أحمد الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 1148 - 2005 / 3 / 26 - 13:24
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
في ذكرى استشهاد مشتاق جابر عبد الله ( منتصر ) في آذار 1984
في يوم 31 . 1 . 1984 شنت القيادة اليمينية المتخلفة للحزب الشيوعي العراقي حملة إرهابية شاملة ضد الرفاق المعارضين لنهجها اليميني ، بعد صراع وخلاف فكري وتنظيمي واسع وعميق ، واعتقلت مجموعة من الرفاق وزجت بهم في زنازين صغيرة قذرة ، هي عبارة عن مرافق صحية مهملة في منطقة بارزان في كردستان العراق ، واستخدمت أساليب قمعية رجعية وانتقامية شرسة ، ومارست أعنف أساليب التعذيب الجسدي الوحشي ضد الرفاق ، سقط على أثرها الشهيد البطل مشتاق جابر عبد الله ( منتصر ) في شهر آذار منتصر لن تموت .. منتصر بيننا أبداً !!ام 1984 ، أي بعد شهر من اعتقاله تقريباً، لا أدري بالضبط في أي يوم من شهر آذار جرت تصفية منتصر تحت التعذيب في أحد كهوف منطقة بارزان ، والتي تحولت إلى مقر للتعذيب والتحقيق مع الرفاق ، لأنني كنت رهن الاعتقال أيضاً في نفس القضية ، وقد أخبرني أحد أصدقاءنا بأن منتصر قتل في يوم 5 . 3. 1984 تحت التعذيب ، وعلى القيادة اليمينية أن تكشف يوم وساعة ومكان قتل منتصر إلى أهله ورفاقه وأصدقاءه ، كما على هذه القيادة المدانة بهذه الجريمة النكراء أن تكشف عن قبره السري أو الحفرة التي أخفي بها جسد منتصر ، وتسلم جثمانه إلى عائلته ، ليتم دفنه بما يليق بشهيد كبير وبطل !!
لقد كلفت القيادة اليمنية المتخلفة مجموعة انتهازية معروفة بين رفاق كردستان ، وشكلت منها هيئة التحقيق والتعذيب ، والمقتول المدعو كاويس وهو عنصر مشكوك بإرتباطه بمخابرات النظام الفاشي وكان قد أعتقله وحقق معه الشهيد سيد نظيف من أهالي مدينة كويسنجق !! هذه المجوعة هي التي مارست التعذيب والتحقيق ، بإشراف السكرتير الانتهازي الأول عزيز محمد ، الذي منح هذه الهيئة صلاحيات واسعة ومطلقة في استخدام كل الأساليب القذرة والمشينة بحق الرفاق المعتقلين ، إلى جانب بعض عناصر المكتب السياسي واللجنة المركزية وقاطع أربيل !!
إن هذه الأحداث المأساوية هي جزء هام من عملية الصراع الحاد والشامل الذي جرى في داخل الحزب الشيوعي العراقي ، وتركز في كردستان ، منذ بداية ( التجمع المسلح ) وليس الكفاح المسلح ، بعد فشل تجربة التحالف الذيلي مع الفاشية ، بدون رغبة أو قناعة من قبل القيادة اليمينية بالعمل المسلح ، ومن دون تخطيط أو استعداد فكري وتنظيمي وجماهيري وسياسي ، بينما تسابقت القيادة اليمينية للسيطرة على التجربة الجديدة واحتواءها وتحوليها إلى تجمع وتوجيهها الوجه الخاصة بهذه القيادة ونواياها وأغراضها وفكرها المحدود ، ولقطع الطريق على أية محاولة للتصحيح والسير نحو نهج ثوري جديد يستطع مواجهة الفاشية وسياساتها الخرقاء ، خاصة ما يتعلق بالأزمة الوطنية العامة ، وأزمة الحرب العراقية الإيرانية الرهيبة !! لقد قطع اليمين الطريق على النهج السليم ، وكرس نموذجاً خاصاً به ومطابقاً لتصوراته الساذجة والبدائية ، نموذجاً ناقصاً ومتخلفاً وفاشلاً من البداية إلى النهاية ، وكانت كارثة بشتآشان واحدة من العناوين والمحطات البارزة للنهج اليميني الفكري والسياسي والعسكري !!
