|
ملاحظات عامة في قضايا مرتبطة بالمدن العربية
بلال عوض سلامة
محاضر وباحث اجتماعي
(Bilal Awad Salameh)
الحوار المتمدن-العدد: 3971 - 2013 / 1 / 13 - 16:51
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يعد مطلع القرن العشرين من أكثر المميزات لمدى التغيرات التي أصابت البنية الاجتماعية والاقتصادية في العالم العربي، مما أثر بالضرورة على طبيعة القفزات والتغيرات التي شهدتها المدن العربية على وجه الخصوص، نتيجة عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية داخلية وخارجية، أثرت على مسار وتطور ونشوء المدينة المعاصرة.
هذا التنوع في المصادر والتأثير، خلق تنوعاً ومداخلاً مختلفة من حيث القوى الاجتماعية التي تقف وراء التغيير، مما حدى إلى اعتبار البعض بعدم وجود مدينة عربية، وهذا مالا يتفق وإياه حليم بركات كعالم اجتماع في وقتنا الراهن. والذي يدرس المدينة كواقع موجود بحد ذاته.
فما يميز العالم العربي في القرن العشرين، بعد غياب طويل لهذه البقعة عن المسرح العالمي في صنع التاريخ، وجودها وتطورها ضمن شروط مشوهة ومحكومة بعوامل خارجية ناتجة ليس عن التفاعل والارتقاء، بقدر ما هي مفروضة من الاستعمار والاحتلالات العسكرية المباشرة وغير المباشر وموازين القوى العالمية، وهذا بالضرورة أثر على التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية الداخلية للمدن العربية من جهة، وعلى طبيعة تطورها والقوى الفاعلة فيها من جهة أخرى.
يتفق في هذا الباب كلاً من محمد مراد وحليم بركات، بصدد الآثار التي أدت إلى نشوء المدينة وأسبابها الاقتصادية التجارية والاجتماعية والسياسية الداخلية والخارجية، وبصدد البرجوازية الصغيرة التابعة وعملية ارتباطها بالاستعمار القديم وبشركاته التي ما زال لها نفوذ داخلي من خلال الطبقات والشرائح الطفيلية التي خلقتها نتيجة التشوه الاقتصادي والاجتماعي للمدينة العربية، ويختلف هنا هشام شرابي حول الطبقة الوسطى الجديدة، واعتبرها هي مصدر هذا التشوه الناشىء في تطور المدينة (ترييف المدن لدى حليم بركات) نتيجة الرؤية الأبوية المتسلطة، فبالتالي لا يعد شرابي المدن العربية مدناً بالمعنى الحقيقي " حسب النموذج الأوروبي" لأن طبيعة البنية الاجتماعية هي بنية بطريركية مشوهة.
وبهذه الإلماعة السريعة التي تشهد تبايناً منذ البداية حول اعتبار المدينة، مدينة أو عدم اعتبارها، ستقوم بتفسير التنوع في القوى التي تقف وراء تشكيل المدن: والتي نبوبها كما يلي:
الاستعمار والاحتلال: يقترب هذا العنوان الفرعي كثيراً لاتجاه محمد مراد في مقالته حول أثر الاستعمار في تشكيل المدن العربية، ويتقاطع مع حليم بركات(2000) من حيث التحليل،ومن حيث البناء والشكل وحتى الأجواء والفضاءات الاجتماعية بداخلها، فبالتالي لطبيعة النخب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي نشأت في براثن هذه الظروف، حيث نمت وتطورت بما يتلاءم مع المصلحة العامة للاستعمار وليست نتيجة المتطلبات والمصالح الوطنية المحلية، باعتبار أن نشوء هذه النخب لم يكن طبيعياً دون تأثير خارجي، هذه الفئات الاجتماعية ستلعب دوراً كبيراً بجانب عوامل أخرى في تشكيل المدينة وتطبيق المشاريع التي تتطابق مع السوق الخارجية للدولة المستعمرة، لا الدولة الناشئة، وتم ربط تلك النخب خصوصاً التجارية كمنفذ للمشاريع والاستثمار الاستعماري داخل البلد المحلي(فحالتي الاستعمار البريطاني والفرنسي في المشرق العربي برهاناً على ذلك).
فلعب الاستعمار دورا في تشكيل المدينة، فتجربة بيروت ما زالت حاضرة بالذهن، حيث لعب الاستعمار فيها الدور التدميري وقتل المدينة والفضاء الاجتماعي، وفي المقابل نجد أن المستعمر لعب دوراً في بناء المدينة على النموذج والصورة الغربية كما هو الحال في حالة المغرب العربي، وفي جنوب أفريقيا ومناطق أخرى، ونظام الغيتوهات والتمييز العنصري والتي ما زالت آثارها وسياستها قائمة حتى اللحظة.
فعلى سبيل المثال لا الحصر: اتسمت سياسة الاستعمار الفرنسي على وجه الخصوص بوضع مخطط للسيطرة على مقدرات المغرب ، حيث طبق سياسية ذو وجهين :الأول : مغرب تقليدي يحافظ على الفضاء الاجتماعي التقليدي والأحياء الخاصة ، وفيه يحافظ على التقليد والصناعات التقليدية والتراثية للمدينة من اجل القطاع السياحي، والثاني : مغرب عصري في مناخات خاصة على النموذج الأوروبي يتوفر فيه الصناعات الحديثة ليس على الصعيد الإنتاجي وإنما على الصعيد الاستهلاكي من خلال الاستيراد من فرنسا باعتبارها عملية تحديث .
