|
الواقع الطبقي للطائفية الرجعية في العراق
عبدالصمد السويلم
الحوار المتمدن-العدد: 3977 - 2013 / 1 / 19 - 13:55
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
في واقعنا العراقي كما في واقعنا في عموم الشرق الاوسط لم تكن قوى الانتاج ناضجة ولا علاقات الانتاج ناضجة للدخول في مرحلة الراسمالية وبالتالي كانت العلاقات الاقطاعية الظاهرة في العشيرة وفي اللوبي الديني- الطائفي والاثني واضحة للعيان وفعالة لحد الان وزاد من الطين بلة ان الامبريالية قررت ابقاء الاقتصاد السياسي للعراق والمنطقة اقتصادا ريعيا و زراعيا واستهلاكيا مما يعني تسلط الشرائح الرجعية على الحكم في منطقتنا واستمرار الاستبداد كنظام حكم بل كسلوك وتقليد سياسي ليس فقط داخل السلطات بل حتى داخل المنظومات السياسية كالاحزاب والتنظيمات والبنى الاجتماعية كافة حتى الاسرة لم تسلم من الاستبداد.لقد كان لابد من اجل الانتقال الى النظام التعددي في السلطة من التحول السليم الى مرحلة الراسمالية السليمة غير المشوهة وهو يقتضي تغييرا في طبيعة النظام الراسمالي الرجعي من اجل انجاح الثورة الديمقراطية. أن تطور الثورة للوصول لحكم ديمقراطي تعددي سلمي يعيقه طبيعة النظام الرأسمالي المشوهة. و أن تغيير شكل الحكم من حكم استبدادي لحكم تعددي يستلزم تعديلا ما في طبيعة هذا النظام الرأسمالي. والتعديل ممكن و ضروري لأن الرأسمالية المحلية الناشئة من رحم الاقطاع المتخلف لم تتحول للاستبداد إلا بسبب عدم قدرتها علي تلبية أحتياجات الشعب. بسبب أخفاقها المستمر جراء طبيعة الواقع الاقتصادي المتردي وطبيعة علاقة التبعية للامبريالية العالمية.لقد كان دخول مرحلة التطور الامبريالي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية وتحولها الى النظام الراسمالي وتحول الصين الى النظام الراسمالي من خلال راسمالية الدولة ومنافستها التجارية مع الولايات المتحدة ونمو دول الاتحاد الاوروبي والازمات الاقتصادية العالمية الحالية والخلل البينوني في تركيبة النظام المالي للامبريالية العالميةالناشىء من فقدان الاوراق المالية في الاقتصاد المالي الى لعب دورها كمقوم للاقتصاد العيني ونشوء التطرف في الارهاب الديني للقاعدة التي تخرج عن السيطرة الامريكية في بعض الاحيان وغيرها من عوامل كثيرة دفعت بالإمبريالية الى السعي الى التخلص من انظمة الاستبداد في المنطقة. طبعا قررت الامبريالية القضاء على انظمة الاستبداد الشمولية بانظمة ديمقراطية هشة وعجز اليسار عن الاطاحة بالراسمالية وذلك لأن مستوى تطور القوي المنتجة وعلاقات الانتاج في الوعي و الحجم الطبقي و التنظيم الحزبي لا يسمح بالإطاحة ولم ينجح اليسار الذي يعيش في برج التنظير العاجي بعيدا عن الفئات الكادحة بالضغط على انظمة الحكم لاجل اعادة صياغة نظام الحكم الهش إلي حكم ديمقراطي حقيقي لكن في المستقبل من المؤكد أنه في ظل التوزيع الحالي للثروة لا يمكن أن يستمر او يتطور نظام الحكم التعددي بنجاح لأن الشعب سيستخدم كل الأدوات المتاحة ويعيد تنظيم نفسه لينقذ نفسه من الفقرفي أحتجاجات ستبدا عفوية ثم تنضج في مسالة التنظيم للثورة مستغلة انهيار وتفكك جهاز القمع بفعل الثورة وياتي رد الفعل الطائفي لاحتواء ومنع الثورة من القيام والانتصار.لذا فنظام تعددي لن يمكنه البقاء في ظل طريقة توزيع الثروة الحالية. بل أن نظاما تعدديا لا يمكنه أن يستمر في ظل المستوي المنخفض الحالي للاستثمار و الإنتاج أي المستوي المنخفض من الرأسمالية ذاتها.لأن حتي مع توزيع أفضل للثروة القومية الحالية لن يكون هذا كافيا لانتشال عشرات الملايين من البؤس. و لا يمكن أن ينشأ نظاما تعدديا دون كتلة ضخمة من السكان تؤيد و ترضي عن توجهات النظام القائم و سياسته. نحن أذن في حاجة لتعديل ما يجمع بين توزيع أفضل لصالح طبقات الشعب و نهضه تنموية و أيديولوجية مقنعة لقطاع رئيسي من السكان أذا كان لنا أن نصل لحكم تعددي. فكيف يمكن تحقيق كل هذا؟
قوي الإنتاج و علاقات الإنتاج لا يفني أبدا أي نظام اجتماعي قبل أن تنمو كل قواه الإنتاجية.التي لا يزال أمامها متسعا للنمو. و لن تظهر أبدا علاقات إنتاج أرقي قبل أن تنضج في رحم المجتمع القديم شروط وجودها. الإنسانية إذن لا تضع لنفسها إلا المهام التي يمكن حلها و سوف نجد دائما أن المهمة ذاتها لا تطرح نفسها إلا أذا توفرت فعلا الشروط اللازمة لحلها. أو تكون في سبيلها إلى التكوين"
و هذه الفقرة برؤيتها علي واقعنا تنطوي علي تناقض. فمن ناحية أصبح النظام الاجتماعي في العراق عاجزا عن تطوير قواه الإنتاجية بل أصبح يدمرها تدميرا. و لكن هذه القوي الإنتاجية نفسها لم تصل إلي أقصي ما يمكنها من نمو في ظل هذا النوع أو النمط الاجتماعي. أن علاقات الإنتاج القائمة في بلادنا علي العكس هي قيد ثقيل علي نمو القوي الإنتاجية علي الرغم من أن هذه القوي لم تصل لما يمكن الوصول إليه في ظل علاقات أنتاج من هذا النوع. و يجد هذا التناقض حله في أن الهيمنة الاستعمارية هي حاجز تطور القوي الإنتاجية مقرونه بالطبقة المرتبطة بالإمبريالية عضويا. و هذه الهيمنة أيضا مسئولة عن المستوي المنخفض من الرأسمالية الذي بلغته بلادنا. و من ناحية أخري يبدو التناقض الثاني و هو أن المهمة طرحت نفسها -في بلادنا - بينما الشروط الضرورية لتحققها -أي مستوي نمو قوي الإنتاج – ما زالت شديدة التخلف. و يجد هذا التناقض حله أيضا في عالمية التطور الرأسمالي فالوعي بالمهمة لم ينشأ إلا من خارج مجتمعنا من الإنجازات الفكرية في العالم.
