|
الكنفدرالية بعد الدولة
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 3964 - 2013 / 1 / 6 - 19:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الكنفدرالية بعد الدولة كتب مروان صباح / اصابات قاتلة في عمر الشعب الفلسطيني أدت في النهاية بكدمات مختلفة بأنحاء الجسد الواحد الذي قارب أن يوشك بالتحول إلى هيكل عظم من فرط البلاء لكثافة ما حلّ عليه من نكبات نتيجة احتلال أراد من السطر الأول أن يقتلع كل ما على هذه الأرض من جذور ضاربة عند اللقاء الأول للبشرية وتحويل ما عليها وتحتها من عظام تشهد على التاريخ والثقافة والتراث إلى مربعه الفارغ باستثناء الرياح التى تسمع صوتها المدمدمة ، وبعيداً عن المكابرة التى لا بد من استدعائها أحياناً كي لا يطمع أو يعتقد بأن من هو واقع تحت الاحتلال سمكة سهلة تنتظر أول شبكة تعّترض طريقها ، إلا أن في الواقع دون انحياز يضلل الذات قبل الأخر بأن الشعب الفلسطيني حّمل من الأنماط الفكرية تحولت فيما بعد إلى سلوكيات منها ما يندرج في خانة القوقعَّ ومنها حب التفرد نتيجة لما وقع بحقه عبر سنوات طويلة كانت مليئة بالطغيان والإقصاء والتجريد من الهوية الإنسانية قبل الجغرافيا والتاريخ حيث تعرض إلى تقسيمات متعددة بدايةً بحفريات للتضاريس انتهت بالشعور بالملاحق على الدوام أين وطأة قدمه ، فبات تارةً يشعر نفسه أشبه بالجزيرة المنعزلة وأخرى تورط بالتعلق بقوميته التى تعاملت مع من احتل ارضه بتقلبات أدت إلى المزيد من اضعافه لدرجة دفعته أكثر من مرة إلى الانتحار لكن عنفوانه الفائض أنقذه من الموت الذي خطط له الإسرائيلي من خلال الاستيطان على غرار ما حصل بالهنود الحمر داخل الأراضي الأمريكية . نحن هنا للاعتراف بأن العوامل التاريخ والجغرافيا أحلت على علاقة الضفتين وليس من المنطق والسهولة القفز عنهما حتى لو كان الاحتلال قد سعى بمختلف الإجراءات المتنوعة أدت إلى أنتاج تعديلات قاسية للتضاريس من جانب ومن أخر حاول أن يفكك الترابط الإنساني على مدار السنوات التى أعقبت هزيمة 1967 م إلا أن ما نسجته العقود من تلاحم استطاعت أن تتصدى بمهارة عالية لجميع الفتن التى عصفت من حين إلى أخر بمكونات الشعب الواحد وذلك يعود الفضل في الواقع لحكمة الهاشميين في التعامل مع إدارة الأزمات انطلاقا من القاعدة الراسخة بأن من يقود عليه أن يتصدى للمسائل بمزيج من الحكمة والشجاعة . يتعرض الشعب الفلسطيني اليوم في الضفة الغربية إلى أبشع أنواع الإقصاء والمحاصرة وباتت جغرافيته في الآونة الأخيرة غير قابلة للحياة لما طرأ من حفريات عميقة سلبت المياه وطرق وقطعت المناطق عن بعضها البعض وأصبح الاستيطان مسيطر على أغلب المساحات الشاسعة بالإضافة لمنطقة الغور التى من المفترض أن توفر الحاضنة الطبيعية للمزارعين الفلسطينيين ، ناهيك عن إفشال إسرائيل لأي مشروع صناعي أو اقتصادي حقيقي يوفر الأيدي العاملة التى تُعَّالج من خلالها البطالة وترتقي فيما بعد بالوضع الاقتصادي الذي يتشكل من ركائزه قوة الدولة المستقلة يتّبعها الصيغة الاكتفائية لمناحي الحياة ، بالإضافة للصادرات التى يعود من وراءها العملة الصعبة ، وقد شهدت الضفة الغربية تراجعاً بات ملموساً على الصعيد الفرد والجماعة رغم طبيعة المواطن في التحمل حيث يتحلى بأسباب الصمود لأي طارئ إلا أن ما تبعَّ الانتفاضة الثانية من إجراءات أدت إلى اغلاق القنوات الدخول إلى السوق الإسرائيلية من