جوتيار تمر
كاتب وباحث
(Jotyar Tamur Sedeeq)
الحوار المتمدن-العدد: 3973 - 2013 / 1 / 15 - 23:02
المحور:
الادب والفن
قراءة في نص" لاجدوى" للشاعر شعبان سليمان/ جوتيار تمر
لاجدوى
شعبان سليمان
ترجمة: جوتيار تمر
تحدثنا كثيراً..وفعلنا الكثير
أطلنا هذه القصة
الى متى بلا ضمير
هذه المرة المائة....طفل عشقنا قتلناه...احييناه
وهو حي تحت التراب دفناه....
يكفي...
الجراح هذه المرة عميقة جداً
الافكار بعيدة عن بعضها
هذه المرة..نهاية حقدنا..وبرودتنا وحماقتنا
يكفي ان نزرع الشكوك ..نحمل عدم الثقة
قلنا وفعلنا الكثير...أطلنها واثرناها كثيرا
حان وقت الاعتراف باننا اجرمنا بحق العشق
هذه المرة...
أذان الفراق قد أذن...دق ناقوس الهجر
ايدينا تعانق بعضها...وتحولت الى ثلج وصقيع
مكان موعدنا...تحول الى قعر جهنم
يكفي...
ايها الطائر الثرثار اخرج منقارك من مخي
انا احترق في حمم جهنم وانت لاتشعرين بي
يكفي...
قلنا..وفعلنا الكثير اطلنا هذه القصة
عندما قتلنا الثقة..وذبحنا المحبة
شبعنا موتا في ذلك اليوم
وبكى الموت على جثتنا كثيرا
حان وقت الاعتراف
بأننا حولنا المحبة ثأرا...وخذلنا العشق بين ايدينا
قراءة: جوتيار تمر
لاجدوى
الشاعر من منطق اليأس والتاثير الوقتي" الزمني" ينطق،، لذا نجده يلجأ الى الصور في تجسيد المعاني وتشخيص الفكرة، والى اللمحات والايحاءات المتشكلة من صلب ثقافته وفهمه للحالة والموقف الذي يمر به،، وهي في مسارها لاتحمل في مضامينها اية انكسارات لغوية، بالعكس هي سلسلة وواضحة، لهذا فان التداول الدلالي نراه ينصب في اغلب مراحل النص على الحوارية الموجهة، والمتنامية، وحتى الايحاء انما في مضمونه البلاغي والصوري اقرب الى التقريرية التي لاتتطلب استخداما غامضاً للغة ولا حاجة له الى تفعيل طاقاتها التعبيرية والدلالية، انما نحن امام نص شعري سردي يقوم اساساً على تمثيل او تصوير التجربة التي يمر بها الشاعر، مع اتخاذ موقف نهائي لتكرار الحدث الوجداني ضمن أطر ومعطيات يراها الشاعر بانها مهلكة للروح والقوة و هي في نظره تصل احياناً الى حد الحماقات، وهنا لابد لنا من ربط النص مضموناً "الموضوع" بالتجربة الذاتية للشاعر والتي على الاغلب أثرت كثيراً على استعاراته والتقاطاته الشعرية.
ولنقف عند العنوان " لاجدوى " كمدخل الى مضمون النص حيث نجده واشياً ملائماً جدا لحراك الرؤيا النصية التي اتت مكملة له، ف"لاجدوى" تعبر بقوة عن الدافعية المثيرة للحالة النفسية من جهة، وللحدث البراني الذي استطاع في تفعيل مشاعر الشاعر وجعلها تسلك هذا المسار البائس الذي يوقعه في اليأس المطلق من القدرة على تغيير الحالة.
تحدثنا كثيراً..وفعلنا الكثير
أطلنا هذه القصة
الى متى بلا ضمير
هذه المرة المائة....طفل عشقنا قتلناه...احييناه
وهو حي تحت التراب دفناه....
الشاعر في محاولته لرصد الحالة واتخاذ موقف تجاهها نراه يلجأ الى استخدام ضمير" نا" كثيراً ليعبر عن ما يدور في خلده من جهة، والى ايصال رؤيته الى المقابل من جهة اخرى، وعلى الرغم من ان التدوير البلاغي المتبع بالايقاعي اثر عبى النسق الشعري العام، الا انه في الوقت نفسه استطاع من ان يخرج الرؤيا من طور التكوين الى طور التأثير، حيث لايلقي الشاعر اللوم على نفسه فقط، انما يشرك الحبيبة في كل ما حدث ويحدث لهما " تحدثنا،، اطلنا،، عشقنا..."، كلها تبرز الثنائية التي تحدثنا عنها،، و "قتلناه، احييناه،، دفناه..." تعطي الانطباع الواضح على اللوم لايلقيه الشاعر على نفسه فقط، كما لايحملها تبعيات ما يحدث انما كلاهما مشاركان في كل مسببات وتبعيات الحدث الشعري، ولعل تكرار الحالة في صورتها تلك هي التي دفعت الشاعر الى اتخاذ موقف صارم تجاهها.
يكفي...