و علي الصعيد العالمي يبدو التناقض أيضا لكن بشكل معكوس.فعلاقات الإنتاج سمحت بتطور هائل في قوي الإنتاج في القرن و نصف المنصرم بينما طرحت مهمة تغييرها منذ ذلك الحين. أي أن المهمة طرحت-مهمة تبديل نمط الإنتاج الرأسمالي- و دار نضال شرس من اجل إنجازها و لكنه لم يكلل بالنجاح بل علي العكس استأنفت علاقات الإنتاج السماح بتطوير قوي الإنتاج المتمردة نفسها.و هنا يبدو من الناحية الأخري التأثير المعاكس للهيمنة الإمبريالية بما فيه الصراعات الدموية الوحشية بين الإمبرياليات و بعضها. أدي فشل ثورات القرن 19 في أوروبا لتطور عضوي في الرأسمالية في العالم حولها للإمبريالية. هذا التطور فتح الباب أمام مزيد من تطوير لقوي الإنتاج عبر الحروب الإمبريالية خصوصا. و أدت الأزمة الرأسمالية العامة في أول السبعينات إلي مزيد من التطور الرأسمالي الإمبريالي ليخذ شكل العولمة التي نعرفها الآن. أن الرأسمالية تتخلص من أزمتها عبر نقلها في المكان و الزمان. نقلها في المكان بالتوسع و في الزمان بالاقتراض.*و أستطرادا قد شخص وسائل هروب الرأسمالية هذه من أزمتها عبر التوسع و عبر الاقتراض.
و كي نوضح هذا التداخل نجد أن الأزمة الرأسمالية العامة في السبعينات و التي تم تجاوزها عبر التحول إلي نمط العولمة و ما يسمي النيو ليبرالية. و عبر مناورة الزمان و المكان الرأسمالية. و من أبرز مظاهرها إلغاء نظام بيرتون وودذ و تعويم سعر الذهب 1971. هذه الأزمة العامة مرتبطة بأزمة رأسماليتنا في العراق-أو بالأحرى أزمتنا مرتبطة بالأزمة العالمية - التي بدأت في الظهور و تعمقت عبر انقلاب68. و التي تجاوزتها رأسماليتنا بالتحول إلي التبعية و كي تصبح رأسمالية كومبرادورية. أي أن الرأسمالية في العالم كي تحل أزمتها امتصت رأسماليتنا الخاصة و رأسماليتنا خضعت لهذا التحول. و في هذه العملية تمت أعادة صياغة الاقتصاد في العراق كي يكون أقتصاد ريعي أساسا. و ليس كل رأسمالية امتصتها الإمبريالية في هذه المرحلة واجهت نفس المصير. و لم يكن هذا هو سلوك المركز مع كل الأطراف فاعتبارات سياسية و عملية جعلت هذا هو نصيب رأسماليتنا لو قارناها مثلا مع كوريا الجنوبية و عموم "النمور الأسيوية". و لكن حتي كوريا الجنوبية و الصين تم أمتصاصهم من قبل النمط الرأسمالي لصالح هذا النمط أيضا.
كيف تحل رأسماليتنا أزمتها؟ فإذا كانت رأسماليتنا الخاصة عاجزة عن مثل هذه المناورات كي تحافظ علي أستمرار تدفق الأرباح و دفع قوي الإنتاج لمزيد من التطور، لأنها رأسمالية تابعة، رأسمالية غير مستقلة،.فكيف أذن تحل الرأسمالية العراقية أزماتها؟ و الفرضية التي أقترحها للإجابة علي هذا السؤال هو أن الآلية الرئيسية التي تواجه بها الرأسمالية العراقية أزماتها في المجال الاقتصادي أساسا هي الثورة السياسي. أي أن الثورة السياسي محليا هو مقابل مناورة الزمان و المكان عالميا.
