قضاء الرفاعي

اسماعيل شاكر الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 3984 - 2013 / 1 / 26 - 23:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تهتز مدينتي وتطوح بها دوّامة من الهزات الارضية ويصبح مقياس رختر شائعاً على ألسنة الناس فيها . وبلحظة دقّ الاعلام بابها واختطفتها كاميراته واضواء محطاته الفضائية . ما الذي جعل مدينتي تغادر وقارها وتكشف عن جدائلها أمام العالم ؟ لماذا من بين العشرات من مدن الجنوب تتمايل مدينتي مترنحة كالسكرى ؟ هل انتقلت بموقعها الجغرافي الى خطوط البراكين والامكنة الساخنة ؟ لماذا تتلوى هذه البقعة وحيدة في جغرافية الجنوب التي يلفها سحر وغموض عشرات الحكايات والاساطير والملاحم والديانات والآلهة ؟ ...اتذكر ان استاذة التاريخ في جامعة لويزيانا ــ مدينة لافاييت الامريكية سألتني ، وقد استرعى اهتمامها وجود طالب يجلس بين طلبة في عمر أولاده : من أي قطر انت ؟ قلت لها : انا من بلاد سومر التي تدرّسينها لنا في كتاب الحضارات ، ولدت في مدينة الرفاعي الى جانب خرائب ونياشين لكش واريدو ، وقرات ُ ملحمة كَلكَمش وهبوط أنانا الى العالم السفلي . وأنا استريح الآن من وعثاء السفر ، على كرسي في هذه الجامعة الامريكية ، كما استراح جلجامش في حانة بعد رحلته الخائبة في البحث عن سر الخلود ، لكي تنسيه صاحبتها هم الافعى التي سرقت منه عشبة الخلود . يا صاحبة الحانة : انت في بلاد تسمح جامعاتها لرجل يقترب حثيثاً من الخمسين ان يَدرس نهاراً ولا تسمح بذلك جامعاتنا . انتِ من بلاد لم اتعرض فيها للأذى رغم وحشية 11 سبتمبر ، في حين ان الكل في بلادي معرض لتهمة الارهاب . انتِ في بلاد : المدارس الحكومية فيها أفضل من مدارسها الخاصة ، وانا من بلاد تحول فيها التعليم الى ممارسة عنصرية ، فمن لا يقدر على دفع تكاليف المدارس الخاصة لا مستقبل لأولاده . أنت من بلاد لم ينقسم سكانها على انفسهم بين كاثوليك وبروتستانت ، ولم اسمع فيها كلمة { مظلومية الطائفة } . ولم يتهم الديمقراطيون قيادات الجمهوريين بالعمالة . ولم يتظاهر نصفها ضد نصفها الآخر ، ولم تُرفع في المظاهرات المضادة صوراً لأوبوما . ونحن ياسيدتي : ما زلنا ، رغم ان ديننا يحرم تصوير الكائنات ذات الروح ، نحمل صور الساسة ونطوف فيها في الشوارع . انا ياسيدتي من مدينة الرفاعي المشدوهة بوزراء دولتها ، ينسحبون على هواهم من الحكومة ، ويتركون عباد اللّه الفقراء من أمثالي تسقط دموعهم على معاملاتهم الورقية بانتظار سيادة الوزير الذي تكبر على وزارته ، لأن الحكومة رفضت مطلبه في السماح للأرهاب بأن يغزوا البلاد كالجراد ويأكل الاخضر واليابس . لو كان هؤلاء الوزراء هنا لما اكتفى الناس برميهم بقشور البيض والطماطا التالفة ، بل لحاصروا مجلس الوزراء ولن يغادروه الا بصدور عقوبة بحق هؤلاء الوزراء . يا صاحبة الحانة : أنا من مدينة لا يريد ساستها ان يصارحوا أبناءها بسر الاهتزازات الارضية التي تحركها ما تفجره قاعدتكم العسكرية هناك . أعرف ياسيدتي ان دزينة من قيادات الصف الثاني من الاحزاب الاسلامية الحاكمة ولدوا فيها ، ومع ذلك فأن المدينة غرقت بعد سويعات من المطر ، وان شوارعها وارصفتها بكت طويلاً تحت معاول الفساد ، وان نهرها الخالد يجف كضرع امرأة عجوز ، وان التصحر حوّل اراضيها الزراعية الى أرض تنتج زوابع رملية دائمة الهبوب عليها . يا صاحبة الحانة ...
كليني لهمٍ يا أميمة ناصبِ وليلٍ اقاسيه بطئ كواكبِ

[email protected]

#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات