|
لاهوت التحرير وموقفه من الشعب: الشاعر والأب إرنستو كاردينال نموذجًا
خالد سالم
أستاذ جامعي
(Khaled Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 3977 - 2013 / 1 / 19 - 11:18
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
قد يتساءل البعض: لماذا الحديث عن لاهوت التحرير؟ أظن أننا نعيش في مصر والوطن العربي لحظة فاصلة فارقة لما قبلها وما بعدها بعد أن أخذ الدين يتسيد المسرح السياسي والإجتماعي في جزء كبير، وعلى وجه الخصوص في قبل هذا الوطن، أرض الكنانة. ولا أريد بهذا أن تؤول مداخلتي بأكثر مما تحتمل. كما أنني لست دارسًا ولا منظرًا للقضايا الدينية، بل كل ما وددت أن أعرضه هنا هو مجموعة من الأفكار في قارة أتابعها عن كثب منذ ثمانينات القرن الماضي بحكم إختصاصي لدارسة الإسبانية وثقافاتها. وهذه الأفكار تقربنا من انشقاق ديني داخل الكنيسة الكاثوليكية في تلك المنطقة البعيدة والقريبة من جغرافية الإسلام، ما مثّل تيارًا نشأ وعمل من أجل الإنسان بشكل مباشر دون الرجوع إلى التمثيل الرسمي للدين.
ولد لاهوت التحرير، أو لاهوت الفقراء، كتيار داخل الكنيسة الكاثوليكية في أميركا اللاتينية نتيجةًللمَجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965) ومؤتمر مِديين (كولومبيا 1968)، وذلك على يد مجموعة من رجال الدين من هذه القارة المقهورة، في تلك الفترة، على يد العسكر وبمباركة المؤسسة الدينية الرسمية. كان بمثابة انشقاق مقنًّع داخل الكنيسة ردًا على الوضع السياسي الذي كانت تسيطر عليه أنظمة ديكتاتورية قمعية في القارة اللاتينية بمساعدة غربية وصمت من قِبل الفاتيكان. إنه الخروج على الكنيسة الرسمية التي لم تتورع في مساندة الظلم والجور السياسي على الإنسان في تلك القارة، يذهب البعض إلى أنها أخذت موقفها هذا مع وصول المستعمر الأبيض، الإسباني والبرتغالي، في نهاية القرن الخامس عشر.
ومعروف أن الحركةظهرت بينما كانت تلك القارة تئن تحت قمع الأنظمة العسكرية والشمولية التي كانت جاثمة على صدر معظم دولها مثل بيرو وتشيلي والأرجنتين والبرازيل وأوروغواي، في حين أن دولاً أخرى كانت تعاني ويلات حروب العصابات وتصفيات حساب الحرب الباردة مثل كولومبيا وفنزويلا ونيكاراغوا. كان تسيطر على القارة حالة من القهر والإستبداد إلى جانب الجهل والفقر والظلام.
وكان هناك ثمة تحالف غير معلن يكرس هذه الأوضاع الجائرة بين القوى الفاعلة في تلك البلاد، وهي الطبقات الحاكمة التي كانت مرتبطة بمصالح القوى الإمبريالية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، وكبار الملاك المرتبطة مصالحهم بالرأسمالية الأميركية والشركات العابرة للقارات. ولم تكن الساحة لتخلو من كبار رجال الدين الذين كانوا بمثابة صمّام أمان لاستمرار وتكريس تلك الأوضاع الظلامية والمجحفة، فصار الظلم الإجتماعي كما لو كان قدرًا ينبغي للمؤمنين أن يحافظوا عليه ويتجرعوه كما لو كان جزءًا من إيمانهم.
في تلك الأثناء كانت الكنيسة الرسمية تطرح رؤية تقليدية تحض المعدمين على الصبر على هذا البلاء، وتبشرهم بالجنة عوضًا لهم عن وضع البؤس والجور الذي يرزحون تحته والذي جعلته الكنيسة حتمية إجتماعية ولا يجب التمرد عليها.
ولاهوت التحرير، Teología de la Liberación،قراءة ثورية مسيحية أعاد، من خلالها بعض رجال الكنيسة الكاثوليكية هناك، قراءة المسيحية لصالح الفقراء والمظلومين والمهمشين، من منطلق اتجاه الكنسية هناك لتكييف علاقتها مع المجتمع. وقد مثلت هذه القراءة انقلابًا لاهوتيًا أدى لتوسيع مجال الإيمان، ليشمل بذلك المسؤولية تجاه الواقع من أجل تغييره، متجاوزًا تغيير الضمير والنفس. وكان التغيير من خلال قراءة تشدد على أن الخلاص لا يكون بالتحرر من الخطايا فقط، بل بأشكاله كافة، بما فيها التحرر السياسي والاقتصادي. وهي قراءة " تزاوج بين الخلاص وتحرر الإنسان، وبين الإيمان والعمل السياسي، وبين ملكوت الله وبناء العالم".
كانت بذرة هذا "الإنشقاق" أو التميز تقوم على سؤال شبه وجودي مفاده: كيف أحافظ على كوني مسيحيًا في قارة مقهورة؟!. كيف أغني للسيد المسيح في أرضٍ غريبة؟! كيف يمكن أن يكون الإيمان أداة تحرير وليس أداة تغريب؟! إنها أسئلة صادقة صادرة عن قطاع يؤمن ولا يريد أن يكفُر، لكنه يرغب في تفسير يتسق مع المنطق والعقلانية.
لقد رفض لاهوتيو التحرير كل وصاية للكنيسة على البشر، على إعتبار أنها في خدمة "خلاص الإنسان"، أي التحرر من قيود القهر والظلم والتمييز. وعليه دعوا إلى مسيرة حرية داخلية للإنسان بصفة عامة تضطلع بها الأديان السماوية. وتصوروا أن الكنيسة هي التي تقود هذه المسيرة، وإن لم تقم بها فيجب أن تساندها، بدلاً من الصورة التقليدية عن سلطة الكنيسة وهي تقاوم الفكر الإنساني وتعطل عجلة التقدم البشري.فلا مصادرة، و لا منع و لا تهديد، و لا وصاية من أي نوع من قبل مؤسسة دينية تخشى كلمة أو نغمة أو مشهدًا في شريط سينمائي هنا أو هناك. لم يعرجوا على اليوتوبيا، بل كانوا واقعيين فلجأوا إلى دور عملي، دور يفيد الإنسان في حياته اليومية.
كان مؤسسو هذا التيار يهدفون إلى الإنفصال الكامل، لاهوتيًا أولاً، عن مؤثرات الحضارة المهيمنة والمستغلِة، ممثلةً في الغرب الأوروبي، لهذا رفضوا ما جاء من هذا الغرب وما ترك أثرًا في الأفكار المسيحية منه. وانطلق فكرهم من احتياجات مجتمعاتهم الفقيرةوالمقهورة. وتراجعت علاقة هؤلاء اللاهوتيين الجدد مع الفاتيكان لتقتصر على الإداريات، وفرضوا لغتهم اليومية، الإسبانية، في الصلوات. ووصل بهم الحد إلى أن فرضوا على الفاتيكان فك تحالفه مع النظم الإستبدادية في هذه القارة الغنية بموادرها الطبعيية لكنها فقيرة إلى حد البؤس لقاطنيها.
ومن الملاحظ أننجم حركة لاهوت التحرير في أميركا اللاتينية كان قد سطع في فترة السبعينات والثمانينات، وبسبب تورطها في النضال السياسي لأجل المحرومين ضد هيمنة النخب الغنية انتقدت الحركة بشدة من قِبل الفاتيكان ونظر إليها العديد من الشخصيات الدينية امتدادًا للماركسية داخل الكنيسة الكاثولكية، في زمن الحرب الباردة. ونالها الكثير من الاتهامات من بينها الدفاع عن توجهات الحركات اليسارية التي انتشرت في تلك القارة. ولعل أكثر المتصدين لها كان البابا يوحنا بولص الثاني، الحبر الأعظم السابق، وحاول الحد من تأثيرها بتعيين أساقفة محافظين في بعض دول المنطقة، الأمر الذي يتسق مع دوره البارز في ضرب الشيوعية في دول المنظومة الإشتراكية تنفيذا لمخطط وكالة المخابرات المركزية الأميركية.
حري بالإشارة هنا إلى أن رجال الدين الثوريين لم يتخلوا عن الدين، لكنهم تعاملوا معه بواقعية، بعصرية، تتواءم مع مصالح الشعب. ومن منطلق مصلحة الإنسان المتدين وسط مستنقعات الفقر والقهر في أميركا اللاتينية، رغم وفرة الموارد، جَرُأ لاهوتيو التحرير على نقد الكتاب المقدس، وهذا لا يعني تشويها أو نقدًا مغرضًا له، بل إعادة قرائته وتفسيره بما يتماشى مع المنطق والواقع، ولم يكن هذا تجنيًا على الكتاب المقدس أو كرهًا فيه، بل من أجل تحريرهم من تفسيرات مقيدة لا تصب في مصلحة الإنسان. لقد ارتأوا أن مصلحة الإنسان أهم من التفاسير الجامدة المتعلقة بالنص والتمسك بأصالة تاريخية لم تُفد المجتمع ولا الإنسان المطحون في تلك البقعة البعيدة القريبة من وطننا العربي.
وعليه أولوا اهتمامًا كبيرًا بقضايا الفقر في قراءتهم للنصوص الدينية والتراث المسيحي الكاثوليكي، فتمكنوا من إحياء صورة الفقير في الثقافة الكلاسيكية منذ العصور الوسطى، ما أدى إلى حالة من التعاطف معها. وفي الوقت نفسه ركزوا في قراءتهم على اكتشاف النصوص المسيحية التي تتحدث عن حقوق الفقراء والمحرومين.
كان هدف لاهوت التحرير جليًا منذ البداية: جعل رجل الدين خادمًا للإنسان وليس حارسًا للعقيدة ولا تابعًا للسلطة السياسية. وكان رده واضحًا إزاء السؤال المعضلة: ماذا لو تعارضت مصالح الإنسان مع استقرار المؤسسة الدينية؟ فقد وقف مع الإنسان وهو ما تجلى في موقفه المؤيدللثورات في القارة الناطقة بالإسبانية والبرتغالية وتأجيجها، ما تسبب في أضرار جمة لهؤلاء اللاهوتيين وصلت إلى تصفيتهم جسديًا في حوادث مسجلة ودامغة.
ويذهب البعض إلى أنه إذا كانت هناك إضافة حقيقية قدمتها قارة أميركا اللاتينية للفكر الإنساني في القرن العشرين، فهي "لاهوت التحرير" الذي يُعد إبداعًا لاتينيًا خالصًا جدد رؤية المسيحية للإنسان المَعُوز والمهمش في القرن الماضي، فكان لها دور في إشعال ثورات هذه القارة وصيرورتها.
هذا الفكر الديني الجديد لا يضر فقط باستقرار المؤسسات من الناحية العقائدية، بل يعصف بالتوازنات والتحالفات بينها وبين السلطة السياسية، الأمر الذي قلص القوة الحقيقية للمؤسسة الدينية الرسمية في تلك الساحة وما بقي لها كانت قوة الحق والوقوف إلى جانب المهمشين والفقراء في مجتمعات أنهكها الجور والعوز رغم وفرة الموارد الطبيعية التي التهمها الفساد والشركات العابرة للقارات الأميركية والدور القذر والفاعل لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية في الإنقلابات العسكرية وعمليات وأد الثورات والثوار. ولعل أبرز حدثين في هذا السياق كان الإنقلاب العسكري الذي أطاح برئيس تشيلي المنتخب سلفادور الليندي على يد الجنرال بينوتشيت وترتيب أميركي وحادث اغتيال الثوري الأسطورة تشي غيفارا.
بيد أن هذا وضَعهم في مواجهة عنيفة مع الكنيسة الرسمية من منطلق أنها تعتبر نفسها منوطة بحماية النص المقدس. ورغم الصعاب أدى تفضيلهم الإنسان على النص إلى تحررهم من مشكلات ومآزق التفسير الحرفي للنص الديني الذي ارتبط في الكثير من الأحيان بظلم الإنسان وقهره وسط جو يخنقه التمييز.
وفى إطار اهتمامها بالفئات المهمشة والمعدمة فتحت حركة لاهوت التحرير الباب لأول مرة أمام العناصر النسائية للتأمل المسيحي والتفكر في أصول الدين المسيحي، بعد أن كان ذلك قاصرًا على الرجال. وعملت الحركة أيضًا على إتاحة كل شيء للفقراء بما فيها الثقافة والعلم والمعرفة؛ فكان لها دور تثقيفي وتنويري رائد بجانب الدور الاجتماعي والإنساني، فقدمت أهم كتب الثقافة والمعرفة في طبعات زهيدة تناسب الفقراء والمعدمين، فكان هناك -على سبيل المثال- سلسلة كتب بعنوان "صوت من لا صوت لهم" المأخوذة عن كتاب أوسكار روميرو الشهير. لم يكن الطريق مفروشًا بالحرير أمام رجال الدين الذي أسسوا لهذا التيار الجديد الذي لم ينظر إليه الفاتيكان بعين الرضاء، بل وصل الحد إلىاغتيال بعضهم في ظروف غامضة ومثيرة للريبة. وتشابكت المصالح والإتهامات في أجواء عمليات الإغتيال تلك لتتفرق دماء شهداء الفكر الديني المتحرر بين قبائل عدة وتُطوى صفحتها دون التوصل إلى حل للغز رغم وضوح الجهة التي تتجه إليها أصابع الشك والإتهام. ولعل أبرز الأساقفة المشهورين الذين قتلوا في ظروف غامضة كان إيغناثيو إلوكوريا والأب موخيكا .
يعد الأب والمتصوف النيكاراغوي الثائر إرنستو كاردينال (غرناطة، نيكاراغوا، 1925) أحد رموز هذا التيار المتمرد داخل الفكر الديني الكاثوليكي. وإلى جانب عمله بالدين فهو سياسي ومثّال وشاعر من كبار شعراء اللغة الإسبانية بين مجايليه . ويعده البعض أهم شاعر على قيد الحياة في أميركا اللاتنيية، وهو رأي لا يجانبه الصواب ليس فقط لأن مجاليه غادروا دنيانا ولكن لأن شعره يتخذ من الإنسان نقطة محورية.
وقد حملته مساندته للثورة الساندينية، التي وقعت عام 1979، إلى شغل منصب وزير الثقافة حتى عام 1987، الأمر الذي لاقى عليه لوم بابا الفاتيكان السابق يوحنا بولص الثاني، وتجلى هذا في الصورة المشهورة التي جمعت بينهما بينما يشير البابا إليه باصبع التوبيخ عندما زار نيكاراغوا في سنة 1983. ومعروف أن مأخذ البابا لم يكن فقط لكونه وزيرًا في حكومة نظام ثوري يساري بل يمتد ليشمل دوره في حركة لاهوت التحرير. وكانت الصورة التي جمعت بينمها في ماناغوا ذات معنى في هذا الصدد، ما جعلها تتصدر الصفحات الأولى في صحف العالم.
ويحسب له من بين مواقفه المتسقة مع فكره يوم أن حمله ضميره الحي على ترك الجبهة الساندينية في عام 1994 عندما ارتأى أنها أنحرفت عن مسارها الثوري ممثلاً في إنتقاده لسلوك دانييل أورتيغا رئيس البلاد سنتئذ وزعيم الثورة الساندينية.
