجما الكتاب المقدس من اليونانية الى البلغارية القديمة، وهما اللذان نقلا الديانة المسيحية من اليونان الى بلغاريا، ومنها الى الروس والشعوب السلافية الاخرى. وقد اتخذت الكنائس الشرقية (العربية واليونانية والبلغارية والروسية والاوكرانية وغيرها) خطا مستقلا عن البابوية في روما، وهو الخط الذي تبلور اخيرا في ما يسمى "الكنيسة الارثوذكسية"، بعد انشقاق الكنيسة الى "كاثوليكية"(غربية) و"ارثوذكسية"(شرقية) وقد وقع الانشقاق في سنة 1054 بعد مدة طويلة من الجفاء بين روما والكنيسة اليونانية. وقد دعت روما اليها القديس كيريل (الذي كا يعرف ايضا بلقب "الفيلسوف") للانضمام الى الكرسي الروماني. وقد توفي القديس كيريل سنة 869 في روما ولا يزال قبره هناك، ولكنه امتنع عن الموافقة على خضوع الكنائس الشرقية لروما.
وبمعزل عن الجانب الديني اللاهوتي، وبالاضافة الى الجانب الفلسفي ـ الاخلاقي ـ الحضاري الذي جمع الشعوب "العربية" والاغريق والسلافيين، فهناك عامل سياسي ـ اجتماعي بالغ الاهمية هو الذي جمع الشعوب "العربية" والاغريق والسلافيين وكافة المسيحيين "الشرقيين"، وهو عامل النضال المشترك ضد الامبراطورية الرومانية وضد نظام الطغيان والعبودية الروماني، واستطرادا ضد اليهود الذين تنكروا لاصولهم الشرقية واختارت قيادتهم الدينية وطغمتهم المالية السير في ركاب روما، ضد رغبة القاعدة الشعبية اليهودية ذاتها. فبعد ان سحق الرومان (بمساعدة الخيالة الامازيغ) الجيش القرطاجي في 202 ق.م ثم دمروا قرطاجة تدميرا كاملا وباعوا اهلها عبيدا في 146ق.م، اتجهوا نحو مصر وسوريا واسيا الصغرى واحتلوها، ثم اتجهوا نحو بلاد اليونان وجبال البلقان واحتلوهما ايضا. وقبل تدمير قرطاجة كان النظام العبودي يشكل جزءا اكبر او اصغر من الحياة الاقتصادية والاجتماعية للدول القائمة حتذاك. ولكن بعد انتصار روما على قرطاجة والدول الهيلينية تحولت الامبراطورية الرومانية كليا الى نظام العبودية في مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وصار العبيد يمثلون قوة الانتاج الرئيسية وشبه الوحيدة. وتحول الرومان الى اسياد. وتم تحويل الشعوب المحكومة الى شعوب ـ عبيد او شعوب مستعبدة. ولا يغير في هذه الحقيقة الاساسية كون السلطة الرومانية كانت من حين الى حين تمنح "الجنسية الرومانية" او "المواطنية الرومانية" لبعض المناطق او الفئات. وبسيادة النظام العبودي الروماني، اصبحت الشعوب "العربية" والاغريق وشعوب البلقان والسلافيين تجمعهم قضية مصيرية واحدة هي النضال لاجل التحرر من العبودية، اي من الرومان. وبذلك شكل النضال ضد العبودية ارضية صلبة لانتشار الدعوة والتنظيم المسيحيين، ضد روما واليهود.
ومن الخفة والاسفاف القول ان المسيحية كانت فقط حركة توحيد ذات طابع ثقافي وحضاري عربي (جزيري)، كما هو الامر بالنسبة لظهور الدين الاسلامي والفتح العربي الاسلامي بعد بضع مئات السنين. ولكنه يمكن الجزم بأن ميلاد السيد المسيح، ومن ثم انتشار المسيحية، شق الطريق للتفاعل الاخوي (الحضاري والثقافي والاقتصادي والديموغرافي، ضمن القالب الديني) بين الشعوب القديمة التي كان يتشكل منها عالم الشرق الادنى وشمال افريقيا بما فيها شعب او قبائل شبه الجزيرة العربية، شمالها وجنوبها. فقبل المسيحية كانت قبائل ودول ومدن وشعوب منطقة شمال افريقيا ووادي النيل وسوريا الطبيعية وشبه الجزيرة العربية وما بين النهرين (التي يتشكل منها اليوم الوطن العربي الكبير)، ـ كانت تعيش حالة من الغزوات والحروب البينية الدائمة التي انهكتها جميعا ومهدت للغزو الخارجي والاحتلال الروماني.
وجاءت الحركة "المسيحية الشرقية" لتوحد تلك الشعوب الشرقية، المحتلة من قبل الرومان. ولم يكن انتشار المسيحية بقوة اي فتح دولوي، بل بالعكس في ظروف النضال القاسي ضد السلطة السياسية ـ العسكرية الرومانية والسلطة الدينية ـ المالية اليهودية. وبكلمات اخرى، فإن انتشار المسيحية تم ـ تحت عنوان "الاخوة الدينية المسيحية" ـ بقوة الدعوة الى الاخاء الانساني ورفع ظلم الانسان للانسان والقضاء على العبودية والاستغلال الطبقي. وبانتشار المسيحية في تلك الاصقاع، انتشرت "لغة السيد المسيح" = اللغة الارامية (التي كانت اشبه شيء بـ"اللغة ـ الام" للغة العربية الاحدث: لغة القرآن الكريم).
وعشية ظهور الدعوة المسيحية، من قبل السيد المسيح ذاته، كانت الحركة المسيحية السابقة على ظهور المسيح قد بلغت من النضج اناه بدأت تتحدى السلطة الرومانية واليهودية علنا، وهذا ما تبدى في حركة القديس يوحنا المعمدان، الذي بدأ يعمد المؤمنين في نهر الاردن قبل اتصاله بالسيد المسيح. وقد جاء السيد المسيح ذاته وتعمد على يديه. وعمد الرومان واليهود الى اعتقال يوحنا المعمدان وقطع رأسه.
وبالتأكيد ان اكبر تضحية قدمتها المسيحية الشرقية "العربية" هي تضحية السيد المسيح ذاته، الذي بذل نفسه فداء للبشرية المعذبة.
لا شك ان اعتقال واضطهاد وتعذيب وقتل السيد المسيح على الصليب، بعد ان حكم بالموت من قبل المحكمة الدينية اليهودية، ثم من قبل المحكمة المدنية الرومانية، ـ نقول لا شك ان هذا الحدث الجلل له جانبه الديني واللاهوتي العظيم. ولكن هذا لا ينفي ابدا، بل يؤكد ضرورة النظر الى تضحية السيد المسيح من وجهة النظر الانسانية ـ الاجتماعية البسيطة، اي ان السيد المسيح كانسان، وبصفته الانسانية، واجه الاستبداد والطغيان الروماني والفساد اليهودي حتى الرمق الاخير، وتحمل العذاب والشهادة للانتصار على الظلم والاستبداد والطغيان والفساد.
ولولا هذه الحركة التاريخية التمهيدية الاولى التي انجزتها المسيحية، ومهرتها بدم السيد المسيح ودماء ما لا يحصى من الشهداء ـ القديسين، لما كان بالامكان ان يضطلع الاسلام، فيما بعد، بدوره في استكمال عملية التفاعل الحضاري للشعوب القديمة التي تكونت منها الامة العربية الواحدة.
ومن ابرز معالم الحركة المسيحية ما قبل بدء تبشير السيد المسيح برسالته، ما جرى لدى ولادة السيد المسيح بالذات، حيث عمد الرمان واليهود الى جمع وقتل اطفال بيت لحم ما دون السنتين من العمر توصلا لقتل المسيح الطفل، ثم فرار العائلة المقدسة الى مصر وايوائها من قبل المؤمنين بمجيء السيد المسيح قبل ظهوره.
ولنأخذ ما يقوله الانجيل المقدس عن ميلاد السيد المسيح وعملية قتل الاطفال في محيط بيت لحم وفرار العائلة المقدسة الى مصر:
متى (2: 1 ـ 6) "ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في ايام هيرودس الملك اذا مجوس قد اقبلوا من المشرق الى اورشليم قائلين اين المولود ملك اليهود فإنا رأينا نجمه في المشرق فوافينا لنسجد له. فلما سمع هيرودس الملك اضطرب هو وكل اورشليم معه وجمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشعب واستخبرهم اين يولد المسيح فقالوا له في بيت لحم اليهودية لانه هكذا كتب بالنبي. وأنت يا بيت لحم ارض يهوذا لست الصغيرة في رؤساء يهوذا لانه منك يخرج المدبر الذي يرعى شعبي اسرائيل".
