أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - الحزب العمالي















المزيد.....


الحزب العمالي


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 3987 - 2013 / 1 / 29 - 16:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ اكثر من اربعين سنة والى اليوم ومثقفي اليسار يتكلمون عن بناء الحزب البروليتاري ، ونماذجه المختلفة ، و القادر لوحده ، على انجاز الثورة الوطنية الديمقراطية ، اي الجمهورية الديمقراطية الشعبية التي ستفرض دكتاتورية الطبقة ( العاملة ) على جميع طبقات المجتمع . والى الآن لم يتوصلوا الى بناء هذا الحزب الذي ظفر بتنظيرات كثيرة ، ربما فاقت من حيث العدد ، عدد اليساريين منذ انطلاقتهم الاولى ، ومرورا بالعناوين التي اتخذوها للتميّز بالساحة السياسية . واذا كانت اكبر غلطة لليساريين تتجسد في النقل الحرفي للتجارب وإسقاطها ، بل افراغها على واقع تحكمه خصوصيات غير قابلة للنقاش ، وتنافس داعية الحزب البروليتاري في الاستحواذ على الشارع ، وتوجيه التقلبات السياسية والعواصف بما ينسجم مع التوجهات العامة ، والقواعد الاساسية والأصول العامة ، فان غياب دراسات وتحليلات مادة علم الاجتماع السياسي وعلم السياسة ، جعلت من مثقفي اليسار لا يتعدون البداية الاولى في مرحلة دراسة الاحزاب السياسة ، خاصة الاحزاب اليسارية الماركسية والأحزاب البروليتارية المعروفة بصرامتها التنظيمية وبطابعها الايديولوجي المتميز . وقد زاد من قتامة هذا المشهد الانحدار والتراجع التنظيمي والنمطي وسط الجماهير ، وبالضبط وسط العمال الذين يدعي التحدث باسمهم ، امام الغزو المتسلسل والمنظم للأحزاب الاسلاموية التي حظيت بقبول الناخبين ، كما حظيت بقبول المنتسبين على اختلاف درجاتهم ومستوياتهم . هكذا نجد انه كلما زاد اليسار عزلة وغربة في الشارع ، كلما زادت شعبية الحركات الاسلاموية المدغدغة للمشاعر الدينية والأحاسيس والوجدان الشعبي باستعمال خطاب غاية في المكر والتدليس . لقد كان طبيعيا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي السابق ، وسقوط جدار برلين ، وتحول الصين الى امبريالية متوحشة غازية للعالم ، ان ينعكس ذلك على وضع اليسار الذي فقد عرابه القديم ، وأصبح عاريا معرضا للتقلبات الجديدة التي رسمت العالم الجديد الوحيد الاوحد . ان ما يجهله مثقفو اليسار ، وهذا سبب ضعفهم واستمرارهم في الاجترار ، ان معضلة سوسيولوجية القرن العشرين ( الحزب الماركسي ) او ( الحزب البروليتاري ) لم تناقش ابدا بدون الرجوع بشكل صريح او ضمني الى فكر كارل ماركس . وقد يبدو غريبا بنظرنا ، ان مسألة رئيسية ، كمسألة الاحزاب السياسية ، تبقى ، بشكل عام ، مهملة من قبل علماء الاجتماع السياسي وعلم السياسة والشارحين ، ماركسيين كانوا ام لا .
بالنسبة لماركس ، كما نعرف ، فان مفهوم الحزب غير قابل للإدراك إلا ضمن سياق المجتمع الحديث ، وهو ايضا مرادف لمفهوم الطبقة . واذا كانت مشكلة الطبقات الاجتماعية قد ’عولجت و ’درست ، في القرن العشرين ، وذلك بالرجوع غالبا الى الماركسية ، فان علماء الاجتماع الذين يربطون بين هذه المشكلة وبين الاحزاب السياسية هم ناذرون . وهكذا فان الفقرة الشهيرة الواردة في البيان الشيوعي والقائلة بان من الضروري " تنظيم البروليتارية في طبقة وأيضا في حزب سياسي " تبقى اذن غامضة . ومحاولتنا هذه لا تهدف هنا معالجة هذه المسألة ، ولو حتى بشكل تقريبي ، وإنما الى القاء الضوء على بعض مميزات الحزب البروليتاري عند ماركس ، دون ان ننسى مساهمة فريد يريك انجليز الذي كان ، بعد موت صديقه ، المستشار الذي يرجع اليه ، في اكثر الاحيان ، من قبل اولى الاحزاب " الماركسية " في اوربة .