خلال إيجاد جدار عازل جعل من الأمر أكثر ضيقاً يوماً بعد الأخر وتحولت الحياة إلى أشبه بالسجن الواسع لكنه باهت لدرجة الجمود ، فتساوى من هم في قراهم ومدنهم مع من هم قابعون خلق القضبان السجون ليتراجع الفاصل إلى حد العدم ، بينما انتقلت الضفة الغربية بعد معارك متفرقة اتسمت بالشرسة حيث غاب عن المشهد الحلول السياسية وتعاظمت العمليات العسكرية من كيلا الجانبين مما دفع الأطراف إلى الانتقال من مرحلة أسلو إلى خارطة الطريق التى صوبت إعادة ترتيب الوضع الأمني وهيكلة المؤسسات بالإضافة لإعادة بناء ما تهدم عبر السنوات الانتفاضة من البنية التحتية وتقديم مساندات عبر مشاريع صغيرة تُخفف من أن يتفشى الفقر في مناحي الحياة العامة ، رغم جميع المحاولات الإبتكارية التى تقدمت بهدف انتشال الواقع القائم من إنزلاقات ، لم تفلح في معالجة الانسياق نحو الهاوية بل تعمقت الأزمات وتطورت مع مرور الوقت لأن أسباب النجاح غير متوفرة ما دام الاحتلال المتحكم الأول والأخير في الأبواب الدخول والخروج وماضي في مشروعه ضمن إنتهاجات اغراق السوق بالسلع المستوطنات التى توصف بأنها عالية الجودة ومتنوعة الأشكال ، حيث بات من الصعب منافستها كون الإنتاج الفلسطيني ما من سبيل للاستقلال عن السلع الأساسية التى يحصل عليها من إسرائيل التى بدورها تحدد السعر الجملة ضمن معادلة احتكارية تؤدي إلى اخفاقات في أمكانية الاستمرار في السوق المحلية أو تلبية احتياجاته . بعد كل هذه المعاناة التى تشبه تقلب الفحم في باطن الأرض صارت فلسطيني دولة معترف بها في الأمم المتحدة رسمياً حيث أضاءت الأماكن المعتمة بعد أن تلألأ أسمها كالماس ، إلا أننا لا ننكر المشهد الدولي وما يحمل في حقيقته من قرارات قد لا يمكن لها أن تساعد بشكل المطلوب على الأرض ، فما كان في المحفل الدولي مغاير تماماً لما هو واقعاً أو قائماً من استيطال ايادي المستوطنين في الظلام مما يدفع الفلسطينيين للبحث عن عمقهم العربي الذي يوفر لهم البقاء والحماية والامتداد الطبيعي ، فنحن هنا ما نقدمه ليس تنبوءات أو توقعات بقدر ما يمكن أن يقال فيه استقراء وربط المقدمات بالنتائج وبالتالي توظيف ما استحضرنا من قرائن لترجيح الأفضل على ما يمكن أن يحاك حول ما تبقى من أراضي في الضفة الغربية معرضة لقضم واستيلاء ، لهذا ما من مخرج إلا الاحتكام للعقل كي تخرج الضفة الغربية من عزلتها والتى إذ استمرت بذات النهج القائم منذ احتلالها ستكون وضعها خلال السنوات القليلة القادمة في خبر كان ضمن صيغة المجموعات المتفرقة داخل مربعات متقطعة يرتهن من فيها للسلطات الاحتلال دون أي تأثير بل عالة على من يتحكم في الجزء الأكبر من عناصر التى تشكل البنية التحتية للاقتصاد حيث تسعى الدولة الإسرائيلية المركزية من تمكين المستوطنات ليصبحوا المصدر الأوسع للتشغيل . من هنا لا بد من الإجابة عن عديد من التساؤلات التى لم يعد ينفع أن تؤجل أو تركن على جانب خصوصاً بعد ما حققت المؤسسة السياسية الفلسطينية الرسمية اعتراف بالدولة ، فبات من الضروري أن تُضع خارطة تحمل من الإجراءات لما بعد الدولة وتتطلع أولاً للمصالح الشعب كي يخرُج تماماً من عباءة المحتل الذي يمثله على أرض الضفة المستوطن ، فأن الكنفدرالية مع الأردن هي السبيل الوحيد الضامن في استكمال تحقيق الأهداف الناقصة ضمن اتحاد دائم يتطور ويتعامل مع القضايا الحساسة وعلى رأسها القدس والمفاوضات التى تحتاج في