ففي المجال السياسي يتبدى العجز المزمن للنظام العراقي. فلم ينجح هذا النظام في صياغة نظام سياسي مستقر بأي درجة. فأي نظام مستقر يتطلب مستوي من التعددية تتيح للشرائح و الطبقات الرأسمالية الفرصة كي ترتب بشكل مشترك لحد ما شئون "مجتمعها" لكن أي نظام تعددي يستلزم مسبقا مستوي معين أو "كتلة تاريخية" من السكان تتبني هذا النظام. و يستحيل خلق مثل تلك الكتلة في شروط التفاوتات الطبقية الواسعة. و هذه الكتلة من السكان يفترض فيها أن تكون من الطبقة الوسطي أو البرجوازية الصغيرة و هذه الطبقة بالذات هي أعلي الطبقات صوتا ضد النظام. و الخلق المشوه لرأسماليتنا جعل صغار الرأسماليين أصحاب المشاريع الصغيرة طبقة منكمشة لأبعد حد و جعل الأغلبية الكاسحة للبرجوازية الصغيرة هم الموظفين و من يماثلهم. أن أقدام الرأسمالية العراقية ضعيفة. بل أن في الريف تسود علاقات سابقة على الرأسمالية اقطاعية فضلا عن انهيار الزراعة والصناعة المحلية في العراق و لم تنجح الرأسمالية في تصنيع الريف إلا جزئيا. و تقلص أعداد سكان الريف مقابل الحضر يقابله زياده هائلة في أعداد سكان الحضر المهمشين و ليس توسع أعداد العمال بل انهيار عدد العمالل لانهيار الانتاج الصناعي في العراق فضلا عن انهيار دور النقابات العمالية.
و كنتيجة لذلك، نتيجة لغياب نظام سياسي مستقر و فقر ما يسمي "المجتمع المدني"، تتحول كل أزمة أقتصادية لأزمة سياسية طاحنة. و كأن المجتمع المدني عبارة عن خنادق و حواجز في الطريق أي أن ضعفه يؤدي لسهولة سقوط الدولة. و غياب هذا النظام السياسي هو أيضا الذي جعل من المستحيل لأطراف الطبقة الرأسمالية أن تتلاقي علي حلول وسط لتلك الأزمات بين مصالحها المتعارضة و تفادي طابعها الانفجاري.
يمكن النظر لثورة 58 باعتباره أزمة سياسية – و هو حتما ناشئ عن أزمة سياسية مستحكمة – و فيه برزت شريحة بيروقراطية في نهاية المطاف عبر فترة من البونابرتية أصبح لها السيادة ضمن الطبقة الرأسمالية. و كذلك انقلاب 68 و فيه قام الجناح اليميني في هذه الشريحة البيروقراطية عن طريق البعث الفاشي بمصادرة الحكم و أعادة رسم خريطة التحالفات الدولية. و هو بذلك انقلاب مواز لأزمة النظام الفاشي و للازمة الرأسمالية العامة في السبعينات. و احتلال العراق هي نموذج ثالث من الأزمات الرأسمالية التي انفجرت سياسيا مواكبه أيضا للأزمة العالمية التي بدأت عام 2008.و ما شهدناه منها حتي الآن هو صعود الشريحة التجارية الأكثر تخلفا من طبقتنا الرأسمالية.
و الأزمة السياسية ترتدي أيضا بعدا أيديولوجيا فورا. فلم تنجح رأسماليتنا في بناء أيديولوجية تبرر بقائها الا الطائفية والعرقية. فمن الليبرالية الخجول التي تجمع بين عناصر الحداثة و عناصر الماضي الاستبدادي العثماني. إلي القومية البعثية التي تخرج بتوليفة جديدة عن اكذوبة"الوحدة العربية". و أخيرا السلفية و أيديولوجيتهم الرجعية و ربما بشعارات زائفة عن "الوطنية العراقية" في أرداء صورها. و أستطرادا لا يمكن بناء كتلة تاريخية من السكان مقتنعة بأيديولوجية تكرس النظام القائم دون أساس مادي من مجتمع مدني فعال. ليست الأيديولوجية مجرد نتاج للعقول المفكرة المثقفة التي تدافع عن نظاما ما. بل هي حركة في الواقع الاجتماعي عبر أدوات خاصة
مع كل أزمة سياسية طاحنة تبدل الرأسمالية العراقية جناحها السائد. و يؤدي هذا التبديل إلي عدة أمور هامة لتجاوز الأزمة أهمها قمع الحراك الشعبي و هو السبب الدائم للأزمات. ثانيهما أعادة صياغة التحالفات الدولية. و الرأسمالية في العراق تمتعت كثيرا بفوائض يمكن تسميتها فوائض سياسية* . فمثلا العراق حصل على دعم من كل من الاتحاد السوفيتي السابق و الولايات المتحدة لدعم خطته للتنمية. و حصل البعث في بداية حكمه على دعم عربي ثم حصل نظام الحكم الحالي في العراق على دعم أمريكي و هو المستمر حتي الآن.ثالثا يتم عادة أمتصاص جانب من فوائض الفئة أو الشريحة المهزومة لصالح تلك الصاعدة.و هو ما رأيناه و ما زلنا من أندماج سلطة الدولة و بيروقراطيتها مع الرأسمالية الطفيلية التيجرت عبر التطور التاريخي منذ ثورة 58 الى الان.و ما يمكن أن نراه اليوم أو في المستقبل
فإذا كانت الأزمات تحل بالثورة السياسي و بتولي شريحة جديدة قيادة الطبقة الرأسمالية ككل. فأن من الواضح أيضا أن تلك الشرائح تزداد توغلا في رجعيتها و في معاداتها للحركة الجماهيرية المستقلة. فبعد سقوط ثورة 58 قضي علي كل التنظيمات الشعبية و كل المجتمع المدني المحدود الذي كان قائما وقتها وأصبح النظام من أشد أعداء الديمقراطية و تواصل ذلك مع صدام. و بعد احتلال العراق اصبح من الواضح أن نفس الاتجاه و أن بشكل أشد شراسة سيتواصل لمستوي غير مسبوق. فالشريحة الرأسمالية التي تولت -الإخوان- ليست فقط معادية للحداثة و التقدم بل هي حتي معادية لأسس هامة للتطور الرأسمالي