هذه التشكيلة المشوهة، أدت إلى تشوه طبيعة وشكل المدن والعلاقات الاجتماعية فيها، وبانتقال الشريحة التجارية تلك" أو الكمبرادور حسب تعبير الجابري(1990) " من الريف إلى المدن وارتباطها بالاستعمار أثر على طبيعة الإنتاج الاقتصادي والذي كان مبني على أساس استهلاكي في الدول المستعمرة(بفتح العين)، لا على أساس إنتاجي من جهة، وإنما على أساس ترسيخ البنى الثقافية التقليدية والمشوهة، وهيمنتها على الأجواء المدنية التي ستنشىء لاحقا بحكم ارتباطاتها التجارية والثقافية بالدول المستعمرة من جهة والدول الأخرى التي تربطها علاقات مع الدولة التي كانت محتلة، وهذا الجانب ما يفسر نشوء وتطور المدن الساحلية( كما هو الحال في بيروت، اللاذقية، ويافا) ومركزيتها في التاريخ المعاصر، حيث كانت أكثر انفتاحاً وتحضراً- من حيث السرعة- من المدن الأخرى التجارية.نتيجة تدخل الاستعمار واستخدامها في التجارة من خلال الموانئ والسكك الحديدية (الكاتب محمد مراد).
أما فيما يتعلق بقتل المدينة حيث يظهر لنا ملياً من خلال الأحداث الجارية في العراق ومحاولة تدمير جميع المؤسسات والبنى التحتية والاقتصادية للبلد " وخصوصاً بغداد" للعمل على إعادة تشكيل المدينة ومرافقها الحيوية بصورة تخدم الاستعمار الأمريكي، وبحث أحمد وزميلته حول جنين يتطرق إلى عملية قتل المدينة من خلال تدمير مخيم اللاجئين وتغيير معالم المخيم وبالتالي عملية تغيير الواقع والعلاقات الاجتماعية فيه وبالتالي تشكل علاقات اجتماعية أخرى مختلفة عن السابق نتيجة التغيير في الزمان والمكان والفضاء الاجتماعي.
وفيما يتعلق بواقعنا الفلسطيني فقد عمل الاحتلال على محاصرة المدن العربية وتطويقها وتقويض تطورها وقتل الحيز العام الذي تحتله المدينة في حياة المجتمع الفلسطيني، فمثلا القدس تم احتواءها من قبل السلطات الاحتلالية عبر قوانين الطوارئ وسياسات مارستها من خلال الجدار العنصري والذي سيشكل سوراً وعازلاً نفسياً ، بحيث ستطرح المسألة باعتبار من يسكن داخل الجدار وخارجه.
ينسجم في الرؤية هذه سياسات بلدية القدس والتي ترجمت إلى معيقات حدت من تطور المدينة وهروب السكان والتجار منها، نتيجة الاغلاقات والضرائب الباهظة، إضافة إلى الذرائع التي تتخذها في وجه من يطلب رخص البناء، وبجانب ذلك كله سياسة هدم المنازل ، كل ذلك أدى إلى تفريغ المدينة من السكان.
ويدعم حديثنا أيضا واقع مدينة الخليل بفلسطين والتي عمل الاحتلال على تقسيمها إلى منطقتين H1 و H2 فالأخيرة تشهد مضايقات وسياسة تهدف إلى تفريغ السكان من البلدة القديمة من خلال منع التجول والإغلاقات ومضايقات المستوطنين للسكان الأصليين، وبهذا يبقى الفقراء والشرائح البسيطة في المدينة القديمة ويصبغ الحيز العام بثقافة الفقر والهامشية .
الطوائف والأقليات: بجانب شريحة البرجوازية الصغيرة، عمل الاستعمار على خلق شريحة قائمة على تفكيك أواصر المجتمع/ من حيث تجزئة المصالح الوطنية لحساب الدولة المستعمرة، فالاستعمار من جهة والبعثات التبشيرية والاستشراق، في الوطن العربي تقاطعت مصالحها مع العبث بالقضايا الطائفية لخلق وطأة قدم لها بعد الانسحاب مادياً من الدولة المستعمرة، كما هو الحال في العراق وسوريا ولبنان، فقامت بحكم البعثات التبشيرية والتي كانت تخدم مصالح الغرب في العالم العربي على خلق طبقات وشرائح كمبرادورية قائمة على البعد الطائفي " المسيحية واليهودية"، الذين كانوا وبحكم الانفتاح الغربي والبعثات التبشيرية يتقنون لغة المستعمر ولغات أخرى، هذه الشريحة استطاعت بحكم الدعم المباشر من الاستعمار أن تتحكم بالتجارة الخارجية مما يعني التحكم في سياسات البلد وتشكيل المدن بصورة تتقاطع مع توجهها ونظرتها إلى ذاتها وللآخرين، هذا التميز على المستوى الديني والذي دفع به هؤلاء والمستعمر أيضاً أدى إلى تمييز على الصعيد الاجتماعي وحتى الفضاء الاجتماعي الذي تحتله الطائفة، فأنشأت كيانات جديدة وحارات داخل المدن تتسم بطابع طائفي، وهنا في هذا الباب يتقاطع كلاً من سليم تماري ومحمد مراد نبيل بيهم: أثر الطوائف في تشكيل المدن، فانقسمت المدن إلى عدة حارات كما هو الحال في القدس، بيت لحم، العراق وسوريا، وعرفت الأحياء فيما بعد بحارة اليهود، أو النصارى أو المسلمين، هذا المسمى لم يكن يعرف قبل الاستعمار خصوصاً بمدينة القدس.