وطلب هيرودوس من المجوس ان يعودوا ويخبروه بمكان وجود الصبي حتى يذهب هو ايضا ويسجد له، ولكنه في الحقيقة كان يزمع قتله. الا ان المجوس (متى 2: 12 ـ 16) "أوحي اليهم في الحلم ان لا يرجعوا الى هيرودس فرجعوا في طريق اخرى الى بلادهم. ولما انصرفوا اذا بملاك الرب تراءى ليوسف في الحلم قائلا قم فخذ الصبي وأمه واهرب الى مصر وكن هناك حتى اقول لك فإن هيرودس مزمع ان يطلب الصبي ليهلكه. فقام واخذ الصبي وأمه ليلا وانصرف الى مصر. وكان هناك الى وفاة هيرودس... حينئذ لما رأى هيرودس ان المجوس قد سخروا به غضب جدا وأرسل فقتل كل صبيان بيت لحم وجميع تخومها من ابن سنتين فما دون على حسب الزمان الذي تحققه من المجوس".
وجاء في انجيل لوقا ان يوسف ومريم ذهبا الى بيت لحم (لوقا 2: 6 ـ 12) "وبينما كانا هناك تمت ايام ولادتها. فولدت ابنها البكر فلفته وأضجعته في مذود لأنه لم يكن لهما موضع في المنزل. وكان في تلك الناحية رعاة يبيتون في البادية يسهرون على رعيتهم في هجعات الليل. واذا بملاك الرب قد وقف بهم ومجد الرب قد اشرق حولهم فخافوا خوفا عظيما. فقال لهم الملاك لا تخافوا فهأنذا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. وقد ولد لكم اليوم مخلص وهو المسيح الرب في مدينة داود. وهذه علامة لكم. انكم تجدون طفلا ملفوفا مضجعا في مذود".
(انتهى استشهادنا بالانجيل المقدس)
ان اللاهوتيين والمتدينين المسيحيين يحملون هذا الكلام على محمل لاهوتي او الهي، فوق طبيعي وفوق بشري، ويؤمنون بأن السيد المسيح جاء لتخليص البشرية من الخطيئة ولبناء "ملكوت السموات". ولهؤلاء اللاهوتيين والمتدينين الحق في أن يؤمنوا بما يشاؤون، شريطة ان لا يعملوا على ايذاء الغير باسم الايمان (كما كانت تفعل الكنيسة في القرون الوسطى، وخصوصا كما فعلت في الحروب "الصليبية"). واذا كانوا حقا يحبون الله ويحترمون مشيئته، فعليهم ان لا يضعوا انفسهم ديـّانين للاخرين مكان الله، وان يتركوا الله يتدبر بحكمته العلوية شؤونه مع سائر خلقه.
وفي الوقت نفسه هناك من يشككون في رواية ظهور المسيح وألوهيته الخ. وهناك بعض الناس يدّعون انهم مسلمون ينكرون على المسيحيين ايمانهم، ويدعون ان الايمان الحق هو الايمان بالدين الاسلامي. ولهؤلاء ايضا الحق في ان يؤمنون بما يشاؤون، ويرفضون الايمان بما يشاؤون، على ان لا يعمدوا الى اكراه الآخرين على الايمان بما هم يؤمنون به، على خلاف القاعدة القرآنية "لا إكراه في الدين".
وفيما يلي عينة لاحدهم باسم محمود خليل يكتب في احد المواقع "الاسلامية" المصرية عما يسميه "اكذوبة رحلة العائلة المقدسة الى مصر"، وهو يقول:
"لا ندرى ما سبب إخفاء المسيحيين واليهود حقيقة سفر أسرة المسيح إلى مصر وهي الأسرة اليهودية المتدينة التى تعبد الله الواحد حسب العقيدة اليهودية؟.. فهم يدعون أن المسيح عليه السلام سافر إلى مصر فارا من الرومان وهو ما زال بعد طفلا لم يكمل الشهر من العمر لكنهم يدعون ذلك بدون توضيح متى تركوا فلسطين ومتى قدموا لمصر ومتى رحلوا منها وما هو عمر كل فرد فى عائلة المسيح (المسيح ويوسف النجار والسيدة مريم) فى ذلك الوقت كما أخفوا أيضا أعمار إخوته الأربعة وأخفوا كل المعلومات عن أخواته البنات وعائلاتهم كما أخفوا عمر يعقوب عندما قتله اليهود رجما بالحجارة وكان شخصا عادلا لقـّبوه بالبار وأخفوا عمر السيدة مريم عندما ماتت واخفوا كل المعلومات التى قالتها مريم بعد صعود المسيح فلقد كان الجدير بالذكر - لمن يهمهم أمر المسيح - هو تسجيل أقوال أمه وإخوته عن حياته ومطاردة اليهود والرومان له ثم رفعه إلى السماء كما لم يوضحوا كيف تسافر الأسرة كل هذه المسافة؟.. فتارة قالوا أنهم سافروا على جحش وحاليا يدعون بأنهم طاروا من فلسطين إلى مصر ولم يوضحوا أيضا كيف طاروا ومتى وبأي وسيلة وأين نزلوا وهو ما يتناقض مع الخريطة المكذوبة التى يرسمونها لسير الأسرة كما تتناقض مع الرسومات التى يدعون أنها للمسيح وأسرته وتصوره راكبا مع أمه السيدة مريم على حمار وبجوارهما يوسف النجار! والغريب حقا أن مرقص ويوحنا ولوقا - أصحاب الأناجيل المعروفة - لم يذكروا شيئا عن ذهاب أسرة المسيح لمصر فى أناجيلهم فمن أين أتى المسيحيون بهذا الادعاء؟".
ويخلص السيد محمود خليل الى بيت القصيد (قصيده!) في اقواله كما يلي:
"ولأن هذه الأمور جميعها لا يمكن إثباتها وكاتب الإنجيل نفسه لم يكن موجودا وقتها ليعرفها يصبح من المؤكد أن كل ما قيل حول تلك القضية مجرد أوهام لا دليل عليها إلا محاولة كاذبة وممجوجة لربط مصر بالمسيحيين أو العكس للتأكيد على أن للمسيحيين مكان فى مصر وهى ذات الأساليب المعتادة التى تدعي كذبا وجود علاقة بين اليهود وبين أى بقعة فى العالم ومن خلال هذه الكذبة التى يصدقونها ويقنعون السذج بها تصبح كالحقيقة كما فعلوا فى فلسطين ويحاولون بشتى الطرق والوسائل المشروعة وغير المشروعة أثبات علاقتهم بالقدس والهيكل المزعوم أو الادعاء الكاذب بأن اليهود هم بناة الأهرام رغم أن اليهود كانوا وقتها مجرد رعاة فى الصحراء ولم يقطنوا فى الحواضر المصرية وقتها ألا كعبيد للمصريين. وعلى الدرب يسير المسيحيون مدعومين باليهود والصهيونية فيدعون كذبا وباطلا بأن المسيح جاء إلى مصر لتبرير مطالبهم بطرد المسلمين من مصر وأنهم أصحاب البلاد الأصليين؟!!.. ولكن ساء ما يمكرون فلا يوجد دليل على ما يدعون وألا فليجيبوا على الأسئلة السابقة وليأتوا بدليل مادى أو تاريخى على ما يدعون؟!!..".
"أما الحقائق الثابتة فهي أن مصر لا علاقة لها بالمسيحية التى لم تدخلها ألا من الهاربين اليهود (الذين اتبعوا تعاليم المسيح) من اضطهاد الرومان أو من الرومان الذين عبدوا المسيح ولقبوا أنفسهم مسيحيين اسما فقط".
"إذا فتلك أكذوبة أخرى من أكاذيب المسيحيين فى مصر يتم كشفها ولن يستطيع أحد أن يقنعنا بعكس ذلك كما لن يستطيع أحد أن يخبرنا مدعما بالدلائل والقرائن متى ولد المسيح وأين ومتى سافر إلى مصر ومن كان معه فى تلك الرحلة وكيف سافروا ومتى عادوا إلى فلسطين وما هى أعمار المسيح وأسرته حينما سافروا وبعدما عادوا وماذا حدث فى تلك الرحلة وما هى أقوال السيدة مريم عليها السلام حول الرحلة وحول حياة المسيح نفسه منذ ولادته وحتى يوم رفعه؟؟؟؟!!".
اي ان محمود خليل وامثاله يستنكرون مسيحية اقباط مصر، ويطعنون في مواطنيتهم لمجرد كونهم مسيحيين، ويدعون الى طردهم، ومن ثم الى دفعهم للارتماء في احضان الامبريالية والصهيونية دفاعا عن وجودهم. وهو يذهب الى حد موافقة اليهود والصهاينة في اكاذيبهم ان اليهود كانوا عبيدا للمصريين. علما ان التورا اليهودية ذاتها تقر وتعترف ان يوسف "التوراتي" هو الذي استعبد المصريين لصالح الفرعون، واليهود كانوا في وضع مميز في مصر ونشأت كراهية شديدة بينهم وبين المصريين، وحينما فروا من مصر فروا من وجه المصريين وليس من وجه فرعون الذي كان اليهود في خدمته ضد المصريين (راجع التوراة اليهودية).