1 ) وكي نفهم الفكرة التي كونها ماركس لنفسه عن الحزب البروليتاري ، فان علينا ان نعرف تسلسل فكره السياسي .
لقد بدأ ماركس حياته الادبية كصحفي ليبرالي ، وبسبب ثقافته الفلسفية عن الحرية المستوحى من هيجل ، ووضعه الجديد كمفكر في مدرسة الهيجليين الشبان ، فانه اكتشف في الفلسفة ، بعد اطروحته للدكتوراه ، ارادة لتحقيق عالم حر ، تحقيقا يقود بنفس الوقت الى خسارة الفلسفة .
هنا تظهر الملاحظة النقدية كمطالبة مزدوجة ، ضد العالم وضد الفلسفة . انها التأكيد على وعي الذات وعلى الفرد تجاه فلسفة تقيده " كنظام محدد " . هيجل مستهدف هنا اذن .
هذه الثنائية لوعي الذات تظهر بواسطة تيارين فكريين ، الحزب الليبرالي – الذي ينشط كناقد – والفلسفة الوضعية التي تنغلق على نفسها . وهذان التياران يظهران كنواقص للعالم وللفلسفة . إلا انه يبقى ثمة خيار : " في الواقع ان الحزب الليبرالي باعتباره حزب فكر هو الذي يحقق التطور الحقيقي ، لان الفلسفة الوضعية عاجزة عن الذهاب الى ما بعد المطالب والتطلعات " ( اطروحة حول ديموقليطس وابيقور ) .
وبسبب الرقابة التي تحاصره ، فان ماركس يترك الصحافة مؤقتا ليتفحص من جديد النظام التمثيلي كمطلب عملي " لحزب كبير " ، حزبا يكون مجبرا على تجاوز ذاته لان انتصاره هو ، في نفس الوقت ، ضياعه .
2 ) هذا الموقف الجذري يقود ماركس الى التمييز – ابعد من الليبرالية ومن حزبه – بين التحرر الاجتماعي الذي يستهدف الفرد الكلي من جهة ، وبين التحرر السياسي الذي هو نواة التحرر الاجتماعي من جهة اخرى . هيكل كان قد لاحظ من قبل هذا الفصل بين المدني والدولة ، بين البيروقراطية والفرد ، بين طبقة العمل المباشر والملموس وبين السلطة . ان حقوق الانسان لا تنفي امتيازات الملكية الخاصة ، والتحرر السياسي لا يضع حدا للاستلاب ، وإنما يحول الانسان الى فرد اناني من جهة ، والى مواطن ’مبهم وأخلاقي من جهة ثانية . ماركس يطالب ، اذن ، بان يختفي المواطن المبهم لمصلحة الفرد في حياته التجريبية ، في نشاطه ، وفي علاقته مع الغير . ووحده التحرر الانساني سيسمح للفرد ، ككائن ، بان ينظم قواه الذاتية ، كقوة اجتماعية ، و ذلك عن طريق رفض السلطة السياسية الخارجة عنه .
في ذلك الوقت ، لم يكن ماركس قد انضم بعد الى الشيوعية . إلا ان اعادة مناقشة فكر هيجل ومدرسته ، والانضمام الى مبادئ الديمقراطية ، سوف يقويان كل قناعته الفلسفية والأخلاقية المكتسبة . الديمقراطية تدخل كبديهية في التطبيق العمل السياسي لطبقة اجتماعية تمثل بصفتها الشاملة ومعاناتها الشاملة ، ذوبان المجتمع البرجوازي ، هي الطبقة البروليتارية .
