|
العراقيون وأدب الرسائل العاشقة - عبد الغني الخليلي نموذجا
خلدون جاويد
الحوار المتمدن-العدد: 1150 - 2005 / 3 / 28 - 07:59
المحور:
الادب والفن
أدب الرسائل ... هل هو عادة متوارثة .. انفتاح على علاقات اجتماعية ؟ عناق ومحبة لبني البشر . أم هو جبهة مقاومة على نار هادئة ؟ اراسل شاعري الجليل الخليلي منذ عام 1986. حصلت على عنوانه من الدكتور غانم حمدون أيام كنا نعمل في مجال التعليم في الجزائر ، ولم يكتحل بصري بمرآه . وفي أرشيفي الشخصي المتواضع ، عدد كبير من الرسائل ( على مدى خمسة عشر عاما ) وهو لايخشى الكتابة الى من دونه عمراً وثقافة من اصدقائه وزملائه ، ولذا فظاهرة ادب التراسل تتضافر عبر من لديهم القوة والشجاعة على ذلك . واريد ان اشير هنا الى ان بعضا من المتأدبين او المتشاعرين المنتفخي الأوداج يترددون في الدخول الى هذا الطقس الخلاب ، الى هذه الغابة السحرية الغرائبية ، وسفوح مباهجها العذراء والتي هي باختصار جمالية الآخرين وروعة مالديهم وعظمة مايمكن ان يصدر عنهم ...أي ان الطاقات الهائلة للعمق الانساني من جهة اخرى بحاجة الى من يطل عليها ويناديها ويستنهضها كي تتألق ، ومن نافلة القول اننا لايمكن ان نحكم على البلد النائي من مجرد اسمه او المتحف من حجارته الخارجية والكنيسة والعتبة المقدسة من خلال بوابتها . هناك من يبخل على من سواه بكلمة حب او تشجيع او اشادة او نقد بناء فلايجد المرء عند التوجه الى ( هؤلاء ) الاّ أمرين - الملامة والأستذة الفارغة . - الصمت القاسي الذي لاتنسى مرارته مدى العمر . وهنا أنآى بنفسي عن التحدث عن تجارب شخصية . أما الاستاذ المربي عبد الغني الخليلي فلطالما احببت فيه رقته بالتعامل ودفء روحه وحنانه الأخوي الذي راح يشيع رسائل ملونة وصورا حبيبة وهدايا لأطفالي الذين لم يرهم وهو الذي يداعبهم عبر المسرة ، فهنا حتى الأطفال يهرعون اليّ فرحين باسمه ( عمو غني ) ... وفي كل مرة يرين الصمت والوحشة في زوايا بيت حزين وكليم مثلما هي بيوت الكثير من العراقيين ، يرن تلفون الصديق الحبيب ليشد من أزر الروح المعذبة والمزاج العليل والقلب المكدر بالغربة ، وهذا مايجعلني أتفكر بأحوال العراقيين وحاجتهم الى نماذج من رفاق السبي المهجر ، أجلاء كهذا الرجل الامثولة . لقد تعلمت أدب الرسائل من استاذي الخليلي الذي يذكر لي بانها عادة قديمة ، اذ كان هو وسواه من الادباء يمارسون هذا الطقس من الأدب ويحتفظون بالرسائل – الجوابية في صندوق خشبي مخصص لذلك كما لو يكون ارشيفا حنونا يقاوم التقادم الزمني او عبث العابثين . انه أدب العشاق لايقوى عليه الا الذين يفيضون حبا ، ولايليق الا بطيور الشجرة التي سهدت الاستاذ الخليلي حتى الفجر وهو يتطلع الى الجلنار الذي ظل عالقا في ذاكرة معرشة بعناق بابل وكربلاء والكوفة والنجف بل العراق أجمع . وعندما ظهر كتاب ( سلاما ياغريب ) انبريت لتوجيه رسالة او بطاقة حب وكتبت استعراضا عن الكتاب ونشرته .. انا لا أزال مفتونا بصدق تعابير ذلك الكتاب ولأنه أولا وقبل كل شئ وثيقة فجائعية عراقية ، واذ يشيح الكثير من الادباء والفنانين عن النظر في وجوه بعض فانني ذاتيا لأفخر بأن انتهل من المدرسة الخليلية متجسدة بآخر فرسانها الاستاذ الشيخ المتلفع ببردة من ثلج الأيام ووحشة المنتآى ، وأدنو من الجمال الجريح لأدبنا المنفي واستعرض ،وان كنت غير مختص نقديا ، بعض الاسهامات والاعمال الشعرية او الروائية محاولا اعلاء كلمتنا لاارخاصها واكبار مبادراتنا لا التقليل من اهميتها واحترام اسمائنا لاطمسها واستصغارها وادعاء تجاهلها ، لقد دفعني هو وسواه من محبي العراقيين الى الذهاب الى العراقيين لا الذهاب عنهم . فياترى من هو استاذي محط الفخر والاعجاب ؟ ادناه تعريف من أعز اصدقائه ومحبيه ألا وهو استاذ الأساتيذ هادي العلوي القائل بحقه : " مهجّر عراقي يعيش في المنفى السويدي ، تجاوز السبعين عاما ، من اسرة دينية ادبية ، يعتبره العراقيون من رواة الجواهري فقد صحبه دهرا في عمله الأدبي والصحفي وهو بدوره شاعر وناثر رقيق الكلمة عذب العبارة يتقطّر ماء الفرات من قلمه وتفوح من كلماته رائحة الطلع والقداح ، لايحسن الكثير من السياسة لكنه يحب العراق : نخيله ورافديه ، بغداده ونجفه وكربلاءه ... ويحب لغته العربية ويزهو بقاموسها الذي يعرف منه أضعاف مايعرفه الجهلة الذين أخرجوه من وطنه فهو ابن النجف وريثة الأدب العباسي وحاملة لوائه في العصور المظلمة " . وأما الجواهري الخالد فقد خصه بقصيدة جميلة منشورة في المجلد الرابع من ديوانه وكانت قد نشرت في جريدة اليوم اللبنانية 27/2/1968:
" أبا الفرسان انك في ضميري و ذاك أعز دار للحبيبِ وبي شوق اليك يهز قلبي ويعصره فيخفق بالوجيبِ وذكرك في فمي نغم مصفى يرتّل في الشروق وفي الغروبِ سلام الله يعبق بالطيوب على ربعٍٍ تحل به خصيبِ ثري بالمفاخر والمزايا تورثها نجيب عن نجيب أبا الفرسان ان عقّت ديار عقدت بها شبابي بالمشيب وذوّبت الضلوع على ثراها ولم أطلب بها اجر المذيب فلا عجب فقلبي ضاق ذرعا بخير الناس احمد والحبيب فذياك استبيح دما وعِرضا وذاك قضى بها نحب الغريب وسيم البحتري الهون فيها وغص بحسرة الترب الحريب على حين استباح الغر فيها بقايا السيف والسلب الجليب أبا الفرسان لاعجب بانا نؤدي فدية البلد العجيب ِ"
وبعد هذين التعريفين لأديبنا الكبير والجليل أعود الى مابقي في عنقي من امانة أجدني ذاهلا أمام محرابها ، أمام كلمات تضع الاشتياق الى العراق مصحفا على صدري وأعني بذلك رسائله الكريمة التي هي كثيرة عليّ او ربما تكون أكبر مما استحق . ادناه البعض القليل مما عثرت عليه منها :
خلدون الوفي : أرجو أن تتفضل عليّ برقم تلفونك لأتحدث خلاله اليك ..كلما شعرت بالوحشة وهاجني الشوق الى حديثك الممتع الشهي .. لاتنس ياعزيزي . كيف حال الست الفاضلة والصغار الحلوين ، كم انا مشتاق لزيارتك . ديوانك الجديد ، يستريح أمامي على رف مكتبتي ..اعيد قراءته بين الحين والحين مستمتعا بقصائده المترعة بالشوق والحنين الى الوطن ..رجاء لاتنس أن تبعث اليّ برقم تلفونك ... ادناه عنواني الجديد مع رقم الهاتف ................. تقبل سلامي ومحبتي ياعزيزي . عزيزي خلدون : لاتسخر من أبياتي انا لست بشاعر يهزك بشعره ..... * انعى اليك امام اللغة والنحو استاذي وصديقي الدكتور المخزومي ...لن يجف دمعي عليه أبدا فصلتي تمتد به الى زمن الصبا ..