اننا لا ندعي لانفسنا الاهلية او الرغبة في الخوض في الجوانب اللاهوتية والدينية لظهور المسيح والرواية الانجيلية او غير الانجيلية عنه. ولكن لو سلمنا جدلا بعدم ظهور السيد المسيح وبعدم فرار العائلة المقدسة الى مصر واقامتها فيها، فإنه ـ بالمقابل ـ من المؤكد ان المسيحية انتشرت انتشارا كاملا في مصر وثبتت فيها، والا فعلى من تقوم قيامة محمود خليل وامثاله ومن يقف وراءهم او فوقهم ويحركهم ويوجههم. وبكلمات اخرى، فمن المهم التثبت تاريخيا من صحة او عدم صحة رواية ظهور السيد المسيح وفرار العائلة المقدسة الى مصر؛ ولكنه من المهم اكثر، من وجهة النظر التاريخية، النظر في المفاعيل الواقعية للرواية الانجيلية حول ولادة السيد المسيح. (ومما يؤكد تاريخية واصالة الوجود المسيحي في مصر، ان التسمية العالمية لمصر لا تزال الى اليوم هي "أجيبت"، المشتقة من لفظة "القبط"، اي ان لفظة "القبط" ـ كلفظة "العرب" او "الفرس" ـ كانت في الاساس تعني "قوما" معينا هم سكان مصر الاصليين، وان هؤلاء "القوم" كانت البلاد تسمى باسمهم، ومن ثم فإنهم تنصروا جميعا، فأصبح اسم "قبطي" يرادف اسم "مسيحي". ولكن هذا لا ينفي الاصل القومي. تماما مثلما في سوريا صار اسم "سيريان" (سرياني) يعني "مسيحي" بينما هو بالاصل كان يعني "ساكن او ساكني سوريا). والشيء ذاته يقال عن كلمة "اسيريان" (اشوري) التي صارت تعني "مسيحي" بيما هي في الاصل تعني "مواطن اشوري". ونستشهد على صحة تفسيرنا بأن الرسول (ص) كان قد وجه رسالة الى من سماه "المقوقس... عظيم القبط" اي عظيم قوم "القبط" داعيا اياهم للدخول في الاسلام. كما ان احدى زوجات الرسول (ص) كانت تدعى "مارية القبطية"، وظلت تحمل هذا اللقب حتى بعد اشهار اسلامها. وهذا يشير الى ان لقبها "القبطية" يدل على انتمائها القومي لا انتمائها الديني. (راجع كتاب: نداء السراة، اختطاف جغرافيا الانبياء، قسم الدراسات والبحوث في جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية، مملكة البحرين).
اي انه ـ وبصرف النظر عن مختلف الآراء المؤيدة او المعارضة للمسيح والمسيحية ـ فإنه من الثابت تاريخيا:
أ ـ ان المسيحية، كحركة دينية واسعة وبكل ما ترتب ويترتب عليها، قد وجدت تاريخيا وهي موجودة الى اليوم.
ب ـ ان الانجيل المقدس (الاناجيل الاربعة المعترف بها كنسيا) هي ايضا موجودة وصحيحة بنظر من يؤمن بها، ومعتمدة من قبلهم، شاء من شاء ورفض من رفض.
ج ـ ان الوجود المسيحي (كدين ومذاهب، وكمجتمعات بشرية متعددة الاقوام واللغات والثقافات والطبقات) له حضوره وحركيته التاريخيان، في ذاته، ولذاته، وكجزء عضوي لا يتجزأ من الكينونة البشرية، بالتعميم، ومن كل مجتمع او فئة اجتماعية يوجد فيها مسيحيون، بالتفصيل والتخصيص.
وهذا الوجود المسيحي التاريخي هو واقع لا يمكن انكاره، بصرف النظر عن طبيعة المعتقدات المسيحية وصحتها او عدم صحتها، بأي مقياس كان.
ولتوضيح هذه النقطة المعرفية الجوهرية نستميح القارئ عذرا في تقديم المثال التالي: في المرويات الشعبية ان شيخا قرويا كان أشرف على الموت، وكان لديه عدة ابناء وقطعة ارض لا تكفي لتقسيمها على ابنائه كي يبني كل واحد منهم بيتا مستقلا. وكي يبرر الشيخ عدم تقسيمه الارض فيما بينهم، قال لاولاده انه يترك لهم كنزا مطمورا في الارض ولكنه لا يتذكر اين دفن الكنز، واوصاهم ان ينقبوا الارض بعد مماته ويجدوا الكنز ويتقاسموه. وفي اليوم التالي لوفاة الشيخ شرع ابناؤه في تنقيب الارض الى عمق معين، ولما لم يجدوا شيئا تابعوا التنقيب اكثر فأكثر، حتى يئسوا او تعبوا وتوقفوا عن التنقيب وهم يندبون حظهم مع والدهم "الخرف" والذي كذب عليهم حسب زعمهم. وبالصدفة مر بهم شيخ آخر من اقاربهم، فحكوا له حكايتهم، فرثى لحالهم، ولكنه قال لهم اخيرا، ان والدهم الشيخ المتوفي لا يمكن ان يكون كذب عليهم لانه يعرفه عن قرب، وهو يؤكد صدقه، وخصوصا انه كان على فراش الموت، ولكن طالما انهم تعبوا ونقبوا الارض بهذا الشكل العميق فليستفيدوا منها ويزرعوها ويتقاسموا غلتها عند الحصاد؛ ففعل الاخوة ما نصحهم به قريبهم الشيخ، وحصلوا على غلة جيدة تقاسموها فيما بينهم؛ وكانت غلتهم افضل غلة في قريتهم نظرا لعمق تنقيب الارض الذي كانوا قد انجزوه. وفي السنوات التالية كان هؤلاء الاخوة الباحثون عن "الكنز الموعود والمفقود" يعيدون التنقيب عملا بوصية والدهم المتوفي وبنصيحة قريبهم الشيخ، ويعيدون الزراعة، ولا يجدون الكنز ولكنهم يحصلون على افضل الغلال، واصبحوا من اغنى اغنياء القرية والمنطقة.
فسواء كان حديث الشيخ المتوفي كذبة؛ او سواء انه حينما دفن الشيخ الكنز في الارض رآه احد اللصوص واختلسه من حيث لا يدري؛ وسواء ان الكنز لا يزال موجودا في الارض ولم يستطع الاولاد الوصول اليه؛ فإن هؤلاء الاولاد ـ ومن حيث يقصدون او لا يقصدون ـ تحولوا الى مجموعة زراعية هي الافضل والارقى والاغنى في القرية المعنية. وسيكون من السخف تماما ان يمر احدهم بهؤلاء الاخوة وهم ينقبون في ارضهم ويعتنون بزرعهم، ويسخر منهم بأنهم "مخدوعون" يضيعون وقتهم في البحث عن كنز غير موجود.
ومع كل احترامنا لكل معتقد ديني، مسيحي او غير مسيحي، نقول انه ليس المهم صحة او عدم صحة معتقدات الاديان عن نفسها او عن بعضها البعض، واستطرادا ليس المهم صحة او عدم صحة المعتقدات العلمانية والالحادية والفلسفية والدينية عن اي معتقد كان، وبالعكس، بل المهم هو السلوك الاجتماعي والاخلاقي والاقتصادي والسياسي (الوطني والقومي والاممي، الانساني، او غير الوطني والقومي والاممي، وغير الانساني) لكل جماعة بشرية، دينية او غير دينية. (ولبنان هو "نموذجي" على هذا الصعيد: حيث هناك "مسلمون" و"مسيحيون" و"علمانيون": وطنيون وفي صف المقاومة؛ و"مسلمون" و"مسيحيون" و"علمانيون": غير وطنيين يقفون في صف اميركا واسرائيل واعداء للمقاومة).
وفي المحصلة التاريخية نرى (كما في قصة الاخوة الذين نقبوا ارضهم جيدا بحثا عن "الكنز") ان منطقة الانتشار الاكبر للمسيحية في المنطقة العربية، قبل ظهور الاسلام، وبدونه، وبدون اي انتقاص من دوره اللاحق، هي المنطقة الارقى في جغرافية الخلافة العربية الاسلامية. وهو ما اعترفت به موضوعيا الخلافة ذاتها حينما نقلت مقرها من الجزيرة الى دمشق، ثم الى بغداد. وحينما انقسمت على نفسها الى خلافتين في: بغداد والقاهرة.
