|
هل الإنسان هو أفضل المخلوقات ؟
إبراهيم حسن
الحوار المتمدن-العدد: 4007 - 2013 / 2 / 18 - 07:39
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يراودني الشك هذه الايّام خصوصاً، بالمقولة المُطلقة التي تؤكد إن الانسان أفضل المخلوقات وسيّدها، وهي مقولة جاءت على لسان الكثير من الفلاسفة والمُفكرين، فضلاً عن الاديان السماوية والوضعية التي اكدّت أفضلية الانسان على جميع المخلوقات. يقول الله جل جلاله في كتابهِ الكريم ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَآدَمَ وَحَمَلْنَهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنهُم مِّنَ الطَّيِّبَـتِ وَفَضَّلْنَـهُمْ عَلَى كَثِير مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا)) " سورة الإسراء 70 " .فهذه آلاية المُباركة تؤكد ان بني آدم كُرّموا من قبل الله لان القائل – المخُاطِب هو الله، وفضلاً عن التكريم فإنهم فضلّوا ايضاً على كثير من المخلوقات التي خلقها الله. فهناك إذن " تكريم وتفضيل " للإنسان. وهي فكرة تلاقي تأييداً من قبل جميع المفكرين والفلاسفة وحتى العوام. على إعتبار أنه – الإنسان - الكائن الوحيد الذي يمتلك عقلاً وبالتالي فإنه يمتلك ذهنيّة تمنحهُ القدرة على إنتاج الكلام والفكر وبالتالي العقلانية. والفكر بدورهِ يساعدُ الانسان على مواجهة الحياة والتخطيط لها بشتى الوسائل المُمّكنة. وصحيحٌ إن الانسان يملك عقلا، لكن هل كل إنسان يملكُ عقلانية ؟ ويجري في حياتهِ على نمطٍ عقلاني – سويّ مقبول دائماً ما يجعلهُ معصوماً عن الخطأ ؟. أم ان هنالك شئ آخر يعمل بالضد من العقلانية ؟ في عبارةٍ تُنسب للإمام علي عليه السلام حيث يقول ((إِنَّ الله عَزَّوجلّ ركّبَ في الملائكةِ عقلاً بلا شهوة، وركّبَ في البهائمَ شهوة بلا عقل، وركّب في بني آدم كلتيهما; فمن غلب عقلهُ شهوته فهو خيرٌ مِن الملائكة، وَمن غلبت شهوته عقلُه فهو شرٌّ من البهائم)). توجز لنا هذه العبارة الكثير من الافكار وتجعلنا امام تساؤلات كبيرة طالما ارتبطت بقضيتي الخير والشر، وهي : متى يتّبع الإنسان عقله ؟ ويحتكم إليه ؟ ومتى يتبّع شهواته ويحتكم إليها ؟ وهل إن العقلانية هي من تفرض نفسها على الفرد أم إنه هو من يفرض نفسه عليها ليكون مُتعّقلاً ؟ وهل إن شهواته هي من تأتي إليه أم إنه هو من يذهب إليها ؟
يتفق الكثير من المفكرين والفلاسفة وعلماء الاجتماع، على قضيةٍ أساسيّة، وهي إن الإنسانَ لا يمكنُ أن يكونَ معصوماً – عقلانياً في كافة تصرّفاتهِ وأفعاله، فالحياة هي حياة تناقضات وأضداد، ففيها الجميل والقبيح.المؤمن والملحد. المسالم والشرير، وبالتالي فإن مسألة العقلانية هي مسألة نسبية طالما ان هنالك اضداد ودوافع ومُحفزّات تدفع الانسان لارتكاب فعل شنيع أو سلوك تصرّف حسِن. فلا يمكن إن نجد إنساناً حتى ولو كان مؤمناً ومسالماً وخلوقاً لم يُسَجّل في حياتهِ فعلٌ قبيح (أو ذنب او معصية في المفهوم الديني). ما يعني ان شهواته أو عاطفته هي فاعلة ايضاً وجاهزة للاستحواذ على عقلانيتهِ في ظرفٍ ما. اما إذا بحثنا عن إنسان مُجرم او شرير بكافة الاوزان والمقاييس فسنجدهُ بطريقةٍ أسهل من بحثنا عن مؤمن لم يرتكب أي فعل قبيح في حياتهِ. وهذه مؤشر خطير يدل على مفارقة كبرى في هذه القضية. نعم إذا تفحصنا السجون فسنجد أمثال هؤلاء الذين سلكوا منذ طفولتهم دروب الشر والقسوة والإجرام، ولم يعرفوا في حياتِهم أي معنى للخير أو المساعدة. فالمسألة هنا يمكن ان تقتربَ من الحكم المُطلق. فيمكن ان نقول ان هذا مجرم أوشرير أو مُذنب بنسبة 90% أو 95% ، وهو رقم ذو دلالة خطيرة جداً، يجيز لنا ان نُعمّم عليه الصفات السلبية وممارستها في اغلب سنوات حياتهِ. في حين لا يمكننا ان نقول ان شخص ما هو مؤمنٌ ومسالمٌ وخلوق بنسبة 70% ابداً، جل ما نستطيع أن نقوله هو إن هذا إنسانٌ صالح بنسبة 50% على الاكثر. ما يعني ان العقلانية قضية شائكة ونسبية الى حدٍ كبير، في حين تكتسب الشهواتية ( أقصد الشهوات والغرائز والعواطف البعيدة عن العقلانية والسلوك السوي) رقماً كبيراً في المُعادلة الفلسفية