بجانب الاستعمار، كما سبق وأن ذكرنا كانت الطبقات البرجوازية الصغيرة والمرتبطة بالمستعمر، تلعب الدور نفسه في قتل المدينة وإعادة تشكيلها على نموذج المدينة الغربية، حيث نشأت هذه الشريحة في براثن الاستعمار ونفذت وكبرت، وعملت في خدمته حتى بعد خروج المستعمر، وحالة لبنان، والجزائر حاضرتين دائماً، فالأولى دمرت وأعيد احيائها من منطلق استثماري استهلاكي يهدف إلى خدمة شريحة محددة لا المجتمع وهذا ما سماه نبيل بيهم بثقافة البراغيث في لبنان، وثقافة المقهور الذي يتماهى بقاهرية والذي سماه فرانتز فانون حينما طبقت أول المشاريع في الجزائر "تمثلت ببناء الفنادق السياحية.....ألخ" من أجل خدمة المستعمر وجلبه إلى البلد، وليس من منطلق احتياجات وأولويات وطنية.
الدولة وسياستها: تلعب الدولة والسلطة بالمعنى السوسيولوجي دوراً مهماً وحيوياً في عملية مركزة وإنشاء المدن أو تهميشها وتدميرها . فمن المدن التي لعبت الدولة فيها ( من خلال النخب السياسية بالطبع) مدينة القاهرة، فتستعرض فرحة غنام عملية نقل سكان بولاق إلى المساكن الشعبية والتي ساهمت الدولة بدور ظاهر وخفي فيما يتعلق بخطابها من أجل ترغيب الأحياء الفقيرة والمهمشة للحفاظ على شكل المدينة وإبرازها بما تراه النخب السياسية. هذه العملية هي عملية إعادة توزيع وتشكيل المدينة بما يتوافق مع علاقات القوى الداخلية" البرجوازية المحلية" والسوق العالمية، بحيث يتم العمل فيه على تشكيل المدن لا على أساس احتياجات المدينة وسكانها، وهذا ما ينطبق على مشروع العبدلي في عمان، هذا المشروع : هو جديد في سياسات البلد القائمة على المشروع الغربي في فهمها وتصويرها لشكل وطبيعة المدينة وكيفية ظهورها وإبراز المعالم التي يراد لها أن تكون واضحة ومرئية، قرية عنيزة وتحولها إلى مدينة نتيجة مشاريع التطوير من قبل الدولة مثل آخر في تشكيل المدن.
فسياسة الانفتاح(كما وردت في مقال غنام) في عهد السادات وخطابه التحديثي عمل على تحفيز السكان من مواقع سكناهم وتوطنيهم في مساكن، وهنا نرى كيف ان الدولة استخدمت الخطاب التحديثي والذي يستند إلى الخصوصية والفردانية والأسرة النووية ، لاقى هذا الخطاب أذناً صاغية له.
وما ينطبق على الحالة المصرية ينطبق على مشروع التطوير في ام الطبب ، والتي عملت فيه الدولة على رسم جديد وهندسة اجتماعية جديدة وما هو مراد لهذه المنطقة أن تكون . وأيضا مشروع العبدلي والذي سيعمل على خصخصة الحيز العام مما يعزز النزعة الاستهلاكية لدى المواطنين . ومثال عنيزة مثل آخر في لعب الدور التحديثي من قبل الدولة في فتح الشوارع ومد الكهرباء وبناء المستشفيات ، وتكاملت الدائرة من خلال مساهمة السكان المحليين في ذلك. العراق حالة خاصة في هذا السياق حسب محمد الحجيري، حيث أن نظام البعث والذي شكل قطيعة لروح المدينة قبل صدام والتي اتسمت بعمل المؤسسات والشرائح المتوسطة في صياغة روح المدينة من خلال القهاوي..كتعبير رومانسي عن الحداثة وفاعلية المؤسسات والطبقات المتوسطة التي شهدتها بغداد قبل نظام البعث، أما بعد قدوم صدام حسين واستلامه الحكم فقد تم شخصنة الحيز العام في المدينة من خلال التماثيل العملاقة والبنايات الحكومية الضخمة مما شكل عملية قتل واقتحام الدولة للحيز العام ورسمها على صورتها
ولدينا مثل آخر في فلسطين هي رام الله، حيث عملت السلطة على مركزة وتجميع المؤسسات الحكومية والغير حكومية في مدينة رام الله وبحكم هذه العملية أصبحت رام الله نموذجاً ومركزاً للضفة.
أما الدور التدميري الذي قد تلعبه الدولة المحلية نتيجة غيابها قد يؤدي إلى تدمير المدينة وقتلها إذا لم يكن لها دوراً خصوصاً بمرحلة الحروب والاقتتال الداخلي، فغياب الدولة وأجهزتها تؤدي إلى بروز شرائح وفئات جديدة تقوم بتشكيل المدينة والمليشيات المسلحة مثل آخر يدعم حديثنا كما هو الحال في بيروت. فمظاهر كثيرة استطاعت الدولة بحكم السياسات التي تفرضها أن تصيغ وضع ومناخ اجتماعي معين، كإغلاق القهاوي، والمرافق العامة ونقل الاحياء والاسواق... كلها ساهمت في تغيير وتشكيل طابع المدينة عبر سياستها وبرامجها ومشاريعها.
الطبقة البرجوازية ونظام العولمة: تتبنى هذه الطبقة مشروعاً عالمياً متأثراً بثقافة العولمة – والتي يرجع جزءاً كبيرأ من هذا الارتباط والتمفصل مع الدولة المستعمرة سابقاً-هذه الطبقة لا تملك وطناً وإنما رأسمال على الطريقة الميكافيلية ، وهنا يبرر خطابها وتماهيها بالمشاريع على الطراز الغربي، حيث انها لا تملك خطاباً وطنياً بالمعنى الحقيقي- فهي تستخدم مفاهيم وطنية من أجل شرعنة مشاريعها- يهمها المال لا الاجتياجات المجتمعية والمتطلبات الحيوية للوطن والدولة التي يعيشون بها، وهذا يعكس بالجوهر خطابها المتساوق مع الخطاب التحديثي العمراني المتاثر بخطاب السوق العالمية والعولمة .