وكلانا من حي واحد في النجف . السويد 20/3/1993 عزيزي : ذكرتك عند زيارتي لآل المظفر الأوفياء وتمنينا جميعا لو انك كنت معنا في تلك المدينة العروس فنحن بجانب جبل أخضر بمحاذاته بحر ازرق ، وفي الوسط وادٍ معشب هو جنة للأطفال وللعشاق ولكل من يعشق الشعر والشجر والماء ....استمتعت برسالتك الجميلة التي بعثت بها الى العزيز (أ) ألم أقل لك انك كاتب بارع ومبدع ....بورك قلمك ....يدي الراعشة لاتعينني على الكتابة ...ساودعك واتمنى لك ولأهلك وللصغير منهم الصحة والراحة وألف تحية وتحية ياعزيزي خلدون ....أبو فارس .... انتظر جوابا منك لاطمئن على وصول هذه الرسالة ياعزيزي .كن لي أخا طيبا وحبيبا وصديقا وولدا فقد بقيت وحيدا في هذه الديار بعد رحيل أخي عني ، فقد كان سلوتي الوحيدة فحرمت منها . اريد ان أطمئن على صحة العائلة ياعزيزي ، واركن الى الصبر والدمع أيضا فالدموع بلسم لنا نحن المفجوعين بأحبتنا ...مع السلامة ياعزيزي ... السويد 13/10/1993 حبيبي خلدون الورد : هذا هو صاحبك الخليلي . الفتى الشيخ ... يسألك كيف كان لون الفجر في سماء بغداد ، ولون النخل والقباب والمآذن الزرق ، ونسيم السحر والعيون السود يوم ودعت الوطن .،،،،، تحيتي ومحبتي وكل عام وأنت بخير وأهل بيتك واليمامات الحلوات وقصائدك بألف خير ..... السويد 20/12/ 1993 حبيبي الشاعر خلدون : لم هذا الجفاء ...ماكنت أظن أنك تصد عن الخل الخليلي الذي أحبك وتغنى بشعرك واستمتع بحلاوة رسائلك ....لم هذا الجفاء ياعزيزي البغدادي الجميل ؟ متى يرتقي هذا الديك الجميل المنبر ومن فوقه ، يعلن البشرى لأهل العراق الحزين الجريح ، بزوال هذا الليل الأسود ، وبشروق فجر لايخلفه ليل أسود آخر ...متى ؟ .... تحيتي ومحبتي وتمنياتي لأهل بيتك الحلوين بربيع أخضر جميل . لاتنس أخاك الخليلي .... أبو فارس ... السويد 7/5/1995 . حبيبي الغالي الشاعر المبدع خلدون : نسيم فارس الخليلي ، أول حفيد يأتي الى صديقك عبد الغني الخليلي ...وهو شيخ ، أضَرت به الغربة ...وأوجعته الوحدة ، ودنت رحلته من الدار ....سوف يقول نسيم لأترابه الصغار : لاأذكر جدي الخليلي .. ولا مناغاته لي لكني اذكر أبي . كان يقول : ان جدك كان يعشق الحمام والشعر والنخيل ...وكان وفيا للصديق ...رحمه الله ...عزيزي خلدون لاتحزن . ...عبد الغني . حبيبي الكاتب والناقد والانسان الغارق بالوفاء والحنين للأهل والوطن ولمقاهي بغداد التي ألفتها وانت في سن الصبا ....ومازلت تتذكرها وتشتاق اليها ...عزيزي خلدون : لم تصلني الرسالة التي تفوح بعطر الشاي المنساب من ابريق خزفي جميل يتوّج السماور ، لأقوم بتهذيبها ، ان كانت بحاجة الى تهذيب ، قبل نشرها . كنت كلما ضاق صدري واعتصرتني الوحدة القاتلة ، في هذه الديار البعيدة الغريبة . خففت وجعي بالحديث معك . وبقراءة رسائلك الموشحة بالمودة والشعر وزغردة الحمامتين المنسابة عبر الهاتف . لكن كل هذه الرسائل التي كانت توصلني اليك ، توقفت منذ شهر ، وبقيت انتظر عودتها . اعيد اليك صورة من كلمتك الجميلة التي كتبتها عن خاطرتي ( في الصيف الأخير) . بعد رحيل أخي علي ، اذ ربما تعينك ان حاولت ان تنقد كتابي ( سلاما ياغريب ) . وذلك يفرحني جدا ياعزيزي . تحيتي لك وللأهل وقبلاتي للصغار الحلوين . المحب الخليلي . معذرة اختصرت تحيتي هذه اليك بسبب الجلطة الدماغية التي اصبت بها قبل فترة . ولولا انها كانت خفيفة لكلّفتك قصيدة رثاء موجعة . مازلت اعاني منها . لا تنسَ ان تدعو لي بالعافية عند امام المسجد الباكستاني الشيخ جمال الدين نور الله .... * أتدري بسبب ما أصابني ، صرت لاأقوى على جمع شتات أفكاري وخواطري لأضعها على الورق .... انني لحزين جدا ...