ولهذا الشاعر قصيدة عن حقوق الإنسان وقهره في أميركا اللاتينية عنوانها "جنة محمد" في إشارة إلى نبي الإسلام. يتحدث فيها عن الجنة واسقاطاته على الوضع في هذه القارة المقهورة وكيف قام الإقطاعيون ببيع الجنة أو الأرض التي ينتمي إليها الشاعر، وهي إشارة واضحة إلى أميركا اللاتينية بطبيعتها التي تشبه الجنة ووجودها في أيدي الإقطاعيينوالأسر الحاكمة ومؤيديهم من مصاصي دماء الشعوب في تلك البقعة من العالم. ويقول في مطلع هذه القصيدة: هكذا قال غيج: "جنة محمد" وأنا أقول لكم إن الجنة بيعت. أرض ميعاد وُزِّعت على الإقطاعيين! إنها الأرض التي أنتمي إليها كما الحمامة .
إلا أن قصيدته الأكثر انتشارًاهي "ساعة الصفر" التي تلخص جو الإرهاب التي كانت تعيشه أميركا اللاتينية في النصف الثاني من القرن العشرين في ظل الأنظمة الديكتاتورية العسكرية المحمية بجبروت الإستعمار العالمي. يقول في مطلع هذه القصيدة: أميركا الوسطى لياليها إستوائية بحيرات وبراكين تحت القمر أضواء قصور رئاسية وثُكَن وصفارات حظر تجوال حزينة ........... الفلاحون مطعون موزهم والمضربون بالرصاص يُكبح جماحهم والتجسس بالهمسات في المنازل والفنادق وصرخات في مراكز الشرطة ......... ومانغوا مصوبة نحوها المدافع الرشاشة من داخل قصر الكعك والشيكولاتة وخوذ الحديد الصلب تعس بالشوارع حرس! في أي ساعة من الليل نحن؟ حرس، في أي ساعة من الليل نحن؟
أمام هذا الوضع ودور الدين في تحرير الشعوب المقهورة في أمريكا اللاتينية نجد أنفسنا ننظر إلى دور بعض سدنة ودعاة الإسلام في زمن الفضائيات والنفط. هل يقومون بالدور المنشود لهم بعد ثورة 25 يناير 2011؟
من الملاحظ أن هناك فارقًا كبيرًا بين دور الإسلام في مجتمعاتنا ودور المسيحية الكاثوليكية في أميريكا اللاتينية، فهناك ولد "لاهوت التحرير" في زمن الحرب الباردة، بينما وقف الإسلام السياسي في خندق واشنطن، تحت رايات الإمبريالية العالمية ضد الخطر الشيوعي، وكانت أفغانستان أشهر مسارح تلك الحرب المشتركة. وولد من رحم الكاثوليكية في طبعتها الأوروبية الأميركية اللاتينية تيار المسيحية الديمقراطية ولاهوت التحرير فشكلا حلقة مبكرة في منظومة التحول الديمقراطي، بينما الإسلام السياسي لا يزال يراوح مكانه وينظر بريبة وميكيافيلية إلى الديمقراطية، ويتحدث على إستحياء عن مصالحة بين الإسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان، بينما يركز على الهوية الدينية للدولة دون الحديث عن مشروع وطني ينهض بالدولة أو قومي ينهض بالأمة. ولعل المتابع لما شهدته مصر وتونس، البلدان العربيان اللذان شهدا انتخابات نتيجة لما يطلق عليه الربيع العربي، يدرك أن الهوية الإسلامية للبلدين هي الشغل الشاغل للإسلام السياسي الذي فاز في هذه الإنتخابات.
