عوض حبيب
كاتب / دكتور العلوم السياسية والعلاقات السياسة الدولية والقانون الدستوري
(Awad Salim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 3990 - 2013 / 2 / 1 - 08:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية التنافس الذي بدأ بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية , والشرق بزعامة الإتحاد السوفيتي ( السابق) ودول أوربا الشرقية وبعض من دول العالم الثالث ومن هنا نشأ النظام الدولي الذي كان سائداً إبان الحرب الباردة 1945 ــ1991 م. وقد مر النظام الدولي في هذه الحقبة بعدة مراحل نقسمها كالتالي :
المرحله الأولي : الممتدة من عام 1945 ـ 1948م والتي يمكن أن يطلق عليها , (مرحلة التحالف غير المستقر) وقد بدا فيها تفوقاً نووياً أمريكياً حتي عام 1955م وسباقاً ضخماً في التسلح بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي , كما شهدة إهتماماً سوفيتياً في منطقة الشرق الأوسط وسيطرة فرنسية بريطانية علي بلدان هذه المنطقة لمصلحة الولايات المتحدة بهدف إبعاد الإتحاد السوفيتي عن هذه المنطقة .
كما رفض السوفيت سحب قواتهم من شمال إيران وقاموا بتسليح حزب (تؤدة) الشيوعي وتشجيع حركة التمرد شمال إيران , وإزاء ذلك طلب شاه إيران من الولايات المتحدة إخماد التمرد , لكن القوات السوفيتية حالت دون تدخل القوات الأمريكية , واستطاع الجنرال الأمريكي شوارتزكوف ــ والد الجنرال شوارتزكوف قائد عملية عاصفة الصحراء في حرب الخليج الثانية في اغسطس 1990م ــ قيادة قوات الشاه ليبسط الأمن في شمال إيران , وبحلول ديسمبر 1946م سقطت الحركة الإنفصالية في شمال إيران ودخلت تحت سلطة طهران , وترتب علي ذلك إلغاء موسكو إتفاقية 1925م مع تركيا وطالبة بتقديم قاعدة للسوفيت في منطقة المضايق( البسفور والدردنيل) وإعادة منطقتي كارس واردوهان إلي السوفيت.
وشهدة مرحلته الثانية والتي كانت علي امتداد نفس المرحلة الأولي ما بين عامي 1948ـ1955م والتي كان يطلق عليها(مرحلة الثنائية القطبية الجامدة)واعتبرت هذه المرحلة نهاية النفوذ النووي الأمريكي وذلك باستعانة الاتحاد السوفيتي بجميع العلماء ذوي الميول الشيوعية في الغرب للحصول على أسرار صناعة القنبلة النووية ، كما استقطب عدداً من العلماء الألمان بعد استسلام ألمانيا، وقام العالم البريطاني المشارك في صناعة القنبلة الذرية الأمريكية (كلاوس فوخس Klaus Fuchs ) وهو شيوعي سابق من أصل ألماني هاجر إلى بريطانيا عام 1933م واكتسب جنسيتها, بتسريب أسرار القنبلة إلى السوفييت مما مكّنهم من تسريع برنامجهم وإختبار أول قنبلة انشطارية (RDS1 أو Joe-1)* في 29 أغسطس من عام 1949م في جنوب سيبيريا وبذلك حطّم الاتحاد السوفيتي الاحتكار الذري الأمريكي .(1) وفي نفس العام 4 ابريل 1949 تأسس حلف الناتو في بروكسل .
وتعد هذه المرحلة أيضا استمراراً لإحتكار النفوذ الإنجليزي الفرنسي في منطقة الشرق الأوسط و اشتداد التوتر والصراع الأمريكي السوفيتي وتمحور الصراع حول كل منهما من مجموعة من الدول بإعتبارهما القطبين البارزين في تلك الحقبة ومن هذا المنطلق انقسم العالم إلي كتلتين متصارعتين , ومن هنا سمية هذه المرحلة (الحرب الباردة الأولي) وترتب علي كل هذه العوامل عدة نتائج منها ظهور قضية فلسطين1948م في بداية تلك المرحلة , وكان لكلتا القوتين العظميين دوراً فعال في قيام دولة إسرائيل 1949م , وكانتا من أوائل المعترفين بقيامها من أول وهلة , مما أدي إلي بروز شعور مناهض للإتحاد السوفيتي في الوطن العربي , دفعه إلي تقليص دعمه لإسرائيل و الاهتمام بسوريا ومصر بعد ثورة 1952 والتي كانت نواة لصفقة الأسلحة التشيكية لمصر عام 1955م بعد رفض الغرب تسليح مصر بعد قيام ثورة 1952م .