الأزمة السياسية للرأسمالية العراقية في أزمة 58 كانت هناك عدد من الأطراف تتصارع. الملكية و الوفد و الحركة الشعبية.و قد أدت حدة الصراع بين الأطراف الثلاثة لانهاك الجميع. الوفد فقد سيطرته التقليدية علي الحركة الشعبية. و الحركة الشعبية فقدت القيادة السياسية الواعية. و الملكية تحولت لعدو للشعب. و هذا الصراع الذي لا يجد له حلا سمح لقوة من خارجه أن تسيطر علي السلطة – الضباط الأحرار- و أن تنقذ الرأسمالية عبر القضاء على الملكية وصولا الى انقلاب تموز 68 الاسود في إلغاء الأحزاب و قمع الحركة الشعبية. الأزمة لا تجد لها حلا إلا من طرف خارج الصراع يمكنه أن يقدم حل ولو مؤقت. و في أزمة 63 – شباط الاسود– كان هناك اشتباك طويل المدي أثناء حكم عبد السلام عارف بين الجناح المحافظ و الراديكالي. وبسيطرة البعث على السلطة عام 68و ببوادر أنتهاء الصراع العالمي بين أمريكا و روسيا. أصبح الباب مفتوحا لشخص قليل الأهمية نسبيا -صدام- أن ينتصر للجناح المحافظ و يتخلص تماما من الجناح الراديكالي السائد و يعيد صياغة توجهات الرأسمالية للتوافق مع التبعية. و قبل احتلال العراق كانت هناك أزمة بين كل أطراف المجتمع و صدام التي أدت لحملة الاعتقالات الواسعة التي شنها. لكن لم تكن هناك قوي قادرة علي خوض الصراع من ناحية و لعب التيار الإسلامي الإرهابي دورا هاما في إحباط الصراع. و أزمة الثورة التي نمر بها الآن تشهد صراعا بين القوي الرأسمالية التقليدية و قوي الثورة الشعبية مما سمح لقوة من خارج الصراع نسبيا – تحالف السلفية والبعثية – أن تستولي علي مقاليد الأمور. آلية الصراع علي خلفية غياب المؤسسات الديمقراطية تتمحور حول أن تنهك القوي الرئيسية بعضها البعض مما يمنح طرف غير رئيسي القدرة علي "القفز" علي السلطة. و هذا هو ما يقوله غالبية اليسار من أن السلفية"ركبوا الموجة". فلما لا تنجح أحد القوي المتصارعة في حسم الصراع لصالحها؟
يمكننا أن نميز بين أزمات سياسية جزئية -مثل انقلاب68– و أزمات سياسية مكتملة مثل ثورة 58 و تحرير العراق. تتميز الأزمات السياسية المكتملة بأن الطرف الشعبي مشارك أساسي فيها. بينما الأزمات السياسية الجزئية هي ثورات قصر في المحل الأول. و بالطبع يكمن البعد الشعبي في الأزمات الجزئية غير أنه لا يكون فاعل سياسي مباشر في الصراع. و بينما تقوم القوي الشعبية بالهجوم علي النظام و أنهاكه لا تطرح من جانبها مشروعا مستقلا يتضمن السيطرة علي السلطة. في الأربعينات في التصاعد الشعبي الذي أدى ثورة تموز 58 –كانت الحركة الشعبية "تطالب" و لا تسعى جديا لانتزاع السلطة. و في أزمة ثورة تموز 58 و السنوات السابقة لها كانت أيضا الحركة الشعبية تطالب و لا تطرح مشروعا مستقلا يتضمن أنتزاع السلطة. أن هذا "التقاعس" يعكس الضعف البنيوي للحركة الشعبية و الطبقات التي تشارك فيها و القوي السياسية التي تتصدرها. يتحول الصراع في الأزمات المكتملة بين نظام عاجز عن تقديم حلول و حركة شعبية لا تطمح في السلطة و هذا سر أن لا طرف من الأطراف الرئيسية يكسب الصراع بل طرف ثانوي دخيل لحد ما.لأنه لم يكن لدينا أبدا حركة شعبية تجعل السلطة السياسية هدفها الأول. بينما علي العكس كانت ثورة58 لم تطرح مشروعا ما يتضمن السلطة السياسية و تصدر العداء لها والقضاء عليها في الثورة المضادة قوي سياسية رجعية و طبقية -كبار ملاك الأرض و البرجوازية الكبيرة- لها مصلحة و برنامج يرتكز علي سيادتها علي المجتمع. و لذا فأن ثورة 58قد وثبت عليها قوة ثانوية من خارج المتصارعين الرئيسيين.
من الواضح أن الرأسمالية أصبحت "نظاما عالميا" و كل حديث عن تجاوزها كنمط أنتاج مرتبط بتجاوزها علي صعيد عالمي أو علي الأقل علي صعيد عدد كبير من الدول في نفس الوقت. و مثل هذا التجاوز غير متوقع الحدوث في المستقبل القريب. و حتي إذا كان متوقعا فكيف نكون في وضع ملائم للمساهمة فيه؟ من ناحية أخري تجاوز الرأسمالية يعنى الوصول لنظام اجتماعي بديل أكثر تطورا أي الاشتراكية و من ثم الشيوعية. و هنا تواجهنا قضية الإجابة علي سؤال ما هي الاشتراكية؟ فإذا كانت الاشتراكية هي ديكتاتورية البروليتاريا فما هو شكلها السياسي؟ و إذا كانت الاشتراكية هي إلغاء الملكية الخاصة فما هو نموذجها الاقتصادي الذي يتجاوز تحويل الملكية من ملكية خاصة للإفراد لملكية خاصة للدولة ؟ و ما هي طبيعية الدولة القابلة للتلاشي؟ إن الاجتهادات في هذا السياق ربما متعدده لكنها تبقي اجتهادات حتي نري بوادرها في الواقع فعلا. تجاوز الرأسمالية أمامه قضيتين حيويتين أولهما عالمية الرأسمالية و بالتالي عالمية تجاوزها ثانيا نضج النظرية الاشتراكية. هذا أذا تحدثنا عن التجاوز بمفهوم تجاوز نمط الإنتاج أي التحول للاشتراكية.
