|
الفوضى الخلاقة
محمود عساف
الحوار المتمدن-العدد: 3963 - 2013 / 1 / 5 - 03:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ سنوات قريبة عندما كانت كونداليزا رايس وزيرة للخارجية الأمريكية أطلقت مصطلح ( الفوضى الخلاقة ) ، في المجتمعات وخاصة في الشرق الأوسط وحينها لم يؤخذ بمقولتها على محمل الجد . ولكن مع مرور السنوات اتبعت أمريكا سياسة أخرى في الشرق الأوسط ، وذلك بتأليب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بالمجتمعات، ومن خلال ما لاحظنا من الأزمة العالمية الاقتصادية منذ ما يقرب الثلاث سنوات ، وان كنت اجزم أنها مفتعلة من النظام الرأسمالي بوجهه القبيح وسعيه في استغلال مقدرات الشعوب ولطحن ونخر المجتمعات بطريقة خلق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمع الواحد ، بحيث أصبحت جميع المجتمعات العربية ( باستثناء دول الخليج ) تعاني الفقر المدقع وانحسار الطبقة الوسطى .
وهذا ما جعل النار تستعر تحت الرماد على مدى سنوات في المجتمعات العربية نتيجة للقهر والظلم والفقر ومصادرة الحريات العامة والسياسية للمواطن العربي .
وما ثورة تونس الأ بداية لهذه الثورات ، وما انقسام السودان جنوبه عن شماله إلا دليلا على عمق تأثير السياسة الأمريكية في ضرب الجذور الاجتماعية والأخلاقية للشعوب العربية . السؤال: ما المراد من هذه الفوضى الخلاقة ؟ ، وهل هناك أنظمة تريد أمريكا التخلص منها ؟ ، أم هي إعادة صياغة لنوعية الحكم والحاكم وأنظمتها حسب ما تقتضيه السياسة الأمريكية والصهيونية وعولمة المجتمعات .
من يحرك الآن ما بعد الثورة في تونس وهروب زين العابدين بن علي ، الم تبقى بعض رموز النظام السابق على رأس السلطة تحت حجة حكومة انتقالية أو انتقال سلمي للسلطة !!! على الشعب التونسي أن يحافظ على مكتسبات ثورته وان لا يتم الالتفاف عليها من رموز النظام السابق.
وهل حراك الشارع المصري سيؤدي إلى تغيير الحاكم أو نظام الحكم ؟ ، وهل ستصبح مصر على ديمقراطية حقيقية وآفاق اقتصادية لصالح الشعب المصري ؟؟ وان كنت اشك في ذلك .. أم ماذا بعد ذلك ؟ ستحصل التغييرات في النظام المصري بفضل هذا الحراك للشعب المصري ولكن لا بد من الثبات على مكتسبات هذا الحراك وهذه الثورة الشعبية ، كون مصر لها الخصوصية في منطقة الشرق الأوسط وتعد العمق العربي الإستراتيجي .
وهل هذه الثورات بالمنطقة مقسمة حسب ما يراد لها أن تتحرك على حكوماتها وأنظمتها ، أليست كل الشعوب العربية ترزح تحت قهر الفقر والحرمان والبطالة وانهيار في القيم والعادات والتقاليد، لماذا ؟ وبشكل عام كما لحظنا إن الثورات غير مؤطرة أو منقادة من الأحزاب السياسية سواء قبل الثورة أو اقلها بعدها مباشرة ... منذ متى تكون الأحزاب غير قادرة على جس نبض الشارع والتنبؤ بالثورة أو الهبة والا ما معنى وجود الأحزاب ..وأحزاب المعارضة بالذات أليس هذا تغييبا لدورها وتقزيما متعمد ، أم أن الدور للفوضى الخلاقة في تغييب الأحزاب ذات الفكر والنظرية العلمية أو حتى ذات البعد والفكر الديني أو القومية منها ، أليس كل ذلك يؤشر إن شيئا قد درس وخطط له بعناية فائقة من الفوضى الخلاقة .