3 ) دفعة واحدة ، يبني ماركس ثورته الاجتماعية بآمر مطلق . وعندما سيقدم للشيوعية نظرية علمية بإعطاء قواعد مادية ، فانه سيثبت بشكل مباشر وغير مباشر البديهية الاخلاقية للثورة ، بحيث ان كل فكره ونشاطه السياسي سيحمل علامة هذا الالتباس الاساسي الذي يترك للقارئ حرية الاختيار لقرار وجودي .
وبسبب دعوتها الشاملة ، فان الثورة البروليتارية تختلف عن الثورات السابقة كاختلاف الطبقة البروليتارية عن الطبقات الاخرى . ومن هنا فان سؤالا يطرح : بما ان هذه الدعوة الشاملة تنبع طبيعيا من نفس الشروط التي يتحول فيها المجتمع عبر المراحل المتتابعة بحسب القوى المنتجة ، فماذا يمكن ان يكون دور وتطبيق ممارسة الحزب البروليتاري الخاضع هو ايضا لهذه الحتمية الاجتماعية ؟ وما هو الدور المتوجب على الشيوعيين ، الذين ، بحسب ماركس ، لا يشكلون حزبا عماليا متميزا عن الآخرين ، وإنما نوع من النخبة المثقفة المالكة لمعرفة ووعي ما يسميه استقلالية وحركة الطبقة العمالية الحقيقية ؟
وبما ان ( زوال الرأسمالية حتمي كظهور الشيوعية ) ، ( والثورة البروليتارية ضرورة تاريخيا كأدواتها ، الطبقات العاملة ) ، فأي مكان تتركه هذه النظرية ، وهذه الرؤيا للسياق الطبيعي للتطور التاريخي لنشاط الشيوعيين ؟ . يبدو ان ماركس واضح على هذا الصعيد . ان دورهم يقتصر على دفع سياق نضوج الوعي الثوري عند العمال ، وبالتالي الاحزاب العمالية . وهكذا نفهم الفرق الذي اشار اليه ماركس باستمرار ، بين حركة الطبقة والتطبيق السياسي ، وعلاقة الخضوع التي ينشئها من خلال التأكيد على ان التحرك السياسي للأحزاب العمالية ليس إلا الاداة بالنسبة للبروليتارية كي تحقق تحررها ، وبالتالي كي تحرر المجتمع كله .
اذن كيف نفسر ان يحمل البيان الشيوعي الذي كتبه بالتعاون مع انجليز باسم عصبة الشيوعيين ، عنوان : بيان الحزب الشيوعي ؟ ؟
ان الالتباس لا يزول اذا كنا نريد ان نحفظ في ذهننا المهمة التي يعهد بها ماركس للنظرية ، كسلاح للنقد . ان النظرية تتحول الى قوة مادية عندما تستوعب الجماهير . وهذه النظرية الجذرية هي عمل نخبة تكوّن ، لمسيرة نحو الشيوعية . ن الآمر المطلق الذي يتكلم عنه لا يستهدف ابدا الثورة بحد ذاتها ، وإنما نمطها ، اي التحقيق المتصاعد للمهام السياسية الملتصقة بعفوية التحرك الحقيقي المتولدة عن طريقة انتاج تحتوي عناصر تدميرها الذاتي .4 ) ان القانون الاقتصادي لتحرك المجتمع البرجوازي ، يحدد بوضوح المهام السياسية للأحزاب العمالية . ودعوة الحزب البروليتاري تتوضّح ايضا على ضوء نظرية التحرك الحقيقي . وأي حزب لن يستطيع باسمه الذاتي تحقيق المهمة التاريخية للطبقة ، إلا ان من المناسب التمييز هنا بين الطبقة كما هي ، والطبقة من اجل ذاتها ، او بتعبير اقل هيجلية بين البروليتارية السالبة الناتجة عن نمو الرأسمالية نفسها ، وبين البروليتارية الموحدة في النضال . كذلك فان الطبقة الفلاحية لا تستطيع ان تكون طبقة ، وان تقود نضالا سياسيا ذاتيا . وبالمقابل ، فان ماركس يلح على تكوّن البروليتارية في طبقة . ان هذه الصيغة نجدها عند فلورا تريسستان ، التي نشرت كتابها " الاتحاد العمالي " في باريس ، قبل وصول ماركس ببضعة اشعر الى فرنسا .