في هذا المجال يطرح كلاً من بيهم، وشرارة، وادونيس، وآخرون ..، مداولات وتحليلات عن الدور التدميري التي تلعبه هذه الشريحة ، ويتجلى بيهم وشرارة بارتباط المشاريع العمرانية مع المصالح الخارجية والتي لا تلاؤم الذوق العام ولا الحاجة المجتمعية لمدينة بيروت .
هذه الطبقة اهتمت كما ذكرنا بتكديس الأموال والسعي وراءها عبر مشاريع ونماذج غربية ونماذج للدول النفطية والتي لا تلاؤم الحالة اللبنانية واولوياتها. وهنا تشهد تطبيق المشاريع معناً تسويقياً للمدينة وتهميش الحيز العام لسكان المدينة ، بل ويتعدى الأمر إلى هدم منازل بادعاء أنها تهدد السلامة العامة ، من اجل بناء المدن الاستهلاكية الهادفة إلى خصخصة الحيز العام، فالجسور... والجزيرة،،، وشركة سوليدير تعبر عن ثقافة العولمة الهادفة إلى تسويق المدينة .
الطبقة المتوسطة: غياب هذه الطبقة ووجودها يؤثر على تشكيل المدينة المعاصرة، فمع أن هشام شرابي، وحليم بركات وآخرون يؤكدون غياب هذه الطبقة عن مسرح تشكيل المدينة العربية المعاصرة وهذا ما يؤكده فلم بيروت الغربية، إلا أن سليم تماري يؤكد دور هذه الطبقة في عملية تشكيل الأجواء والمناخات الاجتماعية والنقلة التحديثية التي لعبتها في الانتقال إلى خارج المدينة وتبني خطاباً حداثياً تمثل وتجلى بالسينما والمطابع وتقبل الآخر في مدينة القدس، والتي لعبت فيه هذه الشريحة دوراً مهماً في مطلع القرن العشرين.
يتقاطع هذا الطرح مع بحث الدكتورة ليزا تراكي حول الدور التحديثي للطبقة المتوسطة في رام الله، والتي أدت عملية الحراك والهجرة الى تغيير معالم المدينة، وبجانب ذلك تجديد وطرح ثقافة نخبوية تلامس الذوق المتصور والمخيال لهذه النخبة والتي تزامنت مع متطلبات جديدة كانت تفرضها الأذواق العامة لتلك الشريحة خصوصاً بعد اتفاقية أوسلو .
يتفق في هذا الباب مع المعطيات التي قدمها بشار، حول دور هذه الطبقة في مرحلة الاحتلال الأمريكي للعراق، وعن عملية مساهمتها في إعادة استدعاء مظاهر قديمة ألغيت من قبل نظام حزب البعث وعملوا على إحياءها، مثل القهاوي والنوادي، ومظاهر رمزية جديدة كما هو الحال لتمثال أبي النواس...الخ، في حين يرى الحجيري غياب هذه الطبقة في مرحلة صدام . الهامشين : يلعب الهامشيون دوراً كبيراً في تشكيل وتوزيع المباني العشوائية في المدينة، كما هي في حارة السكرية، وخان الخليلي ، والبلدة القديمة في القدس حيث تتكدس أرقاما هائلة في بقع جغرافية داخل المدينة وخارجها وكل أطرافها لتشكل المدينة بصورة متناثرة بعيدة عن التنظيم والرسم، كما هي الحال في مدن الصفيح، وفقراء المدن.
يتفق كلاً من سهيل التل وثروت اسحق حول دور الهجرة الوافدة إلى المدينة واثرها على الاكتظاظ السكاني في المدن وتبعثر التجمعات السكنية ، هذا بدوره أدى أدى إلى تفشي ظاهرة البناء العشوائي وتزايد احياء الصفيح التي تطوق المدن.
هذه الأرقام الهائلة والمتنامية شكلت دوراً مهماً في تشكيل المدينة وشكلها العمراني وامتدادها المبعثر والغير منتظم ، انتشرت في تلك الاحياء الفقيرة الدعارة والادمان ..الخ، والتي صبغت احياء المدينة وحيزها العام والخاص لتلك الشريحة بثقافة سكانها .
ينسجم في هذا المجال بحث منذر والذي يرى فيه ان الجريمة سمة مرافقة للمدينة العربية ، والتي يكون مصدرها تلك الأحياء الفقيرة .هذه الفئات تشكل خطراً على امن المدينة واستقرارها ، ظاهرة عمالة الاطفال مثلاً آخر تحدث فيها زميلنا هي شكل آخر من قاع المدينة اصبح يسيطر على الأحياء والمرافق العامة في المدينة العربية .
ويتخوف كثيراً من هذه الفئات والشرائح مما تشكله من تهديد سياسي للسلطة، وبالتالي كانت هنالك محاولات كثيرة لتفريغ تلك المساكن من سكانها ونقلهم إلى أطراف أخرى من أجل السيطرة من جهة وغض النظر عنهم من جهة أخرى. فغياب الدول كما سبق وأن ذكرنا: يعطي المجال إلى ظهور فئات جديدة تصوغ وتحكم وتشكل المدينة وبالتالي تشكل العلاقات والفضاءات الاجتماعية، كما حدث في بيروت وما لعبته المليشيات في تشكيل المدينة.