الجراح هذه المرة عميقة جداً
الافكار بعيدة عن بعضها
هذه المرة..نهاية حقدنا..وبرودتنا وحماقتنا
يكفي ان نزرع الشكوك ..نحمل عدم الثقة
اتت "يكفي" هنا رادعة ولعلها في زمنيتها قد ارهقت الشاعر لكونها تخرج من دائرة المعقول الى اتون اللامعقول، وتؤثث لحالة جديدة مكوناتها غريبة على نفسيته العاشقة،، مرهقة لروحه التي بذلت من اجل الحافظ على حبه ذاك،، لكن عندما اجبرته الجراح على البحث عن بوابة للانعتاق نجده يستغلها بقوة صارمة، وبلغة معاتبة يخاطبها ويظهر لها بأن ما يحدث ليس الا نتيجة افعالهما، وعدم تجانسهما، وبروز بذرة الشك واللاثقة،، وكل هذا يدفع في حالته الطبيعية الى الجنون،، لكن الشاعر يحافظ على اتزانه ويتخذ موقفه الوجداني العقلاني،، دون الانخراط في التصعيد اللفظي،، انما يكمل رؤاه بروية وهدوء يخالجه انفعالات حسية ووجدانية تؤثر على تصوراته، لكنها لاتبعده عن مساره وموقفه الذي اتخذه وبلغة الروي نجده يستمر في ابلاغ ورسم ورصد رؤاه.
قلنا وفعلنا الكثير...أطلنها واثرناها كثيرا
حان وقت الاعتراف باننا اجرمنا بحق العشق
هذه المرة...
أذان الفراق قد أذن...دق ناقوس الهجر
ايدينا تعانق بعضها...وتحولت الى ثلج وصقيع
مكان موعدنا...تحول الى قعر جهنم
يكفي...
ايها الطائر الثرثار اخرج منقارك من مخي
انا احترق في حمم جهنم وانت لاتشعرين بي
يكرر الشاعر ويؤكد على انهما قالا الكثير وفعلا الكثير،، كدلالة صورية وحسية ونحن نؤكد على الحسي في احيان كثيرة لأن الشاعر نفسه يمر بمرحلة من الانفعالات التي تبرهن على تفاعله الجواني والذهني مع الحالة، لهذا فتلك الصور تؤكدعلى التكرار الحدثي على الصعيدين الذاتي والبراني، وهذا ما جعل من النص يخرج عن نسقه الشعري الى البوحي كمدخل ثم ما يلبث ان يتغلب الشاعر على نفسه، ليشكل من معانيه ورؤاه لوحة وصفية تشبيهية فائقة التصوير، وكل هذا لان مشاعره الجياشة اصطدمت بواقع يراه بانه اشبه بحلقة تدور لكنها فارغة في محتواها، وكم تتوحش الصورة باستعاراته لالفاظ يمكن تأويلها بتعددية دلالية وصورية" اجرمنا،، ناقوس الهجر،، صقيع،، قعر جهنم..." في وصف الحالة وكلها دلالات قوية في مضمونها وفي ايحاءاتها وحتى في تشكيلاتها، وهذا ما احال النص من حالته البوحية التقريرية الخارجة من النسق الشعري الى قيمة شعرية متقدة مغايرة وفعالة لاسيما ان تلك الكلمات منتقاة بدقة موازية للحالة والموقف المراد ايصاله الى المتلقي، وهذا ما يلزم المتلقي على الانصياع لها، وما زاد من تلك الصور توغلاً في مدايات الحالة والحدث الشعري هو الاتيان بذلك التشبيه المتوحش الدال على كثرة التكرار اللامجدي للقول والاستماع الواصل لحد الثرثرة ،طالما ان كل ذلك يتم خارج اطار الثقة والتوحد والايمان بالاخر.
يكفي...
قلنا..وفعلنا الكثير اطلنا هذه القصة
عندما قتلنا الثقة..وذبحنا المحبة
شبعنا موتا في ذلك اليوم
وبكى الموت على جثتنا كثيرا
حان وقت الاعتراف
بأننا حولنا المحبة ثأرا...وخذلنا العشق بين ايدينا
الشاعر لاينفك عن ذكر الزمنية التي يرى بانها اخذت من قواه ونفسيته الكثير،،واثرت على حالته الوجدانية العاطفية، فنراه يكرر اكثر من مرة وفي اكثر من مقطع بأن القصة" قصتهما" قد اخذت من الوقت الكثير وطالت، وعلى الرغم من قولهما وفعلهما الكثير الا ان كل ذلك اصطدم بالواقع العياني المتمثل بالنتيجة الفعلية لكل افعالهما، حيث اللاثقة واللامحبة، ادت في عصفهما بكل رغبة قد تبرز لفتح صفحة جديدة، لاسيما ان الشاعر يعترف بوضوح تام انهما اشتركا في جريمة وأد العشق وانهما في اخر لقاءاتهما قد شبعا موتاً حتى ان الموت نفسه قد بكى على جثتيهما،، ولنقف عند هذه الصورة التي توضع الحالة بكل تفاصيلها وتجعل من القفلة بحد ذاتها لوحة ديناميكية تعيدنا الى العنوان "اللاجدوى" فهنا الشاعر يقول بوضوح بانهما خذلا العشق، وحولاه الى ثأر يريد كل واحد منهما ان يقتص من الاخر، مما يعني بأن الحالة ميؤسة،، ولاشيء يعيد تشكيل معالمها. فاللاجدوى هي المحك وهي القاسم المشترك والفيصل في الحكم على القصة باكلمها وفي ذلك اجمالاً دلالة على قدرة الشاعر بالبدأ برؤية وتسخير المضمون كله لتحريكها وفق معطيات التنامي بحيث نلاحظ ان الحدث ينمو في بعضه ويتناسل من الرؤية الاساس ويتمخض عن كل ذلك لوحة شعرية سردية جميلة في هيكلتها، على الرغم من وجيعتها ونهايتها غير المريحة.
#جوتيار_تمر (هاشتاغ)
Jotyar_Tamur_Sedeeq#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