أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاخر السلطان - النظرة الشمولية














المزيد.....

النظرة الشمولية


فاخر السلطان

الحوار المتمدن-العدد: 3965 - 2013 / 1 / 7 - 14:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مثلما هناك من يستخدم "نظرته الشمولية" في اتهام الدين بسبب فهم أو موقف، هناك أيضا من يتهم الليبرالية بنفس النظرة ولنفس الأسباب. وهذا الاتهام بعيد عن الموضوعية، ويساهم في شيوع ثقافة "الفهم المطلق" أو الفهم الواحد، ويبعدنا مسافات عن "الفهم النسبي". فكما أن الدين ليس مجرد فهم بعينه ولا يمكن لذلك أن يعكس كامل حقيقته، وأن أي موقف يعبّر عنه لا يستطيع أن يختزل كل رؤيته للأمور والقضايا، نفس الأمر ينطبق على الليبرالية.
ولا شك أن الفهم المطلق الواحد يرسّخ مبدأ الإقصاء لا التعايش، بينما الفهم النسبي يؤسس لتعددية الأفهام ولتنوع الآراء، ويساهم مع مرور الوقت في جعل المجتمع متسامحا متعايشا، ولا مجال لوصف أي نظام بالديمقراطي إلا في ظل التعددية والتنوع. فتعدد الأفهام وتنوع المواقف، سواء في الدين، أو في غيره من مجالات الحياة الأخرى، هو في حقيقة الأمر موقف مبدئي في الليبرالية، التي هي بمثابة الانتاج البشري الفريد من نوعه في المجال والمدى المتعلق بالحقوق وبالحريات، لأنها تعيش في إطار دائرة فكرية مستندة إلى محورية كرامة الإنسان، وتضع إصبعها على عنوان "الحق" البشري في الفهم. فإلى جانب دفاعها عن العيش بصورة كريمة بعيدة عن كل صنوف القهر، فإنها ترحب وتستوعب وتدافع عن حق الجميع في التعبير عن الآراء المختلفة والمغايرة وغير المنتهية، وتعارض أي مسعى لقمع الرأي حتى لو كانت مستندة إلى مبررات قانونية.
لقد تعمد بعض المنتمين للتيار الديني، إنطلاقا من مصالحهم السياسية، إلى وصم الليبرالية بصورة شمولية، باعتبارها من الأفكار الإقصائية وغير الأخلاقية، على الرغم من أن الليبرالية ساهمت في خدمة الدين والمتدينين، في: توسيع قاعدة الفهم الديني من خلال تعددية التفاسير واختلافها، وفي ترسيخ مبدأ التسامح بين المختلفين في الفهم. لذلك، لا يمكن إلا أن نشفق على من يهاجم الليبرالية بهذه الصورة الشمولية، إذ كان الأولى به أن يهاجم بعض مخرجات الليبرالية التي تتعارض مع مخرجات فهمه عن الدين. فلولا الحقوق الليبرالية، ومن ضمنها اختيار الدين وحرية التديّن وحرية الفهم الديني، لما استطاع البعض أن يدافع عن الحقوق الدينية للأقليات المسلمة في المجتمعات المسيحية وعن حقوق الأقليات الطائفية الخاضعة لأنظمة دينية تعادي الأقليات. فالليبرالية، إذاً، هي مدرسة أخلاقية، لتبنيها ركني التعايش: تعددية الفهم، والتسامح. واستطاعت أن تؤصل لذلك بين مختلف الأطياف. ومن الظلم بمكان نزع الأخلاق عنها وترسيخ الإقصاء عليها.
في المقابل، لا أجد في الليبرالية ما يسمح لليبراليين أن يهاجموا الدين بصورة مطلقة وإقصائية، بل لابد أن يوجَّه نقدهم إلى الفهم الديني باعتبار أن الدين هو مجموعة غير منتهية من الأفهام المختلفة. فمثلما هناك مدرسة دينية إقصائية منتمية إلى المنهج الفقهي التشريعي، هناك أيضا مدارس دينية غير إقصائية، كالصوفية. ومثلما يريد الفهم الديني الفقهي (لا الدين) أن يجعلنا نعيش في إطار التاريخ السياسي والثقافي والاجتماعي وأن نعود إلى أخلاق وأفكار لا تقبلها قيم الواقع، فإن هناك من يتبنى فهما دينيا بعيدا عن هذه الصورة التاريخية مختزلا الدين في الإطار الروحي المتصالح مع الحداثة.
يبقى أن نشير إلى ما يجعل الغالبية في التيار الديني الفقهي غير قادرة على استيعاب الرؤية الليبرالية للحياة، وتسعى إلى نسف تلك الرؤية، وإلى تثبيت فهمها الوحيد. فالمنتمون إلى التيار يختلفون مع الليبراليين حول مسألتين مفصليّتين، هما: علاقة الإنسان بربه، ودور الدين في الحياة. فبعض المنتمين إلى التيار يعتقدون بأن الإسلام هو "دين ودنيا" و"منهاج حياة" يستطيع المسلم أن يجد في ثناياه إجابات لجميع أسئلة الحياة ولمختلف القضايا. كما يعتقدون بأن الله يتصف بصفات مادية قريبة جدا من صفات الإنسان لكي يدركه ويعبده، ويستندون في ذلك إلى ما ورد في القرآن. فالله بالنسبة إليهم هو ملك الوجود، يغضب ويمكر ويخسف ويعذب ويرحم ويشفي وفق ما ورد من صفات في الآيات، وفهمهم لتلك الصفات ينطلق من منطلق مادي ويستند إلى الصورة البشرية. أما الليبراليون فلا يعتبرون العلاقة بين الإنسان وربه بشرية في الوصف ودنيوية في الممارسة، بل يرون بأنها تستند إلى الحالة المعنوية، حيث لا شيء يربط بين الطرفين سوى القلب، ويستندون في ذلك إلى العبارة القائلة إن الله "ليس كمثله شيء". كما أن الحياة عند الليبراليين لا تدار من خلال تدخل غيبي سماوي رباني، بل تقع مسؤولية إدارتها على عاتق العقل فقط. لذلك يبدو الليبرالي معارضا تدخل الدين في إدارة الحياة، رغم أنه لا يستطيع أن ينفي تأثير الدين في الحياة. في حين لا يرضى المنتمي للتيار الديني بأقل من هيمنة عقليته الفقهية التاريخية على مجريات الحياة، لأنه يعتقد بأن الله مسيطر على الشأن البشري، وأن الدين بأحكامه وتفسيراته يمتلك الحل الأوحد والأشمل والأنجع لمسائل الحياة. لكن الليبرالي يعتقد بأن العقل كفيل بتحجيم دور الدين في الشأن الإداري العام، وأن ذلك يساهم في تحرير العقل من أسر السجن الفقهي وأنه يطلق له العنان في الحياة لتحقيق إنجازات ليس لها سقف.



