|
الرويبضة...وضرورة الحسم
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 3998 - 2013 / 2 / 9 - 14:47
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
الرويبضة...وضرورة الحسم ******************* كان الحديث النبوي دقيقا كما شأن أي حديث من لا ينطق عن الهوى . ولعلنا نوثر أن نقف عند الدلالة العلمية لهذا اللفظ ، دون الارتكان الى لغة الخشب التي تقف عند التبجيل والاشادة دون أن تتفحص وتدقق في المعنى الدقيق للمصطلحات واختيارها دون غيرها . وقد تم تسييج المصطلح في حينه ،حين استعصى على الصحابة فهم مدلول الرويبضة ، فكان التعقيب على السؤال كون اللفظ يحيل الى من يتحدث في شؤون العامة من التافهين . وشؤون العامة حقل شاسع ومجال يتسع لكل ممارسات الانسان ؛سواء تعلق الأمر بالشؤون الدينية ، أو بالشؤون الدنيوية . لكننا تعلمنا ان نقف عند عتبة السماع دون الفهم ، وعند نية الابلاغ دون الافهام ، وعند جدار النطق دون الغوص في المنطوق ، والوقوف أمام الدال دون الانتقال الى المدلول . فغشيتنا القشور وغرقنا في الزبد ، واستأسد القرود الناسخون التكريريون والتكراريون، دون اجتهاد أو تجديد أو ابداع . مع أن الله مبدع ، ولا يأتي من مبدع الا البديع ، وجعلنا مستخلفين له في الأرض ، لاعمارها واصلاحها ، ولعل من شأن المستخلَف أن يؤتمن على ما استُخلف عليه ، فان خان الأمانة أصبح ناكثا لميثاق الاستخلاف ، ودون الرسالة التي تَحمَّلها دونا عن جميع المخلوقات . الرويبضة اذن هو النتيجة الحتمية لارتفاع العلم ، وتراجع الاجتهاد ، وتفشي أمراض المجتمع المستعصية ، من رشوة وفساد الحكم ، من نفاق والرضى بالذل ، من جهل وفقر ، وما ينتج عنهما من سلبيات لا تعد ولا تحصى ؛ ان على المستوى الفردي ، أو على المستوى الجماعي . الرويبضة هي الدمل الذي يطفو على جلد الأمة حين يفقد جسدها حصانته العلمية والمعرفية ، ويموت فيها الحس الحضاري ، فيصبح الواقع كوجود معاش لحظة ملل قصوى ، قد تملأه كل أغبرة التجهيل والاستحمار والتفقير ، وما يجره من تبعية وارتهان لأمم تصنع لنفسها مجدا من خيرات وعقليات مجتمعات رهنت نفسها للشيطان . من أين أتت قوة الاسلامويين الشكليين الذين لا يعرفون من الاسلام الا المظاهر ونوع من الألبسة والأقمشة ، واطلاق اللحى . أو معلموهم الذين ينتصرون للفروع ويهملون الأصول ، بل الذين ينتقون من مشاييخهم الكبار ، ما يوافق ايديولوجية لا وجود لها الا في عقولهم ، يشحنون بها عقول الشباب الذي ترك نهبا للمتاجرين بالدين والمتآمرين على الدين دون علم ، وهذه هي الطامة الكبرى . الرويبضة- ولا نعلم للكلمة جمعا - هم كمشة أو شرذمة من المتفيقهين ، ومن اللاعلميين ، والذين لا يقرأون القرآن حق قراءته ، ولا يتلونه صدق تلاوته ، ولا يرتلونه ترتيلا . ولا يقرأون الحديث الا ما يخدم أجنداتهم ، ويلون أعناق التأويل والتفسير ،فيقذفون يالدلالة المتيسرة جانبا ، وينامون عند المعنى الذي يريدونه هم ، وليس ما يريده سياق النص قديما او حديثا ، مع علمهم أن القرآن والحديث ، هما أصلا المعرفة الاسلامية الصحيحة ومنهجها السليم . وهذا بنص الحديث الشريف الذي يقول : تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وسنة رسوله ) . لكن الرويبضة يتحدث في شؤون العامة ، دون علم أو منطق أو عمق . انه بوق الغوغائية والشعبوية التي انفلت عقالها ،وأصبحت تتحكم في مصير الملايين من العرب ، يسنده تدفق مالي لا سقف له ،عربي وغير عربي . ويفتح له كل الأبواب الموصدة ، ويمكِّنه من الاستفراد بمخاطبة الجماهير . الرويبضة تتأسس عقليته الغائبة على مقولة وزير الاعلام النازي " اعطني اعلاما بلا ضمير أعطيك شعبا بلا وعي " . انها القاعدة الذهبية التي يشتغل عليها الرويبضة عن جهل ،ودون علم . بينما تطاحن من يُفترض فيهم قيادة المجتمع في توافه الأمور كالقيادة والزعامة ومراكمة الأموال ، والتمترس في خندق الوصاية على المجتمع بالانتصار للرأي الفردي الأنوي . ان المعركة الان هي معركة العقول المتفتحة ، بعدما أبانت نتائج العقود الثلاثةالأخيرة ، أن العرب قد دخلوا في جمود فكري وعقلي خطير ، تبقى نتائجه واضحة في المشهد العربي اليوم كأبلغ تعبير عن حالة التراجع الذي كان بالامكان تفاديه لو خلصت النوايا ، وكان الهدف ينطلق من بعد حضاري . الرويبضة حسب النص النبوي المقدس ، هو التفاهة بعينها ، هو البذيئ والمخصي ، لكنه في واقعنا وحياتنا هو المهيمن الطاغي ، والصوت المسموع ، والبضاعة الرائجة ، وكأن معادلة الاعلام ومعيار المعرفة اليوم في مشهدنا الثقافي الذي تتنافس جامعاتنا ووسائل اعلامنا في ترويجه، هو انتاج وتخريج الغباء الأكاديمي والاستغباء الاعلامي . فأن تنتج ديمقراطيتنا الرسمية ومثقفونا الرسميون واعلامنا الرسمي ، صراخ الديمقراطية وسطوة الديماغوجية ، بالاعتماد على المصطلحات دون استقطار مداليلها العلمية ، فهذا لايعني الا شيئا واحدا ، هو اعتماد جمهور الرويبضة للقضاء تماما على حصانة المجتمعات التي تمثلها النخبة العالمة والمتنورة والمتفقهة في شؤون العامة والحضارة بشكل أعم . ان طفو الرويبضة التافه البذيئ المخصي ، بهذه الكثافة المخيفة ، يحيل على مجتمع مشلول أو مسجون في مصطلحات يابسة غير مرنة ، تماما كسجون الأوطان العربية ، فالديمقراطية لا تصريف لها ولا تفعيل ولا معايشة لها في الأوطان العربية ، كالحرية والكرامة والعمل والانتاج . فلا نستغرب اذن اذا اعتلى الرويبضة أعلى المناصب وصار هو الأستاذ والمعلم والخطيب والسياسي والحاكم والرأسمالي والمتحكم في سير الحياة في الأوطان العربية . لكنه لا يستطيع أن يكون مفكرا او عالما او فقيها أو مبدعا او فنانا ، لأنها حقول تفترض الانتاج الراقي والسامي ، وهو ما يعجز عنه الرويبضة تمام العجز . ولكن السؤوا هو ، لماذا انسحب العالم المتنور والمفكر المبدع والفنان المجدد والفقيه العارف ؟ هل أصبح العالم العربي ، لايحتمل مثل هذه الشخصبات الى هذه الدرجة ؟ ولا يأنس برحابة العقل ؟ وامكانية الاجتهاد ؟ وضرورة الابداع ؟ ولزوم المعرفة ؟ أم أن هناك خللا بنيويا في شخصية هذا العالم ، وهذا الفنان ،وهذا المبدع ،وهذا الفقيه ؟ أم أن الأمر يتعلق بتحولات تاريخية ناشئة عن عقود من امتصاص جرْس النقود لصوت المجهود ؟. لا يمكن لانتصار الرويبضة الا ان يعكس انهزام المفكر العقلاني والعالم الباحث ، وهو ما يحيل الى مجتمع ضامر . والا فان أي نتاج مهما كان تافها انما هو انعكاس أمين لعلاقات واقعة وراسخة في ذهنية المجتمع التافه ، فهل أصبحنا في ظل هيمنة الرويبصة مجتمعات تافهة ؟ .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاغتيال السياسي والرهان الخاسر
-
أمطار الجحيم -22- رواية
-
الغيب ليس من شأننا -قصة قصيرة -
-
المواطنة بالوصاية
-
أمطار الجحيم -21- رواية
-
موت حزب الاتحاد الاشتراكي
-
وصايا للغراب
-
نضج الثورة المصرية
-
أمطار الجحيم -20- رواية
-
أمة جاوزت مدة حمل حلمها
-
الفساد حالة طارئة
-
ارحلوا عنا فقد تعبنا من مهازلكم
-
أمطار الجحيم -19- رواية
-
انتقام اليوطوبيا
-
التفاحة لم ترث خطيئتها
-
العاصفة والجعة -قصة طويلة
-
اطار عام لقصيدة ما
-
ورطة فرنسا ...مالي أو الكنز الدفين
-
دعاء التماسيح
-
مزامير صامتة
المزيد.....
-
إليك ما نعرفه عن اصطدام طائرة الركاب ومروحية بلاك هوك وسقوطه
...
-
معلومات سريعة عن نهر بوتوماك لفهم مدى تعقيد البحث عن حطام ال
...
-
أول تعليق من ترامب على حادثة اصطدام طائرة ركاب ومروحية عسكري
...
-
حوافه حادة..مغامر إماراتي يوثق تجربة مساره بوادي خطير في قير
...
-
كيف نجا قائد الطائرة إف-35 -الأكثر فتكا في العالم- بعد تحطمه
...
-
إيطاليا تعيد كنوزا عراقية منهوبة.. قطع خلدت ذكرى من شيدوا ال
...
-
FBI يستبعد العمل الإرهابي في حادث اصطدام طائرة الركاب بمروحي
...
-
بعد كارثة مطار ريغان.. الإعلام الأمريكي يستحضر آخر حادث كبي
...
-
جورجيا تنسحب من الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا بعد مطالباته
...
-
الائتلاف الوطني السوري يهنئ الشرع بتنصيبه رئيسا للجمهورية
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|