محمد رتيبي
الحوار المتمدن-العدد: 3965 - 2013 / 1 / 7 - 22:15
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
السعادة والحرية في فلسفة سبينوزا
ترجمة محمد رتيبي
الكاتبة : كارولين أندرسن
بتاريخ: 21-09-2011
كلمة هامة :
نظرا لأنني لم أجد المقابل لبعض المفاهيم التي كان يستعملها سبينوزا ، فقد احتفظت بمعناها الأصلي ، ككلمة الإيتيقا ، لم أرد ترجمتها بالأخلاق ، وذلك لعدة أسباب لا يكفي الوقت لشرحها ، هذا ويجب على القارئ الكريم أن يعلم أنني حاولت بأقصى جهدي تجنب الابتعاد عن النص الأصلي ، لذا أوجه الشكر للأستاذة كارولين التي سمحت لي بترجمة هذا المقال ، ونظرا لوجود تكرارات في النص الأصلي ، فقد عملت جاهدا على حذفها ، وبطبيعة الحال بمشورة من الأستاذة الفاضلة .
.
إن الفلسفة السبينوزية ، هي لحظـة مفصلية في تاريخ الفكر الغربي ، وذلك لما فـيها من جـرأة ، فإذا ما رجعنا إلى القرن السابع عشر ، أي قرن سبينوزا لوجدنا أن أوربا كانــت لا تزال تعاني من رواسب الفكر الديني ، القـــائم على التزمت والجهـــل ، لذا فقد كان غرض سبينوزا ، شأنه ، شأن فلاسفة عصــره ، إخراج الـــناس من التفكــــير الخرافي الضيق ، إلى أفق علمــــي رحب وواسع . لهذا انخرط الفيلســــوف في المعمعـــة السياسية لعصره ، وذلك لنصرة التوجه المستنير ، الذي مثله يان دوويث ، غير أن الأصـــوليين المتـــزمتين قتلوا يان دو ويت ، الشيء الذي كان له التأثير البالغ على الفيلسوف ، فما أن مـــات دي ويت حــــــتى قرر سبينوزا إتمام كتابه الشهير الإيتيقا ، هذا الكتاب الذي رافق فيلسوفنا ، حيث تطلب منه مدة طويلة لإتمامه لهذا ، يمكن القول أن الإيتيقا هي رفيقة العمر . ولا غـــــرابة في ذلك ، فهذا الكتاب بالإضــافة إلى منهـــــجه الرياضي الصارم ، فهو يحوي أفكارا متميزة ، كان لها دور أساسي في شق طريق الحداثة ، عن طريق استبعاد التفكير الخرافي ، وإحلال محله تفكير علمي منطقي قل نظيرة عند فلاسفة ذلك العصر . لكن الســـؤال الذي يمكن أن نطرحه ، والذي سيشكل نقطة انطلاقنا في ترجمة هته المحاضرة كالتالي : لماذا يشكل الإتيقـــــا محطة جوهرية في تاريخ الفكر الأوربي الحديث ؟ بعبارة أخرى ، ما مبررات العودة إلى الإيتيقا؟
يشكل الإيتيقا أعظم كتاب في تاريخ الفلسفة ، وذلك لأن سبينــــوزا أرسى من خلاله صــرحه الأنطلوجي ، والأخلاقي ، فقد تطرق فيه لإشكالية السعادة ، إذ أن السؤال الذي طرحه الفيلســــوف كان على الشاكلة التالية : ما السبيل إلى تحصيل السعادة ؟
لقد كان سبينوزا من بين الفلاسفة القلائل ، الذين استطاعوا تقديم إجابة مرضية لهذا السؤال المغــــرق في القدم ، حيث ذهب إلى أن السعادة لا يمكن أن تتحقق إلا باستبعــــاد كل ما هو غامض ، ومن هنا ســـــر عظمة سبينوزا الذي قال عنه هيغل . بأنه أعظم الفلاسفة على الإطلاق ، وقد وصفه الآن إذ قال عنه بأنه نموذج الرجل الحر . أما جيل دولوز فلم يستطع هو الآخر إخفاء إعجابه بحيث ذهب إلى أن سبينوزا هو من أكبر الفلاسفة على الإطلاق . أما ألبرت أينشتاين ، فقد أعلن إعجابه بمادية سبينوزا .