المدينة... الصراع على الحيز العام يتجلى الصراع على الحيز العام في المدينة العربية المعاصرة بصور مختلفة ومستويات متباينة، فالحيز العام كما نعلم هو المجال العام الذي يتفاعل به الفاعلين الاجتماعيين وتنسج من خلاله علاقات اجتماعية وسياسية واقتصادية ، توظف هذه العلاقات في الفضاء الاجتماعي في المدينة بفعل الأفراد ، وقد يكون الصراع بشكل خفي، أو ظاهر_ فردي او جماعي .
تتعدد مستويات الصراع في المدينة العربية حول الحيز العام وتأخذ أشكالاً عدة : • الصراع ما بين الدولة والمؤسسات الاجتماعية . • مابين العائلات والطوائف وعلاقات القوى في المجتمع. • ما بين الرجل والمرأة .
الدولة والسكان: بعد استقلال الدولة العربية ،والتي أورثها نظام المستعمر نظاما ادارياً متخلف وتشكيلة اقتصادية مشوهة، كما هو الحال في دول مثل الجزائر والمغرب ومصر ...، كنظام يفصل الدولة ما بين المستعمر والسكان الاصليين وحيزهم الخاص كما هو الحال في المغرب العربي ، وفيما بعد الاستقلال عمدت الدولة على تفتيت وتمزيق الحيز العام للمدينة : فمثلاً من المعالم التي قضي عليها في مصر ولبنان والعراق ظاهرة الحيز العام من خلال اغلاق المقاهي من قبل الدولة باعتبار أن الحيز العام قد يستثمر في التاطير السياسي والفعل النضالي، هنا الصراع يتمثل حول التراث والتجديد حول هوية المدينة والحيز العام الذي ينشط فيه المواطنون .
في مدن الصفيح والهامشيين، ابعدوا وقتلوا واعدموا روادها ونقلت وابيدت تجمعات كثيرة " حالة التركمان والأكراد في العراق" ، واصبح الواقع مفروضاً عليهم، وتلعب القهاوي كما ذكرنا فعلا ثوريا وتأطيرياً في التاريخ العربي ونتيجة اقتصار هذا الحيز العام على الذكور ، فالصراع ما بين الدولة واحتواء الحيز العام اقتصر على الرجال فقط.
ومثل آخر : هو ظاهرة المهمشين الذين احتلوا مكاناً لهم ، فحين حاولت الدولة اخلاء السكان من هذا الحيز العام ، رفض الفقراء وقاوموا ، مشاريع نقل السكان والتوطين "كما ذكرت كلا من غنام وشامي " مثل آخر على محاولة الدولة لإخلاء الحيز العام لهؤلاء ، ويتم الصراع هنا بصورة خفية ، حيث رفضت النساء الانصياع إلى الأوامر والقوانين فصاغوا الحيز العام بناءً على احتياجاتهم كما هو الحال في " مصر، لبنان ، عمان مشروع أم الطبب "
خصخصة الحيز العام قضية مفصلية ينوه لها نبيل بيهم ، الذي ينتقد المشاريع العملاقة من خلال بناء الطرق السريعة،والتي هي ليس للمواصلات العامة، وتصوير بيروت كمركز للاتصالات العالمية وشبكة من العلاقات المعقدة لا يستخدمها السكان .
مشروع الجزيرة ، وشركة سوليديير ، كشركة معولمة غربية اجنبية متعاقدة مع راسمال محلي يهدف إلى خصخصة الحيز العام واستخدامه من قبل الطبقات المقتدرة والقادرة على استخدامه ، عزل هذا المكان وخصخصته لطبقة معينة ، هنا الصراع يتجلى على صورة هوية ثقافية حول المدينة كما هو الحال في بيروت(وبغداد كما في مقالة الحجيري بنوع ما) ، فيشكل الصراع حول هوية المدينة تراثياً وثقافياً وتاريخياً واجتماعياً" مثل الجدل بين المفكرين والشعراء حول بيروت" فالصراع هنا يتصور ما بين الحداثة التي تتبناها الرأسمال الأوروبي ويساندها المحلي من جهة والجهات المثقفة والمؤسسات والأفراد الذين استثنوا من إبداء الرأي حول طبيعة وشكل البناءات ذات الطابع الأوروبي ، في هذا المقام خرجت دعوات وهي تعبير عن صراع يدعوا إلى الحفاظ على التراث والحيز العام في المدينة حيث أن المشاريع لم تراعي الاحتياجات الاجتماعية والسياسية والمتطلبات الثقافية للأفراد والمؤسسات بقدر ما تساوقت مع الخطاب الاستهلاكي للسوق العالمية ، هذا الصراع عبر عنه بتساؤل لماذا يقتلون المدن ؟؟.
هذه الشريحة الحديثة ، نمت وبرزت اثر الحرب ، وساهمت بدور أساسي في عملية اعمار بيروت، هنا تتقاطع فكرة الهدم وإعادة الإعمار الاستثماري، حيث أن الهدم تم بصورة مبرمجة بحيث يتم اعمارها بصورة تتفق لرؤية وخيال العاملين في شركات الاعمار" مثل سوليدير" والذين يهدفوا إلى خصخصة الحيز العام من خلال إنشاء مناطق مسيجة وأسوار وجزر ، تلك تلعب دورا في قتل الحيز العام .