والسبب طبعا ليس دينيا ـ ايمانيا، بل لان مناطق سوريا والعراق ومصر كانت ارقى حضاريا من شبه الجزيرة العربية، وهي كلها مناطق كانت، بمعزل عن السلطات الوثنية او "المسيحية!"، ذات طابع شعبي مسيحي. اي ان غالبية او كل الشعب كان مسيحيا.
وبناء على فهمنا التاريخي الواقعي هذا فإننا نقول انه يجب مناقشة الفعل التاريخي للوجود المسيحي كما هو، اي من خلال معتقداته هو عن نفسه، ومن خلال تنظيمه ونشاطه وحراكه الخاص، وليس من خلال المعتقدات والاحكام الغيرية والمغايرة، عنه وعليه، الدينية او الفلسفية او السياسية.
ومع كل "الاحترام" لاجتهادات السيد محمود خليل وكل الضاربين على طبله، ليسمح لنا عطوفته في ان ننظر فيما تقوله الرواية المسيحية ذاتها (الاناجيل المقدسة والنصوص الكنسية) عن ولادة السيد المسيح، ورد فعل روما وعملائها ويهودها على ولادة السيد المسيح، وهروب العائلة المقدسة الى مصر، والحقائق التاريخية التي تؤكدها تلك الرواية:
ـ1ـ الانتماء الى الفقراء:
تقول الرواية المسيحية ان السيدة مريم العذراء وضعت الطفل يسوع في مذود. وبصرف النظر عن البحث في الحد الفاصل بين المشيئة الالهية والامكانيات المادية لعائلة يوسف النجار من الناصرة، فإن الواقع الذي تأخذ به الرواية المسيحية ويصدقه المسيحيون الصادقون هو ان يسوع المسيح ولد فقيرا وفي عائلة فقيرة، كأي عائلة فلاحية فقيرة يولد اولادها ويعيشون في غرفة واحدة، او خيمة واحدة، او زريبة واحدة مع الحيوانات الاليفة التي تعتاش منها العائلة. وبالرغم من كل هذا الفقر المدقع، فإن الرواية المسيحية، تسمي المسيح المولود "المخلص"، ولا تسميه "الملك"، كما كان ينتظره اليهود.
وهناك الكثير من المسيحيين، ناهيك طبعا عن اعداء المسيحية، الذين يمرون بهذه النقطة مرور الكرام، او اللئام. ولكن هذه النقطة هي نقطة جوهرية، انقلابية او ثورية في التاريخ البشري. اذ ان الحركة الدينية الالهية التوحيدية، المغايرة للدين او الاديان الوثنية عامة والرومانية خاصة، وهي الحركة التي تنسب الى ابرهيم الخليل او النبي موسى، كانت تضم اليهود والمسيحيين على قدم المساواة. وقد عبرت هذه الحركة عن نفسها من خلال كتابة "الكتاب المقدس" المشترك، اي ما يسمى "التوراة" و"العهد القديم"، والذي شارك في كتابته مئات الكهنة ورجال الدين والمفكرين والحاخامين، على مدى 1500 سنة واكثر. وكانت تنبؤات هذا الكتاب (في النسخة التي يتبناها اليهود) تبشر بمجيء المسيح من سلالة الملك داود. وكان اليهود يؤمنون ان المسيح سيأتي كملك. ولكن المسيح الذي "أتى" وآمن به "المسيحيون"، "أتى" كطفل فقير يولد في مذود بقر. اي ان المسيح الذي آمن به المسيحيون قد اعلن، بولادته ذاتها ومنذ لحظة ولادته، وحتى قبل اشهار رسالته، اصطفافه او انتمائه الى الفقراء والتعساء والبؤساء، وذلك ليس كإله او حاخام او كاهن او ارستقراطي متعاطف معهم، بل كأي انسان بسيط هو واحد منهم وفيهم.
اي: ان المسيح الفقير، الذي اعطاه الانجيل صفة "المخلص"، وضعه الانجيل منذ لحظة ولادته بالذات ضد المجموعة اليهودية، وضد عملاء روما، وضد روما ذاتها، وضد طبقة الاغنياء بكاملها، ومن ثم ضد المجتمع الاستغلالي ـ الاستعماري السائد بأسره.
ـ2ـ صراع الوجود مع اليهود وروما:
وتقول الرواية المسيحية ان ممثل السلطة الرومانية هيرودس لما علم بولادة السيد المسيح في حالة هي غير الحالة التي كان يتوقعها اليهود، "اضطرب هو وكل اورشليم معه وجمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشعب". ولما رأى "ان المجوس قد سخروا به" اي لم يرجعوا اليه ويخبروه بمكان وجود الصبي الذي كان قد أزمع على قتله "غضب جدا وأرسل فقتل كل صبيان بيت لحم وجميع تخومها من ابن سنتين فما دون على حسب الزمان الذي تحققه من المجوس".
وهذا ما يذكرنا بالحصار الروماني لقرطاجة في 146ق.م، فبعد محاصرة المدينة وبدء الهجوم عليها من قبل الجيش الروماني بقيادة سكيبيون "تمكن صدربعل (القرطاجي) قائد فرق الخيالة من تنظيم المقاومة بين الجيش والشعب وشن هجمات كاسحة في إتجاه الميناء في محاولة مستحيلة للخروج بالاطفال والنساء إلى البحر، وبعد أن أدركه اليأس وضع سيفه على الأرض وانحنى أمام سكيبيون طالبا لهم الرحمة". ولكن سكيبون لم يستجب له. "إذ ذاك تقول الروايات تقدمت زوجة صدربعل ورمت بنفسها في النار مع طفليها لكي لا تحوجه استعطاف الرومان المتغطرسين، وأندفعت قرطاجة تقاتل من جديد في آخر معركة وآخر يوم فيما أشرف سكيبيون من موقعه في البرج على عمليات القوات الخاصة لإشعال النار في كل بيت". وظلت قرطاجة تقاتل وتشتعل فيها النيران مدة 17 يوما حتى دكت بالكامل (راجع موسوعة ويكيبيديا).
وبعد مرور 2100 سنة على تدمير قرطاجة واقل من 1950 سنة على ميلاد السيد المسيح وصف المفكر "اللبناني" انطون سعادة الصراع مع اليهود، واستطرادا: الصراع مع "روما" القديمة وكل "روما" بعدها حليفة ستراتيجية لليهود، ـ وصفه بأنه "صراع وجود لا صراع حدود". ويضيف سعادة ان الصراع مع من يسميهم "يهود الداخل" هو جزء لا يتجزأ من "صراع الوجود مع اليهود". ونذكر هنا ان الحاكم "الروماني" هيرودس لم يكن روماني القومية، ولم يكن يهوديا عبرانيا، بل كان أدوميا متهودا، اي كان احد كلاب روما من: "يهود الداخل" حسب تعبير انطون سعادة. ومن المفيد ان نذكر هنا ان "يهود الداخل" في لبنان وسوريا نظموا تسليم انطون سعادة ومسرحية محاكمته واعدامه في 1949، ولكن هذا لم يلغ افكار انطون سعادة بل اكدها بالملموس. ذلك ان انطون سعادة لم يأت بافكاره من فراغ، بل كان يقرأ التاريخ وقارئا جيدا للانجيل.
ـ3ـ الانتشار المسيحي قبل ولادة المسيح:
أ ـ الرعاة:
وتحدثنا الرواية المسيحية (انجيل لوقا) انه "كان في تلك الناحية رعاة يبيتون في البادية يسهرون على رعيتهم في هجعات الليل". وان ملاك الرب ظهر لهم وأنبأهم بولادة السيد المسيح. وأعطاهم الملاك علامة محددة وهي "انكم تجدون طفلا ملفوفا مضجعا في مذود". وذهب الرعاة وسجدوا له. اي بفصيح العبارة ان السيد المسيح هو بالتحديد مسيح الفقراء، وان الفقراء هم الركيزة الاولى للمسيحية، الركيزة التي اختارها الرب قبل ولادة السيد المسيح.
من هم هؤلاء الرعاة؟
ربما كانوا يهودا عبرانيين، وربما كانوا كنعانيين، وربما كانوا بدوا. فالعبارة قد تفيد الفئات الثلاث. وحتى لو افادت الفئات الثلاث معا، فإنها ايضا تفيد وجود انسجام وتفاهم فيما بينهم؛ كما تفيد انهم كانوا ينتظرون "مجيء" المسيح ـ المخلص، وليس المسيح ـ الملك، ومن ثم كانوا ينتظرون مجيء المسيح الفقير، وبكلمات ادق: مجيء المسيح المخلص للفقراء. وهذا ما اكده لهم "ملاك الرب"، فذهبوا وسجدوا له.