حين شد منتصر الرحال باتجاه الجبل في شهر آب عام 1980 لم يكن يدري بأن مصيره وحياته ستنتهي على يد مجموعة تافهة محسوبة عليه شكلياً على الأقل ، لتقتله بدناءة القاتل الجبان . منتصر الذي لم يكن يملك غير قناعته الوطنية الراسخة رسوخ الجبال ، وإيمانه المطلق بمبادئه الخلاقة ، وحقيبة صغيرة خبأ فيها أوراقه الشخصية وقصائد ورغيف خبز وهوية مزورة !!
عبر الممرات الوعرة والخطيرة ، أجتاز منتصر موانع ومراصد وربايا العدو ووصل إلى قاعدة ( ناوزنك ) وبالتحديد إلى فصيل ( كاني بوق ) ، ومن هناك بدء خلافة مع القيادة اليمينية و ( تجمعها المسلح ) !!
ومنتصر واحد من الأبطال الكبار اللذين اجتازوا بوابات الأمن العام في بغداد بهامات مرفوعة ، ولم ينحن أو يتراجع أو ينكسر بين أيدي الجلادين أيام المحنة والحملة الشاملة التي تعرض لها الشيوعيين ، بعد إن هربت القيادة المتخاذلة وتركت جماهير الحزب وكوادره وقواعده من دون توجيهات أو خطط للمواجهة أو الانسحاب . لقد خاض منتصر المعركة بإرادة شخصية وقرار شخصي وانتصر فيها رغم كل الصعوبات والإنحسارات الساحقة في جميع المجالات ، وخاصة على صعيد مستقبل الحزب وكيانه وعلاقته بالجماهير !!
بعد تجربة الاعتقال الدامية وخروج منتصر من مسالخ الأمن العام ، لم يختر ركناً هادئاً يلجأ إليه ، ولم يتفرغ للأمور الشخصية ، بل عاد مباشرة إلى ساحة العمل الخطير ، ساحة العمل السري ، وكان لا يتردد في تنفيذ أصعب وأخطر الواجبات والمهمات الحزبية ، متنقلاً بين البيوت السرية والمواعيد والملاحقات البوليسية الشاملة
في كردستان عرف منتصر بمساهماته الحزبية والعسكرية الدائمة ، فكان واحد من أبطال عمليات الاقتحام الجريئة والنادرة التي خططها وقادها الشهيد خضر كاجيل في منطقة راوندوز ، وقد جرح شهيدنا في أحدى هذه العمليات .. ومنتصر بطل التصدي اليومي لطائرات العدو وغاراتها اليومية على قاعدة روست .
ومرة كان منتصر يمد الخطى ويدفع بجسده النحيل المتصلب باتجاة مواقع معادية ، فاستطاع الوصول بوقت قياسي إلى الموقع ، وكان أول من وصل في مجموعة الاقتحام ، وأول من رفع راية حمراء فوق الموقع بعد إن تراجع العدو .
ومنتصر صاحب المواصفات الشيوعية الرائعة والثابتة ، والتي من أبرزها مبدأيته العالية ، فقد أختار الموقف السليم الآخر الرافض للموقف الرسمي الخاطيء ، ذلك الموقف الثوري المعارض للاتجاه اليميني المسيطر على الحزب منذ عقود طويلة ، وكان انحيازه الفكري طبيعياً لأنه تطبيقاً لوعيه الجميل ، ولوضوح رؤيته ، وجرأته الكبيرة ، لذلك كان صريحاً وواضحاً ومتمكناً في كل أعماله . وقد أصبح مؤثراً ومحبوباً بين رفاقه وأصدقاءه ، رغم كل محاولات اليمين لتطويقه وعزله ، فكم خلق له هذا اليمين الغبي من مشاكل ومصاعب دائمة !!