معذرة ...أخوك أبو فارس . حبيبي خلدون الورد ...قبّل بدلا مني اليمامتين الجميلتين الوديعتين واذكرني ...هل لديك نسخة من ذكرياتي عن النجف المنشورة في الثقافة الجديدة عام 1988 . اني بحاجة اليها ...ان وجدت لديك . لأول مرة أنعم بصباح عطر ، بضوء الشمس ...بعد عتمة ظالمة دامت أياما . حتى يئسنا من عودة الصيف الى هذه الديار ... ليت شمس بغداد تمر بنا ولو ساعة وبصحبتها كل ذكريات العمر . المحب عبد الغني . حبيبي الشاعر والكاتب خلدون : صبرا جميلا . ولو من بعيد ، أمزج دموعي التي فجرها حزني على رحيل أخي علي ، بدموعك على فقد والديك الحبيبين ، ، وأنت عنهما بعيد ، فحزنك هو حزني فكلانا فجعنا بأحب الناس الينا . تمنيت لو أنني قريب ، لقاسمتك أوجاعك ، فعسى ان تخف ، ولو قليلا ...لكني بعيد ....الغربة عن الأوطان ، وعتمة الطقس تزيد من كآبتنا ، في هذه الديار البعيدة ...ماكدنا ننعم بشمس الخريف ، وبزرقة السماء حتى جاءت رسل الشتاء تكمل الينا البرد والمطر والغيوم السود ، فأطبقت علينا كآبة ظالمة ...فلا خلاص منها الا بالقراءة وكتابة الرسائل الى الأحبة ، ففي هاتين المتعتين تتبدد كآبتنا . حبيبي خلدون الشاعر : ارى عبر النافذة سربا من الطيور ، يدور منذ الفجر في السماء ،وبين آونة أو اخرى تنضم اليه طيور قادمة من أماكن بعيدة ...وبعد قليل يكتمل عددها ، فتودع المدينة والغاب والساحل ، وترحل الى حيث الشمس دافئة ، لا تغيب عن السماء ، وفي الربيع تعود الى وطنها ، لكن من يودع هذه الأرض لا يعود اليها وان عاد الربيع . يلح احيانا بي الشوق اليك ... لكن رقم هاتفك لم يحملني اليك ...كم حاولت ذلك قبل شهور حتى مللت ...والآن أرجو منك فور وصول رسالتي هذه اليك ان تزودني برقم هاتفك الجديد .
هذا هو عبد الغني الخليلي أحد نوافذ فردوس ادبنا العراقي المعرش بالمحبة والحنين الى الجمال ، زاجل مغرب عن أحبته ، يمامة في الثلج تتحرق لعناق منارة ... عاشق الشمس والحرية ...انني - مادام الأمر يتعلق بأدب الرسائل – لا أنظر الى ذخيري من كلماته باعتبارها هدايا تشبع غروري أو فرحي الطفولي ... أبدا بل أرى اليها باعتبارها مدرسة تملأ لحظاتنا الحزينة بالأمل ، جهالتنا بالعلم ، حاضرنا المنفي الأجوف بالذكرى ...وتدغدغ القلب الذي صدأت عراقيته بالتوق والانشداد، وتذكّر الابن ببيته ... وهل نتنكر " لعل الموت ينسينا .... بغير الموت لاننسى " ... اللهم اغفر لنا فقدان العقل لو جننا ولاتغفر لنا العيش والتكسب في المنافي بلا حلم عودتنا الى البيت القديم ووطننا الغالي . ان أية صورة أو بطاقة معايدة او منظر طبيعي أو أية خاطرة او ذكرى هي نقلة شعورية الى العراق ، ان الخليلي وآلاف مؤلفة سواه يعيشون جسديا في المنافي أما أرواحهم فلم تبرح العراق الجميل . وهكذا ينحو أدب الرسائل منحى الدفاع عن الذاكرة والوجود كعاطفة وطنية فياضة بالوهج والوجد .