وهذه الرواية تؤكد على انتشار المسيحية في محيط بيت لحم وفي البادية القريبة، قبل ومع وبعد ولادة السيد المسيح. والالتباس الوارد في الانجيل حول "قومية" الرعاة يدل ان المسيحية كانت قد بدأت بالانتشار بين مختلف الفئات، بما في ذلك بين اليهود الفقراء (كالرعاة الين ذهبوا وسجدوا للمسيح في المذود، والحرفيين كيوسف النجار، والصيادين كبطرس).
ب ـ المجوس:
كما تحدثنا الرواية المسيحية (انجيل متى) "ولما ولد يسوع في بيت لحم ... اذا مجوس قد اقبلوا من المشرق" كي يسجدوا للمسيح ويقدموا له الهدايا.
فمن هم هؤلاء "المجوس"؟
الان، بعد لا سنة او عشر سنوات او مائة سنة، بل بعد 2013 سنة من ميلاد السيد المسيح، لو وجهنا هذا السؤال بشكل اعتباطي، لانهال علينا سيل من الاجوبة على لسان بعض "الاسلاميين!!" التكفيريين، وبعض بقايا البعثيين الصداميين، بأن "المجوس" هم من الفرس الملاعين، عبدة النار والشياطين، او من الشيعة الرافضيين، المؤيدين للنصارى "المشركين".
ولكن مثل هذه الاجوبة لا تضيء على اي مسألة اضاءة حقيقية، بل تتكشف فقط عن الحقد الاعمى، الشوفيني والمذهبي، او العمى الحاقد، الذي يعمي بصر وبصيرة اصحابه.
وللاضاءة على هذه المسألة نرى من الضروري ايراد بعض ما تقوله المصادر المسيحية نفسها عن اولئك "المجوس".
في الموقع الالكتروني المسيحي LINGA.ORG يرد ما يلي:
( أ ) "ترد كلمة "مجوس" في العهد القديم في نبوّتي إرميا ودانيال. فمن رؤساء بابل الذين دخلوا أورشليم بعد أن فتحها نبوخذنصر ملك بابل، وجلسوا في الباب الأوسط (يرد اسم) "نرجل شراصر رئيس المجوس" (إر 39: 3و 13). ويري البعض أن الكلمة الكلدية المستخدمة هنا وهي "رب موجي" معناها "أمير عظيم". وكان الفرس والماديون والبابليون يستخدمون كلمة "مجوس" للدلالة على الكهنة والحكماء. وكان المفروض أنهم رجال حكماء ماهرون في معرفة الأسرار، تلك المعرفة التي نشأت منذ عصور قديمة في مصر الفرعونية، وانتقلت إلى كلديا وبابل.
وكان المجوس يحسبون بين المنجمين، أي الذين يتنبأون عن الأحداث بقراءة النجوم.
( ب ) المجوس عند اليونانيين:
كانت كلمة "مجوس" عند اليونانيين ترتبط بنظام أجنبي للعرافة وبديانة شعب عدو، قد هزموه، وسرعان ما أصبحت نعتاً لأسوأ أنواع الدجل والخداع. كما تطلق على "سيمون الساحر" (أع 8: 9)، فكلمة "ساحر" في الموضعين هي نفس كلمة "ماجوس".
(جـ) المجوس في إنجيل متى:
يستخدم متى كلمة "مجوس" بمعناها الطيب، حتى انها تترجم في الإنجليزية إلى "حكماء" (مت 2: 1 و7 و16). ولكن متى لا يمدنا بتفاصيل كثيرة عن أولئك المجوس، إلا أنهم جاؤوا من "المشرق" (2: 1و 2)، وهي عبارة غامضة لا تحدد بلداً معيناً، وهكذا تترك المجال واسعاً للتخمين. فقال بعض الآباء إنهم جاؤوا من جنوبي الجزيرة العربية، وذلك بناء على الهدايا التي قدموها "الذهب واللبان والمرّ"، وكانت تشتهر بها هذه البلاد، و(لكنها) لا تعتبر "مشرقاً" بالنسبة لفلسطين، لذلك قال آخرون إنهم جاؤوا من كلديا أو ميديا أو فارس. ومع أنه لا يمكن الجزم برأي، إلاَّ أن الأرجح أنهم جاؤوا من فارس، حيث كان هذا الاسم يطلق على كهنتهم.
ولا يذكر متّى كم كان عدد المجوس الذين جاؤوا ليروا الطفل يسوع.
كما لا يذكر أسماءهم.
( د ) أهمية قصة المجوس في إنجيل متى:
تلعب زيارة المجوس لبيت لحم دوراً هاماً في إنجيل متى، فمن البداية تعلن حقيقة شخصية الطفل الوليد... كما أن الحوار بين المجوس وهيرودس ورؤساء الكهنة والكتبة، يُعلن أن يسوع كان تحقيقاً لنبوة ميخا عن المسيا.
وبالإضافة إلى إثبات أن يسوع هو المسيا الذي طال انتظاره، فإن قصة المجوس- كجزء من مقدمة إنجيل متى- تقدم عدة مواضيع بارزة تعود للظهور في الأصحاحات التالية. فهي تؤكد أولاً أن يسوع المسيح لم يأت لليهود فقط بل للأمم أيضاً (ممثلين في "المجوس من المشرق"). كما كان سجود هؤلاء الأمم صورة مسبقة للإرسالية العظمي للكرازة بالإنجيل لجميع الامم (مت 28: 19)، وأيضاً (8: 11 و 12، 12: 21).
والموضوع الثاني الذي تعلنه هذه القصة، هو هذا الإيمان المذهل الذي أبداه أولئك المجوس، والذي كان ينقض الشعب الذي جاء منه الرب يسوع، فبينما قدم هؤلاء المجوس الغرباء الإكرام والسجود للمسيا المولود فإن هيرودس- ولعله كان بموافقة رؤساء الكهنة أيضاً - دبر مؤامرته لقتل الطفل يسوع (2: 3- 6و 16). وهكذا نجد في فصول أخرى من الإنجيل، الأمم يؤمنون، بينما لم يؤمن غالبية الشعب اليهودي (ارجع إلى 8: 5- 13، 15: 21- 28، 27: 19 و 54)."
وفي العدد رقم 350 (كانون الاول 2006) من مجلة "صوت الكرازة بالانجيل" (يوجد موقع الكتروني باسم هذه المجلة)، التي تصدر باللغة العربية في اميركا، مقالة بعنوان "مجوس الميلاد: اول عرب عبدوا المسيح". والمقالة هي بقلم: د. طوني معلوف، وقامت بترجمتها الى العربية: د. لميس جرجور معلوف. وجاء في المقالة ما يلي:
"1. كلمة "المجوس":
"استخدمت الكلمة اليونانية magos في البداية للإشارة إلى أفراد سبط ميديّ تولـّى المهام الكهنوتية في إمبراطورية مادي وفارس. وكان هؤلاء الكهنة ذوي قدرة على تفسير بعض العلامات والأحلام وتضمّنت ممارساتهم السحر والشعوذة. لكن بالإضافة إلى هذه الاستخدامات السلبية، فقد استخدمت الكلمة أيضاً للإشارة إلى "من يمتلك معرفة وحكمة فائقتين." وهكذا عيّن الملك نبوخذنصّر دانيال اليهوديّ رئيساً للمجوس. وبهذا المعنى أيضاً اعتـُبـِر موسى مجوسياً أيضاً في قصر فرعون. ويشير المؤرخ يوسيفوس إلى يهودي اسمه سمعان، دعي مجوسياً، وكان مشيراً لفيلكس والي اليهودية. وإذا أخذنا الكلمة بمعنى "من يملك معرفة فائقة" فإنه كان بين العرب القدماء كثير من المجوس. وبالحقيقة يعرّف لنا كتاب باروخ (من القرن الثالث ق.م.) "أولاد هاجر" العرب بأنهم "الذين يطلبون الحكمة على الأرض" (باروخ 23:3). فضلاً عن ذلك، توجد في الكتاب المقدس عدة شواهد عن حكمة العرب القدماء التي لم تفـُقـْها في القديم سوى حكمة سليمان (1ملوك 30:4).
"2. رأي الكنيسة الأولى:
"من ناحية ثانية، فإن آباء الكنيسة الأولين اعتبروا العربية منشأً لمجوس الانجيل، وفي ذلك عكسوا على الأغلب تقليد الرسل. فأكليمندس الروماني (96م) يلمّح إلى ذلك في كتاباته. أما يوستنيانوس الشهيد (حوالي 150م) الذي ولد ونشأ في السامرة بفلسطين فهو يشير تسع مرات إلى المجوس الذين أتوا من العربية ليعبدوا المسيح المولود. وبدوره يبني ترتليانوس القرطاجي (حوالي 200 م.) رأيه على تقليد معروف في كل المشرق القديم وهو أول شخص يحدد هوية هؤلاء الزوار على أنهم ملوك أتوا من العربية.
