وسام جواد
الحوار المتمدن-العدد: 3961 - 2013 / 1 / 3 - 10:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
( الذكرى الـ 90 لتأسيس الإتحاد السوفييتي )
"من لا يَحن الى الإتحاد السوفييتي إنسان بلا قلب, ومن يحلم بعودته إنسان بلا عقل"
فلاديمير بوتين
حاولت الأنظمة البرجوازية بعد الثورة الصناعية,عرقلة نهضة روسيا القيصرية إقتصاديا, وحالت دون ان تلعب دورا سياسيا مؤثرا في أوروبا, ونجحت في إعاقة عجلة تقدمها بعد إنتقال هذه الأنظمة من مرحلة البرجوازية الى الرأسمالية بالإبقاء على النظام الإقطاعي الروسي منشغلا بالحروب المدمرة وطويلة الأجل, التي وضعت نهايتها ثورة اكتوبر1917.
واذا عُرفتْ الثورة الفرنسية بقادتها الثوريين, ومفكريها المبدعين, وفلاسفتها العبقريين, فإنها سرعان ما فقدت بريقها, بعدما شبّ حريقها, والتهمت النيران فريقها, فأكلت الثورة رجالها, وأضاع التخبّط نضالها, وفقدت السيطرة وانحرفت, ولثوبِ المبادئ خلعَت, ولسياسة القمع اتبَعَت, وبقتل قادتها شرَعَت, ولرؤوسِهم بالمَقاصِل قطعَت, فضعفت أركانها وتصَدّعت, ولِسُم الهزيمة تجَرّعت.
وكما لعب المثقفون الثوريون دورا رائدا في الإعداد للثورة الفرنسية, وملهما في انطلاقها, فإن العديد من مثقفي روسيا المتحمسين للتغيير, والمتأثرين بالثورة الفرنسية وروّاد الفلسفة والسياسة والأدب في أوروبا, قد لعبوا دورا لا يقل أهمية في إعداد ونجاح إحدى أعظم الثورات في تاريخ البشرية.
ولعل من أبرز عوامل انتصار ثورة اكتوبر البلشفية :
- تراكم الأزمات الإقتصادية وانعكاساتها على الأحوال المعيشية والعلاقات الإجتماعية, التي أدى استفحالها وتراكماتها الكمية الى تحولات نوعية, بانت معالمها في انتفاضة 1905, وتمثلت لاحقا في المظاهرات والاضرابات والإضطرابات حتى قيام ثورة 1917.
- التذمر في صفوف الجيش بسبب الخسائر البشرية الضخمة,التي تكبدها في جبهات القتال (داخل وخارج روسيا),والنقص الحاد في التموين والتجهيزات العسكرية اللازمة.
- قناعة المكونات الرئيسية للمجتمع الروسي بالقيادة السياسية والعسكرية المحنكة,التي اعتمدت النظرية الماركسية أساسا لبناء الإشتراكية.
لم تخفِ الأنظمة الأوروبية هواجسها وقلقها من روسيا في عهد ما قبل ثورة كتوبر, وزاد من قلقها تَبنّي الثورة لمفاهيم تتعلق بالملكية الجماعية لوسائل الإنتاج, والدور القيادي للطبقة العاملة في عملية البناء واتحاد العمال والفلاحين, وهو ما لم تعهده البرجوازية قبلا, ولم تتقبله الرأسمالية بعدا.
لقد أولت الثورة مسألة الخروج من الحرب العالمية الإولى أهمية فائقة, وتحقق لها ذلك بالتوقيع على معاهدة برست- ليتوفسك بين روسيا الإشتراكية والمانيا في آذار 1918, وصب خروجها في مصلحة الطرفين. حيث حولت المانيا جيوشها من جبهات القتال مع روسيا الى محاربة الجيوش الفرنسية والبريطانية, بينما تفرغ قادة الثورة الى معالجة الأوضاع في جبهات الحرب الأهلية ( 1918- 1922 ) التي نشبت بسبب الأضرار,التي لحقت بمصالح أطراف داخلية وخارجية ( بريطانيا, فرنسا وأمريكا ) لم يرق لها نجاح الثورة, وخشيت من انتشار فكرها وأهدافها في دول أخرى, وهو ما حصل فعلا بعد انضمام اوكرانيا وروسيا البيضاء وما وراء القوقاز الى روسيا السوفييتية, والإعلان عن تأسيس الإتحاد السوفييتي في 29 كانون الأول 1922 .
لم يَعِش قائد الثورة البلشفية فلاديمير ايليتش لينين طويلا بعد ان تحققت عملية نقل النظرية الى التطبيق, ودحض أفكار التحريفيين, وسحق قوات البيض المدعومة من القوى الرأسمالية الخارجية بفضل قيادته الفذة. إذ تدهورت صحته بعد إصابته بثلات رصاصات أطلقتها اليهودية كابلان عام 1918, وبثلاث جلطات دموية وضعت الرابعة نهاية لحياتة في 24 كانون الثاني 1924.
ستالين بعد لينين :
بغض النظر عما قيل ويقال عن ستالين, فإن لهذا الرجل ما له وما عليه من مواقف ستظل موضع خلافات لن تنتنهي بين مؤيدية ومعارضيه, نظرا للنجاحات الباهرة, التي تحققت في المجالات الصناعية, والإخفاقات التي وقعت في تنفيذ البرامج الزراعية, خلال ثلاثة عقود من نظام حكمة الصارم. ولا يزال يعتقد الكثيرون بأنه لولا ستالين, لما تحقق الإنتصار على النازية الألمانية.