على ضوء هذه التوضيحات النظرية ، نستطيع ان نفهم وضعية ماركس الحرجة باستمرار ، تجاه نشاطه السياسي الذاتي ، وأيضا اتجاه نشاط الاحزاب العمالية ، وكذلك نحو تفضيله ، المؤكد دائما ، للحركات العفوية للطبقة العاملة ، وليس لتكتيك وبرامج الاحزاب العمالية . ان المسلمة الواردة في انظمة الاممية الاولى ، واضحة تماما : " تحرر الطبقة العاملة لا يمكن ان يكون إلا من صنع الطبقة العمالية نفسها " . وهذا هو ايضا السبب الذي من اجله اشار ماركس ، منذ 1847 ، في مناظرته مع برودون ، الى اهمية النقابات العمالية في بريطانيا التي تترافق معركتها بنضالات سياسية للعمال الذين يشكلون الآن حزبا سياسيا كبيرا تحت اسم " انصار الميثاق " ( انظر بؤس الفلسفة – اقتصاد – ص 193 ) و في تحول الطبقة من اجل ذاتها ، فان التحرك العفوي للعمال يعتبر العنصر الحاسم : " في كل ادوات الانتاج ، فان اكبر قوة منتجة هي الطبقة الثورية نفسها " ( بؤس الفلسفة ص 135 ) .
ان ما يشير الى الصفة المتطورة للحركة العمالية هو : " ان تنظيم العناصر الثورية كطبقة يفترض وجود كل القوى المنتجة التي كان باستطاعتها التكاثر في المجتمع القديم " ( نفس المرجع ص 135 ) . ان ماركس سيحتفظ بهذا الموقف على صعيد الاممية ، وهذا ما يفسر تهجماته على باكونين . ففي مؤتمر لاهاي لم يتوان عن استخدام مناورات الكواليس ليحصل على طرد الفوضوي الروسي ، وذلك في سبيل ترجيح مفهومه في التنظيم العمالي كحركة عمالية عالمية ، شرعية ، منظمة ديمقراطيا ، مفتوحة لكل الاتجاهات والآراء ، تناضل في سبيل وجود وحياة العمال اليومية ، ليس من اجل الاصلاحات الاجتماعية ، وليس كواجهة لنشاطات تآمرية غير شرعية ، حيث يلعب القائد دور الاب الروحي ، كما كان باكونين يتمنى .
5 ) ان هذه العلاقة بين التطور الاجتماعي والسياق الطبقي ، توجب انشاء تعاليم سياسية مفروضة من قبل تركيب المجتمع نفسه ، الذي ’تولد وتنمو فيه الاحزاب العمالية . وهذه الضرورة هي التي اراد ماركس اثباتها باستمرار ، في نزاعاته مع بعض شرائح عصبة الشيوعيين ، وفي انتقاداته للمؤسسات البلانكية او للتجارب العنيفة الافق ، بارزا هكذا كمدافع عن الليبرالية البرجوازية وعن وظيفتها التاريخية . وسيدافع ايضا عن هذا المفهوم في مرافعته امام قضاة كولونيا عام 1849 ، وفي حملته من اجل اصدقائه ، اعضاء عصبة الشيوعيين ، المتهمين بالتآمر سنة 1825 .
ومنذ سنة 1848 ، عندما كتب بان سيطرة البرجوازية ستعطي للبروليتارية ، ليس فقط السلاح ضد البرجوازية والديمقراطية البروسية ، وإنما كذلك وضعية الحزب الشيوعي ، فانه كان يؤكد بان البروليتارية ستنضم لهذا الحزب ، وستعرف كيف تستفيد من الحريات الضرورية لنموها : حرية الصحافة ، التنظيم ، الانتخابات ، التمثيل في المؤسسات ..,لخ ؟
بنفس الوقت استخلص ماركس وانجليز النتيجة المنطقية لمفهومهما عن الديمقراطية والتي هي انتزاع السلطة السياسية بواسطة البروليتارية بواسطة الاقتراع العام ، اي الانتخابات وليس بواسطة العنف الثوري . ان هذا الهدف لم يكن يحتوي اي شيء من الثورية ،لأنه كان يدشّن مجرى الثورة المعاقة في كل البلدان المتحضرة . كتب انجليز " .. لذا فان النتيجة الضرورية للديمقراطية هي السيطرة السياسية للبروليتارية كشرط لكل الاجراءات الشيوعية " . ( تحالف الديمقراطية الاشتراكية وهيئة الاممية العمالية 1873 ) . وهنا من الواجب ان نمسك بمفتاح صيغتهما للبيان الشيوعي : " انتزاع الديمقراطية " . ان هذا النزع السياسي سيكون عابرا ، وسيكون المقصود منه كما يقول ماركس : " مرحلة في خدمة الثورة البرجوازية كما في سنة 1793 ، طالما ان الشروط المادية ، لا تجعل من الضروري الغاء السيطرة البرجوازية .. " .
واذا كان العمال وحزبهم يساعدون البرجوازية التي تناضل ضد ماض غير مقبول ، فذلك لأنهم يعرفون ان هذه البرجوازية يجب ان تقدم لهم تنازلات سياسية اكثر اتساعا من الملكية المطلقة . ان نضالهم الذاتي ضد البرجوازية لا يمكن ان يبدأ إلا يوم انتصار البرجوازية ، وان النضال من اجل الثورة الاجتماعية لن يبدأ إلا فيما بعد .
وحتى قبل البيان الشيوعي ، كان ماركس قد ميز بين الثورة السياسية – قلب السلطة البرجوازية – وبين الثورة الاجتماعية – التحويل التدريجي للمجتمع الرأسمالي ، باعتبار ان الاولى شرط اساسي للثانية . ان الحزب يجد ، سلفا ، حدا لدوره في هذا المفهوم لثورة على مرحلتين ، وان الفصل بين المهام يعطي للحزب بالضرورة نموذجا يعقوبيا . ان ثمة تشابهات في التاريخ . ان يعاقبة 1793 قد اصبحوا شيوعي ايامنا هذه . (انظر كارل كورش " كارل ماركس " خطاب حول بولونيا . نيويورك 1937 ) .
من الضروري الآن ان نشير الى بعض هذه المشكلات التي بقيت عند كارل ماركس بدون جواب كلي : الحزب العمالي ، انتزاع السلطة وممارستها ، السلطة ، الشرعية ، العنف ، الحزب " الماركسي " .
فحول النقطة الاولى ، وبالرجوع الى المصادر نفسها ، نلاحظ ان المشاكل السياسية – التحضير للاستيلاء على السلطة – لا يمكن ان تجد حلا آخرا غير " ديمقراطية انتخابي " بسبب سيطرة المؤسسات البرجوازية ذاتها طالما ان سيرها الطبيعي ’مؤمّن لفترة طويلة .
إلا ان للأحزاب العمالية دعوة تاريخية ، اي مهام خاصة ، والأمل بسياسة ثورية ضمن الاطار الديمقراطي يمكن ان يبدو ضعيفا ، وفي هذه الحالة ، وحدها القوة تستطيع ان تقضي على كل مقاومة . ومنذ ظهور الاحزاب " الماركسية " ، فهم ماركس ان نظريته الثورية لن تستطيع استخدام تعاليم الممارسة من اجل السياسة اليومية ومن اجل البلد . فرنسا تطرح النظرية بشكل حازم ، وألمانيا تجزئ الحركة العمالية ، وماركس الذي بقي حبيس الدلائل الاولى بسبب موته ، جعلت شريكه انجليز يزيد من انتقاداته اللاذعة للماركسيين الفرنسيين ، ومن ثم سيجد نفسه قريبا اكثر فأكثر من الحركة الجماهيرية الالمانية ، لكن النصر سيبدو متحققا له بواسطة الوسائل الانتخابية : كتب انجليز لاحقا " ان المتطرفين سيجدون انفسهم في وضع حسن تجاه ما تحمله لهم الوسائل الشرعية " ، اي الانتخابات البرجوازية .