"3. الدعم الجغرافي:
"قدِم المجوس من المشرق (متى 1:2، 2، 9) الذي عُرِف في الازمنة الكتابية بالكلمة العبرية قِدِم وهو المكان الذي سكنت فيه الأسباط العربية المتعددة المتحدرة من إبراهيم (تكوين 1:25-6، 12-18). وعندما ولد المسيح كانت تلك المنطقة مرتبطة جغرافياً وسياسياً بابن إبراهيم البكر، أي بإسمعيل. ولا يزال البدو العرب في أيامنا يتحدثون عن توجههم إلى صحراء العربية بأنه تشريق (سير نحو الشرق) بغض النظر عن اتجاه سيرهم. وعلى النقيض من ذلك فإن القادمين إلى أرض فلسطين من فارس أو بابل أو أشور كانوا يدخلون فلسطين من الشمال؛ ولذلك كانت بلادهم تُسمّى في الكتاب باستمرار، "أرض الشمال" (إشعياء 31:14). وهكذا فَهِم القراء اليهود تماماً من متى البشير أن المجوس أتوا من الصحراء العربية الواقعة شرقيّ نهر الأردن.
"4. طبيعة الهدايا:
"تمثل الهدايا التي قدّمها المجوس للمسيح من ذهب ولبان ومرّ المصدر الرئيسي للقوة الاقتصادية للعربية قديماً. ومن بين تلك الهدايا، كان اللبان والمر ينتجان بشكل شبه حصري في جنوب الجزيرة العربية. وبحسب شهادة المؤرخين اليونان والرومان، فإن هذه المواد التجارية جعلت مملكة سبأ القديمة في جنوب العربية أغنى أمة في العالم القديم. ويخبرنا المؤرخ هيرودتس بأنّ عرب الشمال كانوا يرسلون للإمبراطور الفارسيّ هدية سنوية قدرها ثلاثون طناً من اللبان عربون صداقتهم للفرس. وقبيل مجيء المسيح سيطر العرب الأنباط على تجارة القوافل التي كانت تضمّ الهدايا التي قدمها المجوس للمسيح."
(انتهى الاستشهاد بمقالة د. طوني معلوف).
نستخلص مما تقدم:
1 ـ ان المجوس هو تعبير واسع الاستخدام وكان يعني:
أ ـ الاشخاص الاذكياء الذين يستخدمون ذكاءهم بالمعنى السلبي لممارسة التنجيم والشعوذة والسحر (ولا تزال كلمة "سحر Magic " بالانجليزية، وشبهها بكل لغات العالم الحية، تعود بجذرها اللغوي الى كلمة "مجوس").
ب ـ الاشخاص الاذكياء الذين يستخدمون ذكاءهم بالاتجاه الايجابي لاكتساب المعرفة بواسطة الاختلاط والمطالعة، ولا سيما في الكتب القديمة والنادرة والاجنبية، ويخدمون السلطة والناس بعلمهم ومعرفتهم وآرائهم الاكثر سدادا، وكانوا يسمون "الحكماء". وهم يساوون اليوم من يسمون: العلماء، والخبراء، والمثقفين، والتكنوقراط والمستشارين الخ.
2 ـ ان المكان (او الامكنة) الذي جاء منه المجوس يشمل مروحة واسعة: من جنوب شبه الجزيرة العربية حتى بلاد فارس، مرورا بالعراق العربي وبابل واشور وكلديا. وبالمقارنة بين التحديد الدقيق للانجيل عن مكان مجيء الرعاة "كان في تلك الناحية رعاة يبيتون في البادية"، من الخطأ الاعتقاد ان الانجيل المقدس ابقى مكان مجيء المجوس ضمن دائرة الالتباس "سهوا!!" او "خطأ!!" او "جهلا!!". فالاناجيل الاربعة هي منسوبة الى انجيليين محددين كنسيا، ولكنها قبل اعتمادها ونشرها قرئت ومحصت تماما من قبل آباء الكنيسة الاولين، اي انها مرت على مطبخ (او اكثر من مطبخ) للرقابة الكنسية المشددة، قبل نشرها على الملأ. وانا شخصيا اميل الى الاعتقاد القريب من الجزم، بأن ترك مكان مجيء المجوس ملتبسا، كان لاحد سببين او الاثنين معا: الاول ـ عدم الثقة الكاملة باستمرارية العلاقة الكنسية ببعض "المجوس" المعنيين. والثاني ـ عدم كشف "المجوس" الذين هم على علاقة مع الكنيسة، وحمايتهم من ردود الفعل الانتقامية.
3 ـ ان "المجوس" كانوا اما عربا من شبه الجزيرة العربية، واما كلدانيين او بابليين، واما فرسا؛ واما من هؤلاء جميعا.
ج ـ فرار العائلة المقدسة الى مصر واقامتها فيها الى حين وفاة هيرودس:
جاء في الكتاب المقدس ان الملاك ظهر ليوسف النجار وطلب منه ان يهرب بالطفل يسوع الى مصر.
ولكن الكتاب المقدس لا يعطي اية تفاصيل عن هذه الرحلة الطويلة والشاقة والمحفوفة بالمخاطر من بيت لحم في فلسطين الى داخل مصر، وهي مسافة تقدر بمئات الكيلومترات في ارض صحراوية وساحلية حارة وجافة وصعبة.
الا ان المصادر المسيحية، ولا سيما المصرية منها، لم تهمل البحث في هذه الرحلة، من جهة، لاضفاء القدسية على الانتشار المسيحي في مصر، حتى في المناطق التي ربما لم تصل اليها العائلة المقدسة، ومن جهة ثانية، للتبرير القداسي للانتشار المسيحي ونشاط المؤسسة الكنسية ذاتها بالزعم ـ الصحيح او ربما غير الصحيح في بعض الحالات ـ بأن "يسوع مر من هنا!".
وفي دراسة بعنوان "رحلة العائلة المقدسة الى ارض مصر" (يمكن العثور عليها في الاثير الالكتروني) من اعداد Ava Tony ومن اصدار الكنيسة القبطية الارثوذكسية المصرية، جاء فيها ان العائلة المقدسة سافرت الى مصر، فامتطت السيدة العذراء مريم حمارا والطفل يسوع على ذراعها ويوسف يقود الحمار. وكانت برفقتهم ايضا عجوز من اقربائهم اسمها سالومي او سالوما كانت تسير خلف الحمار. وتقول دراسة Ava Tony ان يوسف لم يكن يعلم "إلى اين يمضى؟ لم يكن يعلم كيف سيعيش فى أرض غريبة! كيف سيأكل هو ومن معه؟ أين يحتمى من حر الصيف وبرد الشتاء؟".
وتضيف الدراسة "هناك ثلاث طرق للقوافل للقادم إلى مصر"، "ولكن المصادر الكنسية والتقليد الكنسي... تقودنا إلى إعتقاد أكيد أن العائلة المقدسة سلكت طريقاً خاصا يختلف عن الطرق الثلاثة المعروفة فى ذلك الزمان" والسبب حسب رأي الأنبا غريغوريوس أسقف الدراسات اللاهوتية الذي استشهدت به الدراسة: يبدو أن هيرودس علم بعد فوات الأوان بهرب العائلة المقدسة إلى مصر، فأرسل عشرة جواسيس من قبله إلى مصر، وأمرهم بأن يفتشوا بتدقيق عن الصبي، ويأتوا به إليه حيا ليقتله بيديه". "وكانت العائلة المقدسة تغير مكان إقامتها فى مصر شمالاً وجنوباً، وشرقاً وغرباً، ومات هيرودس قبل أن يتمكن من بلوغ مأربه الخبيث". "وقد دخلت العائلة المقدسة مصر عن طريق صحراء سيناء من الناحية الشمالية من جهة الفرما (بين مدينتى العريش وبورسعيد). وبعد أن عبرت العائلة المقدسة مدينة العريش تابعت السير فى طريق يسمى الفلوسيات". "ثم إنتقلت العائلة المقدسة بعد ذلك من الفرما في طريق إلى تل بسطا والتي كانت قديماً مدينة بسطا." و"دخلت العائلة المقدسة مدينة بسطا وهى الآن تسمى تل بسطا بالقرب من الزقازيق بمحافظة الشرقية، وتبعد عن القاهرة حوالى 100 كيلومتر من الشمال الشرقى". "ومدينة بسطا هى من المدن المصرية القديمة إسمها المصرى القديم "بير باستيت" Per Bastit أي مدينة الآلهة، واسمها القبطي "بيوباست". وتذكر الدراسة ان العائلة المقدسة طافت في مناطق عديدة في مصر، وهي تعدد وتصف تلك المناطق.