لكن يمكننا النظر للتجاوز بمعني تجاوز الرأسمالية العراقية المحلية و ليس تجاوز النمط الرأسمالي. أي تجاوز من الرأسمالية إلي الرأسمالية لكن علي أساس أكثر ديمقراطية و شعبية و أكثر استقلال. أن تجاوز الرأسمالية المحلية هو شرط تطوير قوي الإنتاج و الوصول بها لأقصي ما يمكن أن تصله في ظل نفس النمط الرأسمالي. و قد رأينا عشرات من التجاوزات التي حدثت بهذا المفهوم في كل دول العالم تقريبا. ففي العراق كان ثورة 58 و ما لحقه من بناء رأسمالية الدولة هو نوعا من تجاوز الرأسمالية المحلية التقليدية. و التحولات اليسارية اللاتينية هي من نفس النوع و تحولات الكتلة الشرقية السابقة أيضا الخ . فالرأسمالية العالمية يمكنها أن تناور في الزمان و المكان بحكم هيمنتها العالمية. أما الرأسماليات المحلية فحدود مناورتها محدودة بسبب خضوعها للرأسمالية العالمية. لذا فأن طريقتها في المناورة تعتمد أساسا علي شكل سياسي جديد.و هذا الشكل السياسي الجديد قد يكون معاديا للشعب و قد يكون حتي فاشيا و قد يكون -في شروط خاصة – علي العكس شكلا شعبيا ديمقراطيا.
لا يمكن تجاوز نمط الإنتاج الرأسمالي الامبريالي عالميا-حاليا- لكن يمكن و يجب تجاوز رأسماليتنا الخاصة. و لكن مثل هذا الاستنتاج يثير عديد من القضايا و المشاكل الفكرية و العملية حول امكانية الانتقال من الرأسمالية الاستبدادية إلي الرأسمالية في صورة نظام حكم تعددي ياخذ "شكلا شعبيا ديمقراطيا" وما علاقة ذلك بتبدل شرائح الرأسمالية؟ و ما هو موقف الطرف الإمبريالي؟
و هل يمكن أنجاز مثل هذا التحول بفرض وجوده في ظل الهيمنة الإمبريالية الشاملة و غياب كل من صراع الإمبرياليات معا و صراع الإمبريالية مع الاتحاد السوفييتي؟ و ما الذي ستستفيده الطبقات الشعبية من نظام هو في جوهره استغلالي؟
و قبل الإجابة عن هذا السؤال لنسترجع النقاش التاريخي بين البلاشفة و المناشفة .في الصراع النظري بين البلاشفة و المناشفة بدء من عام 1902 أخذ المناشفة موقف أن الحكم القيصري شبه الإقطاعي لابد له أن يزول أولا بقيادة البرجوازية قبل أن تقوم البروليتاريا بثورتها. بينما وقف البلاشفة علي العكس موقف أن البروليتاريا هي المدافع الأصلب عن الديمقراطية و أن قيادتها للتحول الديمقراطي معناها أن يكون هذا التحول أكثر جذرية. و أن البرجوازية إذا تركت لقيادة التحول الديمقراطي ستتفق مع القيصرية دون جدال و تجهض هذا التحول .لذا فأن دور الطبقة العاملة هو قيادة التحول الديمقراطي. كان هذا جوهر الخلاف الذي أدي لانقسام الاشتراكيين الديمقراطيين الروس بين أغلبية و أقلية. لو كان هذا النقاش دار في العراق في 1920 لكن وجيها كل الوجاهة أما أن تنصاع الطبقة العاملة لقيادة البرجوازية و كبار ملاك الأرض للتحرر من الاحتلال و التحول الديمقراطي أو تطرح نفسها كبديل ثوري لإنجاز هذا المشروع بأقصى درجة من الحسم و الجذرية لصالح معظم الشعب. لكن في 1920 كانت طبقتنا العاملة وليدة و بلا حزب ثوري فلم يطرح مثل هذا النقاش أساسا. و في الأربعينات لو طرح مثل هذا النقاش لكان مرة أخري علي الطبقة العاملة أن تسعي لقيادة التحول و الخروج من الاحتلال و التبعية. لكن لم تكن الطبقة العاملة ناضجة بشكل كافي و لم تكن أحزابها مستقيمة بشكل كافي. و الآن فأن لدينا طبقة رأسمالية مسيطرة و سيطرتها اهترأت رغم أنها لم تنجز حقا التحول الديمقراطي بل أنهت الاحتلال كي تقع بعده في التبعية السياسية و الاقتصادية. فيصبح السؤال هو هل آن الأوان كي تقوم الطبقة العاملة بقيادة التحول الديمقراطي؟
أن قيادة الطبقة العاملة لحلف طبقي شعبي يتكون من الفلاحين و فقراء المدن هي الترجمة العملية لقيادة الطبقة العاملة للتحول الديمقراطي. و هذا يعني أن استيلاء هذا الحلف الطبقي علي السلطة سيؤدي إلي مجتمع رأسمالي من حيث الجوهر أيضا و لكنه رأسمالي مدفوعا لأقصي ما يمكن الوصول له في ظل هذا النمط الإنتاجي.و هذا هو أيضا معني ما قلناه أنفا عن "التجاوز من الرأسمالية إلي الرأسمالية يأخذ شكلا شعبيا ديمقراطيا"
دعنا نبحث الأمر بشكل معكوس هل سيستمر ما يسمي "التحول الديمقراطي" للأبد ؟ هل قدرنا أن نظل محبوسين في نطاق مثل هذا التحول؟ من المؤكد أن الوصول بالمجتمع لأبعد من الرأسمالية -كنمط أنتاجي- يشترط أول ما يشترط سيطرة الطبقة العاملة وحلفائها علي السلطة السياسية.و بالتالي فأن قيادة الطبقة العاملة للتحول الديمقراطي هي نفسها قيادتها للثورة الاشتراكية. و هذا ما كان يقصده البلاشفة في حوارهم السابق مع المناشفة. القضية هنا تنحصر في طبيعة نمط الإنتاج الممكن بناؤه في شروط التخلف . بمعني أخر لو نجحت طبقتنا العاملة في حيازة السلطة السياسية و الاحتفاظ بها لن نتوقع قيام ثورة أخري من أجل الاشتراكية اللهم إلا ثورة ثقافية أو تكنولوجية. و من الجلي أنه لا يمكن في شروط العراق الحالية و في شروط العالم بناء اشتراكية مباشرة عقب استيلاء الحلف الشعبي علي السلطة.
