|
لماذا لا يحتفل الإسلاميون بنبيهم العربى ؟
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 3979 - 2013 / 1 / 21 - 20:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لماذا لايحتفل الإسلاميون بنبيهم العربى ؟ طلعت رضوان يتفق الأصوليون الإسلاميون على تحريم الاحتفال بمولد النبى العربى محمد ، وكتبوا كثيرًا أنّ هذا الاحتفال ((بدعة. وكل بدعة ضلالة. وكل ضلالة فى النار)) لأنّ الاحتفال بمولد الإنسان ظاهرة دخيلة على ((المجتمع العربى المسلم)) وأنّ ((المسلمين ضعاف الإيمان المُتأثرين بتقاليد الغرب الكافرهم من أيّدوا الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم)) وهم يستندون فى ذلك إلى حديث منسوب للنبى محمد قال فيه ((لعن الله أمة كثرتْ أعيادها)) وأيضًا ((الأعياد عندنا إثنان فقط : عيد الفطروعيد الأضحى)) يرى تيار(تجديد الفكرالدينى) أوتيار(اليسارالإسلامى) أو(يسارالإسلام) إلى آخرهذه التيارات المغلوب على أمرها والتى تـُدافع عن الإسلام ومع ذلك تـُتهم بالكفر، أنّ حديث (لعن الله قومًا كثرتْ أعيادهم)) أنه حديث آحاد وضعيف العنعنة، بينما العقل الحرينظرللأمرمن زاوية أخرى وهى أنّ قائل الحديث عربى/ إسلامى، وبالتالى فإنّ جوهر الحديث دال على عقلية قائله بغض النظرعن اسمه، وهذا التحليل الذى يتبناه العقل الحرلايلتفت إليه تيار(يسارالإسلام) وهكذا فى كل القضايا المماثلة فتكون النتيجة هزيمتهم على يد الأصوليين، وتكمن مشكلة تيار(تجديد الخطاب الدينى) أنّ أصحابه يعتمدون على ذات المرجعية الدينية التى ينطلق منها الأصوليون، أى الاستشهاد بآية مقابل آية نقيضة وحديث نبوى مقابل حديث نقيض، فيصل الحواربين الفريقيْن إلى حائط سد أو(حوارالطرشان) ونقطة الضعف فى تياريسارالإسلام عدم إهتمام أصحابه بعلم الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) الذى يبحث فى خصوصية الثقافة القومية التى تـُميّزبين الشعوب، إذْ ركزعلماء هذا العلم على الخصوصية التاريخية لكل شعب وعلى السمات المُميّزة لكل ثقافة (قومية) وأنّ لكل ثقافة أومجتمع منطقه الخاص وتماسكه الداخلى وفى ضوئهما يتم تفسيرعاداته ومعتقداته (موسوعة علم الإنسان- المجلس الأعلى للثقافة- ص 676) علم الإنسان والعلوم الاجتماعية أنارتْ للعقل الحرالبصيرة التى تأملتْ ورصدتْ المشهد شديد التناقض على خشبتىْ المسرح الواقعى بين مجتمعيْن مختلفيْن: مجتمع يرفض الاحتفال بنبيه بينما مجتمع آخريحتفل به رغم أنه لايتمتع بجنسيته الوطنية. النبى عربى ومع ذلك لايحتفل بمولده أبناء جنسه، وتكون المفارقة أنّ شعبًا آخريحتفى به. فما سبب هذه الظاهرة شديدة التناقض؟ لماذا يحتفل شعبنا المصرى (باستثناء الأصوليين) بمولد النبى محمد وهوليس مصرى الجنسية؟ الاحتفال (أى احتفال) له طقوس تتلخص فى إشاعة البهجة. والبهجة لاتكون فردية وإنما هى عمل جماعى أومن إبداع (روح الجماعة) القادرة على ترجمة البهجة بالغناء والرقص وتوفير الطعام المناسب للاحتفال إلخ. هذا الطقس لايمكن أنْ يتحقق فى مجتمع (النـُدرة) مجتمع البداوة الصحراوية، بينما كان من اليسيرتحققه فى المجتمع النهرى/ الزراعى مثل المجتمع المصرى، لذا كان من الطبيعى أنْ يحتفل شعبنا بمولد النبى محمد كما سبق له أنْ احتفل بالقديسين ومن قبلهم احتفل بالآلهة المصرية. وتواصلتْ ثقافتنا القومية إلى الاحتفال بالأولياء . وعن هذه الظاهرة كتب عالم الاجتماع الكبيرد. سيد عويس ((مكانة الآلهة المصرية انتقلتْ فى فترات التحول فى تاريخنا المصرى بعملية توفيقية إلى الأنبياء والقديسين ثم الأولياء)) (الازدواجية فى التراث الدينى المصرى- ص17) إذن نحن إزاء حضارة اتصال، فحتى ظاهرة إرسال الشكاوى للأولياء مستمدة من معتقدات جدودنا المصريين القدماء وهوما لاحظه د. سيد عويس فى كتابه عن ظاهرة إرسال خطابات إلى ضريح الإمام الشافعى وحلل فيه 163رسالة وذكر((كان الموضوع المهم هوالصلة بين الإمام الشافعى كقاضٍ يرأس المحكمة الباطنية وبين الإله أوزيركقاضٍ لمحكمة الإله الأعظم فى مدينة الأموات التى يرأسها)) احتفال شعبنا بمولد النبى العربى محمد لايمكن فصله عن جذورالظاهرة ، إذْ مع إبداع جدودنا لفكرة الآلهة تنوّعتْ الاحتفالات وتعدّدتْ فكان الاحتفال ب (حابى) إله النيل و(خنوم) الذى يصنع الإنسان على عجلة الفخاربتكليف من الإله آمون و(تحوت) رب الحكمة والكتابة و(أوزير) رب الحساب فى الآخرة و(إيست/ إيزيس) رمزوفاء الزوجة لزوجها ولم شمل الأسرة و(حورس) رمزوفاء الابن لأبيه. و(بتاح) الذى خرجتْ كل الآلهة من فمه بكلمة.. إلخ وجاء فى معجم الحضارة المصرية أنّ الاحتفالات السنوية لتكريم الآلهة تستمرلعدة أسابيع. وعن هيرودوت المؤرخ اليونانى الذى زارمصرحوالى عام 450ق.م فإنّ أعياد بوباسطه كانت تجذب إليها سبعمائة ألف حاج من النساء والرجال. وعيد (أوبت) وعيد الوادى كانا يشغلان السكان فيستغرق الأول حوالى شهرعندما كانت حتحور(ربة دندرة) تذهب أثناءه كل عام لتقضى أسبوعين فى إدفومع زوجها (حورس الإدفوى) وفق كاتب الأسطورة (فكان بقاؤها هناك فرحًا طويل الأمد) وزيادة على هذه الأعياد الإقليمية كان لكل مدينة تقويمها الاحتفالى الخاص. وذكرعالم المصريات الكبيرسليم حسن أنّ ((جدودنا كانوا أهل فرح ومرح ومولعين باللعب والتمتع بكل نواحى الحياة والموسيقى. أما الرقص فالظاهرأنه كان موجودًا فى الدراما المصرية ففى تمثيلية التتويج ذكرت البردية أنّ (تحوت) كان راقصًا ونعرف من الرسوم التى على الجدران أنّ الرقص كان يلعب دورًا عظيمًا فى الأعياد والاحتفالات الدينية المختلفة)) وذكرعالم المصريات دونالد ريدفورد أنّ كل بلدة فى مصرالقديمة كانت تتحلق حول ضريح صغيرمنذورلإله محلى وأحد هذه الأضرحة بناه سنوسرت الأول للاحتفال بالإله آمون، أى الباطن (أخناتون ذلك الفرعون المارق- ترجمة بيومى قنديل- دارالوفاء للطباعة- الاسكندرية- عام 2000ص15، 16) إنّ إصرارشعبنا على الاحتفال بمولد النبى العربى هودليل على أنه لم يتأثربالتعليم الأحادى ولابالإعلام المُغازل للأصوليين، أى رَفـَضَ الأصوليين الإسلاميين المرضى بداء إحلال ثقافة أجنبية (عربية) محل ثقافة قومية (مصرية) أى القضاء على خصوصيتنا الثقافية المؤسسة على التعددية، فهذه التعددية هى التى جعلت شعبنا يُرحّب بآل البيت (السيدة زينب والحسين إلخ) رغم أنّ الأغلبية تنتمى للمذهب السنى وليس الشيعى. هذه التعددية هى التى رسّختْ ظاهرة احترام المرأة ، فنجد القبطى المسلم يحتفل بالسيدة زينب والقبطى المسيحى يحتفل بالسيدة العذراء. وهذه التعددية سمحت للقبطى المسلم لأنْ يحتفل مع القبطى المسيحى فى أعياده مثل مولد ماربرسوم، إذْ أنّ الاحتفال بهذا العيد المسيحى