وكان للجوء العائلة المقدسة الى مصر واقامتها فيها الى حين وفاة هيرودوس، دور كبير في انتشار الديانة المسيحية في مصر بعد ظهورها.
وتقدم الدراسة وصفا مفصلا لارتحال العائلة المقدسة في مختلف المناطق المصرية بما فيها القاهرة، والكنائس والاديرة والمزارات الدينية التي اقيمت فيما بعد، في تلك الاماكن.
ولكن الدراسة تجعل العائلة المقدسة ترتحل بشكل سريع الى كل الارجاء المصرية، وهذا يعني شيئين:
الاول، التنقل الدائم حتى لا تقع العائلة المقدسة في يد الرومان او اليهود وجواسيسهم؛
والثاني، ان الدراسة موضوعة بعد زمن طويل من فرار العائلة المقدسة واقامتها في مصر؛ وقد ارادت المراجع الكنسية وواضعو الدراسة "تنقيل" العائلة المقدسة في كافة الارجاء المصرية لارضاء مختلف الابرشيات، ومطابقة (بمفعول رجعي) خريطة ترحل العائلة المقدسة مع خريطة انتشار المسيحية، لاضفاء الطابع المقدس على كل اماكن الانتشار المسيحي.
وتفيدنا الدراسة ان العائلة المقدسة تنقلت، على العموم، في اجواء "صديقة" ومؤيدة للمسيح ومؤمنة به؛ ولكن ذلك لم يكن دائما اذ كان يوجد اعداء ايضا، سواء كانوا من مؤيدي السلطة الرومانية او يهودا او مجرد وثنيين. وفيما يلي قصة استشهاد احد المؤمنين بالمسيح الذي ابدى استعداده لاستضافة العائلة المقدسة، كما ترويها الدراسة: "فلما عاد ودامون إلى أرمنت سمع عابدو الأوثان بوصوله، فجاؤوا إليه مسرعين وقالوا: هل الكلام الذى يقولونه عنك صحيح؟
فقال لهم: نعم أنا ذهبت إلى السيد المسيح وباركني وقال لي: أنا آتي وأحل في بيتك مع والدتي إلى الأبد.
فصرخ كلهم بصوت واحد وأشهروا سيوفهم عليه ونال إكليل الشهادة فى مثل هذا اليوم."
تبليغ العائلة المقدسة بموت هيرودوس:
وتكمل الدراسة: "ويذكر المؤرخون: إن رجلاً من سبط يهوذا إسمه يوسى وهو من أقارب مريم العذراء ويوسف النجار، جاء من بلاد الشام، وأمكنه بعد تعب كثير أن يصل إلى العائلة المقدسة في جبل قسقام . وقد أتى ليبلغهم بما فعل هيرودس الملك، وكيف قتل جميع الأطفال في بيت لحم وإذ علم بهروب الطفل الإلهي وأمه، أرسل عشرة جنود للبحث عن الطفل وأسرته والقبض عليهم أحياء ليقتلهم بيديه واحداً واحداً.
فلما سمعت العذراء مريم هذا الحديث، إنزعجت وأسرعت فإحتضنت الطفل الإلهي وصعدت به إلى سطح الغرفة العليا التي أعدها القديس يوسف النجار له ولأمه للإختباء فيها، فطمأنها الرب يسوع وقال لها: "لا تخافي يا أمي ولا تبكي، فإن بكاءك يحزنني. إن الوقت لم يحن بعد ليسلـَّم إبن الإنسان، وسوف لا يعرف الجند مكاننا". وتطلع إلى القديس يوسف النجار وإلى سالومي وقال لهما:" لا تخافا". ثم وجه الخطاب إلى يوسى: "لقد تعبت من أجلنا كثيراً وتحملت مشاق السفر أميالاً عدة، إن أجرك كبير".
ثم قال له:" والآن أسترح أنت، وهنا يمكنك أن ترقد". فأطاع يوسى وأخذ حجراً ووضعه تحت رأسه، وأغمض عينيه وما هى إلا فترة قصيرة حتى أسلم الروح".
"فلما مات هيرودس إذا بملاك الرب قد تراءى ليوسف فى الحلم بمصر قائلاً: "قم خذ الصبى وامه، واذهب إلى ارض إسرائيل، فإنه قد مات الذين يطلبون نفس الصبي، فقام وأخذ الصبي وامه وجاء إلى أرض إسرائيل" (أنجيل القديس متى: 2: 19 ـ 21).
XXX
واخيرا، ليسمح لنا القارئ في ان نعرض استنتاجاتنا من رواية ميلاد السيد المسيح وتداعياته، مع الاشارة مسبقا اننا اذا اختلفنا بالرأي مع بعض رجال الدين او الاوساط الدينية، فإننا لا نتعرض وليس لدينا اية نية في التعرض للمفاهيم الدينية اللاهوتية بحد ذاتها، بل اننا لا نخرج عن "الشق البشري" من المفاهيم الدينية المسيحية ذاتها، التي تقر بالطبيعتين (الالهية والبشرية) للسيد المسيح. ونحن نقدم كل الاحترام للمفاهيم "الالهية"، وبالمقابل نستخدم حقنا البشري في مقاربة فهم الجوانب البشرية وحسب في رواية ميلاد السيد المسيح وتداعياته. وفيما يلي بعض ملاحظاتنا "البشرية" حصرا:
ـ1ـ ان ميلاد السيد المسيح ليس حادثا فجائيا مفصولا عن الزمان والمكان (كصاعقة رعدية في صيف في صحراء)؛ بل هو ـ في طبيعته، وفي مكانه وزمانه ـ حلقة في سلسلة الصراع المستميت بين شعوب الشرق (والعالم)، من جهة، وبين الاستعمار العنصري "الغربي" والاستغلال الرأسمالي "اليهودي"، من جهة ثانية. ولا عجب في ان هذا الصراع ـ كان ولا يزال ـ يجد اصداءه في السموات، وفي ما وراء الغيب، طالما "ان الله خلق الانسان على صورته ومثاله"، كما يقول الدينيون، وطالما "ان وجود الله هو ضرورة انسانية"، كما يقول الفلسفيون.
ـ2ـ كانت حركة الوعي والتنظيم الديني "الالهي التوحيدي"، وهي ما يمكن تسميتها مجازا "الحركة الابراهيمية"، تسير وتتطور بشكل موحد في الظاهر على الاقل، حتى لحظة ميلاد السيد المسيح. ولكن الواقع ان تلك الحركة لم تكن موحدة، وانه كان يوجد في داخلها تيارات ومفاهيم مختلفة، واهمها اثنان:
ـ التيار الانعزالي ـ العنصري ـ الاستغلالي ـ الممالئ للسلطة الرومانية والطبقات الغنية ـ والساعي الى فرض سلطته المطلقة على "الاغيار"، وهو التيار الذي سمي فيما بعد "الدين اليهودي"؛
ـ والتيار الاممي ـ الانساني ـ المعادي للسلطة الرومانية وللطبقات الغنية ـ المدافع عن الفقراء والمظلومين والعبيد ـ والمناضل لاجل تحريرهم، وهو التيار الذي سمي فيما بعد "الدين المسيحي".
واذا كان التيار "المسيحي" (ما قبل المسيح) لم يكن بعد قد حمل اسما مميزا، فهذا لا يعني ابدا عدم وجوده. واذا كان من مصلحة "اليهود" والغرب الرأسمالي ـ الاستعماري المسمم باليهودية طمس هذه النقطة، فإنه للاسف الشديد ان العلماء والمؤرخين الشرقيين، الدينيين وغير الدينيين، المسيحيين والمسلمين، لم يعطوا الى الان الاهتمام الكافي لهذه النقطة التاريخية المفصلية. وهو ما تستغله اليهودية الانتهازية للظهور بمظهر الدين التوحيدي الاول، الاساسي والاصلي، وان المسيحية، ومن بعدها الاسلام، ما هما سوى "فرع"، او حتى "انشقاق" و"خروج" عن اليهودية.
والواقع ان "المسيحية"، كحركة وعي وتنظيم ونضال، بأشكال دينية، وجدت قبل المسيح بزمن. وعلى العلماء والمؤرخين وخصوصا رجال الدين المخلصين تدقيق هذا الزمن وتحديده. والرواية المسيحية لميلاد السيد المسيح تؤكد هذه النقطة. اذ ان التيار "اليهودي" كان ينتظر "علامات" اخرى لمجيء المسيح، اي انه كان ينتظر مجيء "مسيح آخر" مختلف عن المسيح الذي "حقا جاء". اما انصار التيار "المسيحي" فصدقوا فورا (اي كانوا مستعدين مسبقا لتصديق) مجيء المسيح الفقير، الملاحق من قبل الرومان وعملائهم ويهودهم، وسجدوا له واحتضنوه وهربوه وآووه واخفوه من وجه اعدائه. اي ان "المسيحية" لم تولد بولادة المسيح، بل ان ميلاد السيد المسيح جاء ليكشف وجود المسيحية قبل المسيح، وليكشف تماما ويكرس نهائيا وجود "اليهودية" و"المسيحية" والتناقض التناحري التام فيما بينهما الى "يوم الحساب".