الحيز العام للرجال والخاص للنساء: هذا المقولة التقليدية والتي تثبت عالم الذكور وتنسبها للحيز العام والخاص للنساء ، تم نقدها ، وتم تبيان الصراع الجاري من حيث اختراق الحيز العام من قبل النساء ، تجلى من خلال نزول المرأة إلى التسوق والعمل وحتى التفاوض مع جهات رسمية من الدولة ، الصراع هنا يتجلى على أساس إعادة إنتاج علاقات القوة من خلال التغيرات الاجتماعية والعمرانية والاقتصادية التي تشهدها المدن العربية، بغض النظر كانت علاقات القوى تلك داخل الأسرة أو خارجها ، فالصراع هنا يتمحور حول الهيمنة التي يمارسها الرجال من خلال تقييد الحيز الاجتماعي للنساء والشباب والأطفال ، ومع ذلك يتم اقتحام الحيز العام من قبل النساء والشباب عبر تكتيكات واستراتيجيات تستخدمها النساء " كظاهرة الحجاب والذي هو تعبير عن احتجاج سياسي واقتصادي هادئ، ورفض النسوة ومحاولتهم التفاوض مع الدولة في مشروع أم الطبب" لتحيير الحيز الخاص في اقتحام الحيز العام، بمعنى أن النسوة يستخدمن رموز خاصة ومرتبة بحيزهن الخاص مثل الأسلحة الأنوثية من التوسل والتفاوض ولعب دور الحريص والأم في تفاوضها مع المهندسين ورجال الدولة ذات العلاقة بالمشروع، ومقاومة ورفض كما هو الحال في سكان بولاق وتحويل الحيز العام الكرودورهات والمنتزهات واستخدامه كحيز خاص للنساء. هذه العمليات التي تستخدمها النساء دليل على مدى الصراع الدائر والذي ينفي استقلالية العام عن الخاص ، وإنما يدل على التداخل والذي يعني الصراع بصور مختلفة ، قد تكون ظاهرة أو خفية. وحين يتم الحديث عن الصراع ما بين الرجل والمرأة على الحيز العام ، فالرجال يحاولوا دائما السيطرة على زوجاتهم ونساءهم ووضع حدود وقيود لاستخدام النساء له، فرحة غنام وشامي ترى الصراع دائم ومستمر لوضع الحدود للنساء والاطفال والشباب، حيث ان الحيز العام يعني المعرفة والمعرفة حسب فوكو يعني القوة ، والصراع هنا يكون حول المعرفة فالنساء تسعى لتوسيع معرفتهم من خلال اقتحامهم للحيز العام عبر التسوق والعمل والمشي في الشوارع... كل هذه المشاريع يكمن وراءها الرفض للحداثة بالصورة الغربية والتي تنتهك فيه الحيز العام والخاص للإفراد، فبالرغم من قبول السكان الخطاب الحداثي"حالة مصر من خلال نقل سكان بولاق " إلا أنهم مارسوا في مسلكياتهم كما أن الحال لم يتغير، وفي حالة لبنان طالبوا باستخدام الحداثة بما يتلاءم مع الحفاظ على التراث والمتناغم مع احتياجات السكان كما وضح لنا بيهم في دراسته.
مداخل نظرية للتحليل تتعدد الأطر التحليلية ومداخلها النظرية في فهم السياق العام للعلاقات داخل المدينة بالمفهوم السوسيولوجي، وبالتالي تفرز هذه التنوعات مداخل نظرية متغايرة في بعض الأحيان ومتصادمة في أحيان أخرى، وهذا ما يتقاطع به كلاً من شامي، غنام، ماكليود، شرارة.
فبالرغم من أن القضايا متناثرة ولكنها تتجاذب حينما تتطرق لمواضيع تتناقل من الحيز العام والحيز الخاص لأفراد المجتمع، وتركيبة العائلة في الفضاء الاجتماعي، والتغيرات التي أصابتها نتيجة العوامل المتغيرة من السكن والوضع المعيشي، وبهذا تبرز ظاهرة جامعة بين الأطراف حول :1- الحداثة في مقابل التقليد. 2- الحيز العام في مقابل الحيز الخاص. في نقد هذه الاطروحات يتفق جميع من ذكر اسمه بصورة مباشرة، أو غير مباشرة، ضمنياً وعملياً تقوم على نقد اطروحات متشابهة للأطر التحليلية والمداخل النظرية في فهم واقع المدينة العربية المعاصرة وطبيعتها وعلاقات القوى والتركيبات فيها، فمن هنا تتصدى دراساتهم للأطر والنظريات الغربية والتي تصر على التمسك بالصورة التقليدية عن الواقع العربي وطبيعة الثقافة المهيمنة عليها، رغم التحولات والوقائع التي تقوم على تنفيذ منطلقاتهم " النظريات الغربية" فتعدد الأطر التحليلية في هذا المجال إلى: 1- المدخل الماركسي: تختزل الماركسية في فهمها للعلاقات الاجتماعية وفعالية الأفراد " والمغيبة" بالواقع " بالبنية التحتية" بمعنى كونها بنيوية فإنها تركز على الجانب الاقتصادي وانعكاس البنية الفوقية لهذه التشكيلة الاقتصادية، وهذا ما تتصدى له الدراسات السابقة، فمثلاً، الواقع الاقتصادي المتخلف من وجهة نظر ماركسية تؤدي إلى طبيعة علاقات اجتماعية متخلفة. 2- المدخل الاستشراقي: تعتمد الأطروحة الاستشراقية إلى مقولة مفادها أن الثقافة العربية هي ثقافة متخلفة قائمة على الفصل ما بين الجنسين والفصل ما بين العام الخاص..الخ، وبالتالي هذه الثقافة المتخلفة حسب توجههم تنتج علاقات اجتماعية أسرية واجتماعية وسياسية متخلفة، وهذه الفرضية تتقاطع مع المدخل الثقافي، والذي يرى أن هنالك ثقافة متخلفة لا بد لها من التخلص من علاقاتها وتشكيلاتها الاجتماعية والثقافية من أجل التطور. 3- مدخل الحداثة: مدخل الحداثة يتكثف في مقولة تقوم على أنه لا بد من الإتباع للطريقة والنموذج الأوروبي في التطور، وذلك لتكسير الضوابط والقيم والعادات التقليدية وبناء علاقات ونظم تقدمية، وبالتالي يعد هذا المدخل الإسلام وهو المكون الثقافي للدولة العربية المعاصرة الرئيسي، ويرجع تخلف المدينة إلى ذلك، وبالتالي التعامل مع المرأة بدونية وتقييدها في الحيز الخاص.