لحياة الإنسان. وهو ما يعني ان هناك " عقلانية و شهواتية " في كل إنسان، وهو يسلك تارة سلوكاً أو موقفاً وفق عقلانيته ووفق الظروف الاجتماعية التي تقوده لسلوك هذا التصرف او ذاك، وفي أحايين أخرى نجده يسلك سلوكاً منحرفاً صادراً من شهواتهِ - غرائزهِ نتيجة لمؤثراتٍ خارجية - موضوعية أو داخلية - نفسيّة. فثمة تصارع كبير يجري بين هاتين المفردتين : العقلانية - الشهواتية، في حياة اي إنسان. والصالح إنما هو ذلك الإنسان الذي إستطاع الإستجابة لعقلانيتهِ في أقسى الظروف التي يمرّ بها، والفاسد إنما هو ذلك الإنسان الذي استسلم لشهواتهِ في ابسط المواقف التي مَرّ بها في حياتهِ. وحتى لا نبتعد عن الموضوع كثيراً، أعود لاتساءل هل الإنسان هو أفضل المخلوقات ؟ في الحقيقة يبدو إن الإجابة عن هذا السؤال هي سهلة للغاية في حين أجدها اليوم ووفق معطيات الواقع صعبة جداً، لان مسألة الافضليّة ايضاً نسبيّة، فهناك إنسان هو من ذلك النوع الذي لا يستحق ان يُخلق انساناً - وحاشى الله - فهو يقترب في سلوكهِ وتصرفاتهِ من ابشع الحيوانات، بل إن الحيوانات قد تكون أرحم منه. هذا جانب. الجانب آلاخر، هو إن هذا الإنسان العاقل الذي ابدع هذه التكنولوجيا وهذه الإختراعات والإكتشافات. لم يستطع ان يخلق حالة من العقلانية المستقرة في نفسهِ، ولم يستطع مواجهة غرائزه الوحشية ولم يتمكن من ايجاد وسيلة حقيقية تمنع او تخفّف من تأثير الغرائز في توجيه تصرفاتهِ وسلوكياتهِ. ثم ان هذا الإنسان - الواهم - العاجز - إنما اخترع وسائل وآلات جعلته مستسلم لها ومنقاد إليها. فتكنولوجيا اليوم بما تتضمنهُ من كومبيوترات وشبكة عنكبوتية واجهزة الهاتف النقال المتطورة والاقمار الصناعية ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، جعلت الانسان أسيرها لا يعرف يمينه من شمالهِ، واتخذها الإنسان العاجز أحدى مقدساته التي لا ينفك يعبدها ويجلس امامها معها لساعاتٍ طويلة، ويستخدمها ويوظفها في اغلب تعاملاتهِ اليومية الرسمية واللارسمية. فهذا الإنسان الذي يُعّد أفضل المخلوقات وسيّدها. وفي نزوع غريب، أنتج آلات ووسائل اصبحت هي سيّد الكون، واضحت بلا شك أفضل منه بحكم إنه يُفضّلها على كثير من الاشياء ويُدمن عليها ولا يستطيع الإستغناء عنها، وبالتالي تنحّى هذا الانسان بشعور او لا شعور بإرادة او لا ارادة، عن مكانتهِ كسيّد للكون وسلّم هذه المكانة لتكنولوجيا هو من انتجها ثم ما لبث ان اصبح عبداً لها. إن أفضلَ المخلوقات اليوم، وأرجو ان لا يُفهم من كلامي الإساءة إلى الخالق عز وجل، هي التكنولوجيا التي صنعها الانسان بيده، وهذا ما يقوله الواقع، والمستقبل كفيل بإن يكشف المزيد من المفارقات الكبرى ويجيب عن اسئلةٍ من قبيل: هل التكنولوجيا سوف تُحطّم الانسان أو تبعده عن انسانيتهِ بشكلٍ او بآخر ؟ أم إنها تقرّبه من إنسانيتهِ وتعيده إلى مكانتهِ الاولى ؟
ان هذا الشعار المُطلق الذي نرفعهُ اليوم (( نحن أفضل المخلوقات ))، يجب أن نعيد النظر به، وربما إن القضية مُخجلة جداً لكنها أصبحت اليوم حقيقة يجب تفحصها والإقرار فيما إذا كان الإنسان بالفعل هو سيّد الكون وأفضل مخلوقاته ؟ ام إن هنالك منافس آخر له ؟
#إبراهيم_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آلهتي
-
الدين أفيون الشعوب .... هل كانَ ماركس مُحقاً ؟
-
فكرة المخلّص في الثقافة الاسلامية
-
الاحلام : الرمز والمعنى - 1
-
الإنسان الكوني - المعنى والمفهوم
-
البحث عن الحقيقة - الوهم المطلق
-
ما حقيقة الإعلام المغُرض ؟
-
لا جديد في الحكومة العراقية الجديدة !!!
-
أزمة الفكر البشري - رؤية سوسيولوجية نقدية-
-
آلام بائسة !!
-
حنانُ ألام : حاجة نفسيّة لما بعد الطفولة -المجتمع العربي إنم
...
-
أزمة الفكر
-
إسهامات الأستاذة مارجريت ميد في الإنثروبولوجيا النفسية
-
سيمفونية الصمت
-
أسطورة العراق الجديد
-
من سيقذفُ أوُباما بحذاءهِ ؟
-
ثرثرة رجلٌ يائس !
-
التنمية البشرية.....مجرد وعود !!
-
ما هي ألانثروبولوجيا ؟
-
هلوسة الصباح
المزيد.....
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|