نيكيتا خروتشوف :
حكم خروتشوف في الفترة ما بين 1954- 1964. وتميزت فترة حكمه بحدوث أزمات, كادت إحداها تؤدي الى نشوب حرب نووية بين الإتحاد السوفييتي والولايات المتحدة بسبب نشر الصواريخ النووية السوفيتية في كوبا. ولعل الأهم من بين ما حدث في فترة حكمه هو الإنقسام الخطير,الذي قسم ظهر وحدة الأحزاب الشيوعية العالمية بعد خطابة الشهير في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي, والذي انتقد فيه دكتاتورية وأخطاء ستالين.
ليونيد بريجينيف :
إمتدت فترة حكم ليونيد يريجينيف 18 عاما ( 1964-1982 ) وتميزت بالتحول التدريجي لا نحو بناء الاشتراكية المتطورة واللازمة للإنتقال الى الشيوعية, كما كان يروج الإعلام الحزبي آنذاك, بل نحو مرحلة الركود والجمود, التي غيبت الحماس الثوري لدى الجماهير, وهزت ثقتها بالقيادة الى حد التندر بها والسخرية منها. وقد تضائل شعاع الحزبية, الذي كان ساطعا في زمن لينين وستالين, وزادت درجة الإنحراف عن النظرية الماركسية اللينينية, واصبح الإنتساب الى الحزب الشيوعي وسيلة لتحقيق المكاسب والمآرب, في الوقت الذي بذلت فيه الإمبريالية الأمريكية والدول الرأسمالية جهودا جبارة لبث الفرقة بين موسكو ودول المعسكر الاشتراكي ( جيكوسلوفاكيا 1968, بولونيا 1981 ) وزعزعة إستقرار الإتحاد السوفييتي بعد ورطه التدخل في أفغانستان .
يوري اندروبوف
وصل أندروبوف الى السلطة متأخرا ورحل مبكرا ( نوفمبر 1982- فبراير 1984 ) فخابت آمال شعوب الإتحاد السوفييتي في إصلاح ما خربه القادة الأسبقون. إذ تدهورت صحة هذا الرجل القوي,الذي كان المرشح الوحيد لعلاج أمراض الحزب,التي باتت مستعصية ومزمنة لكنه رحل تاركا المريض لخلفه الضعيف قسطنطين تشيرنينكو.
تشيرنينكو :
لم يكن في العير ولا في النفير, ومات بعد حكمه الهزيل والقصير ( 13 شباط 1984 – 10 آذار 1985 ).
كرباتشوف ويلتسن :
أصيب الحزب الشيوعي السوفييتي في عهد كرباتشوف بنوبات حادة أدخلته في غيبوبة لم يفق منها رغم حقنه بعقاقير البرسترويكا والكلاسنست,التي حاول كرباتشوف معالجته بها. وكان للخلافات التي طفت على السطح في آخر مؤتمر للحزب الشيوعي السوفييتي بين كرباتشوف ويلتس, وتأييد الوصوليين والإنتهازيين للأخير, دورا في تدهور صحة الحزب والموت السريري للإتحاد السوفييتي, الذي أعْلِن عن نبأ وفاته في 25 كانون الأول 1991.
بوريس يلتسن أول رئيس لروسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفييي :
حكم في الفترة من 10 حزيران 1991, ولغاية31 كانون الأول 1999, وكانت الفترة الأسوأ في تاريخ روسيا الحديث على الإطلاق من حيث الإنهيار الإقتصادي وتدهور المشاكل السياسية وتفاقم الأزمات الإجتماعية, وتعاظم نفوذ المافيا واللوبي اليهودي في الحياة السياسية والإقتصادية الى حدٍ ترحمت فيه الناس وحنت الى أيام الإتحاد السوفييتي .
فلاديمير بوتين, الرئيس الثاني والرابع لروسيا الإتحادية :
تسلم مقاليد الحكم مرتين, الإولى بعد يلتسن عام 2000, والثانية بعد انتهاء ولاية الرئيس الثالث, ديمتري ميدفيديف ( 7 أيار 2008- 7أيار2012 ). واذا تميزت بداية الفترة الإولى بإنهاء الصراع في القوقاز وتحسن الأوضاع الأمنية والإقتصادية في نهايتها, فإن ما يميز فترة حكمة الحالية هو رد الإعتبار لمكانة روسيا سياسيا واقتصاديا, بعد الضرر الذي لحق بها في زمن يلسن.
وتجدر الإشارة الى أن الزيادة الكبيرة في أسعار النفط خلال السنوات الأخيرة قد ساعدت الرئيس بوتين وسلفه ميدفيديف على تحقيق انجازات كثيرة في مجالات الصناعة العسكرية والمدنية, ورفع المستوى المعيشي للمواطن الروسي, وزيادة الرصيد الإحتياطي, مما سهل على روسيا تجاوز الأزمة المالية التي مر بها العالم الرأسمالي, وجعلها أكثر ثقة في مجابهة ما قد يحصل من أزمات في الأوقات الصعبة.
لقد أدى تحسن الأوضاع الإقتصادية لروسيا الإتحادية الى تقوية مركزها السياسي, ومكنها من تبؤ الموقع اللائق بها دوليا. ولعل الموقف الأخير وليس الآخر,الذي عبّرت عنه وثبتت عليه الحكومة الروسية في رفضها للتدخل الخارجي في الشأن السوري, وحرصها على انهاء الأزمة عن طريق الحوار, يُعد دليلا على تعافيها سياسيا واقتصاديا, وهو ما تتمناه كل القوى التقدمية, أملا في وضع حد للإستهتار الإمبريالي- الرأسمالي وإعادة التوازن, الذي فقده العالم بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي .
#وسام_جواد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