كان منتصر يتعلم ويتعلم ، وهو يملك عقل الشباب المتقد ، وهو قارئ رائع للكتب الفكرية والثقافية والأدبية ، ولديه محاولات شعرية وكتابية رائعة ، كان يدرس النظرية على إنها مرشد وموجه للتحليل والعمل والتطبيق الخلاق ، لقد كانت النظرية بالنسبة له الطاقة الكبيرة في عمله اليومي ، وفي الصراع والتصدي للانتهازية البائسة .
لذلك ساهم منتصر بفعالية في قيادة الصراع الفكري الداخلي ، وله آراء كثيرة في هذا الميدان الحيوي ، هذه العملية التي تجددت واشتدت في عام 1979 في كردستان والخارج ، وجددت معها الانقسام القديم في الحركة الشيوعية العراقية إلى اتجاهين أحدهم يساري ثوري والآخر اتجاه يميني متخلف .
منتصر بطل المواقف الجذرية الحاسمة ، وهو من دعاة تجذير الصراع مع اليمين ، وترك المواقف التوفيقية والنصفية المترددة ، وكان عدواً ثابتاً للوسطية وعدم الوضوح .
لم يفكر منتصر بمصلحة شخصية ، لم يفكر بنيل مقعد دراسي يساوم به موفقه الفكري ، بعيداُ عن الواجب الرئيسي و ( الخط الأمامي ) والتعلم في مدرسة الحياة المتحركة ، لقد رفض الدراسة والهروب إلى الخارج وأختار مقعداً في المدرسة الوطنية ، مدرسة الشعب والشهادة والبطولة !!
منتصر ذلك البطل الميداني النادر ، بطل المواجهات الفكرية الحامية ضد قيادة وعناصر اليمين المتهافت .
منتصر ذلك الطائر الشيوعي الجميل الذي لا يحط إلا في المكان الصحيح ، ولا يكون خارج السرب الصحيح
وكم تراجع اليمين أمام صلابة وقوة ووضوح منتصر ورفاقه أبان الصراع الداخلي الدائر في الحزب ، وحتى وهم في الأسر وتحت التعذيب !!
لي ملاحظة ودعوة ، والملاحظة هي استغرابي من صمت أصدقاء ورفاق منتصر ، وخاصة الكادر القيادي الذي عايش هذه الجريمة كل هذا الوقت !! لماذا هذا الصمت المشين ؟؟ والدعوة هي أيضاً إلى أصدقاء ورفاق منتصر بجمع أوراقة وكتاباته وصوره وأشياءه البسيطة ، فهي من حق أهله ورفاقه ، وليس من حق اليمين أن يتصرف بها أو يهملها أو يتلفها كما هي العادة ، كما أنني أجدد المطالبة للقيادة اليمينية بكشف ملف الجريمة بالتفصيل ، وكشف طريقة وتاريخ تصفية الشهيد منتصر وتقديم القتلة إلى محكمة وطنية عادلة ، وألا فإننا سنحول ملف القضية إلى القضاء العالمي ونلاحق كل من شارك بالجريمة بشكل مباشر أو غير مباشر !! إن دم منتصر وكل الشهداء لا يسقط بالتقادم !!
أيها الأصدقاء هاهو منتصر أمامكم شهيداً بلا قبر وبلا شاهدة ، وهاهو اليمين المتخلف أمامكم متهماً بجريمة بربرية بشعة يلوذ بصمت مطبق ، ولم ينبس بكلمة واحدة حتى بعد واحد وعشرين عاماً ، وكأن شيئاُ لم يحدث !!
للمجد الخالد شهيدنا منتصر ، لتاريخك ، لمواقفك ، لعمرك القصير ، لاستشهادك الخاص ، شهيد الصراع الداخلي !!
لقد صرت درساً خاصاً لنا ، وعلامة ترشدنا نحو الطريق الصحيح !!
البطاقة الشخصية
مشتاق جابر عبد الله ( منتصر ) .
من عائلة شيوعية كادحة ، فوالدة شهيد شيوعي من تنظيم ( القيادة المركزية ) .
ولد في بغداد ( مدينة الثورة ) عام 1958 .
خريج الدراسة الإعدادية
أستشهد في آذار 1984 .
#أحمد_الناصري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