أما ( المرحلة الثالثة ) الممتدة من عام 1955 ـ 1962م (مرحلة الثنائي القطبية المرنة) فقد تميزت هذه المرحلة بنشوب الخلافات داخل كل من الكتلتين الشرقية والغربية , وسعي الإتحاد السوفيتي في هذه المرحلة إلي الصداقة مع العرب , كما شهدت تلك المرحلة مجموعة من المتغبرات , أهمها ؛ إنتقال الصراع من أوروبا وآسيا إلي منطقة الشرق الأوسط ، حيث بدأ بالصفقة التشيكية ، ثم حلف بغداد 1955م ، ثم حرب السويس عام 1956 م , وتلاها مبدأ إيزنهاور عام 1957م وإنزال القوات الأمريكية في لبنان عام 1958م ,وتأثرة المنطقة العربية بالحياد الإيجابي وبحركة عدم الإنحياز التي كانت مصر احد مؤسسيها وانضم إليها بعض من الدول العربية في تلك الفترة
وقد أدان السوفييت قيام حلف بغداد , وتعهدوا في بيان رسمي بالدفاع عن دول الشرق الأوسط التي تتعرض لضغوط من قبل الدول الأمبريالية لإجبارها علي التحالف , وقد أُعتبر حلف بغداد حلقة من سلسلة مخططات ومؤامرات الغرب التي تهدف إلي السيطرة علي الشرق الأوسط , والتسلط علي ثرواته الطبيعية ,ومن هذا المنطلق أعاد السوفييت النظر في سياسته الخارجية تجاه الشرق الأوسط ,إلي سياسة الأفعال نظراَ لسياسة التطويق لحدوده الجنوبيه
وما إن جاء عام 1960م إذ إنتقلت الحرب الباردة إلي كل من أفريقيا وأمريكا اللاتينية , ففي افريقيا كان زعمائها قد قاسوا من الاستعمار وكانوا يكرهون الغرب بطبيعتهم وبتطلعون إلي مساعدة السوفييت, امثال نكروما وسيكتوري ولومومبا وغيرهم * أما في امريكا اللاتينية , فقد كانت الحرب الباردة علي أشدها في كوبا ونجاح الثورة الكوبية علي باتستا بقيادة كاسترو وقيام النظام الإشتراكي هناك , ثم1962م وأزمة الصواريخ السوفيتية النووية في كوبا التي كادت ان يؤدي إلي حرب عالمية ثالثة, مع أنه إجراء مشروع من ناحية القانون الدولي وأن أمريكا لم تر في حلف بغداد الأداة الفاعلة لحماية مصالحها ومنع تغلغل السوفييتي في الشرق الأوسط خصوصاَ بعد اختراقه من العمق بطلب مصر أسلحة من السوفييت وكانت هذه هي الفرصة الذهبية لتحقيق الإختراق المنشود , وقد رأى السوفييت أن تزويد دول الشرق الأوسط بالأسلحة هو الوسيلة المناسبة لذلك , بعد أن هدأت جبهة جنوب شرق آسيا.
المرحلة الرابعة الممتدة من 1962ـ 1971م ( مرحلة التعا يش السلمي ) بدأت هذه المرحلة بأسلحة الدمار الشامل في أزمة ما يسمي بأزمة كوبا , وكان شعار تلك المرحلة التفاوض لا الموجهة , والتفاهم غير المعلن علي القضايا المصيرية ,والحد من التسلح النووي , وقد شهدة تلك المرحلة حرب 5 بونيو1967والتي أدت بالمساس بالمكانة الأمريكية , وما قابلها من جهود سوفيتية للبحث عن موطئ قدم في المنطقة , أدت إلي إعتماد مصر وسورية علي السوفييت , والتي أدي إلي التنافس الأمريكي/السوفيتي في المنطقة
وهكذا بدأـ كل من الدولتين بالتأكيد علي أهمية التعاون وفهم مسببات السلام المتبادل إلا أن في يونيو 1963م ألقي الرئيس الأمريكي كيندي خطابأ في إحدي الجامعات في واشنطن يعتبر حداَ فاصلاً بين مرحلتين قدم فيها الخطوط العامة لمبرراته ببذل جهد لتخفيف حدة التوتر مع السوفييت , " التاريخ يعلمنا أن عداوة الشعوب وكذلك الأفراد لا تدوم للأبد 0000"وبعد ستة أسابيع فقط من خطاب كيندي في 25يوليو1963م وقع السوفييت والأمريكان وبريطانيا علي ميثاق تحريم الإختبارات النووية المحدودة وإتفقوا علي عدم إجراء تجارب لأسلحة نووية في الجو أو تحت الماء أو في الفضاء .