ـ3ـ جغرافية انتشار "المسيحية" قبل وبعد ميلاد السيد المسيح:
تحدثنا الرواية المسيحية عن "رعاة يبيتون في البادية" وعن "مجوس اقبلوا من المشرق" وعن فرار العائلة المقدسة الى مصر واختبائها فيها. وبتقييم منطقي ـ جغرافي هذا يشمل:
اولا ـ المحيط الفلسطيني وسوريا وشرقي الاردن والنقب وغزة وسيناء، والعمق المصري، وشبه الجزيرة العربية وبابل وكلديا وربما فارس. وتفيدنا الرواية المسيحية ان "الرعاة" جاؤوا مباشرة للسجود للسيد المسيح، وهذا يعني ان "العلاقة المسبقة والثقة المسبقة" بهم كانت وثيقة، وهم المحيط الاول والاساس الاول للانتشار المسيحي. وفيما بعد سيقول المسيح لبطرس (الفلسطيني) "انت الصخرة، وعلى الصخرة ابني كنيستي". و"الكنيسة" لغويا تعني "الجامع" او "الجماعة" او "الامة". وبعد ذلك سيكرس الاسلام اولوية وقدسية فلسطين برواية الاسراء والمعراج ذات الطابع الاعجوبي السماوي. (ومهما بلغ من غلاظة قلوب وعقول "الاسلاميين!" التكفيريين الذين يكفرون المسيحيين، فإنهم ـ اي التكفيريين ـ لا يستطيعون ان يتنكروا لاعجوبة الاسراء والمعراج، التي قدّس بها النبي العربي العظيم ارض فلسطين التي ولد وعاش فيها السيد المسيح).
اما "المجوس" الذين اقبلوا من "المشرق" فلم تكن العلاقة معهم بعد بهذا الثبات، وهم جاؤوا وسألوا اولا اليهود وهيرودس المتهود عن ميلاد المسيح، ثم سخروا من هيرودوس ولم يعودوا اليه ولم يسلموا المسيح.
اما اهل القبطية (التي اصبحت تسمى لاحقا: مصر) فقد كانوا موضع ثقة تامة لملاك الرب وللمسيحيين الاوائل وارسلت اليهم العائلة المقدسة لتختبئ لديهم. وهذا يدل على وجود تنظيم "مسيحي" واسع الانتشار وصلب العقيدة في مصر قبل ميلاد السيد المسيح.
من هذه الجغرافية انتشرت المسيحية بتردد باتجاه الشرق (ما بعد شبه الجزيرة العربية والعراق)، ولكنها اتجهت للانتشار بقوة باتجاه الشمال والغرب: كيليكيا واسيا الصغرى وبلاد البلقان، وجزر وسواحل اوروبا الغربية.
ـ4ـ المسيحية والامة العربية:
ان العلاقات بين الشعوب والامم، واقامة الدول والامبراطوريات الموحدة كانت تتم بصورة رئيسية بواسطة الغزوات والحروب وسيطرة امة على امة. وهذا ينطبق ايضا على الشعوب القديمة التي تألفت منها لاحقا الامة العربية، اي شعوب سوريا وفلسطين ولبنان وما بين النهرين ووادي النيل وشمال افريقيا. ونظرا لخصبها وغناها الاقتصادي والحضاري، تعرضت منطقة فلسطين وسوريا ولبنان مرارا للغزوات الآتية من العراق ومصر. وحتى العشيرة اليهودية، التي امتهنت في مصر الفرعونية مهنة النخاسين ونظـّار العبيد، وبعد ان فرت من وجه المصريين الذين ضاقوا ذرعا بها، تطلعت في وقت ما الى ابادة اهل فلسطين والاستيلاء على مدنهم واراضيهم. وقبل ميلاد السيد المسيح كانت مصر وسوريا وفلسطين وشرقي الاردن قد سقطت في قبضة روما. وجاء ميلاد السيد المسيح، وتحول المسيحية الى ظاهرة دينية واسعة الانتشار في المنطقة كلها، ليرسي اسس نمط جديد من العلاقة بين شعوب المنطقة بمعزل عن سلطة روما وعملائها، وضدها وضدهم. والعلامة المميزة لهذه العلاقة الجديدة هو كونها علاقة اخوية دينية. ولكن من المؤكد انه تحت العلامة الدينية، كانت هذه العلاقة تتشعب في النواحي الثقافية العامة، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، خصوصا وانها تتم في ظروف مغايرة للسلطة القائمة ومعادية لها. وهذا ما يفسر، على سبيل المثال لا الحصر، بداية انتشار استخدام اللغة الارامية، اي اللغة التي كان يتكلم بها السيد المسيح، والتي كتبت بها بعض الاناجيل، وكانت تتلى بها الصلوات المسيحية. وبكلمات اخرى، فإن ميلاد السيد المسيح وبداية الانتشار الواسع للمسيحية، دشنا الاسس الاولى للعلاقات الاخوية، غير السلطوية، بين شعوب سوريا ولبنان وفلسطين ووادي النيل وشبه الجزيرة العربية وما بين النهرين، التي تشكلت منها لاحقا الامة العربية. واذا كان كلامنا يعجب او لا يعجب هذا او ذاك، فإنه لولا "هذه" المسيحية لما كان من وجود لـ"هذه" الامة العربية، ولكانت الامة العربية اتخذت شكل وجود مختلف تماما عما صارت اليه. وحتى ايامنا الراهنة فإن المسيحية، بالرغم من كل ما طرأ عليها من تشوهات، ذات مصدر "غربي"، فإنها ـ بانفتاحها الحضاري وقيمها الانسانية ـ لا تزال تمثل الجهاز الدماغي ـ العصبي للجسم العربي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب لبناني مستقل



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الفوضى البناءة- ردة اميركية رجعية على هزيمة اسرائيل في حرب ...
- الحرب -الاسلامية!- الاميركية ضد سورية والنفط والغاز في شرقي ...
- معركة سوريا... مشروع افغانستان معكوسة، او الفخ الروسي للعصاب ...
- من التعددية الحضارية الى الآحادية القطبية الرومانية
- الاهمية التاريخية للحروب البونيقية
- بدايات الصراع القومي مع الامبريالية الغربية (تدمير قرطاجة، س ...
- الجذور التاريخية للصراع القومي في العالم القديم
- مأساة غزة وظاهرة الحرب الاستعمارية والابادة الجماعية
- الصراع الوجودي المستمر مع الصهيونية
- من رسالة الى الاتحاد البلغاري للمناضلين ضد الفاشية
- مجزرة اطفال بيت لحم
- جلادو المسيح والمسيحية الشرقية
- التبعية لاميركا تأخذ اوروبا الى القاع
- اميركا تبيع الاوهام القاتلة لحلفائها وروسيا تستنفر قدراتها ا ...
- الدور -العثماني الجديد- للطورانية الاسلامية الكاذبة!!!
- ازمة المديونية تهدد العالم الرأسمالي الغربي
- تقرير بيلاطس البنطي عن قضية صلب السيد المسيح
- التعاون التكنولوجي العسكري بين ايران وروسيا يرعب اميركا
- الحرب السرية الاسرائيلية ضد ايران وحزب الله
- فلاديمير بوتين الفائز الاول في الانتخابات الروسية


المزيد.....




- تحليل للفيديو.. هذا ما تكشفه اللقطات التي تظهر اللحظة التي س ...
- كينيا.. عودة التيار الكهربائي لمعظم أنحاء البلاد بعد ساعات م ...
- أخطار عظيمة جدا: وزير الدفاع الروسي يتحدث عن حرب مع الناتو
- ساليفان: أوكرانيا ستكون في موقف ضعف في المفاوضات مع روسيا دو ...
- ترامب يقاضي صحيفة وشركة لاستطلاعات الرأي لأنها توقعت فوز هار ...
- بسبب المرض.. محكمة سويسرية قد تلغي محاكمة رفعت الأسد
- -من دعاة الحرب وداعم لأوكرانيا-.. كارلسون يعيق فرص بومبيو في ...
- مجلة فرنسية تكشف تفاصيل الانفصال بين ثلاثي الساحل و-إيكواس- ...
- حديث إسرائيلي عن -تقدم كبير- بمفاوضات غزة واتفاق محتمل خلال ...
- فعاليات اليوم الوطني القطري أكثر من مجرد احتفالات


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جورج حداد - المسيحية قبل وبعد ميلاد السيد المسيح