حق التظاهر السلمي بعد حق الحياة

احمد مصارع

الحوار المتمدن-العدد: 1154 - 2005 / 4 / 1 - 11:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

أنا أتظاهر سلميا , إذن أنا مواطن ..
أما إذا قمت بنفي العبارة السابقة , فستكون على النحو : أنا أتظاهر سلميا ولست بمواطن .
وهذا يعني أنه مواطن عالمي جاء من خارج بلادنا ليشاركنا في التظاهر السلمي , وهذا يعني أن بلادنا قد تدمقرطت بما فيه الكفاية , بل وتأنسنت , فأرجو أن لايصحيني أحد من النوم , لئلا يطير الحلم , فأصطدم بصخور الواقع الأصم .
القضية 1+1=2 , هي مساواة , ومساواة بشكل مطلق , طالما كانت المجموعة المرجعية , نظام التعداد وللأساس عشرة , والدعوة لاختبار صحتها , نوع من العبث الذي لا طائل منه .
ليس من باب الفجأة أن يجد المتظاهر السلمي نفسه , ضحية مرة ثانية , للضرب بالهراوات , والركل بالأقدام , والاتهام بالخيانة , والعصيان المدني , وهذا أهون بكثير من إمكانية إطلاق النار عليه , وهناك ماهو أشد وأنكى
فمن المتوقع أن يحاججني أحد المجادلين بالقول :
( كيف عرفت أن حق التظاهر السلمي غير معمول به في بلادنا , لولا أن قمنا به نحن , فأصبح الأمر بديهيا !
أو قد يقول بكل ثقة , بأن حق التظاهر السلمي , مكفول بالدستور ..! ).
أما إذا قال احدهم , معبرا عن رغبته في انتزاع حق مفقود لنا جميعا , فهذا مالا يستحق النقاش أبدا , فالنزعة السلمية لابد وأن تكون غير عنفية , قولا وعملا , ومقولة ما أخذ بالقوة غير المشروعة , لا يسترد بمثلها أبدا , لأن المطلوب في هذه الحالة أن أخرج الى المظاهرة مسلحا , وحين يبادرني الخارج عن دستور البلاد برد عنفي,
فيسكون من حقي في هذه الحالة أن أدافع عن نفسي وبموجب الدستور نفسه .
حين يتظاهر المتضررون من سياسة نظام فاسد , فمن الطبيعي أن يجمعهم التضامن الصادق , والحرص الجماعي , على سلامة حياتهم , وأجسادهم , بل وحتى كرامتهم المعنوية , ومن حق (نظريا ) أصحاب الحقوق أن يطالبوا بحقوقهم المدنية , لكي يسمع الأصم صوتهم , ولكن بافتراض أن حق التظاهر السلمي مكفول حقيقة , ولا يكفي النص الدستوري المعلن , بل ينبغي إثبات صلته بالواقع .
الأزمة عامة , والنظام السياسي القائم لا يعمل بالدستور , فعلى من يقرأ الزبور ؟!.
الحق بالتظاهر السلمي , إقرار بحرية التعبير السياسي , بل تنمية سياسية احيائية , تنهض بالحياة السياسية , وإقرار بديناميات التطوير والتحديث , في البحث الصادق عن امكان قيام حضارة , ولإرساء تقاليد حياة حرية جديدة , وهي تقاليد اجتماعية بعيدة عن القمع والكبت , والموت ( المفاجئ ) للكثير من المقهورين , ومن يأس الأمل بحياة أفضل , والموت السلمي لمختنق , هو نوع من الموت الرحيم , لأشخاص انقضت أعمارهم , بعد أن ذوت أرواحهم , وهي تنظر لحظة عودة الوطن لأبنائه , وبالاصطدام مع الأجهزة اللامبالية , بحياة ومصائر الناس , والبارعة في وأد أو خنق كل امكان وجود بيئة صالحة للحياة .
يحكى أنني , قد كنت مضطرا للسفر الى عاصمة بلد ما , بحثا عن صديق ما يقرضني , بعض المال , فقد أنهكني الجوع والفقر والعري , ولن يكون بمقدوري أن أقبض راتبا , وقبل انقضاء عدة أشهر من عملي , وفي مكان احتمال وجوده هناك , وجدت تجمعا غير طبيعي بالمرة , وصادف أن تعرف علي أحدهم , ( حظ ملعون ) , وفاجأني بالقول: أيها القائد , من أين جاء الله بك !؟ , لقد كنت أبحث عمن يقود هذه الجماعة للهجوم على سفارة .....! .. وبشكل سلمي , ولكي يعرف الرأي العام ..!!...
ويحكى , أنه لم يكن لديه من الإمكانيات سوى , شاحنة لنقلنا جميعا , وبأن الأمر اعتيادي للغاية ..!!!
الأمر بسيط للغاية , وفي مجتمع مدني , وآمن , فما ذلك سوى نزهة ؟
ويحكى أنني كنت قائدا ميدانيا , وطلائعيا , فقد كنت أول من تعر بش على السور المعدني , وفجأة , صار الرصاص , يلعلع من حولي , فكانت جبهة من نار , فأمرتهم بالعودة بعد أن سقطت من علو أمتار عديدة , وعدنا حيث أمرتهم بالاجتماع , فلم نجد أحدا , وحين وصلنا للمقر الأول , تبخر الجميع , وحيث لا احد ..
لقد سخرت من نفسي بالقول أيها الضابط المزعوم , أين الاستطلاع ؟!وما الاقتحام بلا إسناد ؟!, وبدون تطهير ..!!؟
ويحكى أنني ظللت مريضا , مصابا بالحمى , وحيدا , ولعدة أيام , نائما في فندق مغمور , ولا أحد من حولي سوى عناية الله , وبعد أن شفيت في انقطاع عن العمل , رحت ابحث عن صديق , ولم اصدق أبدا كيف خرجت من تلك الورطة سالما ..!!..
التظاهر السلمي يتم عادة في نسيج مجتمع , وان لم يكن تضامنيا بصفة سياسية , فعلى الأقل يكون تضامنيا بصفة اجتماعية ...
لقد حفظت عبارة القائد شي غيفارا , ومنذ الستينيات , سأخرج للمظاهرة ولكن ليس بدون مدفع رشاش , فحق الحياة , والدفاع عن النفس , هو فوق حق التظاهر السلمي ؟؟ ..أم لا !!. ولا أدري كيف لم أعمل بها ؟! .. لقد أنساني إياها شيطان السلم المدني , في المجتمع المدني ..
وللمقالة بقية ..

الرقه - 2005

#احمد_مصارع (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات