|
الإحساس بالإضطهاد الطائفي
عبدالحميد برتو
باحث
(Abdul Hamid Barto)
الحوار المتمدن-العدد: 3985 - 2013 / 1 / 27 - 21:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ليس القصد في الإشارة الى الإحساس بالإضطهاد الطائفي الحديث عن فئة تتلقى ضغوطاً وإشارات خارجية تُولد لديها مشاعر ومواقف تحرك لديها فعل أو رد فعل شخصي أو إجتماعي، وإنما الخوض في معترك التعرف على الأفعال المؤدية الى الإحساس بالإضطهاد، وما يُولد من ردود فعل تذهب بإتجاهات مختلفة، وقد تواجه بردود فعل مختلفة تتراوح بين الحصافة في بعض الحالات، وتتصف بالرعونة غالباً، خاصة تلك التي يُعبر عنها بمحاولات قهر المعترضين.
إن الذي يدفعنا للذهاب بهذا المحنى التحري عن تناولٍ مسؤولٍ للتطورات الحالية في بلادنا، وتحويل القلق على مستقبل البلاد والبشر الى فعل من أجلهما، وعلى الرغم من معرفتنا بالعقلية السائدة في أوساط المتعاقدين مع المحتل في الحكومة القائمة، فإن السعي الى درء الخطر المحدق بالبلاد يدفعنا للبحث في طبيعة الظاهرة الطائفية من حيث عمق جذورها في العراق، وعمقها في الوعي الإجتماعي وبعض المؤثرات التي أججتها، وعرض بعض الخبرات المتراكمة بصددها، والتركيز على ما جوهري، والإبتعاد عن كل ما يعرقل الصفاء والتفاهم الوطني، من أجل منع العناصر المهيمنة على الحكومة العملية والرعناء من إيهام أبرياء لخوض معركة ليست معركتهم، ولا تصب نتائجها في مصالح الوهم المزرع في عقولهم بغفلة من الزمن، وليس ضمن إهتمامنا الحالي الإختلاف الفقهي وجذور المذهبية الإسلامية، بقدر إهتمامنا بخطط إستثمارها ضد الجميع من قبل أصحاب المصالح الدوليين البعيدين منهم والقريبين.
وعلى الرغم من موقفنا المعلن والمقرون بالعمل والمقاومة ضد الإحتلال، وكل ما أسفر عنه من خطوات وقرارات ومؤسسات وحكومات متعاقبة، دعونا الى مواصلة النضال المطلبي لأنه داعم أساسي لخلاص شعبنا من العملية السياسية الرعناء، التي فرضها المحتل وخدمه الظاهرين في الواجهة أو المغلفين، والتي مآلها النهائي التفجر من الداخل إن لم يتسنّ للشعب القضاء عليها قبل ذلك.
لاشك أننا نتحدث حالياً عن أعمال إحتجاجية، قد تنمو الى أفعال كبرى، يسعى سراق خبز الشعب وكرامة لتحويلها الى مأساة كبرى عبر حرمانها من طبيعتها الوطنية العامة والسلمية، والتعجيل في عملية إجبار الشعب على حمل السلاح قبل أن يتوحد الشعب بكل عناصره الأساسية وقواه الصغيرة قبل الكبيرة.
إن نوعية القيادات التي ظلت على قيد الحياة من قوى الشعب ربما لم تتمرس بالقدر المناسب في إدارة الفعل الثوري، وربما لا تتصف بالجذرية الحاسمة، وذلك بسبب عوامل كثيرة لا يتسع هذا المقال لتناولها، ولكنها في كل الأحوال قيادات نزيهة ومخلصة، وتحملت عذابات قلّ نظيرها، نظن أن هذه الحقائق غير خافية على المتابعين، لهذا تبرز أمامنا بكل قوة مقولة ديستوفيسكي: "أخاف أن لا أكون جديراً بعذابي".
إن شفيعنا في هذا المقام التجارب الكبيرة التي تمر بها البلاد العربية، التي لم تصل الى درجة الحسم، وهي عملية ثورية متواصل، ربما يقلل من بهائها عند البعض من مستعجلي النتائج الحاسمة، وهو إستعجال ينطوي على جهل بمنطق الثورات كعمليات تغيير إجتماعي عميق الدور والمضمون ومتواصل الحركة. ومن الضروري الثقة بحقيقة أن الشعب أي شعب عندما ينطلق بالفعل الثوري يفاجأ القريبين والبعيدين على حد السواء، فهو قادر على تنظيم نفسه بسرعة خارقة تفوق نشاط أي حزب سياسي، وهو قد يمنح ثقته لقوى منظمة لا تستحق الثقة تحت تأثير شبكة واسعة من العوامل المحلية والخارجية، ولكنه جدير بسحب الثقة بأسرع مما يتخيل المنظرون الجالسون على رصيف الأحداث، ها هو الشعب المصري كيف بدأ يتململ صوب القوى التي منحها الثقة. ينبغي على المناضلين من أجل مصالح شعوبهم بحق أن يدركوا أن تبني المطاليب العادلة للشعب تمنح هذا الطرف أو ذاك شعبية، قد تكون كبيرة جداً وقد تكون محدودة، ولكن القادم من التطورات ومدى الإستجابات الفعلية لإحتياجات الناس وحياة المجتمع هو الإختبار الحقيقي، وذلك عندما يبدأ وقت تنفيذ المطاليب، هنا يكون البقاء للبرامج الأفضل وللأيدي النظيفة والضمير المتقد، لا تبخسوا حكمة الشعوب وقدرتها على التمييز، وإن الإستغفال أمر عابر في سلوك الشعوب، وإن وقوده ومصدر قوته لحين الجوع والقمع والحرمان.
إن مجرد الإحساس بسلب جزء من حقوق المواطنة يؤدي الى تفاعل إجتماعي يظهر على درجات وهيئات مختلفة، منها نزول الجموع الجماهيرية الى الشارع، وهذه الحالة تخيف القائمين على الحكم وعلى شأن من هم تحت السلاح (جيش والشرطة وغيرهما من أدوات القمع) وتثير هلعهم، يتلمضون الدماء لإختيار الرد الأشد قسوة، وتغريهم الحالة بالرد المسلح، وهذا ما يُدخل الميدان الى حالات جديد لا يدركها من لم يختبر قوة الشعب وصلابة تصميمه، وهذا ما حصل في الفلوجة الباسلة يوم الجمعة 25/1/2013 بعد شهر من التظاهر السلمي، حيث وجهت الحكومة جنودها الى إختبار زرع الموت من جديد، ولم أجد ما هو أفضل في وصف حالة الطرفين؛ الشعب الأعزل والجنود المسلحون لنظام عميل وأخرق وعدواني من تلك الطرفة التي أوردها أحد قادة النهضة العربية الحديثة المصلح عبد الرحمن الكواكبي في كتابة الرائع "طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد" جاء فيها: لاحق كلب الصياد يوماً أرنباً فعجز عنه، ولم يستطع إدراكه. فسأل الكلب الأرنب: كيف تسبقني وأنا أقوى منك وأسرع؟. فأجابه الأرنب: "لأني أعدو لحسابي وتعدو لصاحبك".
ليعلم أهل العنتريات الفارغة في حكومة المحاصصة في أحسن الأوصاف تهذيباً أن زج القوات المسلحة بكل صنوفها لقتل المدنيين الأبرياء جريمة بحق الشعب كله، وهي جريمة لا تغتفر، وإن أبناء القوات المسلحة هم في كل الأحوال أبناء بلادنا، وقد حرمتهم خطط الإستعمار الجديد من فرص العمل من خلال تدمر جميع المؤسسات الإنتاجية في العراق عدا مشاريع إستخراج أو إنتاج النفط التي لا تتطلب وجود أعداد كبيرة من الأيدي العاملة، وطبعاً الى جانب ذلك لم يبقى سوى العمل في الجيش والشرطة، التي تقوم على عقيدة مواجة الشعب، وليس لحماية السيادة الوطنية وكرامة الشعب، ولكن ليعلم القائمون على القرار العسكري أن أي قوة مسلحة تُزج في القتال ضد شعبها، تكون هذه الخطوة بداية مؤكدة لإنهيارها؛ إنهيار المؤسسة القمعية، وهنالك فرق جوهري بين من يقاتل دفاعاً عن النفس والأهل وبين من يقاتل لمصلحة الآخر. قد لا يكون القول بأن الطائفية الإجتماعية ذات الطابع العدائي غريبة على المجتمع العراقي ومستهجنة مجرد تعبير يقوم على نزعة وطنية نزيهة لحالمين منعزلين عن نبض الحياة، أو قول مؤسس على أمنيات ونوايا طيبة، أو بدفع منهما، بل وأكثر من ذلك هناك من يؤكد على أن رفض الطائفية كان قائماً، ويُمثل حقيقة وسلوكاً راسخين وفق تقديرات أجيال من العراقيين قبل أن تتضافر عليهم كومة من العوامل الخارجية والداخلية الهادفة الى تدمير النسيج الإجتماعي للعراق، أو إنهاكه على الأقل، والعمل على إبعاد قطاعات واسعة من الناس عن التوجه الجاد للمطالبة بحقوقهم، والعمل على هدر طاقات البلاد الإقتصادية والقيمية. ليس من الصعب تلمس حقيقة وجود إدانة عامة لأية ممارسة طائفية تضمر العداء للآخر، وهذه الحالة صفة عامة سائدة خلال العقود الماضية بين الأجزاء المنتجة والحية من المجتمع العراقي. لقد تضررت هذه الحقيقة الإجتماعية، ووقع الضرر في فترة محددة، ولكن بعض الفئات الإجتماعية سلمت منه لحدود كبيرة، خاصة العمال منهم، ووقعت إضرابات ضد الشركات الأجنبية دفاعاً عن الثروات الوطنية، وحافظت النقابات العمالية في معظمها على طابعها الوطني والمهني.
ومن أجل المزيد من الدقة في تشخيص الواقع الراهن وإفرازاته، ومن أجل منع الضياع في متاهات نفي وجود الإضطهاد الطائفي أو إثباته، يُصبح من الضروري التأكيد على أن إفتراض نفي الطائفية الإجتماعية العدائية لا ينفي وجود ممارسات طائفية وطائفيين على الصعيدين السياسي والديني من كل الملل والنحل في السابق والآن، وينبغي في الوقت عينه الإقرار أيضاً بالتضخم الهستيري للحالة الطائفية في العقدين الأخيرين، حيث سارت وتنامت الحالة الطائفية في العراق بعنف وسرعة. وإذا تعذر تجاوزاً نفي الطائفية الإجتماعية العدوانية فإن مجرد توفر إمكانية للإشارة الى المبتلين بها بالإسم والعدد، وكذلك حوادث الإنتهاكات ذات الدوافع الطائفية فذاك مؤشر على عدم تجذر خطورتها أو إنها مجرد خطر يسعى لتململ على أمل خلق ظروف غير مناسبة لأية معالجة لا تساعد عليها.
يقيناً أن الأمر قد تغير تدريجياً خلال العقدين الماضيين، ولكن ليس لصالح تعميق روح التسامح والوحدة الوطنية، وذلك بعد عقدٍ من التأجيج الطائفي قبل غزو العراق بفعل إيحاءات الإعلام الأمريكي خاصة والإعلام الغربي عامة وغيرهما أيضاً، وبعد عقدٍ آخر من الإحتلال وإفرازاته اللاحقة، ومازال العزم قوياً للإيغال في مسعى التفتيت الخطير للوحدة الوطنية، من خلال الأحزاب الطائفية المتنفذة، والتي من أهم مبررات وجودها الأساسي هو تعميق الشحن الطائفي، طبعاً الى جانب اللصوصية وشهوة الإنتقام.
بديهي أن نأخذ بالحسبان الدفع والقوة الإضافية والزخم الذي قدمته جملة من العوامل المحلية والإقليمية والدولية لدفع مخلفات مراحل ما قبل الوطنية العراقية الى الواجهة الأمامية، مثل الطائفية والعشائرية والمناطقية والتعصب بكل أشكاله وأنواعه، خاصة وإن تلك القوى والأحزاب المعبرة عن مثل وقيم التخلف والإجرام واللصوصية تمتلك مصادر القوة من خلال الهيمنة على أجهزة الحكم ومصادر الأموال وبدعم عسكري وسياسي وفني وأعلامي من الإحتلال، دعم لم يحصل نظير له، حيث جرى تجميع الغت وسمين في المنفي، وتسليمهم كل مصادر القوة تحت حماية أكبر وأحدث تجمع عسكري دولي، والعمل على بناء قوات عسكرية محلية تضم مئات الآلاف لحمايتهم، ومن ثمة العدوان بواسطتهم ومن خلالهم.
وترافق ذلك مع وهن أصاب القوى التي من المفترض أنها واعدة، وذلك تحت ضغط عوامل ذاتية تتعلق بالقوى التقدمية نفسها، وضغوط موضوعية أخرى منها: تعمق ثقة الأحزاب الدينية والطائفية بالنفس بعد بعض "الثورات" التي صبت بذات الإتجاه، إنحلال الإتحاد السوفيتي والمنظومة الإشتراكية ومحاولات الغرب خاصة الولايات المتحدة الأمريكية لإحلال عدو جديد، ووقع الإختيار على الإسلاميين، وفي حالات غير قليلة كان الخيط الذي يفصل بين الإسلام والإسلاميين في السلوك العملي للغرب واهياً للغاية، الإرتباك والوهن الذي إعترى الأحزاب التقدمية واليسارية العالمية، وفي حالات غير قليلة فرطت بعض أطراف الأحزاب التي كانت ثورية، المحلية منها والعالمية، بجوانب حيوية من النضال الإجتماعي وبعض الجوانب الأخلاقية التي قد لا يحقق نصر من دونها، هذا الى جانب التفريط ببعض القيم الثورية المعيارية، التى تبقى قوة كامنة للإنطلاق الفعال في ظروف معينة، وهي في الوقت ذاته عوامل تمنع فقدان الدور التاريخي.
أضرب لكم مثلاً على الخط التصاعدي للنخر الطائفي في أحشاء المجتمع وما آلت إليه الأوضاع، ذات مرة كنت أستمع الى إذاعةBBC وتحديداً الى مقابلة مع الزميل يحيى علوان الذي أعرفه من أيام العمل الطلابي وفي الخارج أيضاً، وكانت المقابلة تدور حول إستطلاع رأيه حول الأوضاع في العراق، وكانت أجوبته ضمن الخط العام السائد في صفوف اليسار العراقي، وهذه المقابلة جاءت في عقد التحضير لإحتلال البلاد، وقد فاجأ المذيع في تلك المقابلة يحيى عند نهاية المقابلة بالسؤال عن مذهبه، وكان سؤالاً مستهجناً للغاية حينذاك في صفوف اليساريين بل والوطنيين عامة، ومعلوم أن السؤال كان يهدف الى جعل السؤال عن المذهب قضية حاضرة في الوعي المباشر والدائم لعامة الناس، وهو سؤال يقع في صلب عملية إستهداف البلاد العراقية.
إمتنع يحيى عن الإنجرار الى ما لا يريد، وقال بطريقة حاسمة للمذيع: ألا يكفي أنني قلت لك بأنني شيوعي. أظن أنه في هذا الجواب قصد أن الشيوعيين موضوعياً هم أبعد الجميع عن الأمراض الطائفية، وإن الإنحدارات الشخصية أو العائلية لا دخل لها في تحديد المواقف السياسية والإجتماعية.
بعد الإحتلال القائم على العدوان والهادف الى سحق عظام العراقيين، نجد أشخاصاً في المواقع الأولى وذوي مسؤوليات سياسية في صفوف اليساريين العراقيين يتطوعون للإعلان عن هوياتهم المذهبة والقومية معاً حتى دونما سؤال، ويتقلدون مهام في ظل الإحتلال تحت تلك اللافتة المشينة، وهذا كله كان على طريق منافقة الأحزاب الطائفية المتنفذة في العراق، والتي نصبها الإحتلال، ولم تنتزع السلطة غلابا.
هذه المفارقة وإن بدت محدودة، ولكنها تعبير عن حقيقة التحولات المؤلمة والتحدر الذي وصلت إليه القشرة السياسية في بلادنا، ففي تاريخ الحركة الثورية العراقية والحركات الثقافية والنقابية والوطنية لم نألف ذلك من فهد الى سلام عادل ومن الرصافي الى الجواهري وسعدي يوسف وأترابهم. بديهي أننا لا نوجه النقد الى "اليسار المساوم" متجاهلين الدور الأساسي والرئيسي لليمين الرجعي بكل أشكاله وأنواعه، ولكننا لا نجد غرابة مفجعة في أن تتعمق الطائفية بكل درجاتها ومراتبها لدى اليمين الرجعي، بل نقول هذا هو دوره التاريخي، وهو في مستنقعه الطبيعي، إن مواقف اليمين الرجعي الطائفي هذه تفسر سر الإعجاب الخفي للولايات المتحدة وحلفائها بهم، ولكن الغريب أن نرى "اليسار" لا يضع الطائفية في دائرة محرماته، بل يذهب الى ما هو أبعد من ذلك حين يدغدغ المشاعر المريضة عند القوى الرجعية المتخلفة والبعيدة عن الوطنية الحقة وحتى لأدلّاء الإحتلال.
وهنا ينبغي التأكيد على أن تقاليد التضحية والإيثار التي زرعها الوطنيون العراقيون القدامى لم ولن تذهب سدى، حيث يلاحظ في الأشهر الأخيرة تململ يجتاح صفوف العديدين ممن إندفعوا في إتجاهات غريبة عليهم وعلى مصالح بلادهم يخرجون من دائرة إستخذاء القوى الطائفية المهيمنة على مصائر البلاد، ومما ساعد في ذلك هو أن الإنحدار في نهج الإستخذاء بدأ يتراجع تحت إصرار المتعصبين المتنفذين في عصب الحكومة والمؤسسات المؤثرة الذين تربوا على معاداة حتى إسم بعض القوى اليسارية، وإن وقع الحياة بدأ يُعيد الى البعض رشدهم بسرع متفاونة، وإن ملامح وطنية عراقية بدأت تظهر في صفوف من لم يُقدر على وجه الصواب الأهداف الحقيقية للإحتلال. أما القوى اليسارية الجذرية الشابة التي ظهرت تحت ظل الإحتلال، وتلتحق بقوى النضال لأول مرة، فهي ملتحمة بصورة مشرفة ودون تردد مع المحتجين على الظلم في مدنهم وقراهم.
لقد كان العمال من أشد المتمسكين بوطنيتهم، وظهر ذلك جلياً من خلال نضالهم المطلبي منذ بداية الإحتلال وعلى مساحة الوطن كله، خاصة عمال النفط، وهو النشاط الإنتاجي الوحيد الذي تواصل بحكم الحاجة الى النفط، ولكن الأثر الإجتماعي لم يكن بارزاً بحكم تدمير أو إغلاق أكثر من 90% من المعامل والمصانع العراقية غير المتعلقة بإستخراج النفط ضمن خطة مسبقة للإحتلال وحكوماته المتعاقبة.
هنا في هذه الصفحات نسعى الى التركيز على الجوانب العملية لمواجهة الأزمة الراهنة، ولتلمس الخلاصات والوسائل التي تساعد قوى الشعب الحية في مواجهة التأجيج الطائفي الذي يسعى لإعماء الوعي من أجل عدم الخروج بنتائج واضحة ومفهومة عما جرى ويجري من جانب جوقة المنتفعين من السحت الحرام، إن من واجب القوى المعنية بحماية وإعادة تأصيل الروح الوطنية أن ترتقي الى مستوى الإقتراب من الهموم الحقيقية للناس، وهذه الأيام فرصة مناسبة لإعادة الإلتحام بين فئات الشعب، وإن بوادر تستحق التقدير ظهرت في بيانات منظمات محلية ووطنية تدعو الى الدفاع عن المتظاهرين في بغداد وخارجها.
على الرغم من الأيام القاهرة التي مرت على بلادنا لم نفقد الثقة بالوطنية العراقية، ولا بصلابة عودها وعمق وجودها في ضمائر الناس، ولم نفقد الثقة بالقوى والطبقات الإجتماعية الجديرة بصون الوطن والحقوق، وكان لدينا في هذا الصدد أكثر من دليل على صعيد مواجهة الغزو والعدوان، وعلى صعيد النضال المطلبي، وفي الدفاع عن الحقوق، وكان الشعب في كلها واحداً، ومن هذا الموقع كنّا لا نريد أن يصل أمر المغالبة بين بعض الأطراف الى مستوى الحديث عنها.
يكفي في وصف طبيعة القوى السياسية المتنفذة أن نرى وأن نقول بأن القبائل والعشائر باتت أكثر رقياً من الأحزاب السياسية المتنفذة حالياً في الحكومة المنصبة من قبل أطراف لا يُمكن أن تحسب على القوى التي تُعنى بمصلحة الشعب العراقي، ربما عدنا الى بداية القرن الماضي الى أجواء ثورة العشرين، حيث تزعم شيوخ القبائل ورجال الدين قيادة النضال التحرري، إن التجارب الملموسة تشسر الى أنهم يجدون وسائل التفاهم بينهم في أجزاء الوطن العراقي، أفضل من لصوص المحاصصة ومن الذين فقدوا البوصلة، يكفى النظر الى الدعوات التي تنطلق من العقول والأفواه المخلصة التي تحذر من الذين يسعون للقضاء على مقومات الوحدة الوطنية.
وعلى هذا الصعيد نسوق قولين لكاتبين كبيرين فهما التطورات الراهنة في البلاد العربية على حقيقتها وكل من زاويته، قال الكاتب التقدمي صادق جلال العظم في كلمة موسومة بـ "سأبقى منحازاً للثورة السورية": "الثورة السورية هي ثورة، سواء تأسلمت أو ”تعلمنت” هي كاشف أخلاقي وإنساني وثقافي لكل البديهيات القديمة. هي ثورة ضد التبرير والقبول الكاذب لواحد من أكثر الأنظمة الشمولية تفسخاً وعنفاً. كل من هو منخرط في جوهرها لا يخشى منها ولا يخشى عليها. كل من هو جالس على حافتها … سيصيبه الرعب منها". هذا هو منطق الحراك الإجتماعي في مراحله الأولى. وأضاف العظم بإصرار الواثق الصلب الذي يضع مصالح الوطن وإنسانية شروط عيشه فوق الإعتبارات الأخرى، وفي إطار إيمانه الذي لا يتزعزع بالثورة، قال: "وانا العبد الفقير لله وحرية الإنسان سأبقى معها .. حتى لو التهمتني حتى لو كنت من ضحاياها .. حتى لو دفعت الثمن غالياً جداً لا يقل عن حياتي. سأبقى منحازاً لها ما دمت قادراً على التنفس.".
في رد على سؤال حول ما يحدث في مصر الآن قال المفكر الإقتصادي المعروف سمير أمين:"لست متشائماً مما يحدث في مصر، ولكني أيضاً لا أحمل أوهاماً إسطورية عن الثورة المصرية، فالثورة حتى الآن لم تنجز شيء، لأن التجربة تثبت أن النظام لم يتغير، وعملية إفقار الشعب المصري لازالت مستمرة، والنضال أيضاً مستمر عبر التظاهرات والاحتجاجات الإجتماعية. وأضاف:"فالناس بدأت تدرك أن الأخوان لن يغيروا شيئاً. والحقيقة الهامة التي تأكدت منذ الخامس والعشرين من يناير 2011 أن الشعب المصري شجاع، ولن يخاف من إشعال إنتفاضة ثانية وثالثة، وهذا ما سيحدث باعتقادي وبشيء أكثر من الوعي حول البديل المطلوب.". لقد إنطلق قطار شعوب المنطقة وهو لن يتوقف لا بقوة الجيوش ولا من خلال التضاربات في الإجتهادات يساراً ويميناً.