الحقيقة إلى ثقل وأذرع دبلوماسية ممتدة في العالم المركب وتحظى مؤسسته باحترام بالإضافة لكلمته المسموعة دولياً حيث أثبتت عبر التجارب المجربة أنه رقم صعب لا يمكن تجاوزه ، وتعلم كيف يمكن أن يتقدم في وسط هذا العالم المختل توازنه والمصاب بالتفرد والمزاجية المطلقة ، كما يعي جيداً متى وأين يستحضر البصيرة كي لا يفقد ما تراكم من سنوات لحقائق لا ينكرها إلا جاهل أو مغيب عن المتغيرات ، فالأردن على الرغم من حداثة دولته لكنه استطاع من خلال ادارته الهاشمية أن يتحول إلى دولة نموذجية تتمتع بإمكانيات باتت يشار لها على الصعيدين العربي أولاً والعالمي ثانياً وذلك بفضل بناء الإنسان من الناحية الأكاديمية وتعامل مع الأزمات عند ذروتها بغاية من الحكمة والتعقل وعلى مختلف المجالات دون المبالغة . سيتغير بالطبع الحال بعد إعلان الكنفدرالية لينعكس ذلك اولاً على لم الشمل الذي شهد حفريات قاسية توالت بعد احتلال الإسرائيلي للأراضي الضفة الغربية عام 1967 م ويعاد تذويب جميع الخلافات الطارئة والمفتعلة التى تصدرت في أحقاب مختلفة برأيّ كون القاسم المشترك بين الضفتين وأهلهما أكبر بكثير مما يعتقد من تجرأ في الماضي على النبش والتلاعب على أوتار قد تم تصنيعها في مختبرات الفتنة المقيتة لما يحمل هذا الشعب الواحد في تكويناته الطبيعية من ترابط للصلة والعقيدة والهدف ، هي خطوة تاريخية لا بد أن ينتقل لها السياسيين وبشكل سريع لأنها من أدبيات توحيد الجغرافية القومية العربية ، كما أنها خطوة تستحق التقدير وتكشف عن صحوة ينتظرها أهلها منذ زمن بعيد لأنها ببساطة غير قابلة للتقسيم بل هي تأتي في سياق إعادة توحيد الأخ مع أخيه وترتيب البيت الواحد تحت مظلة عريقة تحمل منظومة أخلاقية وفروسية وكفاءة التى تمكنها في المستقبل القريب أن تنجز أحلام الشعب بإعادة كافة الأراضي المحتلة بما فيها الأقصى الشريف . والسلام كاتب عربي
#مروان_صباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ألقاب أشبه بالقبعات
-
كابوس حرمهم الابتسامة
-
أحبب هوناً وأبغض هوناً
-
واقع ناقص لا بد من استكماله
-
زلازل فكرية
-
صمود يؤسس لاحقاً إلى انتصار
-
استمراء ناعم
-
الردح المتبادل
-
ارتخاء سيؤدي إلى إهتراء
-
ملفات تراكمت عليها الغبار
-
اخراج الجميع منتصر ومهزوم
-
نعظم العقول لا القبور
-
أمَّة اقرأ لا تقرأ
-
مسرحية شهودها عميان
-
تونس وهي
-
فياض ... لا بد من نقلة أخرى نوعية
-
على خطاك يا فرعون
-
الضغوط تواجه بمزيج من الشجاعة والحكمة
-
ثنائية القوة والضعف
-
العربي بين حكم الديكتاتور أو ديمقراطية تفتت القائم
المزيد.....
-
بعد تصريحاته عن -التهجير-.. الملك عبدالله سيلتقي ترامب بواشن
...
-
جورجيا: احتجاجات في تبليسي بعد تشديد العقوبات على عرقلة الطر
...
-
بدل نقل الأسماك.. تحقيق يفضح تهريب بقايا النمور المهددة بالا
...
-
الكبد الدهني.. خضار وفاكهة تساعد في العلاج والوقاية من الإصا
...
-
تحديد هوية المسؤول عن جريمة سودجا
-
غزة.. إسرائيل تخلف معدات عسكرية مدمرة
-
بيان من الرئيس السوري أحمد الشرع بعد لقائه ولي العهد السعود
...
-
أسير إسرائيلي أمريكي محرر يوجه رسالة شكر إلى مقاتلين في -الق
...
-
النيابة الإسرائيلية تفتح تحقيقا جنائيا ضد سارة نتنياهو في أع
...
-
خامنئي: الشعب الإيراني لديه الشجاعة ليقول -الموت لأمريكا-
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|