وتم في هذا الإطار إنشاء خط ساخن HOT LINE بين البيت الأبيض والكرملين بهدف دعم الأتصال المباشر في أوقات الأزمات لإستجلاء الأمور لعدم تصاعد الأزمات عن طريق الخطأ في الحسابات أو سوء التقدير إلي مستوي الصراعات المسلحة. فضلاَ عن السياسة العقلانية التي تميز بها الطرفان في أزمة كوبا , والتي انتهت بسحب الصواريخ النووية مقابل تعهد خطي من الرئيس الأمريكي كيندي بألا تقدم أمريكا علي غزو كوبا , وهكذا أصبحت الحرب الباردة متداخلة في سائر أنواع العلاقات بين العملاقين , وقد أدي التقارب العسكري بينهما إلي بلوغ حالة الإسترخاء , وقد جاء هذا التغيير الجوهري بعد أن شهدت العلاقات ذروة التردي في الأزمة الكوبية والحرب الفيتنامية والكورية الأمر الذي كان حافزاَ لدخول العلاقات بينهما مرحلة جديدة
المرحلة الخامسة والممتدة كذلك من 1971ـ 1985م وهي التي كانت تسمي( مرحلة الإنفراج / الوفاق الدولي ) , وقد تميزت هذه المرحلة بتراجع الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي عن فكرة حتمية الصراع والحرب العسكرية بينهما مع قبول التنافس الإيديولوجي ( التنافس القائم علي المصلحة) السلمي علي نطاق العالم الثالث. وقد حملت تلك المرحلة معها الكثير من الأحداث الخطيرة علي الساحة العربية كانت تحركها القوي العظمي عملت علي تهديد وانهيار النظام الأقليمي العربي ونظرية الأمن القومي العربي منذ وفاة زعيم الأمة العربية جمال عبد الناصر .
والإنفراج ليس إتفاقاً ؛ لأن الإتفاق تحالف بين بلدان ذات مصالح مشتركة , أمّا الإنفراج فتفاهم بين دول ذات مصالح متباينة , وتلك هي الحالة القائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي السابق .
وخلال هذه الفترة شهدة البيئة الأقليمية والدولية منذ منتصف عقد الثمانينيات من القرن العشرين أحداث أدت إلي تغيرات إقليمية جذرية في منطقة الشرق الأوسط وتركت أثر فيه وفي البيئة الدولية , منها مشكلة شط العرب بين العراق وايران وما تلاها من احداث عام 1975م واتفاقية الجزائر بين العراق وإيران علي شط العرب , والثورة الإيرانية الإسلامية 1979م ومحاولة تصدير الثورة , والتي تحولت فيها إيران من حليف للغرب في عهد الشاة إلي موقع العداوة والمواجهة مع الغرب , إلإ أنها لم تنضم للمعسكر الشرقي , ثم تلاها حرب الخليج الأولي بين العراق وإيران1980ـ 1988م , إنهاء المقاطعة العربية لمصر بعد مصرع السادات علي يد الجامعات الإسلامية عام 1981م
واهم حدث في هذه المرحلة حرب اكتوبر المجيدة عام 1973م أو الجولة الرابعة من الصراع العربي الإسرائيلي, ومحاولة وقف إطلاق النار والجولات المكوكية لوزير الخارجية الامريكي كيسنجر إلي الشرق الأوسط.
ولقد أكد فلادمير ايلج اوليانوف ( لينين) علي عملية الوفاق الدولي وأول من وضع هذا المبدأ ونادي به , وإعتماداً علي فهمة لمبدأ التعايش السلمي جري إنتهاج سياسة الوفاق الدولي والتي تعني : الإنتقال من سياسة الحرب الباردة ومواقع القوة إلي العلاقات الطبيعية بين الدول , وإقامة علاقات التعاون المتكافئ في الحقوق بين دول النظاميين الإجتماعية المختلفة , أي أنها السياسة التي تنقل الدول من مواقع التوتر والحذر والترصد , إلي مواقع التعاون والتنمية , وخلق علاقات جديدة متنوعة كالإقتصاد والعلوم والثقافة وغيرها من المجالات . وعلي هذا التعريف ـ يري الباحث ـ أن الوفاق الدولي هو درجة خاصة دائماً علي إستعداد لحل النزاعات والمشاكل الدولية و الإقليمية بالوسائل السلمية وليس بالقوة أو التلويح والتهديد بتلك القوة مهما كانت هذه القوة والتوجه نحو التعاون والبناء. ( يتبع)
د / حبيب
#عوض_حبيب (هاشتاغ)
Awad_Salim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