6 ) ان تكوين الاحزاب العمالية في المانيا وفرنسا قدم لماركس ولانجليز الفرصة ليعلنا افكارهما المناقضة لبعض المثقفين الذين بعدم تقديرهم للطاقات الثورية عند البروليتارية ، كانوا يندفعون نحو تحويل الاشتراكية الى نظرية اخلاقية من اجل كسب مؤيدين في الطبقات المثقفة والغنية . هكذا ينتقدان في نشرة 1879 هؤلاء المثقفين بالرجوع الى البيان .الشيوعي : " هؤلاء الناس كي يكونوا نافعين للحركة البروليتارية ، عليهم ان يقدموا لها عناصر ثقافية ذات قيمة حقيقية " ممارسة او نظرية . ان شعار التحرر الذاتي العمالي يتناقض مع وضعية هؤلاء الذين ، كمتحدّرين من صفوف البرجوازية ، يدّعون بان الطبقة العمالية عاجزة عن ان تتحرر بنفسها ، وأنها يجب ان تكون تحت ادارة برجوازيين صغار مثقفين وموسرين ، يملكون لوحدهم الفرصة والوقت ليتآلفوا مع مصالح العمال " ( انظر من ماركس و انجليز الى بيبيل سبتمبر 1879 ) .
بعد ذلك بعام ، وخلال انشاء برنامج حزب العمال الفرنسي ، سيعمد ماركس الى تلخيص فكره السياسي مرة اخرى : " ان الامتلاك الجماعي لوسائل الانتاج لا يمكن ان ينجم إلا عن الممارسة الثورية للطبقة المنتجة – البروليتارية – المنظمة في حزب سياسي متميز " . " ان على البروليتارية ان تبذل جهدها لإنشاء تنظيم كهذا ، وان تستخدم كل الوسائل بما في ذلك الاقتراع العام ( الانتخابات ) عن طريق تحويله من اداة خداع ، كما كان حتى الآن ، الى اداة تحرر " ( انظر برنامج حزب العمال الفرنسي 1880 ، ص 1358 ) .
واذا كانت البروليتارية معروفة بالعفوية وبالاندفاع ، فما هو الدور الذي لعبته نظرية ماركس وانجليز في هذا الوعي العفوي وغير المنضبط للعمال ؟ .
لقد اجاب انجليز بوضوح على هذا التساؤل في مراسلاته ، بعد موت ماركس ، بمناسبة ظهور اول تجمع ماركسي في الولايات المتحدة الامريكية . فمقابل تحويل النظرية الماركسية الى عقيدة متزمتة ، فقد ذكر بالبديهية الاساسية لهذه النظرية وهي " تجمع العمال في حزب سياسي مستقل " فعلا ، ولكن ليس على اساس عقيدة نظرية ، بل على اساس مطالب اجتماعية موحدة .
لذا ، فان فكرة العفوية هي في الواقع ، من اجل فهم التمييز الذي اقامه ماركس بين الاحزاب العمالية التي لا يمكن ان يختلف تكوينها عن باقي الاحزاب السياسية في النظام الليبرالي ، وبين الحزب البروليتاري حاملا بشكل ما شروط وأوضاع المجتمع القائم . ان الحزب البروليتاري لا يمكن ان يشبه اي تنظيم فعلي خاضع لعبودية التنازل السياسي ، والحزب كأداة وحافز للعفوية البروليتارية ، فانه لن يكون ، بأية حال ، عنصر تعاون بين الطبقات . ومن هنا نفهم ان ماركس قد استطاع في المراسلات وفي بعض التصريحات العامة ان يتكلم عن " حزبنا " ، بينما ان اي تنظيم رسمي لم يكن يربط بين الاصدقاء المتجمّعين في " حزب ماركس " . ان هذه الفئة السياسية لم يكن لها نظام ، وإنما كان لها عقيدة هي الشيوعية ، وماركس كان مدعوا ليعطيها القواعد النظرية .
