أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل سعيد - الشاعر الكواز














المزيد.....

الشاعر الكواز


عادل سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 3966 - 2013 / 1 / 8 - 22:37
المحور: الادب والفن
    



عندي حكاية من بابل ، ليست عن حمورابي و لا قوانينه و لا آلهته ، و لا عن كلكامش و اساطيره .. هي من بابل – الحلة .. وارثة طين الفرات الذي يبتكره منذ آلافٍ و
يضع فيه سرّه .. هي عن انسان صيره الفرات شاعرا حين اوحى اليه بسر الطين و كيف يتسلل في اوردته وخلاياه. هذا الإنسان الذي نحن بصدده ، ربما لا تسري في عروقه دماء نبوخذ نصر او شيليمنصر ، ولكنه ورث عن انسان بابل القديمة لغة الطين. ونحن تحديدا في زقاق من ازقة القرن التاسع عشر في الحلة.. في دكان صغير لأحد شغيلة الطين ، اسمه صالح الكواز . والكواز – بالنسبة لغير العراقيين – هو صانع الفخار. وهو ليس ايّ صانع فخار ، بل هو شاعررقيق اختلط فيه الطين و الشعر ، فصارا معا لغة عشق و خبز .و كي ندرك معنى ان يختلط روح الشاعر بروح الطين ، يكفينا ان نورد بيتا واحدا فقط كي ندرك هذا التداخل الصوفي بين الشاعر و الكواز
ما وشوش الكوزُ اِلاّ من تألمهِ
يشكو الى الماءِ ما لاقى من النار
و أول ما يسترعي انتباهنا هو مفردة ( وشوش ) فهي ليست مما يرد في الكلام الفصيح المتوارث ، وربما عُدّت من الكلام العامي او الدارج ، ولكن الشاعر لا تنقصه الفصاحة و لا يعجزه ايراد كلمة غيرها تقربه من الفصاحة ، و لكن عبقرية اليبت هي هنا تحديدا في كلمة ( وشوش ) ، و اذا استندنا الى فقه اللغة ، فهو يخبرنا عن المفردات التي تأتي اشتقاقا من تقليد صوت في الطبيعة ، فنقول ( شلال ) ونصغي هنا الى حرف ( الشين ) الذي يحاكي صوت تدفق الشلال ، و هناك طائر الكوكي ، الذي يحاكي اسمه صوته ، وهو بهذا الإسم في معظم لغات العالم. واذا عدنا الى البيت ، فهو لم يجترح معجزة ، حين يشير الى ان الكوز ( يوش ) حين نسكب فيه الماء اول مرة، ولكن الجمال و الذكاء يكمن في ما يسمى في البلاغة العربية بحسن التعليل ، ولكننا سنهمل التصنع او القصدية في ابتداع البلاغة ، و نلتفت الى هذا التماهي و التمازج بين الشاعر الكواز و الكواز الشاعر، فالشاعر هو الذي صنع الكوز بعد ان عالج الطين كمادة خام ، و بعد ان شكلها على شكل كوز و اختمار الطين ، عرضها للنار كي تتصلب ، و تأخذ شكل الكوز المفخور ، فالشاعر الصانع ادرى بما فعلته النار بالكوز،
و كأنه يشفق على كوزه الطيني وهو يمر بمرحلة خلقه من الطين الحي الى الكوز المتداول ، بعد ان ( يشقى) بالنار ، وهذه الشكوى هي مصدر الجمال و العذوبة في هذا البيت الفذ.
و قبل ان نختتم ، نورد حادثة قد تبدو عابرة في مجرى الحياة العامة الحافلة بالأحداث ، ولكنها لافتة و نحن نتحدث عن الشاعر ( الكواز) فقد اراد احد غرماء الشاعر ان يغيظه فعمد الى شراء ثلاثة اكواز من الشاعر ، وبعد ان سدد ثمنها ، قام بتحطيم الأكواز امام الشاعر الذي غلى الدم في عروقه، فقذف الدراهم في وجه الغريم ، وحين احتج هذا بانه حر فيما يصنع بالأكواز بعد دفع ثمنها ، قال له الكواز : خذ الدراهم و انصرف، فقد عرفت بأنني وضعت فيها روحي وانا اصنعها ، فأهرقت دمي. ثم امر ابنه بدفن كسر الفخار .. لأنها روح ازهقت .. ومن حقها الدفن!!

عادل سعيد
شاعر عراقي مقبم في النرويج



#عادل_سعيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آلهة
- دلشاد مريواني
- تقاطيع
- احلام
- جرأة
- ما دار في المدينة
- هبوط
- نظرة
- توق الأسئلة
- تسلية
- محال
- استحالات
- قطرة ضوء
- فرات
- سؤال
- صهيل
- قصيدتان
- قصائد
- يحدث الآن
- ندوة عشتار


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل سعيد - الشاعر الكواز