وبهذا هنالك حالة إجماع ما بين الأربعة، على أن تلك المداخل هي غير صالحة في فهم المداخل النظرية المتعلقة بموضوعية الحيز العام والحيز الخاص وتفهم خصوصية المدن العربية وثقافتها الإسلامية كأحد أسسها ، والتي تصر على الفصل ما بين عالم الرجال والنساء، عالم الخاص وعالم العامة، عالم التحضر وعالم التخلف من وجهة نظرة نمطية، ونظراً لتركيز جميع المداخل سابقة الذكر على قضايا في البنية التحتية والفوقية كلاً على حدا، ونتيجة إغفال تلك المداخل لدور الفاعلين الاجتماعيين في الحياة المعاشة، فإنهن عجزن عن تفسير الحراك الظاهر والخفي للفاعلين الاجتماعيين والذين يختبرون حالات عدة منها التمرد والثورة وبالمقابل الإدمان والانصياع، فتهتم تلك المداخل بتشويه الصورة الحقيقية للواقع المعاشي وتزييف الوعي .
فرحة غنام، تنتقد الحداثة التي ترى أن سمات الحداثة ستؤدي إلى تغييرات في البنى الاجتماعية والثقافية والعلاقات للأفراد وبالتالي الفضاء الاجتماعي، فعملية نقل السكان من بولاق إلى منطقة أخرى سيقود حتماً إلى تغيير في العلاقات الاجتماعية والحيز الخاص والعام لديهم، ووضع لهم نماذج للأسرة " النووية" كسياسة سوف يتم تحرير الحداثة ومشروعها من خلالها، ففصلهم عن المساكن القديمة، سوف يخلق نوع معين من الحياة، تصدت غنام لهذه المقولة من خلال الاعتماد على منهج متأثر لفوكو: والذي يتركز على مفهوم الضبط والمراقبة والتهذيب، وهندسة المكان بصورة اجتماعية، حيث أنه من خلال الانتقال لم يتم عملية التغيير هذه، حيث أعيد إنتاج العادات القديمة في الأحياء الجديدة، فاستخدمت الكرودورهات كحيز خاص للنساء، باستخدام جديد للحيز الجديد، فتم تعريف الحيز واستخدامه بناءً على حاجاتهم الاجتماعية، فحتى لو أنهم كانوا مؤمنين بالخطاب السياسي إلا أنه تصرفاتهم كانت مختلفة ولا تتوافق مع الخطاب.
أما فيما يتعلق بموضوعية النقل، وهدفها فكانت تهدف إلى التخلص من الأحياء الفقيرة، وما تشكله من تهديد سياسي يصعب السيطرة عليه إلى مواقع سكنية وشوارع تسهل عملية الضبط والمراقبة فيها وبهذا تكون فرحة غنام قد ركزت على أن سكان المنطقة ليسوا مقلقين وسلبيين، فقاموا بصورة غير مباشرة من خلال تحويل الحيز الاجتماعي بما يتلاءم مع احتياجاتهم.
وفيما يتعلق بالاستراتيجيات كالتكييف مع الوضع والمقاومة، فإنها تعتمد على أطروحة بورديو، حيث أن الشرائح المتعلمة غيرت من وضعها، أما الشرائح التي لا تملك التعليم والقيم تحولت إلى أحياء فقر ولم يطرأ تغيير في وضعهم حتى بانتقالهم من مواقع سكناهم .
أما فيما يتعلق بوضاح شرارة فهو ينقد أيضاً نظرية الحداثة والتي تنظر أن الانتقال إلى الحداثة سيقود إلى تغيير في العلاقات الاجتماعية" كالقرابة ودورها" ومن جانب آخر الانتماء الإسلامي العقائدي سيتلاشى، فهو يطرح كالتالي: أن الانتماء الإسلامي استمر وشكل نوعاً من التضامن والتكافل الاجتماعي ولكن بصورة مدنية مطلقاً عليه الإسلام الإسلامي، إضافة إلى الحيز العام الذي افتقدت إليه بيروت شكل الإسلام الإسلامي الحيز العام الذي تنتهي فيه الفوارق الطبقية والعائلية، يتزامن ذلك مع قتل الحيز العام ببيروت وخصخصة المكان والحيز العام. فالإسلام الإسلامي والذي يختلف عن الإسلام السياسي بمدى تداخله في مفهوم الحيز العام والخاص، حيث اعتبر وضاح أن المدينة هي المسرح الذي يوفر البديل عن الانغلاق الطائفي والطبقي الموجود.في ظل غياب حيز مشترك، لأن الأحياء مغلقة وشكل الإسلام الإسلامي المصدر الوحيد ليكون الحيز العام " على شكل مسجد" كمنبر عام وحيز عام وموقع للنشاطات العامة مقابل الخاص.
وما ينطبق على الإسلام الإسلامي، ينطبق على الروابط العائلية والتي تحولت ولكنها لم ينتهي وإنما شكلت روابط قديمة جديدة متكيفة مع الظروف الجديدة، وحتى مع الانتقال في الزمان والمكان للأقارب.
