ادريس الغزواني
الحوار المتمدن-العدد: 4003 - 2013 / 2 / 14 - 20:44
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
"الطرائق في علم الاجتماع " كتاب من الحجم المتوسط لصاحبيه الباحثان في علم الاجتماع ريمون بودون و رينو فيّول ’و الذي ترجمه الأستاذ مروان بطش ’ عن مؤسسة مجد الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع’ بيروت’سنة 2010 ’حيث يضم 159 صفحة .إن هذا الكتاب يتكون من ثلاث فصول بعد مقدمة حاولا من خلالها تبيان ما المقصود ب"الطرائق" ,هذه الكلمة الشائعة بشكل كبير في علم الاجتماع ,كما تعتبر من المفاهيم التي كتب عنها الكثير في هذا المجال. بحيث عرفها العالمان على أنها مجموعة من المبادئ التي توجه العلماء الاختصاصيين في علم الاجتماع ’في سعيهم لوضع نظريات جديدة و الشروع في تحليل و نقد النظريات الموجودة .كما أعطيا في مقدمته فكرة عن محتويات الفصول الثلاثة القادمة,لينتهيا بخلاصة ذكرانا فيها بالمراحل الرئيسية في البحث السوسيولوجي , وكذا ركزا على أن هذه المراحل هي متتابعة بشكل منهجي , لكنها لحركة واحدة بغية تعميق التحليل السوسيولوجي’ أي أن هذه المراحل لما نريد تفسيرها للقارئ فهي متتابعة ’ لكن عند التطبيق و الممارسة فهي متكاملة و متداخلة فيما بينها.
إن هذا الكتاب الذي بين أيدينا تستوي بين صفحاته ثلاث فصول, هي بدورها تتفرع إلى عدة محاور أساسية.معنونين الفصل الأول ب"التحليل السببي" .إن الباحثان في هذا الفصل ينطلقان من ثلاثة أسئلة من نوع "لماذا"’ تستوجب في نظرهما هذا النوع من التحليل( التحليل السببي) دون أخر ’ و هي كالأتي : لماذا يختلف الانتحار بحسب الأوقات و الأماكن؟ لماذا يقرر المرء الإدلاء بصوته لصالح مرشح معين؟ لماذا يكون مشروع ما رابحا أوخاسرا؟.يعتبر التحليل السببي في نظرهما الطريقة الأنجع للإجابة على هذا النوع من الأسئلة , و ذلك بالبحث عن العوامل السببية الخاصة بالظاهرة الاجتماعية .من هذا المنطلق ’يرى ريمون بودون و رينو فيّول أن التحليل السببي هو "الطريقة ذات الطبيعة الوصفية و التي تهدف إلى اكتشاف علاقات السببية الإحصائية بين أحداث اجتماعية"’ بحيث يعتبر إميل دوركايم المؤسس لهذا النوع من التحليل ’ و ذلك بفضل دراسته حول الانتحار .إن التحليل السببي من اللازم عليه أن يعترف بالجميل للمدرسة الفرنسية في علم الاجتماع لأنه ارتبط بتقاليدها السوسيولوجية و للبراد يغم الشمولي بصفة عامة الذي يعتبر أن الظواهر الاجتماعية كلية و شمولية تتواجد فيها كيانات نسعى إلى إبراز علاقات السببية بينها . لا يقتصر المؤلفان على التحليل النظري لمسألة التحليل السببي فقط’ و إنما ذهبا أبعد من ذلك حين وضعوا الخطوات و المنطلقات المنهجية لكل باحث في العلوم الاجتماعية بصفة عامة و علم الاجتماع على الخصوص,كصياغة الفرضيات, و وضع خطة الملاحظة, ووضع المتغيرات, و كذا تحليل العلاقة بين تلك المتغيرات.كلها مراحل إجرائية تنطوي تحت لواء ما يسمى في الأدبيات السوسيولوجية و كذا السيكولوجية بالتحليل السببي .حيث يقول الباحثان في هذا الإطار:"مهما كانت المسالة الاجتماعية التي نطرحها أو الفرضية التي نريد إثباتها ,تواجهنا دائما مسالة وضع أو بناء المتغيرات ,أي ترجمة المفاهيم إلى عمليات بحت محددة" أي الانتقال من المفاهيم إلى الدلائل ,بمعنى أخر البحث في مكامن الأشياء و سبر أغوارها أي البحث عن المعنى في اللامعنى’ وليس الوقوف عند سطحيتها.
