|
النخب المغربية والحراك الشعبي
محمد السلايلي
الحوار المتمدن-العدد: 4007 - 2013 / 2 / 18 - 18:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ليس هناك نخبة فشلت في تحقيق ما وعدت به شعبها مثل النخب المغربية. إن المتتبع للتاريخ العريق للدولة المغربية سيجد ان جميع السلالات التي حكمت المغرب كانت تثور في البداية على الحكم السائد لتمارس نفس اسلوبه في الحكم على المجتمع حين تنقلب عليه، هكذا جاء المرابطين بعد الادارسة ومن بعدهم الموحدين ثم السعديين و المرينيين و من بعدهم العلويين ، دون ان يحصل تغيير في نموذج الحكم و لا في بنية الدولة ولا في أوضاع الناس التي كانت، ولازالت ، متنافرة ومتناقضة ما بين البادية و المدن. بين المغرب النافع و غير النافع . حتى الحركة الوطنية بشقيها اليميني و اليساري لم تتجاوز منطق التمرد و التوافق المؤديين لاعادة انتاج نفس الاوضاع السائدة. لذلك تعتبر الحركة الوطنية الوحيدة بالمنطقة التي لم تصل للحكم. والاحزاب و النقابات و الجمعيات، كاطارات حديثة بدورها تفتقد للنفس الطويل لفرض مشاريعها السياسية و الاجتماعية على الدولة . لذلك تتساقط هذه الاطارات بين احضان النظام الزبوني العام الذي يتاسس عليه النموذج المخزني الحديث. عرف التاريخ المغربي الحديث بعض الحركات الاجتماعية الثورية التي كانت تسعى لتجاوز النموذج المخزني، أهمها ثورة عبد الكريم الخطابي و انتفاضة الشمال المغربي سنة 1984 حيث رفع لاول مرة شعار اسقاط النظام المخزني. و منذ ذلك الحين ظلت الحركات الاجتماعية و انتفاضات المدن مرهونة بالصراع السياسي الحزبي النقابي، محدودة في مطالبها لا تمس البنية العامة للدولة المخزنية. بروز حركة شباب 20 فبراير، النسخة المحلية للربيع العربي الثوري، أشر على عودة الحركات الاجتماعية الجذرية التي تسعى لازالة النموذج المخزني من خلال اسقاط الفساد و الاستبداد. هذه الحركة الشبابية و هي تتاهب لتخليد السنة الثالثة من نشاتها، في ظروف اقليمية و عربية تتميز بتعرض ثورات الشعوب ضد الاستبداد للردة و الارتداد، وإلى انقضاض اليمين المحافظ المتستر تحت غطاء الدين، على السلطة ونجاح هذه القوى العميقة في تامين اخضاع هذه الاقطار للنفوذ الامبريالي ، تكون حركة 20 فبراير قد بدأت في تراكم الخبرة النضالية و البحث عن انجع الطرق للتوسع جماهريا و اشراك الغالبية من فئات الشعب في الحراك الذي دشنته من اجل اسقاط الفساد و الاستبداد. يتسائل العديد من المناضلين عن ما تبقى من هذه الحركة، غير ان قرار قمع مظاهرات شباب 20 فبراير و قمع نضالات الحركات الاجتماعية من عمال و معطلين و مواطنين، الذيث أصبح قرارا رسميا سياديا لا رجعة فيه، يؤكد تجذر هذه الحركة و قابليتها لاسترجاع قوتها و عنفوانها في ظل الشروط السائدة. و هذا ما يتاكد يوما بعد يوم، حيث تقمع و تعتقل و تختطف السلطة المحتجين بالعديد من المدن: فإما ان المخزن واثق من نفسه و يعلم ان المجتمع يقف في صفه و أن غالبية عناصر هذا المجتمع لا ترى الفساد و تكتوي بناره و لا تحس بالاستبداد و تعاني من اذلاله، أو أن هذا المخزن أصبح مغرورا بقوته و اختار الضربة الاستباقية بالقمع المباشر لاي حركة احتجاجية حتى لو كانت من أجل أبسط الحقوق. ربما الغرور هي الحالة التي يمكن ان نصف بها هذا التصعيد المخزني، فكل الانظمة التي انتفضت عليها شعوبها وأسقطتها كانت مغترة باحتوائها الاحزاب و النقابات و الجمعيات و المثقفين فكانت تقمع كل صوت معارض. إن القمع السلطوي للمظاهرات السلمية التي هي حق مشروع في هذا الزمن الثوري ليس مدان فقط بل هو عامل من عوامل اللاستقرار و اهتزاز الانظمة التي لم تعد ترد على مطالب المحتجين الا بالقمع المتواصل؟ غير أن الصعوبات لازالت تعترض هذه الحركة و كل القوى الحية المساندة لها، بسبب بسط الدولة نفوذها على المجتمع، و بسبب حياد المثقفين و احتواء غالبيتهم ضمن المنظومة السائدة. فمن مشكلات المجتمع المغربي المتوارثة، ان التوترات و الاضطرابات التي يشهدها على اكثر من صعيد محدودة في منطلقاتها و في القضايا و المطالب التي تطرحها. وهي غالبا ما تنطلق من احداث بسيطة و عن طريق تحالفات سريعة تشارك في نفس الحدث ، ومطالبها هي فقط من اجل تحسين الوضع العام لا تغييره . و لا يوجد بين الغالبية من الجماهير الشعبية الا روابط محدودة بسبب صعوبة الحياة و ضراوة الاستبداد . ورغم ان ظروف عيش الاغلبية متشابهة فذلك لا يخلق بالضرورة وحدة فيما بينهم او ادوات للتنسيق و العمل المشترك بينهم ، بل بسبب تلك الظروف القاسية، يحول كل طرف الطرف الاخر منهم الى خصم. ويتعين عليهم باستمرار البحث من خارجهم عن من يمثلهم و يتحدث باسمهم ... لم يشهد المجتمع المغربي تحولات بشكل مباشر، و أغلب التحولات كانت غير مباشرة و لا شعورية، و الفرق بين المباشر و غير المباشر، بين الشعور و اللاشعور، هو ما يفسر لماذا لم يعرف المجتمع ثورات عميقة في نموذج الدولة كبقية المجتمعات رغم الاحداث الكبرى التي انخرط فيها و شارك في مجرياتها. ولهذا السبب، تعد حركته الوطنية الوحيدة بالمنطقة التي لم تستلم الحكم ، كما تعد معارضاتها الأهش بالمنطق لأن عوامل التدبدب و الانعزال يدفعها نحو التطبيع مع النموذج القائم. هذا الوضع أدى إلى اتساع دائرة اللامبالاة في كافة المستويات و الأصعدة. فعلى المستوى السياسي يتزايد العزوف عن الانتخابات واحتقار العمل السياسي و النضالي المنظمين و التشكيك في أهدافهما و مراميهما. و في الاقتصاد و المجتمع نجد الفتور حيال أي برنامج تنموي لأن كل مشروع تحضره الدولة و أجهزتها هو مدان مسبقا و دون إشعار، فليس من السهل محو مساوىء النظام الاستبدادي بجرة قلم أو بإعلان نوايا الإصلاح، و على الرغم من الاعترافات الملتوية للدولة بأخطائها في حق المجتمع، فإن الناس تنظر بعين الريبة لمشاريعها لأن نفس الأشخاص الفاسدين التي أساءت للمواطنين و للوطن هم من يتولون إنجاز تلك المشاريع. واقع عدم الثقة و اللامبالاة الذي يكبل القوى الحية التي تسعى لامتلاك مشروع مجتمعي بديل، هو واقع مفتوح على كل الاحتمالات، على الافاق المظلمة المتسمة بمناخ تسود فيه القيم المنحطة و تتراجع فيه المبادىء و المعايير الايجابية التي كان مبرر وجود الأحزاب و الحركات الاجتماعية من نقابات و جمعيات يتأسس عليها. ولم يبقى للأغلبية في مثل هذا الواقع الا اللجوء الدين، و الوقوع فريسة بين مخالب الحركات الاسلامية التي تتاجر بمآسيهم باسم الدين و المتعطشة للسلطة وبسط استبدادها على المجتمع؟ لكن هناك امكانات متعددة وواعدة أتت بها الحركة الشبابية، منها تحرير الشارع الاحتجاجي من قبضة القانون الجائر للدولة، حيث اصبح اللجوء اليه حق مجتمعي لا يحتاج لترخيص و موافقة السلطة، كما أن طرح المطالب الشاملة و العميقة تحت شعار اسقاط الفساد و الاستبداد، مكن القوى الحية من الانفلات من العمل التجزيئي و الفئوي الذي خضع له النضال الديمقراطي بوجه عام. إن الحركة لم تجدد في وسائل النضال المتاحة ولم تكسر حاجز الصمت و تحتل الشوارع و الساحات و الميادين، وانما أيضا أدت الى طرح المطالب الجذرية لتغيير النموذج المخزني المتوارث عبر قرون. أمام هذه القوى و خاصة اليسار الممانع، فرصة لا تعوض لمراجعة أساليب عمله و أفكاره لانضاج فعاليات الحركة الاحتجاجبة الكبرى المتبلورة، نحن نرى اليوم انقضاض المخزن على أعضائها الحركيين، حيث لا يمر يوم دون أن نسمع بتلفيق تهم باطلة للزج بهم في سجون المملكة. وهذه علامة ساطعة بأن المخزون النضالي الاحتجاجي للحركة لا ينضب رغم الحملات المكثفة المشبوهة التي تشيعها و تعتبرها أصبحت من الماضي..
#محمد_السلايلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدولة في مواجهة المجتمع
-
لماذا يغلب منطق التمرد على منطق الثورة ؟
-
الإسلاميون يحكمون و يعارضون ؟
-
من الضحية : الإخوان أم الثوار؟
-
بروبغاندا الإستثناء المغربي
-
هل أصبح الريسوني منظرا للثورة المضادة؟
-
من يستفيد من عيد الأضحى؟
-
الإكتساح الكبير هو بداية للأفول
-
- البارطاج- في وجه الجشع الرأسمالي
-
التابث و المتحول في السياسية المغربية
-
رمضان سياسي بامتياز
-
في زمن النت : هل انتهى دور الأحزاب ؟
-
الخوف لا يجنب الخطر !!
-
دعوهم يحكمون دعوهم يمرون!!
-
يوم كامل بدار الضريبة !
-
الإسلام ضد العلمانية : صراع بالوكالة !!
-
في عيدها الأممي : الشغيلة المغربية بين مطرقة الباطرونا وسندا
...
-
أنقذهم يا عمر سليمان !
-
أطلقوا سراح الحاقد ؟
-
المرأة القروية ونخبوية العمل النسائي بالمغرب
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|