له من الشعبية عند المسلمين ما له عند المسيحيين والأكثرمن ذلك أنّ المسلمين أطلقوا عليه ((سيدى محمد برسوم)) (الموالد فى مصر- تأليف مكفرسون- هيئة الكتاب المصرية- ص363) وذكرد. سيد عويس أنّ شعبنا تربطه علاقة وثيقة رغم تعدد الأديان فنجد سيدة مسيحية تصوم رمضان كى ينجح ابنها أوتزورالسيدة زينب، وبالعكس تجد سيدة مسلمة تصوم صيام العذراء أوتزورمارى جرجس أوالقديسة دماينه (أبعاد الشخصية المصرية بين الماضى والحاضر- إعداد طلعت رضوان- هيئة الكتاب المصرية- عام 99ص81) والنتيجة المُستخلصة هنا أننا نحن المصريين أبناء ثقافة قومية واحدة هى التى وحّدتْ بيننا رغم اختلاف الدين، لافرق بين مولد السيد البدوى ومولد ماربرسوم ومولد السيدة زينب ومولد السيدة العذراء إلاّفى كلمات الأغانى التى هى استلهام متوارث عن حياة القديس أوالولى. بالاضافة إلى إطلاق سمات الثقافة القومية المصرية على الولى ، سواء كان شخصية حقيقية أوأسطورية. وسواء ولد فى مصروشرب من ثقافتها القومية أوهوغريب عنها وافد عليها كما هوالحال بالنسبة للاحتفال بالنبى محمد العربى ، إذْ أنّ مجموعة المواويل التى ألفها ولحنها وغناها الأميون المصريون هى تعبيرعن ثقافة المجتمع النهرى/ الزراعى الذى عرف التسامح من خلال مظومة التعددية. وفى الحواديت المصرية حدوتة عن النبى محمد والغزالة. الغزالة سيذبحها يهودى. يمرالنبى عليهما. تطلب الغزالة منه أنْ يتشفع لها عند اليهودى. اليهودى يرفض. الغزالة تطلب السماح لها بالذهاب لتـُرضع صغارها ثم تعود لليهودى ليذبحها. يتدخل النبى محمد ويقول لليهودى سأبقى حتى تعود الغزالة. وإنْ لم تعد اذبحنى بدلامنها. تذهب الغزالة وترضع صغارها وتعود فى موعدها، فيُطلق اليهودى الشهادتيْن ويدخل فى الإسلام. هذه الصورة التى أبدعها المؤلف المصرى الأمى لايمكن أنْ تخطر(مجرد خاطر) على ذهنية ساكن الصحراء ابن البداوة المضادة للتحضركما ذكرابن خلدون فى أكثرمن موضع فى مقدمته. المصرى الأمى يكتب عن الحب والتسامح والعطاء وأنّ النبى محمد قبل التضحية بنفسه فداءً للغزالة حتى ترضع أطفالها. والغزالة لم تنكث بالوعد. صورة بديعة لايرسمها إلاّخيال فلاح فى غيط على شط النيل وهذا هوالفرق بينه وبين الشاعر العربى الذى امتدح القتل والغدرفقال ((السيف أصدق أنباءً من الكتب)) ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا تعريب مصر وليس تمصير العرب ؟
-
الربيع العربى بين الوهم والحقيقة
-
مؤامرة إنجليزية إيطالية لسرقة واحة مصرية
-
عبد الغفار مكاوى والبحث فى جذور الاستبداد
-
عودة اليهود والاستيطان الإسرائيلى لمصر
-
نجح الإسلاميون فيما فشل فيه الإنجليز
-
الدستور وكارثة تعريب العلوم
-
الحاكم العصرى ليته كأحد الفراعنة
-
أنصار الحرية فى مواجهة أعدائها
-
العداء للفلسفة وعلاقته بالتخلف الحضارى
-
الدونية القومية عند المتعلمين المصريين
-
تأثير التراث العربى على العقلية العربية
-
التراث العبرى ولغة العلم
-
الأصولية الإسلامية وجذور العنف
-
الحذاء الفضى - مسرحية قصيرة للأطفال
-
العلاقة بين هدم الآثار والعداء للتراث الإنسانى
-
أجنحة الصفاء - قصة قصيرة
-
أخيرًا : الإسلام على وشك دخول مصر
-
رادوبى (سندريلا المصرية) قصة قصيرة
-
شاى الأصدقاء : قصة قصيرة
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|