يوسف فواز الهيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3981 - 2013 / 1 / 23 - 09:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
دفعت العملية السياسية وشخصوها فريقا من العراقيين الى التفاؤل، بدعوى ان نشوء الديمقراطيات في العالم ترافقها مثل المشكلات التي يعاني منها المواطن ، ويدعون ايضا ان هنالك ضوء يبشر بخير في نهاية النفق ، بينما دفعت فريقا ثانيا الى التشاؤم بدعوى ان ذلك الضوء الذي يراه فريق المتفائلين ، هو ضوء قاطرة كبيرة وثقيلة محملة انواع الحمولات المفجرة التي سوف تدهس الكل وتنفجر على الكل.
انقسم السياسيون في العراق الى ايضا الى فريقين ، رغم انهم اتفقوا على الشراكة في قيادة الوطن وانهم ركبوا مركبا واحدا واركبوا مواطنيهم معهم ، وأن غرق هذا المركوب سيغرق كل من فيه. الظاهر ان اسس تلك الشراكة واتفاقاتها ،قد كتبت بأستعجال ، اذا احسنا النية في استعمالنا لمفردة الاستعجال ولم نقل غير ذلك ، فأختلفوا سريعا.
لم تضمهم طاولة حوار ليعيدوا كتابة ما اختلفوا عليه ولم يلتفتوا الى المواطن الذي اركبوه معهم ولم يستشيروه في ما العمل، تسيدوا عليه ، فدفع الفريق الاول بمن تسيدوا عليهم ليشكلوا صوتا يدعوا الى الاحتجاج على الطرف الثاني قسرا بدعوى المظلومية ، فكانت النتيجة عددا من الحراكات ، التي كان آخرها ، مظاهرات الانبار والموصل وديالى ومناطق اخرى، التي كان المحتجون فيها اذكى من اسيادهم ، وكانت احتجاجاتهم وصيحاتهم انبل مما دفعوا اليه، فكانت الخدمات والقضاء على عنكبوت الفساد وأطلاق سراح البريئات والابرياء والعدالة في توزيع الثروات والوظائف اهم شعاراتهم، وكان مما عزز موقفهم ، هو استنادهم على مفاد، الفقرة –اولا، من المادة 38 الدستور العراقي لسنة 2005 ، التي نصت على "حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل"، والفقرة ، ثالثا من نفس المادة التي نصت على "حرية الاجتماع والتظاهر السلمي" ، وكان لهذا صدى في بقية محافظات العراق ، جنوبية كانت ام شمالية.
لم يرض الاسياد بهذا التمرد المزدوج ، ارادوهم ان يفكروا نيابة عنهم ، فتحوا ساحات الاحتجاج لكل من هب ودب من سياسيي قبل 2003 ومن سياسيي المحاصصة والشراكة بعد 2003، استعملوا اموال المححاصة والشراكة سيئتي الصيت ، واستخدموا بعضا من رجال الدين وبعضا من شيوخ العشائر المصنعين خصيصا لمقاساتهم ، فخربوا عليهم ما كانوا ينوون القيام به والحصول على حقوقهم.
انست الضجة التي افتعلها هؤلاء السياسيون، من قام بالتظاهر ان حق التظاهر مشروط "وبما لايخل بالنظام العام والآداب" ، العبارة التي وردت في نص المادة 38 المذكورة.
اقول وانا بكامل الاهلية ان المتظاهرين الحقيقيين، لايملكون حولا ولا قوة في قطع الطريق الدولي السريع ، بل ان هؤلاء السياسيين هم من قطعوا الطريق وهم من اوجد طرقا بديلة بعد تدخل عقلاء المتظاهرين، واقول ايضا أن هؤلاء السياسيين بدخولهم على خط التظاهر، قد فتحوا ابواب اخرى سمحت بدخول آخرين تفوهوا بما يخل بالآداب ( ان صح ما سمعناه) ، وسمحموا للداخلين ايضا برفع الرايات التي تضر بالقضية الاساس التي خرجوا من اجلها، بل انهم لم يستنكروا وحسب ما قيل كل ، ماحدث من افعال تضر بتلك القضية.
اخافني هذا الصوت بمجمله فتفائلت بظهور صوت احكم واعقل يجنبني وامثالي الكثيرين من الهواجس.
ردا ونكاية بما احدثه ضجيج فريق سياسو الصوت الاول ، ظهر الصوت الثاني ، فكان مخيفا ايضا مع كل الاسف ولم يحتوي ولو جزءا من اصحاب المطالب ، بل انه عمد بتصعيد الموقف تراكميا ، الذي يحتمل ان يكون مؤذيا ويؤدي الى هلاك الكل هذه المرة.