واخيرا وليس آخرا .... ينذر الخليلي عمره ومئآت الالوف سواه من حملة صليب الكلمة قرابينا على رافدي المحبة . ومهما اختلف مناخ الكلمة شعرا او قصصا او رسائل ادبية حارقة فان همنا الأقدس الذي يجمعنا على اختلاف مشاربنا واساليبنا هو العراق الحبيب . ان كل دعاة اتهام المنفى باللآوطنية هم مجرمون قتلة مع سبق الاصرار وان كل من يدنو بالاساءة لهذه القضية سيظل هو ومايكتبه ضد العراقيين من المنفيين لوثة ولطخة لن تمحوها الذاكرة العراقية خاصة وقد قدر عدد هم قرابة 4 ملايين . أكبرسبي في تاريخ الرافدين وهذا ماسوف يندرج أيضا في محاكمات الأنظمة السابقة المسببة لظاهرة المنفى في حياتنا .
يوم مرض استاذي الأديب كتبتُ ونشرتُ كلمات الحنين له وللعراق وقد جاءت في الصورة الآتية :
" بعد عذابات تهجير ، ومعاناة مرض ! يرقد الأديب العراقي عبد الغني الخليلي بمنفاه السويدي في سرير المرض فاقد الذاكرة موصلا غفوة الليل بالنهار :
قم ياغني الليل زائل والسجن حّطم والسلاسل ولربما المنفى الكسير الى المزار الأُم راحل قم ياغني لعلنا متنسمين هواء بابل وعسى الجنائن أورقت فرحا وغرّدت البلابل قم ياغني لنحتفي بك كالأزاهر بالجداول قم فالبلادعلى شفا الطوفان تجرف كل قاتل قم ياغني لنغتني بك بالمنابع بالمناهل يابن الفرات الفذ لا تذبل فما الجوري ذابل يازهرة النجف المنيف اريجك العلوي حافل ياغصن أجمل كربلا في الكون يانفح الخمائل قم يابن أزهى كعبة للعلم يالغة الفطاحل يامن رشفت النور من مهج الأواخر والأوائل مازال دونك موطن ظامٍ ودون شذاك قاحل فالفجر باكٍ والضحى جهمٌ وضوء النجم آفل كلٌ يريدك بلسماً لجراح أرملةٍ وثاكل عبد الغني ّ تململ المنفى فكن للدرب زاجل أشفق على القبلات قد طبعت بجنحك والرسائل لاترتحل ... فمهجروك تقهقروا والظلم زائل من يسقي سوسنة الصباح اذا رحلتَ ومن يغازل ؟ الناس عرس الكون في بلدي وأنتَ لهم هلاهل يامن بسيفك ننتضي وتهاب قلتنا الحجافل وتهبُ من دمنا البيارق والمطارق والمناجل عد للمنائر كالحمام وللسفائن كن سواحل مهما يداهمك الظلام فأنت للقمم المشاعل عد ياغنيّ فألف جلادٍ يزول ولستَ زائل من أجل شعبٍ جائع ٍ تنمى لتربتنا المعاول ولرب قافلة تموت بدربها انبثقت قوافل ان الفضاء لمن يحلق والتراب لمن يناضل هي خطوة تلج المسار وبذرة تلد المشاتل يامن يشاد بفكره وطن الفواتح والمحافل من أجل عش صغارها ارتأت الحمامة أن تقاتل عبد الغني الدرب بالعثرات والكبوات حافل لكن جواد الرافدين برغم ليل السجن صاهل رغم السقام سينهض العملاق مطعونا يواصل وستورق الآمال والصفصاف لو نسقيقه آمل . .......
يوم اتممت هذه الكلمات، كنت أُحضر رسالة عثرت عليها بين فوضى من اوراق فوضعت لها مقدمة تدل على معاناة الرجل الغيور والأديب المبدع ، وكنت اتمنى نشرها وارسالها اليه لكن اكتفيت بنشر القصيدة أعلاه . ورأيت من المناسب أن اثبت هنا تلك الرسالة التي لم يتح له ان يراها مؤطرة بمقدمة حب وعرفان من تلميذه المحظوظ به ...لكنني وانا احاول العثور عليها الآن أصرت هي على الاختفاء يالها من رسالةٍ عنودٍ ( الرسالة المختبئة )… انني حقا حزين لكني لست اكثر حزنا من ذلك اليوم الذي غادرنا فيه الحبيب .