إن العدو المحتل للعراق في عام 2003 وما بعدها لم يخترق الشعب العراقي بقوة السلاح فقط، ولم تظهر هزيمته لاحقاً كما ينبغي أن تظهر، حيث إستطاع التستر عليها، وأوكل بقية دوره التخريبي لخدامه، وذلك بسبب مقدرته على توظيف بعض الإستخلاصات من تاريخ الحروب، ومن الأبحاث المحدودة ومعطيات العلوم الإنسانية، ومن تلك الخلاصات التي تمسك بها بقوة وفعالية، هي: أن كل إحتلال لابد أن يجد فئات إجتماعية تقبل بأخذ إمتيازات على حساب الآخرين من أبناء جلدتهم مقابل التصاغر أمام المحتل وخدمة أهدافه الرئيسية؛ وفي النزعات المحلية يُمكن أن تجد "شيوخاً" و"وجوه" قادرون على المساومة لأن المصلحة عندهم أهم من الوطن وفق فقه المصلحة، بل هناك شرائح ترى بأن المصلحة الضيقة هي الوطن؛ ومن أساليبهم التركيز على المشاعر البدائية وحسب الظرف الملموس كالجوانب المظلمة من الطائفة أو الدين أو القبيلة أو المنطقة ... الخ. ويسعون الى نقل سعار الطائفية الى مواقع أعلى يُمكن أن تتحول من خلالها تلك الطائفية الى قوة ضاربة بيد المحتل أو المتعاقدين معه لإصابة وعي فئات واسعة بالشلل والقصور والعمى الدائم أو المؤقت على الأقل.
وبقدر ما لدى الدول الكبرى، خاصة ذات النزعات التوسعية أو التسلطية، من قدرات كبيرة على إستنباط إستنتاجات وقوانين وقواعد ومعايير إجتماعية تبدو لصيقة بالواقع الفعلي في الدول المستهدفة، ينبغي لمناضلي الشعوب المحتلة أو مسلوبة الإرادة أن تكون لديهم خلاصات واضحة لتجاربهم العامة، وبصفة خاصة المرّة منها، إعتماداً على أدوات التحليل الإجتماعي التاريخي والتجارب الملموسة، والتي تُفيد بأن تلك المهارات التي يمتلكها المتدخلون الطامعون تكون قوية فقط حين يسود الجهل والمصالح وأجواء الخيبة وضعف الإحساس الوطني والمهني، وهي واهنة وخائرة القوى حين تكون المصالح الوطنية في الموقع المناسب الذي يليق بها في تفكير وسلوك معظم الأطراف الوطنية المعنية.
ومن بين أهم الخطط الجاهزة في الدواليب الأمريكية على وجه الخصوص لإضعاف إرادة الشعوب، العمل على ضرب الصناعة الوطنية وإهمال الزراعة وتقليص فرص العمل وحصرها بالقوة العسكرية للحكومات التابعة لها، التي هي في كل الأحول قوة أقرب الى قوات شرطة ضبط الأمن ولمواجهة السكان، وليس للدفاع عنهم وعن مصالحهم وكرامتهم، هذه الخطط تُمثل القوة الأكثر تدميراً لقيم التضحية والإيثار والثبات أمام القهر والإغراء. ويُغطى على هذه الحالة بتأجيج الطائفة السياسية على طريق المحاولة لخلق طاقة إجتماعية ذات قوة تدميرية بالغة.
وبصدد الطائفية السياسية والتمييز ينبغي على من يظن في نفسه أنه ثوري حقيقي ومجدد، أن يدرك ويعمم الوعي القائل بإن الإضطهاد الطائفي ليس مسؤولية طائفة ما بأكملها ضد أخرى حتى وإن بدت الحالة وكأنها كذلك، وإنما الطائفية هي وسيلة فئة قليلة ومنتفعة وخائفة ولصوصية السلوك وفاقدة للشعبية، وهذه الفئة تعمل دون ضمير، وهي في الحقيقة والواقع تسعى للتدرع بطائفة ما، إن التوصل الى هذا الإستنتاج لا يُمثل مجرد تقرير سليم عن الواقع، وإنما بمثابة الخطوة الأولى لتجريد الطائفيين من أهم أسلحتهم ومصادر قوتهم، وهي الخطوة التي تُمثل البداية بمعنى الخطوة الأساسية لإبعاد خطر تمزيق البلاد من أجل مصالح ومطامح فئات ضيقة لا تتخلق بروح الحمية على الأبرياء من الناس عامة والرحمة بهم، وبعيدة كل البعد عن القيم الإنسانية والوطنية.
من خلال التجارب المريرة التي مرت على بلادنا لا ينبغي أن ينصب الجهد في دراسة الواقع الإجتماعي في البحث عن أسئلة قد تلعب بها الأهواء، بما فيها البريئة منها، ومؤثرات حليب الأم والبيئة العامة والبدائية الكامنة في النفس البشرية والعوامل العميقة التي قد لا يجد المعني في نفسه إمكانية لتفسيرها، ولكنها قد تُفسر بعد مكابدة علمية عملية مع الذات، والتخلص من إغواء المنافع في بلد لا تسعى حكومته الى البناء أو النظافة أو العمل، وإنما تكتفي بتوزيع المغانم على الأقربين وسرقة الأموال العامة الطائلة، وتتوهم بأن تهميش أو إذلال الآخر سيجلب لها بعض المساندين؟!. فليس المهم الآن السؤال عن من بدأ الإعتداءات، وعن حجم الأضرار التي لحقت بهذا الطرف أو ذاك، المهم التعرف على الأضرار التي لحقت بالجميع كوحدة مواطنة، والأكثر أهمية التعرف على الآفاق الرهيبة التي تنتظر البلاد ككل في حالة إستمرار المبادرة بيد الطائفيين والمتعاقدين والعقول الرعناء.