اذن ، يمكن ان نلخص المفاهيم الماركسية عن البروليتارية وعن الحزب البروليتاري كالآتي :
ا --- نضال اقتصادي وسياسي من اجل الاصلاحات الاجتماعية على صعيد النظام القائم ( انتخابات ، مشاركة سياسية ، قوانين اجتماعية لخ . ) .
ب – الوصول بشكل شرعي ( الانتخابات ) للسلطة السياسية وتطبيق قوانين الانتقال من اجل قلب علاقات الانتاج البرجوازية .
ج – ديكتاتورية البروليتارية من اجل تحطيم مقاومة الطبقة المالكة ، وتأمين الانتقال نحو المجتمع المحرر من العبودية الاقتصادية والسياسية ، مع الغاء نظام الرواتب ، وإنشاء كومونة المنتجين ، اي اختفاء كل سلطة سياسية .
من هذا التلخيص لنظرية سياسية ، يمكن ان نستخرج من عند ماركس مفهوما مزدوجا للحزب البروليتاري الذي لم يكن جانباه ابدا محددين بشكل واضح ، المنظر ورجل الحزب اللذين من الصعب فصلهما عن بعضهما البعض . ومع ذلك ، فانه يبدو لنا مبررا ان نميز ، في المفهوم الماركسي للحزب البروليتاري ، بين المفهوم السوسيولوجي للحزب العمالي من جهة ، وبين المفهوم الاخلاقي لحزب شيوعي من جهة اخرى .
الاول ينطبق على التنظيم باعتباره جزءا من المجتمع البرجوازي ، خاضعا للشروط العامة لهذا المجتمع . ان الحزب العمالي يبقى في تكوينه وبالتناقض مع برنامجه حزب سيطرة " برجوازية " ، وقادته يتبنون سريعا لحسابهم قواعد اللعبة السياسية ، لان الوظيفة البرجوازية تخلق اتوماتيكيا التنظيم البرجوازي .
وبالنسبة للمفهوم الاخلاقي للحزب البروليتاري ، فانه ينتج عن التعريف الذي يعطيه ماركس للشيوعيين ، هذا التعريف الذي يلح على بديهة وظيفة الايمان اكثر من الملاحظة التجريبية " من جهة ، في نضالات البروليتارية القومية المختلفة ، انهم يبرزون ويضعون ، فوق كل شيء ، مصالح البروليتارية العامة بكاملها بدون اعتبار للجنسية ، ومن جهة اخرى ، فإنهم يمثلون دائما مصالح الحركة بمجملها في مختلف مراحل النضال بين البروليتارية والبرجوازية " ( انظر البيان الشيوعي " الاقتصاد " ص 174 ) .
ان دورهم ليس اذن سياسيا بالمعنى التقليدي للكلمة . انهم لا يكوّنون منظمة خاضعة لقواعد وأنظمة شكلية قائمة ، لأنهم يستنبطون نظرية الحركة دون ان يخترعوا النظام ، وسلطتهم اخلاقية بحتة تقوم على اعمال الفكر . انهم يشاركون في الحركة العامة دون ان يكونوا اجباريا ، خاضعين لتعاليم الاحزاب الموجودة ، وعلى هذا الاساس فإنهم يستطيعون ان ينشطوا بمعزل عن اية حركة رسمية . هذا هو الدور الذي كان ماركس يعتقد بان له الحق بان يطالب به عندما قال اثناء استقبال وفد من افراد حزبه ، باسمه وباسم انجليز : " ان ولايتنا لتمثيل الحزب البروليتاري لا نأخذها إلا من انفسنا ، وهي موشومة بالكره العام والحاد الذي نكرسه ضد شرائح العالم القديم وكل احزابه " ( ماركس انجليز 18 ماي 1809 ) .
ويبقى على التحليل السوسيولوجي ان يثبت بماذا يختلف مفهوم كهذا للانتقاء الالهي ، عن الفكرة التي كان يحملها ماركس عن الطوائف السياسية .
