عبدالمنعم الاعسم
الحوار المتمدن-العدد: 3979 - 2013 / 1 / 21 - 10:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الصورة الجاهزة لما يحدث في سوريا، من وجهة النظر الموضوعية، هي ان الشعب السوري لم يعد يقبل نظامه السياسي القائم على حكم الحزب الواحد، الطائفي، العائلي، الفاسد، لكن هذه الصورة ليس سوى اطار عام، إفتراضي، ومشحون بالاسئلة والتناقضات، للحظة التاريخية التي تأخذ هذا البلد الى المجهول.
في داخل هذا الاطار تسميات كثيرة لانقلاب الشعب السوري على نظامه المتوارث و"الموّرث" فهو ربيع بمعنى الصحوة لجهة التغيير عبر الاحتجاجات السلمية، على خلفية ما شهدته دول المنطقة، وهو ثورة بما صاحبه من مشاركة مليونية في الحركة وما رافقه من عنف واستخدام السلاح، وهو صراع دولي (امريكا. الخليج. روسيا. تركيا. ايران..) بادوات محلية جامحة، وهو حرب طائفية على ضوء حقائق العلاقات بين مكونات الطوائف السورية ومكانة هذه الطوائف في الهوية السياسية للحكم، وهو صدام سافر بين مشروع الاسلام السياسي "السني" المدجج بالاستبداد والدولة القومية الاستبدادية، وهو معركة الديمقراطية المستيقظة في المنطقة ضد آخر انظمة حزب البعث اللاديمقراطية.
ولو ادخلنا كل هذه العناوين في مختبر التحليل الميداني لخرجنا بجملة من الاعتراضات، فلم يتبق من الربيع السوري الموصوف بالحركة الاحتجاجية السلمية سوى شعارات على جدران الاحياء القديمة لمدينة دمشق، حيث ضاعت تلك الشعارات بين فجوات وثقوب احدثتها التفجيرات وزخات الرصاص والهاونات.
ولم يبق شكل متعارف عليه للثورة بعد ان دخل "في الاطار" مقاتلون عرب واجانب باسم مشروع اعادة الخلافة الاموية واعطوا لنشاطهم اسم تنظيم النصرة، وفرضوا على الاحياء التي يسيطرون عليها (في حلب بالاخص) اللباس الشرعي على النساء ومنع الغناء والتلويح بفرض الجزية على المسيحيين.
ولم تجد الدول المتحاربة (بواسطة وكلاء واموال) بمن فيها ايران، ان الامور والنتائج مريحة بالنسبة لها، فان استمرار "صمود" النظام واطالة الحرب ضاعف من تكاليفها السياسية والمالية، وقد دخلت تلك الدول في مراجعات لحساباتها، واجرت بعض التعديلات على خططها واشكال تعاملها مع الملف، وابقت الباب مواربا امام صفقات قد تؤدي الى التعجيل باغلاق مخاطر المواجهة فيما بينها على الارض السورية التي تعتبر ارضا غير صالحة للمواجهة بالنظر لحساسيتها، وقد يقال ان التدابير العسكرية الامريكية على الاراضي التركية وقبلها المناورات الايرانية في الخليج واستعراضات القوة الروسية في البحر المتوسط تقطع الطريق على التسويات والصفقات الجانبية، لكن تجارب المواجهات بين الكتل الدولية تؤكد ان استعراض القوة الضاربة يستهدف في الكثير من الاحيان"في هذا العصر النووي" الى تأثيث المسرح لمفاوضات تنزع فتيل المواجهة او ترجئها الى حين.
ما يجري في سوريا خلطة بين كل هذه العناوين.. قد يبدو ان لا طعم لها.. لكنها، في الواقع، مليئة بالزرنيخ.
********
"إن البغض اعتراف بالنقص والخوف".
سبينوزا
#عبدالمنعم_الاعسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