إذا كانت حركة الشعوب بالثورات تؤثر في بعضها البعض ، فلماذا لم تنتقل ثورة تونس إلى دول المغرب العربي ؟ ، أليست هي الأقرب اجتماعيا واقتصاديا وجغرافيا لبعضها البعض ... فكيف انتقلت الثورة من تونس إلى مصر ؟!!!
هذه الفوضى الخلاقة في السياسة الأمريكية داخل الوطن العربي لا تصب إلا لمصلحة النظام الرأسمالي والصهيونية للسيطرة على المنطقة وخلق ما يسمى عملية السلام بشكل ووجه آخر جديد ولا استبعد أن يكون للإسلام السياسي الدور المنهج حسبما هو مخطط له . ما الجديد في معاناة الشعوب العربية سواء فقرا أو قهرا وان كان قد اتسع ، وهل اختلاق الأزمة الاقتصادية العالمية وتفعيلها خلال فترة وجيزة لتقلب الأوضاع رأسا على عقب ، إلا على أساس نتاج الفوضى الخلاقة بالمجتمعات العربية ونتيجة لسياسات الأنظمة والحكومات في قهر الشعوب . إن المرجو أن تكتسب هذه الثورات الشعبية بعدها الوطني الحقيقي لما يصب لمصلحة الوطن العربي... ولزعزعة الكيان الصهيوني وضرب السياسات الأمريكية في المنطقة، وان تلقي بظلالها على الوضع الفلسطيني ليأخذ اتجاهه الصحيح في المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية ومقاومة الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية.
ما معنى اختلاق الأزمات في لبنان ومحاولة إعادة إحياء الطائفية والمذهبية وضرب المخيمات الفلسطينية في العمق الشعبي اللبناني والسياسي من خلال ما يسمى المحكمة الدولية في اغتيال الحريري ، وهل الهدف معرفة من اغتال الحريري أو إنها محاولة جادة وفاعلة لاغتيال لبنان كل لبنان من خلال الفوضى الخلاقة .
ما معنى أن يفرض على الشعب العراقي حكومة بقيادة المالكي المرفوض شعبيا والمقبول أمريكيا وإيرانيا ، على الرغم من عدم نجاح قائمته بالأغلبية لتشكيل الحكومة .. أليست الفوضى الخلاقة وراء كل ذلك بالتناغم بين الدور الإيراني والأمريكي في العراق ولتبقى إيران العصا في خاصرة دول الخليج والمنطقة.
كلنا مع الثورة على الظلم والقهر الاجتماعي ومع العدالة الاجتماعية لكل الشعوب في توزيع الثروات وإعادة إحياء منظومة القيم العربية والإسلامية وتحرير شعوب المنطقة من التبعية من خلال الفكر النير والعلمي وبناء الإنسان العربي الحر ومع إن يكون نظام الحكم ديمقراطيا قائما على الحريات السياسية وإعطاء الأحزاب الدور الحقيقي في المشاركة وإدارة الحكومات . لست متشائما ولست متفائلا مما حدث في تونس العظيمة بشعبها وما يحدث في مصر العروبة وشعبها الأبي، ولكنني أدعو إلى التدقيق جيدا بنظرة علمية وواقعية تجاه ما جرى وسيجري... حتى لا نفاجأ كما فوجئنا بثورة تونس ، وحتى لا ننتكس ، علينا إن نحدد الرؤية الواضحة الجلية بمنظور علمي ممنهج نحو هذه الثورات وان لا تأخذنا العاطفة في ذلك . فلنراقب بدقة متناهية ما يجري ولا يغفل عنا الكيان الصهيوني خلال ذلك والرأسمالية الأمريكية العالمية تجاه منطقتنا.
#محمود_عساف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تجسيد الفكرة والمبدأ
-
هدنة وشرعنة فقهية
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|