#فاخر_السلطان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -كونا-... أولا
- نقد الحراك.. والإسلام -المعتدل-
- التيار الوصولي
- الحراك.. ووقوده
- دور مبهم
- هل مقاطعة الانتخابات في صالح الديمقراطية؟
- العلمانية الإقصائية
- رداً على عبداللطيف الدعيج: من يختطف من؟
- حراك التغيير في الكويت.. فرصة تاريخية
- السقف العالي للإصلاح.. في الكويت
- -الرقيب- السياسي والديني.. في الكويت
- قرار الأغلبية -غير الديموقراطي-
- -تحديات- مرجعية الشاهرودي في النجف
- المساس بالنقد
- أسلمة القوانين
- الصنمية
- النسوية الإسلامية
- مشروع -الأمّة- الشمولي
- المعادلة الطائفية في مجلس الأمة الكويتي
- الفردانية.. و-الربيع- العربي


المزيد.....




- بعد تصريحات متضاربة لمبعوث ترامب.. إيران: تخصيب اليورانيوم - ...
- بغداد تستدعي السفير اللبناني.. فماذا يجري بين البلدين وما عل ...
- الجيش الإسرائيلي يُباشر إجراءات تأديبية ضد أطباء احتياط دعوا ...
- قبيل وصوله طهران- غروسي: إيران ليست بعيدة عن القنبلة النووية ...
- حزب الله يحذر.. معادلة ردع إسرائيل قائمة
- الخارجية الأمريكية تغلق مركز مكافحة المعلومات ضد روسيا ودول ...
- رغم الضغوط الأوروبية… رئيس صربيا يؤكد عزمه على زيارة موسكو ل ...
- البرهان يتسلم رسالة من السيسي ودعوة لزيارة القاهرة
- كيف تنتهك الاقتحامات الاستيطانية للأقصى القانون الدولي؟
- حرائق غامضة في الأصابعة الليبية تثير حزن وهلع الليبيين


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاخر السلطان - النظرة الشمولية