إن العامل الأجدر والأهم شعبياً الذي يساعد في كبح جماح الطائفية هو أن يجري التحري والتفهم لما علق في وعي وذهن الطائفة التي تشعر بالحيف والإضطهاد وإنتهاك الحرمات الشخصية والعامة، هكذا نوع من التناول للمسألة الطائفية أو أية مسألة تندرج في ذات الإطار يفتح الكثير من الأبواب المغلقة على طريق المعالجة الحصيفة. إن مجرد إحساس فئة من الشعب بأنها تتعرض أو تحس بالإضطهاد الطائفي أو العرقي أو الديني وغيرها من الأسباب يقع علينا جميعاً أولاً وقبل كل شيء الإعتراف والتجاوب مع هكذا مشاعر وعدم الإستخفاف بها كخطوة أولى على طريق المعالجة.
كما ينبغي ألاّ ينجر الوطنيون العراقيون الى مصيدة الفهم الملغم للأكثرية والأقلية التي أراد منها الإحتلال إغواء بعض النفوس غير الواعية أو ذات المصالح الضيقة، وعلينا التوقف عند تجاربنا الذاتية وتجارب الآخرين، والدور المشين للفهم السلبي للأغلبية والأقلية وما يترتب عليه، على الأقل من الجانب العملي، أي من جانب ما سيلحق بنا كشعب من أضرار جراء ذلك التصور المعوج. لتأخذ الحكم الذي توصل إليه أحد كبار المسؤولين العراقيين الأقرب الى التحضر، فقد قال المرحوم عبد الرحمن البزار رئيس الوزراء العراقي الأسبق، وفي بلد كان للعسكريين النفوذ الأكبر فيه، ما يُفيد بأنه لو بقي خمسة مقاتلين أكراد لعجزت أية حكومة عراقية في القضاء عليهم.
ولنا في تجارب الثورات العربية الراهنة بعض الخلاصات على هذا الصعيد، خاصة الإستخدام المزدوج لمفهومي الأقلية والأكثرية، وكل حسب الحاجة وفي الظرف الملموس. ففي الثورة السورية مثلاً حاول النظام منذ اليوم الأول سلبها طابعها السلمي، وقد إستغرق ذلك نحو سبعة أشهر، ثم إنتقل الى التخندق الطائفي على الضد من روحية الثورة نفسها، بإعتبار ذلك هو السلاح الأخير لكل طاغية منعزل عن شعبه، ومما يتعلق بموضوعنا الحالي نستخلص نتيجة تؤكد إستحالة إخضاع أية أكثرية أو أقلية إجتماعية الى الأبد، كما لا يمكن القضاء عليها. إن الأقلية والأكثرية في ظل الإستبداد تخلق نظرة إستضعاف الآخر، ويكون ثمن المعركة باهظاً على جميع الأطراف، وهو بلا نهاية مشرفة. إن الطغاة يجعلون دائماً مصير كل الشعب مصداً لعبثهم وفكرهم القاصر، وفي المقدمة منهم يكون من يدعون حمايتهم، سواء أكانوا أقلية أو أكثرية. إن مفهوم الأقلية والأكثرية بالمعنى الإجتماعي المتعصب تترتب عليه إمتيازات مقابل إنتهاك حقوق الآخرين، وهي إمتيازات لا تشمل سواء أعضاء الأحزاب الطائفية، ولكن شرها يشمل الشعب كله، إن مفهوم الاقلية والأكثرية هو مفهوم سياسي في آلية النظام الديمقراطي، ولكن الديمقراطية المصدرة إلينا تحت غبار دبابات المحتل كانت بشعة وفي ظل قوانين بائسة وإصطفافات جاهلية وإرهاب سافر.
وفي التجارب العالمية يُمكن إستحضار إنفلات المشاعر القومية العنيفة التي أعقبت حلّ المنظومة الإشتراكية العالمية والإتحاد السوفيتي، وإتضح بأن مكونات تلك البلدان صغيرها وكبيرها لم يطويها النسيان أو المحو بما فيها الكيانات المجهرية إن صح التعبير، ولم يبقى إلاّ سجل الخسائر المتبادلة. فمولدافيا كانت عصية على روسيا وأوكرانيا بعد حلّ الإتحاد السوفيتي، وإقليم "بريدنيستروفييه" كان عصياً على روسيا وأوكرانيا ومولدافيا معاً، وكذلك الحال فيما حصل ويحصل في القوقاز وغرب البلقان وغيرهما.
نقول للعاملين في إدارة الدولة العراقية، بغض النظر عن طريقة وصولهم الى تلك الإدارة، ولمن يتبعهم بوعي أو عدم وعي، بأن إغفال حقيقة أن الإحساس بالظلم يتحول في لحظة ما الى قوة لا تقهر، وهذه الحالة بدأت تنبض، وقد تكونوا قادرين على إشعال الحرائق، ولكن من المبكر الحديث عن النتائج، إن وقود المعارك غير المطلوبة هم الفقراء وعامة السكان، وهذا أمر لا يجد موقعاً له في سلّم إهتماماتكم، ولكن من يشعل الحرائق قد تتجاوزه في أية لحظة، وعندها تعجزون عن إطفائها تقع عليكم مباشرة مسؤولية دفع مخاطرها أو تحمل مسؤولياتها، وهي ربما تكون باهظة للغاية عليكم بالذات.