* شهيد المنافي عبد الغني الخليلي
كتبتُ الى استاذي في اربعينيته :
وداعا لا فانك ألف آتِ من الماء المقدس للحياةِ يعانق فيك نبض غدي بأمسي صدى مستقبلي من ذكرياتي كأنك في أديم الأرض بذرٌ تناسغ بالجذور المزهرات كأنك قائل : المهد لحدي ورغم الليل أبدأ من رفاتي فليس يليق في منفى وضوئي ولا اكتملت بلا وطن صلاتي شربت الماء من حوب وصوب فما يروي به جسد فراتي دفنت القلب عند غدير أهلي ونخلة منزلي ومهاد ذاتي وماراهنت سلطانا بشعري على ذلٍ ولارخصت دواتي ظللت على صيامي الدهر صبرا وقد زعموا هلال العمر آتِ ورغم الظلم ، سوف أصون صمتا شفاهي فهي نذر للحفاةِ اغني في السجون وفي المنافي لشعبي لن اغني للطغاةِ واصبر كاظما جرحي منيفا فما استخذى لذي عرش شَتاتي وهودج عرسي َ العدويٌ نعشٌ ترف به الى نجف رفاتي وداعا ياغني ...وياسماءا تبشر بالغيوم الممطرات فكل غد له قزح وشمس تطل على السفوح المورقات ويابدرا تنآى وهو أجدى بمعترك الليالي المعتمات وياسيفا أسفت عليه لما تهاوى ، ساعة اجتمعوا قضاتي تهاوت وردة والريح تعوي وطاحت نجمة والليل عاتِ أيا عبد الغني أبا الأغاني وياصنو الرجا والامنياتِ تمهل فالطريق الى صباح ٍ ولا عهد يدوم على سباتِ وكل أخٍ أضاع أخاه يوما يقبل هامه رغم الجناةِ وان سفائني لابد يوما من المنفى لبابل مرجعاتي ملايينا لأحياءٍ وموتى سيحضنهن صدر الامهات ويزهر في غدٍ حقلٌ ( غنيٌ ) تفجر بالندى والمعجزاتِ ويبقى الموت في وطني حياة فهاتِ يديك رغم الموت هاتِ .
عليّ ان اقول في خاتمة المحاولة الكتابية هذه أنني راسلت هذا الصديق الفخم لكني لم استطع ان اره حتى رحل عن الحياة ولذلك اسباب عديدة منها كثرة المنافي وفشل محاولات عديدة للقاء وخيبة طالع وعوامل مؤسفة اخرى . ان ذلك لايشعرني بالندم بل انه يسمّر الندم في قلبي حتى لحظاتي الأخيرة . فله ولمن غادر مثله قبل أن يرى الأفراح والأتراح اكليل لآلئ وباقات قمر . توفي عبد الغني الخليلي عام 2002 لكنه ترك وراءه قلوبا تنبض بالحياة ليس لمن عاشوا معه فحسب ولكن لمن راسلوه وسمعوا عنه . انه نجمة في الأُفق وجورية من ضفاف الفرات وفوق ذلك نوذج تربوي للأخلاق العراقية الحقيقة تلك التي تستعيد عافيتها يوما بعد يوم .
#خلدون_جاويد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل ستبقى ليلى بلا ذئب ؟
-
اللآقاعدة الفكرية في العراق ستكون هي القاعدة الذهبية
-
الشاعربدر شاكر السياب .... هل هو من جماعة القاعدة ؟!
-
الجواهري روح العراق وعنفوانه الفكري والعاطفي ...هل سيعمم شعر
...
-
الموسيقى باعتبارها نوعا من السجن
-
كتابات في الحرية ألمعية الأديب في كسر القاعدة والمسلّمات
-
اوروك والتاو الصيني والآخرون
-
قوس الفلسفة في قزح الشعر
-
أُمهات البلاد الحبيبة
-
الذباب بين الفكر الفلسفي والواقع المحسوس
-
على هامش الفلسفة الوجودية
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|