ورغم هذا فمن الجلي أن عالمنا العربي أخذ يفك أسره من الأنظمة التي كبلته منذ حركات التحرر والمد القومي بعد إفشاله بشتى السبل ليبدأ الآن حقبة جديدة قد تمتد لعقود تحت سيطرة الإسلام السياسي. لا تزال الرؤية مبهمة، يكتنفها الغموض والإلتباس رغم ظهور دلالات واضحة وسط حالة هلامية، فهل سوف نشهد مولد تيار جديد داخل الإسلام السني يعمل لصالح الإنسان، بعيدًا عن الجمود والتمسك بقدسية النص وتفسير لا يتماشى مع متطلبات العصر؟
هناك ملاحظة طريفة وهي أن هذا التيار العقيدي العالم ثالثي، أي لاهوت التحرير، حمل في عنوانه لفظا يتقاسمه مع أشهر ساحة تردد اسمها في العالم منذ 25 يناير 2011، أي ميدان التحرير، فهل هذا محض صدفة أم أننا أمام تحول حقيقي لصالح الإنسان في العالم العربي سيأتي بثماره أم أننا أمام فترة مظلمة ستحل بالمنطقة تحت مسمىجديد؟!! سيلعننا التاريخ إذا أضعنا على أنفسنا هذه الفرصة للحاق بركب الحضارة والتنوير وهذه المرة لن يكون هناك مفر من تحولنا إلى هنود حمر جدد مع نهاية القرن الحادي والعشرين جراء تمسكنا بأفكار بالية والتلاعب بالدين من أجل السلطة.
وثمة قائل إن المؤسسة الدينية المسيحية لها كيان رسمي يفتح أبوابًا هائلة للتغير أو للجمود، لكن الإسلام السني يملك مؤسسة بلا كيان مجدد، ولا وجود رسمي، وأن الشيء الوحيد المحدد هو بعض المدارس والجامعات، وهى لعبة فى يد الدولة ...باختصار الإسلام فى حاجة لمؤسسة مثل الكنيسة أو مثل المرجعية الشيعية حتى يتسنى له لعب دور مثل هذا، بيد أن الرد بسيط وهو أن الدولة أو الأنظمة سيرت الدين عندما شاءت لصالح فكرة أو هدف سياسي وإن جاء في غير مصلحة العرب والإسلام، لعل أبرزها "الأفغان العرب".
أود أن أختتم قائلاً إن ملفت للنظر وهو أن هذه القارة وهي تحاول النهوض علقت أمالًا على الإقتراب من وطننا العربي من خلال مشروعات ومؤتمرات قمة إلأ أن من بيدهم الأمر في بلداننا نفذوا تعليمات واشنطن فلم يشاركوا بتمثيل يتماشى مع هذه المشروعات والقمم، ما حملها على دورات روتينية، شبه جمود يذكرنا بحال جامعة الدول العربية رغم ولادتها الحديثة. أي أنها تعقد اجتماعاتها وتصدر قرارات وتوصيات دون تنفيذ أو وضع نتائج ملموسة.
#خالد_سالم (هاشتاغ)
Khaled_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كنت شاهدًا على التجربة الإسبانية في المرحلة الإنتقالية
-
كان ياما كان
المزيد.....
-
أوكرانيا تعلن إسقاط 50 طائرة مسيرة من أصل 73 أطلقتها روسيا ل
...
-
الجيش اللبناني يعلن مقتل جندي في هجوم إسرائيلي على موقع عسكر
...
-
الحرب في يومها الـ415: إسرائيل تكثف هجماتها على لبنان وغزة
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام تسفي كوغان في الإمارات ب
...
-
اتفاق الـ300 مليار للمناخ.. تفاصيله وأسباب الانقسام بشأنه
-
الجيش اللبناني: مقتل جندي وإصابة 18 في ضربة إسرائيلية
-
بوريل يطالب بوقف فوري لإطلاق النار وتطبيق مباشر للقرار 1701
...
-
فائزون بنوبل الآداب يدعون للإفراج الفوري عن الكاتب بوعلام صن
...
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
مصر تبعد 3 سوريين وتحرم لبنانية من الجنسية لدواع أمنية
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|