ما علاقة هذا الطرح بقضية تبدل شرائح الرأسمالية العراقية و الأزمة السياسية كحل لأزمة الرأسمالية العراقية العامة؟ ستظل الرأسمالية العراقية تعاني من الأزمات المتتالية كجزء لا يمكن فصله عن طبيعة نمط الإنتاج و عن طبيعة هذه الرأسمالية المتخلفة. و ستظل هذه الأزمات تحدث في الاقتصاد و تتجلي في السياسة. و لن يكون بإمكان الرأسمالية العراقية حل تلك التناقضات التي تعصف بأحشائها إلا عبر تبديل شرائحها سواء عن هذا الطريق أو ذاك. أي أن النافذة ستفتح مرة بعد مرة أمام الطبقات الشعبية كي تحسم أمرها و تخوض الصراع لنهايته بغرض الوصول للسلطة السياسية و ليس بغرض المطالبة و محاولة تعديل النظام من خارجه. و قد أوضحنا أن الطبقات الشعبية خسرت مرة حينما فتحت النافذة في أزمة ثورة 58 و ها هي تتاح أمامها فرصة جديدة بثورة مستقبلية و كان حتما انه يمكن أن تخلق الطبقات الشعبية أزمات من هذا النوع لو لديها العزم السياسي و التنظيمي في مراحل مختلفة بين التاريخين. أن غياب الحريات السياسية و التعددية يضعف من البناء الرأسمالي للمجتمع – و هذا هو أصلا سبب أنتهاج الديمقراطية التمثيلية في الرأسماليات الأكثر تطورا – و بالتالي يفتح الباب لدخول الشعب. فعلي قوي الشعب الحية إلا تنهك الطرف الرأسمالي المهيمن و تستنكف عن محاولة أقتناص السلطة السياسية فتكون بذلك موضوعيا تعمل لصالح طرف رأسمالي أخر.
بالطبع لن تكتفي الإمبريالية العالمية بالوقوف موقف المتفرج. و هي لم تفعل هذا في سياق ثورة مستقبلية بل وضعت كل ثقلها خلف الطرف الرأسمالي السلفي-البعثي الذي تريد الامبريالية ان "يثب" على السلطة ويركب الموجة من جديد. و لم يكن هذا الطرف السلفي قادرا على السعي الى الوصول الى السلطة لولا هذا الدعم الامريكي - الرجعي. و هي بالقطع لن تقف إلا موقف المعارضة لتولي حلف طبقي شعبي للسلطة في بلد في مثل أهمية العراق. و علاوة علي ذلك فأن الصراع بين الإمبرياليات تراجع لصالح عالم رأسمالي واحد معولم بقيادة الولايات المتحدة. مما ضيق هامش المناورة أمام الرأسماليات المتخلفة. و لم يعد هناك أتحاد سوفييتي و كتلة شرقية. كل هذا يصب في وحدة المعسكر الإمبريالي إزاء كل حركة تحررية و إزاء كل ثورة و خصوصا إزاء أي سلطة شعبية. لكن هذا الوضع العالمي يحمل نقيضه أيضا. و علي قوي الثورة أن تري هذا النقيض. و هو أن بسبب وحدة الإمبريالية نفسها هذه أصبحت قدرتها علي معالجة أزماتها أكثر صعوبة و تعقيدا. فقد كانت الحروب و ما تعنيه من تدمير واسع النطاق لقوي الإنتاج في البلدان الإمبريالية و ما تعنيه من أمتصاص الفائض المتراكم حجر الأساس في تجاوز الأزمة الرأسمالية. فأزمة 1929 لم تجد حلها النهائي إلا بعد أندلاع الحرب العالمية الثانية. فهذه الحرب كانت الأزمة الاقتصادية أحد أهم دوافعها. فالتوافق الإمبريالي و جبهتها الموحدة إزاء قوي الثورة يقابله ضعفها عن حل أزمتها الذاتية. و علاوة علي ذلك فأن تعقد الساحة السياسية العالمية و تشوشها في ظل تعدد الأقطاب جعل من الناحية السياسية موقفا موحدا للرأسمالية في العالم أمرا من العسير الوصول أليه. غير أن أهم عنصر هو أن قدرة الإمبريالية علي التدخل العسكري في دول العالم الثالث تهاوت مع تنامي القدرات العسكرية للشعوب لم تفقد الإمبريالية قدرتها علي التدمير بل تضاعفت هذه القدرة لأبعد حد. لكن في المقابل تهاوت قدرتها علي الهيمنة و الاحتفاظ بما دمرته و انتهت لغير رجعة قدرة أنجلترا علي إرسال بضعةجيوش في 1914 كي تحتل العراق لمدة44عاما بعدها. و الاحتلال الأمريكي للعراق لم يكن ممكنا له أن يتواصل لولا خيانه الرجعيات الدينية التي حولت المقاومة لحروب طائفية. و ها هي أصغر الدول في أمريكا اللاتينية تتمرد علي السيد الأمريكي دون قدرة له إلا علي القيام بمؤامرات و دسائس فقد أنتهي عصر إرسال المارينز لتك الدول. الأزمة العالمية و أمتدادها المحلي لا يفتح الباب فقط للثورة و لكنه أيضا يقدم الشروط الضرورية لانتصارها إذا أحسنت قوي الثورة أستغلالها.