لقد وجه سبينوزا كتابه الإيتيقا إلى الفلاسفة ، وليس إلى العامة ، وذلك لما لقيـــه من يلات إثر نشره لرائعته الفلسفيـــة ، ورقته في اللاهوت والســــياسة ، فالإيتيقــــا موجه إلى أولئك الذين ليس لهــــم غرض اللهم غرض البحث عن الحقيقة واليقين ، لهذا استعان سبينوزا بالمنهج الهندسي ، وذلك حتى يوضح أفكــــاره ، أولم نقل عنه بأنه فيلسوف الوضوح . لقد شيد بناءه الضخم بطريقة صارمة تفرض نفسها على العقول ، حين اســتعان بمنهج علمي ، وإن مثله في ذلك لكمثل الرجل الذي يسير من الأدنى إلى أعالي المعرفة . لقد تم صد الأغلبية عن قراءة الإيتيقا ، وذلك لأنها تتطلب مجهودا كبيرا ، هذا المجهود الذي لن يبدله إلا الفيلســـوف ، فحــــتى أنا واجهت صعــــوبات عندما كنت لا أزال أدرس في جامعة نيس ، حيث استغـــــرق مني كتاب الإيتيقا عدة سنوات ، وبمساعدة أفضل مفسريه على الإطلاق ، أقصد الأستاذ والمفكــــر فردنان ألكيي ، وجـــــويرول وألكسندر ماتيرون وروبرت ميسراحي .
إن الهدف من الإيتيقا هو تحقيق سعادة النفس عن طريق الحب وإبراز القـــوة الأخلاقية . إن المرء ليــدرك بدهشه سعيدة أن كل ما في هذا الوجود ، إنما هو تعبير عن جوهر لامتناهي ، جوهر يشكل طاقة الكون ، وبما أن هذا الموجود ، هو أساس باقي الموجودات ، فإن كل ما في الكون له معنى .
ولما كان الله أو الجوهر هو الموجود المطلق والكامل ، فإن حبه هو سعادة الإنسان ، إذ أن هـــذا الحب لا يترك مجالا للآلام والانفعالات ، وبالتالي يصير الإنسان متحررا من الخوف .
إذا نحن نظرنا إلى الفلسفة السبينوزية بعمق سنجد أن أول هدف وضعه سبينوزا هو الكشف عـــن حياة الإنسان السعيدة ، الأمر الذي يتحقق عن طريق الحب العقلي لله . إن هذا الحب هو الغاية القصوى لبني الإنسان ، وذلك لأننا كلما ازددنا حبا له ، كلما تحررنا من مخاوفنا وانفعالاتنا .
إن السعادة لا تكمن لا في المال ولا في الشهوة أو النساء ، وذلك لأن المال زائل لا محالة ، أما الشهــــوة فإنها تجعل صاحبها يفقد طمأنينته ، حيث يصير شقيا في سعيه إليها ولعل خير مثال على ذلك هو أن الرجل الذي يطلب النساء لا يعرف إشباعا لشهوته ، إذ كلما قضى غرضه مع إمرة ظـــهرت له إمرأة أخرى . والحــــــق أن السعادة تتحصل للرجل الذي تحمله نفسه على حــب الحياة ، لأن هذا هو المبدأ الذي يجب أن يسيــــر على هديه الحكيم ، وإن الرجل الحكيم ليتأمل في الحياة لا في الموت ، إذ يحس أنه مشارك في وحدة الكون ، بما هو جزء من الله ، أي من حيث هو فكر وامتــــداد . لهذا فالسعادة لا تتأتى من الإيمان بالمـــــفارقة ، بل من الإعتقاد أن الله محايث للطبيعة ، وأنه الطاقة الحيوية التي تحرك الكـــون ، وتمده بقوانين عقــــلانية صــــارمة لا يحيد عنها قيد شعرة .
