جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 4011 - 2013 / 2 / 22 - 11:36
المحور:
كتابات ساخرة
جلستُ خلف منزلي صبيحة يوم الجمعة الماضية وكان الطقس مشمسا جدا وجميلا جدا لم أرَ مثله طوال حياتي إلا مرة واحدة أو خمس مراتٍ في كل فصلٍ من فصول الشتاء,وقلت: يا الله لا إتنغص علينا هذا اليوم ولا بأي خبر سيء وخلينا حلوين زي ما إحنا.. امممم ما أجمل هذا اليوم! بس أكيد هسع راح يجحيني حدى وينغص وينكد عليّ عيشتي..أنا عارف نفسي أني إنسان ليس له أي حظ جيد,وفجأة بدأ درس الجمعة لفضيلة الشيخ وسمعته من خلال مكبرات الصوت:فقلت: يلله خليني أسمع ما يقوله وتوجهت بكل حواسي إلى مكبرات الصوت... ثم تزحلقتُ من على الكرسي وهبطتُ بجسمي هبوطا إنزلاقيا وتمددت بكل جسمي على الحسيرة التي فرشتها فوق التراب لكي أستعير من خيوط الشمس الدافئة حماما شمسيا ووضعتُ فوق الحسيرة فرشة إسفنجية قديمة ورقيقة جدا بحيث أنني كنت أتحسس ببعض الحجارة الواقعة على التراب تحت الفرشة التي يحتك فيها بطني وظهري وأنا أتقلب يمنةً ويسرة,وهذا ليس موضوعنا بل أن الموضوع الأساسي أنني استمعتُ إلى (درس الجمعة) عبر مكبرات الصوت قبل أن يبدأ الشيخ بخطبة الجمعة,وهذه عندنا عادة مستحبة يوم الجمعة قبل خطبة الجمعة وهي في الأصل ليست فرضا ولا سنة بل عادة جرت عليها مساجدنا في عموم أرجاء المملكة وأعتقد بأنها أيضا عادة عند جميع أهل السُنة أو كما يسمينا الشيعة(النواصب) وليس السنة,وكان الدرس منذ البداية رائعا جدا بحيث أنني استسلمت للشيخ الذي يعطي الدرس وأعجبتُ جدا بكلامه الجميل عن الإسلام وشعرتُ وقتها أنني بكل كتاباتي الماضية عن الإسلام قد ظلمتُ الإسلام كثيرا وظلمتُ نفسي وهذا الشعور انتابني فقط لعدة دقائق وبعدها غيرت وجهت نظري وعُدتُ إلى رشدي,والسبب كان كالآتي:
بدأ الشيخ بحمد الله وبالصلاة على النبي محمد(ص) وبعدها قال الشيخ:الحمدُ لله على نعمة الإسلام وكفى,فقلت:جميل...حقه أن يفتخر بمعتقده وأن يتباهى ويتظاهر بالرضا وبالقناعة...ثم قال:الحمدُ لله الذي جعلنا مسلمين أو من المسلمين,وقلت أيضا: حقه وهذه ديموقراطية, ثم أطربني الشيخ جدا حين وصف النبي محمد بمواصفات جميلة حيث أكد على دين الرحمة والسلام والمحبة التي جاء بها كرسالة سماوية إلى الناس كافة وخصوصا حين قال: لكم دينكم ولي دين,وعندها تفاءلت جدا وصار عندي أمل بحياة جميلة وبمستقبل زاهرٍ أكثر من أي وقتٍ مضى وقلت في نفسي: يا سلام,هذا ما أحب سماعه عن الإسلام!!!أنا لازم الآن أن أتوضأ وأن أذهب إلى المسجد للصلاة فيه لأن الشيخ سحرني كثيرا بما قاله عن الإسلام وعن التسامح وخصوصا مع الديانات الأخرى وفضل محمد(ص) على كل الناس كونه جاء بالمحبة وبالسلام,وصدقوني أنني طربتُ جدا وشعرت أنني بذاك اليوم قد انتقلت إلى عصرٍ جديد فيه الحب والأمل والتسامح حتى مع الأعداء...وصرت أحلم...ثم أحلم بحياة ثقافية جميلة أكون فيها حرا في كتاباتي, وطبعا الشيخ لم يدع كلمة جميلة إلا ووصف الإسلام فيها ولم يتحدث إلا عن قيم التسامح والعدل والإحسان والحب والرأفة والمحبة والسلام,وكدتُ أن أقفز من حمامي الشمسي لأذهب بسرعة إلى المسجد ولكن حدث شيء مريب لم أكن أتوقعه فالشيخ قد قفز بكلامه قفزة قوية وكبيرة الحجم وتحول إلى الضد وانقلب أكثر من 360ْ درجة بسرعة مذهلة ونسي كل ما قاله,وصار مثل ماتور السيارة المصاب بحالة(كوشنيت) أي أنه صار يخلط الماء بالزيت بعد أن كان جيدا.