في مقابل غنام وشرارة، تقدم أرلين ماكليود و شامي أطروحة جديدة للفهم التقليدي للحيز العام والخاص، هذه النمطية على أن الحيز العام هو ملك الرجال في العمل، والحيز الخاص للنساء في البيت، ومن أجل إثبات أطروحتها تقدم لنا ماكليود أطروحة تعتمد على 3 منظرين/" روسو، فوكو، غرامشي" والذين يتقاطعوا حول علاقات القوى نتيجة التطور والصراع الناشىء، فاعتبرت الحجاب هو رد تكيفي يعكس الرفض والاحتجاج الهادىء كتعبير عن مقاومة سياسية داخل الأسرة والمجتمع، لإعادة توزيع ميزان القوى والهيمنة، هذا الاحتجاج يتضمن برغماتية باعتبار ان الحجاب نوع من الحماية ورد اعتبار لصورتها وهويتها الآخذة بالتغيير نتيجة التطورات أيضاً اعتبرته رفض طبقي حيث أن الثوب يعبر عن حراك اجتماعي يزيل الفوارق الطبقية.
تنطلق ماكليود وغنام، من افتراض مفاده أن سيطرة الرجل ليست سيطرة كاملة، حيث يكسروا الهوة ما بين العام والخاص، باعتبار الحالات التي تم دراستهن تثبت تداخل العام مع الخاص والعكس صحيح" كالعمل والتسوق وتدبير المنزل وميزان القوى بداخله" تم التركيز هنا في هذا المجال على فعل وممارسات الأفراد كفاعلين ذوي تأثير، حيث أن الواقع ليس معطى وإنما مشكل من قبل الأفراد، فمثلاً حالة تجيير الخاص في اختراق الحيز العام عند ماكليود يوضح كسر الهوة تلك من خلال علاقة النساء واحتكاكهن مع الدولة والمهندسين. ستنيه شامي تتفق مع ماكليود حول كسر الهوة ما بين الخاص والعام ، ويتمثل ذلك من خلال دعوتها إلى مزيد من الاهتمام في المجال البيتي خصوصاً انه لم يحظى إلا بقدر ضئيل في الثقافات المختلفة، ويمثل هذا في الحالة العربية ومنطقة أم الطبب التي درستها الباحثة وتبين دور المرأة على الصعيد الاسري وخارج المنزل أيضا من خلال التفاوض مع المندسين، فبالتالي استطاعت النساء توسيع المجال البيتي ليصل العام، ويصبح المجال البيتي عند شامي وغنام مجالاً سياسياً تلعب فيه لعبة القوة وإعادة توزيعها. وبشكل عام يتقاطع الجميع حول البديل الذي يدعو إلى عدم وجود حيز عام وحيز خاص، والعلاقات والقضايا والإشكال الثقافية ليست ثابتة وإنما تتغير وتتبدل بناءً على احتياجات الأفراد ذاتهم، وضرورات الواقع والتطور الذي يختبره الأفراد أنفسهم الفاعلين الاجتماعيين.
هذه المداخل النظرية التي تم نقدها تتقاطع مع التوجه الجديد للدراسات التي تتفهم الظروف والواقع الاجتماعي للواقع العربي لهي أفضل البدائل القادرة على معرفة وتفسير مناشط الحياة والحراك الاجتماعي بناءً على فهم وتفسير وحاجات الأفراد أنفسهم ، لا ضمن نماذج غربية تقوم على تسطيح الظواهر الاجتماعية في الدولة العربية ومقارنتها مع النموذج الأوروبي الذي لا يرى بديلاً سوى نفسه ، باعتقادي أن الباحثين قد وفقوا في نقدهم وتقديمهم للبدائل النابعة من البيئة الاجتماعية التي يختبرونها ، ويتقاطع الباحثين وأنا شخصياً حول نتائج دراسة د. جانيت ابو لغد(1986) التي انتقدت الدراسات الغربية في فهما للمدينة العربية ، باعتبار أن منهج الغربي في دراسة المدن ليس إسنادي ، بمعنى يعتمد على عدد قليل في دراسة مدن قلة وتعمم النتائج ، إضافة إلى ان المستشرقين ما زالوا يصرون على التمسك بأن جوهر الاسلام ثابت لا تاريخي " وهذا ما ينتقده وضاح شرارة ويقدم بديلا له بالإسلام الإسلامي" وأن الدراسات الغربية متأثرة بالنموذج الفيبري والذي يفترض أن المدن الآسيوية تفتقد إلى الادارة والتعاون والفعل الاجتماعي " وهذا ما تنقده ايضا غنام .
مراجع مهمة:
ابو لغد، جانييت(1986).التحضر والتغيير الاجتماعي في العالم العربي، مجلة الفكر العربي ،العدد 43. بركات، حليم(2000). المجتمع العربي المعاصر : بحث استطلاعي اجتماعي. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية . الجابري،محمد (1990).العقل السياسي العربي. بيروت: مركز دراسات الوحدة،ط1،شباطفبراير.
#بلال_عوض_سلامة (هاشتاغ)
Bilal_Awad_Salameh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القهر الاجتماعي والفراغ السياسي وأزمة الشباب: مخيم الدهيشة ا
...
-
قراءة نقدية للاعلام الفلسطيني: تشخيص ورؤية مستقبلية للإعلام
...
-
تكاد تتحول العمليات الاستشهادية إلى ايدلوجية فلسطينية1
-
لاجئو مخيم الدهيشة : حق العودة لا يسقط بالتقادم
-
اريتريا الافريقية : درس للفلسطينيين
-
ثقافة الغالب والمغلوب في فكر ابن خلدون: قراءة فلسطينية
-
العدوان على غزة : انها لحظة تصحيح الاعوجاج في سبيل الفعل الم
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|