حسين علي الحمداني
الحوار المتمدن-العدد: 3983 - 2013 / 1 / 25 - 22:59
المحور:
الادب والفن
شاءت أقدار التكنولوجيا أن نلتقي بعد أن غادرنا صناديق البريد وسعاته الذين كانوا ينقلون لنا ما نقوله لبعضنا البعض ، وها هو الغرب ( الكافر) يمنحنا فرصة الالتقاء ويسخر لنا من أقماره الصناعية ما يجعل لكل منا قمرا يتجول به على إمتداد قارات العالم.
كنت أحلم في السنوات الماضية أن تكون لدي أوراق ومظاريف وثمن طابع البريد ، لا أدري لماذا كانت أحلامي متواضعة لهذا الحد ، ربما لأنني أنتمي لشعب كان حلمه الوحيد أن تمطر السماء حليبا لكي يرضع ألأطفال بعد أن جف الحليب في أثداء الأمهات من الجوع .
ومن راقص منا امرأة في ذلك الزمان لن يشم منها رائحة الأنوثة بقدر ما تفوح منها روائح الأحزان.
لهذا فإنا أبن شرعي لثلاثي قاسي جدا هو ثلاثي الخوف الحرب والموت ، تعلمت منهم أشياء كثيرة حتى غزا الشيب رأسي مبكراً ، ياه حتى لحيتي التي تصغر شعر رأسي بعشرين عاما ولدت بيضاء وكأنها كانت تختزن الحزن عشرين عاما.
كبرنا قبل موعدنا ، عندما ماتت أمي وقالوا بأنها ماتت .. ركضت مسرعا صوب عباءتها أريد أن أخفيها كي لا تغادر أمي ، كنت أعرف بأن النساء حين تأخذ أحدهن عباءتها فإنها ستذهب لمكان ما ، لهذا خبأت عباءة أمي ، وما أدركت بأن بعضهن يغادر ويترك العباءة ، كنت أبكي وأنا أنتظر عودة أمي إلى حيث ذهبت .. قالوا لي بأنها لن تعود , وبعد فترة عرفت إنها ماتت ، لأننا عجزنا عن توفير ثمن الدواء .. يا ويلنا إذن نحن الصغار آنذاك نرتكب المعاصي بحق أمهاتنا دون ذنب منا .. لكننا قصرنا في إنقاذهن.
بعيدة جدا تلك السنوات التي لا نريد أن تعود ، فقط عندما نتذكرها نشعر بالثلاثي القاتل ، الحرب والخوف والموت.
كنت معي صغيرتي تلامسين مكابداتي عند حافات أوراق الرسائل ، وأقسم بأنك كنت تشمين من تلك الرسائل رائحة الخوف والحرب والموت معا ، رائحة تصورنا إنها غادرتنا ، لكنها بين الحين والآخر تعود إلينا بثوب آخر وشكل آخر .
تغير كل شيء الآن ، فالسماء لا نريده أن تمطر حليبا ، ولم تعد أمنيتي أن اكدس الأوراق والمظاريف وأدخر ثمن طابع البريد لكي أكتب لك رسالة تعبر من قارة لأخرى ومن زمن لآخر ، ياه أمنيتي الآن أن تردي عليّ وأن أقرأ مخاوفك وقلقك ، كما كانت عيناك تقرأ مخاوفي التي حملتها اسطري المرتجفة.
الآن أيتها الملكة .. أمتلك كما تمتلكين قمرا أتجول به بين القارات كما تتجولين ، لكني لست سعيدا إلا في شيء واحد هو إنني لا زلت أنتظر بقلق ساعي البريد ..
#حسين_علي_الحمداني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