فما الذي يمكن للطبقات الشعبية أن تجنيه من قيام سلطة ثورية شعبية لكنها في نطاق الرأسمالية؟ بما أن هذه السلطة قائمة في نطاق الرأسمالية فأن هذا يعني أستمرار عبودية العمل المأجور و أستمرار نهب فائض القيمة و أستمرار أساس المجتمع. هذا كله صحيح تماما. لكن السلطة الشعبية ستعيد بناء الاقتصاد الرأسمالي كي يكون أقتصاد رأسمالي حقا و ليس مجرد اقتصاد ريعي طفيلي متخلف مرتهن لعصابات و آلياته تتمحور حول الفساد. من وجهه نظر الشعب هذا يعني التوظيف تحسين مستوي المعيشة استيعاب السكان الذين هم خارج العملية الإنتاجية. أن تشخيص أزمة المجتمع الالعراقي باعتبارها مجرد أزمة رأسمالية هو تشخيص مبسط و لذا مخل. أن الأزمة هي أزمة رأسمالية فاسدة طفيلية تابعة. و هو ما يعني أن قسم مهم من فائض القيمة يتم نزحه لخارج الحدود – سواء مباشرة أو عبر آلية الديون أو عبر الفساد و الخضوع لإملاءات الرأسمالية العالمية. فسلطة شعبية ستسمح لقوي الإنتاج بالنمو مرة أخري و ستسمح باستئناف التراكم الرأسمالي و بالتالي لتهيئة المجتمع للتحرر نهائيا من عبودية العمل المأجور بالمشاركة مع قوي الثورة في العالم.
قدمت هذه المقالة تصورا عاما حول ديناميكية الرأسمالية العراقية و حول كيفية تجاوز هذه الرأسمالية عبر قيام سلطة شعبية أو بناء جمهورية ديمقراطية شعبية أو حكومة العمال و الفلاحين فهي كلها مترادفات. ثم حاولت أن تجيب علي أسئلة ربما تثار بهذا الخصوص يبقي أن ننتقل إلي البحث الملموس لأفق تطور الصراع الطبقي عقب ثورة مستقبلية هناك عدة سيناريوهات تطرح لمآل الأزمة السياسية الراهنة. و ليس الهدف هنا حصر كل هذه السيناريوهات بل الهدف أساسا هو أكتشاف الخيارات المطروحة أمام القوي الثورية.
سيناريوهات تطور الأزمة السيناريو النيوليبرالي يفترض أصحاب هذا السيناريو أن تدفقات رأسمالية ضخمة سترد للعراق من التراكمات المالية غير المستغلة في العالم. و أن هذه الاستثمارات ستعيد في العراق نموذج كوريا الجنوبية و غيرها و تعيد بناء المجتمع كي يكون أكثر أندماجا في السوق العالمي طالما أن أجر العامل العراقي أقل من زميله الكوري و ربما الصيني أيضا. و هناك مشكلتان رئيسيتان في هذا السيناريو.أولهما أن شرط تدفق الاستثمار بعيدا عن المحددات الأخري هو الاستقرار السياسي. فلن تأتي أي استثمارات لبلد يشهد قلاقل سياسية واسعة مهما كان سعر العمالة رخيص. و لذا فأن هذا السيناريو كي يتحقق لابد أن تسبقه مرحلة من القمع واسع النطاق تنهي الثورة و ذكراها. و كي يحدث مثل هذا القمع المعمم في ظروف العراق حيث نصف السكان تحت خط الفقر لابد مذابح فاشية و وقت طويل علي غرار ما حدث في تشيلي مثلا. الأمر الثاني الذي لا يقل أهمية هو الصراع الالعراقي – العربي – الإسرائيلي. فتحول العراق لنهضة أقتصادية يعني وضع المشروع الإسرائيلي في خطر حتي لو كانت إسرائيل تشارك في صنع هذه النهضة. و ذلك بسبب حجم العراق. و رغم ذلك فأن سيناريو من هذا النوع ليس مستبعدا تماما. لكن علي مستوي محدود جدا مما لا يسمح بتغيير علاقات القوي الأساسية و لا أوزان الطبقات و لا مراكزها في المجتمع.
الفاشية قوة ثورية بمعني سلبي من ضمن الاحتمالات المطروحة للرأسمالية العراقية التحول للفاشية. و حينما نطلق وصف الفاشية علي جماعة الإخوان فأننا نفعل ذلك بشكل تقريبي. فالفاشية كما كانت في ألمانيا و إيطاليا و أسبانيا قوة ثورية بمعني ما من جهة تطوير قوي الإنتاج و التوسع الصناعي. و هذا بالتأكيد ما حدث في هذه البلدان في فترات الحكم الفاشي. و لكنها من ناحية أخري قوة شديدة القمع و الرجعية لذا فهي تمثل نوعا من الثورة السلبية. ثورة الطبقة الرأسمالية الكبيرة ضد عموم طبقات الشعب و ضد المنافسين الأجانب. و ما يهمنا هنا بخصوص العراق هل يمكن أن نري أقتران القمع الوحشي باسم الدين مترافقا مع التصنيع و التحديث التكنولوجي ؟ هذا احتمال قائم و لكنه أحتمال ضعيف لسبب رئيسي و هو أن عملية الانتقال لحكم السلفية تتم بواسطة و عبر التدخل الإمبريالي. و لأن الإخوان أنفسهم مرتبطين بالرأسمالية التجارية الطفيلية و أن الرأسمالية التقليدية أضعف من أن تفرض مثل هذا الشكل و لكن لا يمكن أستبعاد مثل هذا الاحتمال تماما. خاصة لو تصورنا قيام وضع من التوازن الطبقي يتيح لفئة صغيرة أن تستولي علي الحكم و غالبا فئة عسكرية يمكنها أن تضع أسس لنظام فاشي آخذين في الاعتبار الترابط الوثيق بين المؤسسة العسكرية و بين قطاعات صناعية أساسية.
التحلل الاجتماعي هذا هو سيناريو تحول العراق إلي صومال و سودان جديدة. و من المؤكد أن التحلل الاجتماعي بدء في العراق منذ سياسة الانفتاح الاقتصادي التي انتهجت بعد الاحتلال. و هي السياسيات التي عزلت قطاع واسع من السكان عن المشاركة في الإنتاج في الريف و المدينة. و عملية التحلل الاجتماعي أو تحطيم قوي الإنتاج لا تعني سوي استمرار الأزمة الرأسمالية و بالتالي السياسية و عدم الاستقرار.
ثورة مستقبلية كحلقة من حلقات الأزمة كل هذه السيناريوهات -باستثناء التحلل الاجتماعي- تتطلب مستوي عالي من قمع الحركة الشعبية. و هو الأمر الذي كان علي رأس أولويات الحكم العسكري ثم الحكم السلفي المخطط له. لكن قمع الحركة الشعبية أمر ليس سهلا و ليس يسيرا. أن ما يميز أزمةالعراق الراهنةهو أنها علي عكس الأزمات السابقة أطلقتها مؤامرة امبريالية من ناحية و أن الحل الرأسمالي لها لا يتعدى تسليم السلطة لأضعف حلقات الفئات الرأسمالية و أكثر تخلفا التي يمثلها السلفية. علاوة علي هذا فأنها قامت علي خلفية مستويات غير مسبوقة من التدهور الاجتماعي جعلت ما يقرب من 50% من السكان تحت خط الفقر.أن قمع الحركة الثورية سيستغرق وقتا. و غالبا سنشهد موجة ثورية أي فترة طويلة من الارتفاع و الانخفاض في الفعل الثوري. و يترافق مع هذه الموجة الثورية المحلية موجة ثورية عالمية كرد فعل للأزمة العالمية. سنشهد ما شهدته العراق من 20 حتي 58 محطات متتالية من الانفجارات الثورية يعقبها فترات هدوء نسبي و قمع. أي كان السيناريو الذي ستمضي فيه الأزمة طالما أن حتي الطرف الرأسمالي ليس لديه مجرد تصور عن كيفية تجاوز أزمته و لا يمكنه أن يقدم مثل هذا التصور و هو مرتبط أشد الارتباط بالأزمة العالمية. و يضيف البعد الرجعي الديني تعقيدا أضافيا حيث سيتحول لقهر طائفي واسع لقسم من السكان-الاقليات من السكان - و قهر ديني للأغلبية و نحن نشهد بوادر مثل هذا القهر. كما ستشكل أطراف الدولة المتحللة عنصرا أضافيا لتولد التوتر و ربما حتي الحروب الصريحة.أن الطريق أصبح مفتوحا لحد ما أمام القوي الثورية كي تسعى لتملك زمام الأمور و بناء سلطة الشعب في شكل جمهورية ديمقراطية شعبية.
#عبدالصمد_السويلم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اعلان موت وطن
-
هذيان لحظة الاحتضار
-
خيمتنا قد سرقت وانتهى الدرس يا غبي
-
علاقة الفلم المسيء الى الرسول محمد بالانتخابات الامريكية
-
الدوافع والاهداف وراء الاساءة لرسول الاسلام
-
تكتيكات استراتيجية محور الشر المعاصرة ضد العراق والتكتيكات ا
...
-
الربيع الامريكي في الاردن طالبان الاردن قادمة
-
مبادرة نصرة القدس والمقدسات
-
10 ملايين لعنة للأحصنة المحصنة
-
من تحريم الاندومي الى انفصال كردستان والله زمان
-
معركة سورية معركة الشرق الاوسط كله
-
العنصرية والطائفية ضد الانسانية انهم يتاجرون بدمائنا جميعا
-
محور الشيطان من انفصال كردستان وصولا الى حكم الاخوان
-
الازمة العراقية والانتخابات الامريكية سحب الثقة انموذج
-
العلاقة بين الشعب العراقي وبعض ساسته ازمة ثقة ام نظرية المؤا
...
-
عراق الازمة الدائمة من ازمة سحب الثقة مرورا بالتجزئة وانتهاء
...
-
عراق ما بعد الانسحاب العسكري الامريكي
-
فادفنوا امواتكم وانهضوا الاحتلال الاقتصادي للعراق بين اكسون
...
-
الوطن او الموت الاحتلال الاقتصادي للعراق وراء الازمة السياسي
...
-
سقط القناع العراق ما زال تحت الاحتلال الجزء الاول بايدن الصه
...
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
علاقة السيد - التابع مع الغرب
/ مازن كم الماز
-
روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي
/ فاروق الصيّاحي
-
بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح
/ محمد علي مقلد
-
حرب التحرير في البانيا
/ محمد شيخو
-
التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء
/ خالد الكزولي
-
عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر
/ أحمد القصير
-
الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي
/ معز الراجحي
-
البلشفية وقضايا الثورة الصينية
/ ستالين
المزيد.....
|