إن القوة التي تطمح لحماية العراق وضمان مستقبل كريم له، عليها أن تُقاوم عمليات جرها أو دفعها الى هاوية الطائفية، وأن تتمسك بالوطنية العراقية قلباً وقالباً وسلوكاً، وبذلك تدحر أخطر المخططات ضد بلدهم كله وبكل إتجاهاته وتنوعاته.
آن الأوان لوضع حد للتعكز على الجرائم المتبادلة، فهذا مسلسل لا نهاية له، ولكلٍ في جعبتة ما يقول، لأن إلتقاط الأحدات والتأثر بها، وتحديد ضخامتها تلعب فيه الأهواء غير البارزة، بل هذه الأخيرة هي الأشد وطأةً، كما هو حال كل شيء مسكوت عنه، أو الذي تترد الأطراف في البوح عنه. إن التحرك الجماهيري الواسع الحالي فرصة نادرة للشعب العراقي على طريق إعادة الثقة وتعزيز الوحدة الوطنية، وهو فرصة نادرة لبعض القوى لإعادة وجهها الوطني قولاً وعملاً.
وللعلم الخاص نقول لبعض الكتاب بصفة خاصة، ومنهم بالدرجة الأساسية الذين يعتقدون بأنهم أذكياء، ويستطيعون تغطية مواقفهم المنحرفة في الجهد الفكري من خلال المواقف المنحازة لهذه الطائفة أو تلك من دون وجه حق، أن من المعروف في التحليل الإجتماعي، أنه عند إنشطار مجموعة سكانية أو مجتمع ما في لحظة ما تكون الكلمات في غاية الحساسية، حيث تنشطر اللغة الى لغتين، لا ينجو من هذا الإنشطار إلاّ تلك الكلمات أو المساهمات التي تصدر من متحررين فعلاً من المرض الجديد، والذي ربما تكون جذوره عميقة، كما إن للكلمات في المنعطفات الحادة ميل لا تخطئه العين أو الإذن. إن ردع المعتدي عن عدوانه هو أرقى حالات التضامن مع الأطراف المتصارعة ومع الذات العادلة بينهما.
وأخيراً، إن القوى المتخلفة هي الأكثر وضوحاً في التعبير عن مواقفها ومناهجها وأهدافها، وإن عناصرها وإن إختلفوا يسيرون في وصف بعضهم، وموحدين في مواجهة البقية، ولشديد الأسف نرى في الوقت نفسه الإرتباك والتردد والتباين يجتاح "القوى التقدمية" التي لم تمّل يوماً من التأكيد على أهمية الإحتكام للشعب، فلو نظرنا الى موقف تلك القوى من الأعمال الإحتجاجية الأخيرة، التي إنطلقت من محافظة الأنبار، وهي في إتساع متواصل، نرى التشتت "اليساري" الذي يتراوح بين الإتهام والتأييد وبينهما الإنتظار الأقرب الى الإنتهازية السياسية، ويقف تاجاً لليسار العراقي تلكم الفتية الذين يقفون في قلب ساحات الإحتجاج ليس تأييداً فقط وإنما مساهمات فاعلة.
نعم، تسعى أطراف وطنية كثيرة الى إستمرار الطابع الوطني المطلبي للإحتجاجات وتطويره، وتحذر من الإفتراء على الفطرة الوطنية السليمة للمتظاهرين، وفي هذه الظروف الدقيقة ينبغي على القوى الأكثر جذرية أن تجد الخيط الذي يربط النضال المطلبي بالنضال لإزالة الإحتلال وإفرازاته، ومما ينبغي ملاحظته أن الكثير من المناضلين بدؤوا بتعمق الروح والسلوك العابرين للأمراض الطائفية الراهنة، وكل ما حلّ بالبلاد من أمراض من أجل أن تعالج بأسرع وقت ممكن، وإن حركات ثورية حديثة التجربة بدأت تطور مواقف أصيلة في عمقها السياسي والإجتماعي.
إن الطائفي هو أشر الناس على طائفته قبل غيره، كما هو حال كل تعصب، وذلك لإستحالة إخضاع فئة لأخرى ألاّ بالقهر، ونهاية القهر آزفة وإن طال الزمن، والقهر جريمة ضد الإنسانية، لأنه بإستمرار لا يرتوي من الخسائر الفادحة التي تحل بالناس البسطاء على الجانبين. إن الشعوب تصبر ولكنها حين تتحرك لا تنتظر أحداً ولا تخشى أحداً.
#عبدالحميد_برتو (هاشتاغ)
Abdul_Hamid_Barto#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موسوعة الوراقة والورّاقين
-
وداعاً أبا عواطف
-
جيفارا: قوة المثل الثوري
-
الفيلسوف مدني صالح وعطرالأرض
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|