من خلال هذا يمكن طرح السؤال : هل عجز الماركسيون في اقامة حزبهم البروليتاري (البرجوازي ) رغم اشتغالهم عليه منذ اكثر من اربعين سنة خلت ؟ وهل تأسيس حزب النهج الديمقراطي ( سليل برجوازي لمنظمة الى الامام ) كان استجابة لحلم طالما راود اصحابه بالتأسيس لتنظيم يكون قادرا على انجاز الثورة الوطنية الديمقراطية ؟
واذا كان الامر كذلك فلماذا يستمر مثقفو اليسار والى اليوم في التنظير لمهمة بناء الحزب البروليتاري ذي التربة الغير المغربية ؟
لقد حصل تراجع في بعض كتابات مثقفي اليسار عن مطلب تأسيس حزب عمالي لصالح انشاء تيار ماركسي ، ومنهم من تنازل حتى عن التيار لصالح ( جبهة ) الله وحده يعلم ممّن ستتكون .
ان هذا يبين ، ان الاسهامات اليسارية حين تبعد دراسات علم الاجتماع السياسي وعلم السياسة في تناولها الظاهرة الحزبية ، فأنها تكون بمن يلامس القضية من زاوية مجردة دون اصول وأعراف محددة للتصنيف الحزبي ، وهو ما يجعل الجميع يسقط في التقليد والإسقاطات التي لا علاقة لها بالواقع . ومن هنا فان اليساريين والماركسيين الذين نظروا للحزب البروليتاري منذ سنة 1970 ، سيستمرون في المعالجة الثقافية السياسية للظاهرة اربعين سنة قادمة ، دون ان يتمكنوا ابدا من تأسيس حزب عمالي خارج السياق الماركسي الذي اضحى اطلالة عبر التاريخ .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منظمة 23 مارس -- في التوجه السياسي المرحلي -
- الدرك الملكي
- منظمة 23 مارس الماركسية اللينينية - التقرير التوجيهي -
- الاغنية السياسية
- المنطلقات النظرية للاشتراكية الصهيونية البروليتارية
- الحركة الاسلامية بالمغرب ( 6 )
- الحركة الاسلامية الاخوانية بتونس ( 5 )
- الحركة الاسلامية في لبنان ( 4 )
- الصراع بين حزب البعث والسلفية الاخوانية في سورية ( 3 )
- التيار السلفي في مصر ( 2 )
- ملف عن السلفية الاسلاموية ( 1 )
- النخبة وزمن التّيه السياسي
- الثورة آتية لا ريب فيها
- عودة كريستوفر رووس الى المنطقة
- في الثقافة الوطنية القومية الاصيلة
- الماركسية والتراث والموقف من الدين
- تسعة واربعين سنة مرت على حرب اكتوبر . ماذا بعد ؟
- الموقع الطبقي لحركة الضباط الاحرار
- لبنان وسورية في فوهة البركان الصهيوني
- عالم آخر ممكن


المزيد.....




- -ذكريات حلوة.. ومش حلوة-.. مايا دياب تأخذ متابعيها في جولة ل ...
- مادونا وإلتون جون: -دفنا الأحقاد أخيرا- بعد عقدين من الخلاف ...
- رأي.. بشار جرار يكتب عن قمة ترامب - نتنياهو الثانية في شهرين ...
- كتاب -من عسل وحليب-: رحلة في لبنان للتعرف على تراث مطبخه
- ماكرون والسيسي يصلان إلى العريش لتقديم “الدعم الإنساني” لسكا ...
- السعودية.. القبض على 3 مواطنين و9 من جنسيات أخرى لهذا السبب ...
- الدومينيكان: مصرع 15 شخصا على الأقل جراء سقوط سقف في ملهى لي ...
- إيران تكشف عن مدينتها الصاروخية
- الجنس: هل ينتهي بعد انقطاع الطمث؟
- الفلبين: بركان كانلاون يثور مجددا ويقذف رمادا بارتفاع 4000 م ...


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - الحزب العمالي