لقد نسي الشيخ بسرعة كل كلمة قالها وفجأة قال: لعنة الله على اليهود والنصارى...الإسلام لا يمكن أن يعود إلا من خلال التضحية والشهادة في سبيل الله,ومن ثم صار يقرأ بآياتٍ من القرآن تحرض المسلمين على كُره كل شيء,حرضهم على نسائهم وبناتهم وكل حريمهم,وحرض الناس على قتال ومقاومة كل من لا يشهد بأن محمدا ليس رسول الله,فقلت: العمى في قلبه قبل إشوي كان يقول عن الإسلام بأنه دين المحبة والتسامح فكيف يكون كل هذا وبنفس الوقت بعد أقل من عشر دقائق غير كل أقواله ومعتقداته!!هل هذا الدين فيه تناقضات أم أن التناقض فينا نحن كعرب مسلمين؟ لماذا خلط الشيخ الحابل بالنابل والبصل في الأرز؟...ثم أردفَ قائلا:لن يصل المسلم إلى درجة محمد صلى الله عليه وسلم إلا إذا قدم دماءه وقاتل المشركين والكفرة والملحدين وكل من لا يؤمن بالإسلام,فقلت في نفسي كما يقول المصريون:(إيه هي جوازه بالعافيه ولا إيه الحكايه ما اتفهمونا حاجه!)...وقال:لن ترجع فلسطين إلا من خلال الجهاد في سبيل الله...لعنة الله على الصليبيين وكل من يحمل فكرا غير إسلامي...ومن أراد تبديل دينه الإسلامي فهو كافر,واقتلوه,...الغرب كافرٌ جدا ويريد منا تقليده بكفره,لعن الله المرأة المتشبه بالرجل والرجل المتشبه بالمرأة,...لعنة الله على المرأة السافرة وغير المحجبة,المرأة شيطان بصورة إنسان,يجب محاربة المشركين والمفكرين الذين يريدون لنا دينا آخر عير دين الإسلام, ثم قال:إحموا أولادكم من فتنة النت,ولم يدع شيئا إلا وسبه وشتمه,ومما حيرني جدا هو أنه هو وكافة الشيوخ يقولون عن الإسلام في بداية كل خطبة ودرس قولا جميلا ترتاح له ضمائرنا ولكنهم جميعا وبلحظة واحدة يتحولون من الدعوة للمحبة وللسلام إلى الشتم والسب العلني حتى تصل مسباتهم وشتائمهم كل إنسانٍ على وجه الأرض.
طبعا والقائمة تطول وليس لها عد أو حصر,فكيف بدأ الشيخ بوصف الإسلام بأنه دين تسامح وخير ومحبة ثم انتقل فجأة إلى سب وشتم كافة التيارات الفكرية وكافة الأديان؟ صدقوني كدت أن أرتدي أجمل ما عندي من ثياب للذهاب إلى المسجد والصلاة فيه ولكي أنعم بدين الإسلام دين المحبة والسلام والتسامح حيث قال الشيخ من البداية أن الله أرسل رسوله محمدا للناس كافة ليتعلموا منه معنى الحب والعدل والتسامح, فكيف قال كل ذلك ومن ثم انقلب بدون سابق إنذار أكثر من 360ْ درجة رأسا على عقب وبدأ يشتم ويسب ويحقر في غير المسلمين؟ إنها بجد حالتنا الحقيقية وهذا هو الموقف السليم من الشيخ وصدقوني أن الشيخ الذي استمعتُ إلى خطبنه لم يكن كاذبا بل على العكس هو قال حقيقة الإسلام التي تحمل وجهين مختلفين واحد هو المحبة والسلام والثاني الكره والعداء لكل من هو غير مسلم.
وكل الناس مثل هذا الشيخ وليس وحده,فكل الذين نتناقش معهم حول هذا الموضوع ولا يدركون أنهم داخل دين متناقض,وبصراحة الدين الإسلامي بحاجة إلى تحديد مفاهيم جديدة له وللمسلمين وبحاجة إلى مراجعة دقيقة لكي لا يضطر المسلم للاختلاف مع المجتمع المدني الحديث,وقولوا لي:كيف أفعل مع هذا الدين؟وكيف أتعايش معه؟.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