بعد الحديث عن الفصل الأول من الكتاب المدروس ننتقل إلى الفصل الثاني منه و المعنون ب"الفر دانية المنهجية" .إن هذه الأخيرة طريقة تجد صدى لها داخل المدرسة الألمانية في القرن 19 و خصوصا مع ماكس فيبر و جورج زيمل إن لم تقل في القرن الثامن عشر خاصة في أبحاث أدام سميث و بعض البحثين الآخرين في الاقتصاد السياسي .إن ريمون بودون و رينو فيّول يريان أن التحليل الفر داني المنهجي هو طريقة توضيحية يساعد على إدراك الظواهر الاجتماعية و التي ليست سوى مجرد تجميع للأفعال الفردية ’ و ذلك بإرجاعها إلى الأعمال الفردية التي تشكل هذه الظواهر.فالفر دانية المنهجية منهج اشتهر به ريمون بودون في تحليلاته السوسيولوجية و ذلك من خلال إعطاء الفرد دوره وحقه و رد الاعتبار إليه في تحليل و تفسير الظواهر الاجتماعية و ليس الاقتصار فقط على التحليل الشمولي الذي يقصي الفرد باعتباره فاعلا في المجتمع .إذن فالفر دانية المنهجية هي جاءت كرد فعل علي البراديغم الشمولي و من معه .فإذا كان التحليل السببي ذو طبيعة وصفية و إحصائية و تكون قدرته على تفسير الظواهر محدودة جدا ,فان الفر دانية المنهجية لا تقف عند حدود الوصف, بل تذهب إلى حد الفهم و التفسير ’ أي البحث عن المغزى العميق للظواهر الاجتماعية و كذا صياغة تفسيرات حقيقية للظواهر و ذلك من خلال عمليتي الفهم و التفسير بالمعنى الفيبيري للكلمة . و هذا هو عمق التحليل الفعلاني أو الفعلانية في نظرهما . إن الباحثان رغم تركيزهما على دور الفاعل الاجتماعي في التحليل السوسيولوجي و إضفاء الشرعية عليه باعتباره المحرك الرئيسي و اللبنة الأساس وكذا العمود الفقري في التحليل السوسيولوجي ,فإنهما لا يريان فيه ليس قطعا "ذرة" تتخذ قراراتها في فراغ اجتماعي ’و إنما فاعل كباقي الفاعلين لا يغدو كونه مستقل عن الجماعة ,فهو عضو فيها .فالفر دانية المنهجية ليست ذرية ,بل لا تعتمد الظواهر الاجتماعية فيها على تفسير نفسها إلا بواسطة خاصيات الأفراد. من هنا يمكن القول بان الفعل الجماعي هو تجميع لعدة أفعال فردية’ و لعل من بين المكاسب التي حققتها الفر دانية المنهجية هو إسهامها في هذا الإطار في دراسة الظواهر التي هي النتيجة المجمعة لا القصدية للأفعال البشرية.
و أخيرا انتهى الباحثان ريمون بودون و رينو فيّول في الفصل الأخير من الكتاب و المعنون ب"العقلانية الإدراكية" إلى مناقشة المعتقدات بكل أنواعها ’ باعتبارها أحد مراكز الاهتمام في علم الاجتماع . إنها ظاهرة كلية الحضور في الحياة الاجتماعية ’بيد أن أهمية هذه المعتقدات تنبع من الدور الذي تمارسه حيال الأفعال. إن العقلانية الإدراكية نظرية تهتم بالمعتقدات و ذلك من اجل إتمام الفر دانية المنهجية :فلما كانت الأفعال تستند إلى معتقدات ’ كان ضروريا صوغ هذه النظرية .إن العقلانية الإدراكية تقوم على مسلمة الفهم بالمعنى الفيبيري للكلمة ,أي معني عقيد ما فهمها,بمعني آخر إيجاد الأسباب التي من شأنها تفسير هذه المعتقدات. ففي نظر ماكس فيبر يجب تقويم نوعية الأسباب ليس من وجهة نظر عالم الاجتماع أو الباحث ’ بل من وجهة نظر الأفراد أنفسهم.من هنا يمكن القول بان النتائج المهمة للعقلانية الإدراكية هي إمكان أن تكون لنا أسباب وجيهة للإيمان بأفكار خاطئة .في الأخير انتهى المؤلفان بأن مسلمة الإدراك و الأسباب الوجيهة تسمحان بتوسيع مجال العقلانية.
#ادريس_الغزواني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