إن السعادة القصوى تتحقق عن طريق المعرفة العقلية لله ، لذلك فالسعادة لا تتحقق بالرغبات المـــادية ، بل إن الرجل الغارق في الشهوات لا يرى في هذا الأمر إلا ضربا من السخافة ، وذلك لأنه اعتاد على الغرق في ملذاته . غير أن حب الله ، لا يجب أن يصدر عن مصلحة ، فمثلا يجب أن أحب الله لا لشيء آخــر ، بل لأنه العلة السببية للكون ، فإذا ما توصلت إلا هذا الحب ، زال الغموض الذي من شأنه أن يســـاور العقل.
مما لاشك فيه أن الإنسان يسعى للحفاظ على وجوده ، وكيانه ، هذا هـــــو المصدر الأول للفضــــيلة ، وتبعا لذلك فكل ما يساهم في هذا الغرض هو خير بلا شك ، وكل ما يهدده فهو شر ، لذلك كان لزاما عــلى المرء أن يلتمس السبل التي من شأنها أن تحقق له الفرح والسرور ، وأن يجتنب كل ما يعكر صفوة حــــياته . وإن الرجل الحكيم ليدرك أن لا حول له ولا قوة أمام الطبيعة ، أو الله ، وذلك لأنه مســــير من قبل عقل الله . لذلك كانت معرفة الله ، معرفة عقلية ، هي الخير الأسمى ، الذي لا يستطيع أي خير آخر أن يعـادله ، وبعبارة أخرى إن السعادة تكمن في معرفة القوانين الأزلية التي تسير الطبيعة ، أي معرفة الطبيعة وقوانينها من منظور أزلي .
كنا قد قلنا في أحد المحاضرات السابقة ، إن مذهب سبينـــوزا ، يقود بالضرورة إلى فكرة الجبر ، فما السبب الذي دفع الفيلسوف إلى تبني هذا التصــور ؟ السبب كما تعلمون يكمن في أن الإنســــان جزء مــــــن الله أو الطبيعة ، لذلك فالإنسان خاضع لقوانينها ، بما هو جزء منها . فكل شيء خاضع للضــرورة ، بل إن الوجـــــود بأسرة خاضع لهذا المبدأ ، وما شعور الإنسان بحريته ، إلا شعور يعتريه النقص . لأن الإنســـان خاضـــع لإرادة أعلى منه ، هي إرادة الطبيعة أو الله . ولكن هل هذا يعني أن الفرد لا يستطيع أن يكون حرا ؟
إن الرجل الحر هو الذي يستطيع أن يسيطر على انفعالاته ، وأن يفهمــــها . وهو بهذا الأمر يستطـــــيع فهم الطبيعة ، وإدراك أن كل شيء فيها خاضع للضرورة ، فحتى الله لا يمكن القــول أنه حر حرية مطلقـــــة ، لأنه يتصرف وفق الضرورة ، أي بموجب طبيعته .
إن الحرية تتحقق عن طريق المعرفة ، لأن العبودية ليست إلا سيطـــرة الانفعالات على الإنســان . فالإنسان يعتقد أنه حر في أفعاله لكن مثل هذا الشعور لا يعدو أن يكون جهلا بالأسباب الحقيقـــــة التي أدت به إلى ذلك الفعل .
هكذا قدمنا هذا النص الموجز الذي يلخص موقف سبينوزا من السعادة والحرية ، وعلى العموم يمكن القول إن الفلسفة السبينوزية كانت مرحلة ناضجة من مراحل الفكر الغربي ، بل والإنساني ، لأن هاته الفلسفة لا تستمد إلا من الطبيعة البشرية ، منظورا إليها على أنها جزء من الطبيعة ككل . وقد أصـــــاب جيـــل دولوز عندما وصف سبينوزا إذ قال عنه بأنه أمير الفلاسفة .
هذه الترجمة لم تكتمل ...يتبع
#محمد_رتيبي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