بدل ان يعاقبوا من اندسوا في التظاهرات الاولى ويحتووا ، بقية الناس البسطاء ويستميلوهم الى جانبهم وذلك كون سياسيي هذا الصوت من هذا الفريق ، يمتلكون اغلب ادوات وقرارات الحل والربط ، كونهم الجزء الاكبر من حكومة الشراكة ، قاموا بغلق المنافذ الحدودية ، ليعاقبوا شعبا بكامله وليس ابناء المحافظات المحتجة ، استعملوا نفس أسلوب سياسيي الصوت الاول الممقوت من قبلهم والذي مقتناه جميعا فأدخلوا مواطن الجنوب والمناطق المختلطة كبغداد على خط الازمة ، بل استخدموا آليات النقل العام التابعة للدولة في نقلهم الى ساحة التظاهرات ، ان لم نقل انهم دفعوا من المال العام نفقات تغذيتهم وشرابهم ، ودفعوا بكل من لديه مشكلة مع الصوت الاول والطامحين الى تبوأ مناصب واصحاب المطامع الى شاشات القنوات الفضائية ووسائل الاعلام الاخرى المقروءة والمسموعة للحديث السلبي الذي لا نحتاجه الآن.
في الضجة التي افتعلها سياسيو الصوت الثاني، نسوا او تناسوا ان دستورهم ، الذي كتبوه بأيديهم ولم يجف حبره بعد ، نص في مادته ( ( 46، "لايكون تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها الا بقانون أو بناء عليه ،على ألا يمس ذلك التحديد و التقييد جوهر الحق أو الحرية" .
لقد فشل سياسيو الصوتين في تطبيق نظريتهم التي اوجزوها في ديباجته دستورهم التي تفيد بأنهم " استلهموا فجائع شهداء العراق" و"استنطقوا عذابات القمع" و "استرجعوا مآسي المجازر" في ضل الانظمة السابقة، لذا فأنهم وبعد ان استلهموا واستنطقوا واسترجعوا ... تعهدوا بأن "يصنعوا عراقا جديدا،عراق المستقبل ، عراقا يسعى لحل النزاعات بالوسائل السلمية" ، ، ثم تعهدوا بأن "لا يوقفهم احد من ان يسيروا معًا لتعزيز الوحدة الوطنية"، وبأن " لم يثنهم احد من أن يمضوا قدمًا في بناء دولة القانون وان يتبنوا اسلوب التوزيع العادل للثروة ، ومنح تكافؤ الفرص للجميع".
حولوا المسألة برمتها الى الدفاع عن الطائفة ، نسوا ان العراق اعلى قامة ومقاما من كل الطوائف، نسوا ان العراق هو من يحتضن كل هؤلاء ، اوحوا لنا ان العراق لم يعاني من اية مشكلة ، اوهموا الكل ان كل مشكلات العراقيين قد حلت ولم يتبق لهم غير مشكلة الطوائف ،فآن الاوان لحلها.
يعني التظاهر في علم السياسة ان ضمير الدستور ، الذي هو المواطن قد اوخز فتحرك ، وهو تعبير عن الراي مجموعا وهو فعل سياسي جماعي وهو الوسيلة التي يراد بها التعبير عن سخط وغضب جماعة او فئة، وهو التحشيد (Advocacy) لرأي معين.
هل يفهم من يعنيهم الامر، ان لفن التحشيد ثمانية عشرة من القواعد، وأن القائمين او المشرفين على التحشيد او التظاهر يجب ان يتقنوها ، من ضمن تلك القواعد "ان يكون لديهم "بيان واضح للمشكلة"، وليس كما يتخبطون الآن ، وأن "يكون لديهم معرفة مسبقة بنقاط القوة والضعف لديهم ولدى خصومهم" ، عليهم ان يعرفوا "كيف يفكر الخصوم او المنافسين وما هي الحجج التي لهم والتي عليهم، عليهم ان " يعرفوا انهم لن يستعيدوا مصداقيتهم ابدا اذا فتقدوها"، عليهم ان يحاولوا "ان لايصنعون لهم اعداء جدد" وعيلهم ان يفكروا بان خصم اليوم قد يكون حليف الغد" .
نحتاج الآن الى صوتا ثالثا في ظل هذه الازمة ، صوتا يعرف معنى التظاهر والتحشيد ، يعرف معنى ادارة الدولة والجماعات والاشخاص، يعرف معنى التخطيط والتنظيم ، يعرف ان بناء الدولة هو علم من العلوم الاساسية، يعرف ان الدولة تقاد بقانون واحد هو قانون الدولة وليس بأكثر من قانون ، ان السياسة هي مجموعة قوانين وقواعد وهي فن الممكن ايضا ويعرف كذلك ان فن الحوار وفن التفاوض وفن ادارة الوقت وفن التواصل مع الناس والاعلام ، اضافة فنون اخرى مرتبطة بالأدارة يجب ان يتقنها السياسي في العوالم المتحضرة.
اذا لم نسمع صوتا ثالثا كهذا، سيمزق البلد، سينهار نظامنا القيمي الذي نعتز به كعراقيين، سيلعننا آباؤنا وهم في قبورهم، سيحتقرنا اولادنا ، سيشمت بنا اعداؤنا، سيتألم اصدقاؤنا... سيذهب كلنا الى الجحيم، سوف نكون اما بلدا مثل لبنان تتنازعه الطوائف او مثل الصومال تتنازعه المليشيات او مثل يوغسلافيا المقسمة ، وسوف لن يفيدنا حين ذاك ما استنطقه وما استرجعه واستلهمه كتبة دستورنا، وتحية للمتظاهرين الشرفاء.
#يوسف_فواز_الهيتي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