أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد الصلعي - الشعرية المبكرة -شارل بودلير-2-














المزيد.....

الشعرية المبكرة -شارل بودلير-2-


خالد الصلعي

الحوار المتمدن-العدد: 3955 - 2012 / 12 / 28 - 19:36
المحور: الادب والفن
    




واذا كان الانسان بطبيعته بؤرة اجتماع كل ظواهر الكون ، وعرضة كل الاهتزازات الاجتماعية ،ومشتلا خصبا للتفاعلات النفسية ،فان الشاعر يعتبر الانسان الأقدر على مواجهة هذه الظواهر والاهتزازات والتفاعلات ،بل هو المعمل الكيميائي الذي تنصهر فيه هذه العناصر ليخلق تساؤلاته ،وينتج حيرته ، ويصرخ باعتراضاته ،طامحا الى الأسمى ،مناديا بالتغيير عبر بناء الانسان قبل العمران ,فالشاعر لا يطمح الى الجاه بقدر ما يطمح الى بناء الانسان ،وان بتحطيم ذاته وشخصه ، يدفعه في ذلك دوافع مجهولة ،تؤسس استعدادات نفسية ما قبل اكتمال الشخصية ،وقبل نضج معرفته بالكون وبالصراعات الاجتماعية ،ومجمل الاختلالات الانسانية الحافة به . ولعل بودلير يكون أصدق مثال على هذا الشاعر الذي وعى منذ سن مبكرة وعيه الشقي ، وآمن به ،واختار منذ صغره ،وهو لايزال في مرحلة الثانوية حياة البؤس والشقاء كطريق نحو اكتشاف العالم من زاويته المعتمة . وقد كان بامكانه ان يختار حياة الدعة والرفاه لو أراد بفضل مكانة زوج أمه في مؤسسات الدولة كجنرال مرموق . لكن حتمية قدرية فرضت عليه أن يختار طواعية تجربة معاكسة لما أرادته له أمه .
لم يرض بوصاية خارج وصاية الذات ، وتمرد على مستقبل يرسمه له الآخرون ،وان كانت أمه ، واختار طريق الشعر سبيلا في الحياة منذ يفاعته . آمن كما يقول أحد أهم دارسيه "جيرار كونيو " بالسقوط الأصيل . فمن خلال تفحصنا لكتاب هذا الناقد نجده يركز على تيمات وعناوين تشكل أهم ملامح التجربة الشعرية البودليرية التي توحدت بالحياة توحدا صوفيا ، وارتبطت كتابته بتجربته اليومية الباريسية ارتباطا مقدسا . وهذه أهم العناوين الفرعية للفصل الذي عنونه بالسقوط الأصيل : La felure originelle :
- الهاوية
-اليأس والمثال
-القلق الميتافيزيقي
- نعومة الجحيم
ويتبدى من خلال هذه العناوين الفرعية مدى انخراط بودلير في العالم الأسود ، وايمانه المطلق بالمنبوذ والمهمش والمقصي ، وكل ما يعتبر في عرف الأخلاق البورجوازية انحطاطا ودونية . وكأنه " انتُزعت منه الحياة انتزاعا ...أصبح وحيدا وجافا ، فقد كل تبريراته للحياة وفي الحياة ، اكتشف داخل جحيم الخجل كونه وحيدا ، ووجوده كعدمه " هذه هي مجمل الفكرة التي ركبها عنه سارتر . فبودلير لم يكن ليستعير لشعره ولكتابته ما لا يؤمن به في تجربته اليومية ، حاول أن يشعرن الجحيم ، وأن يؤله الشيطان ، واستطاع بحسه الشعري العالي أن يقلب كل المعادلات ، وينظر الى الأشياء عكس نظر الآخرين . النظرة المعاكسة ، هي مايؤسس الاختلاف ، والرؤية الذاتية هي ما يبني وجهة نظر مغايرة عن السائد ، ويمنح درجة من التفرد والنمذجة ، عكس النسخ والنمطية .
لكن لا يمكن اعتبار هذه المعطيات والنتائج بمثابة استهلاك نظري أو تأملي بقدر ما يجب النظر اليه باعتباره وليد تجربة حياة معاشة منذ السقطة الأولى ، فهو شاعر الخطيئة والتمرد حسب الناقد عمر عبد الماجد . فمنذ أن تزوجت أمه بالجنرال "أوبيك " ، بعد وفاة أبيه وهو ما يزال ابن السادسة . انتزاع الحميمية الأمومية منذ الصغر طبع في وجدان بودلير الطفل احساسا بالتخلي وبالاقصاء ، من أقرب مقربيه وهي أمه ، وهناك من يربط زواجها بعقدة العقد والهاوية التي قدف اليها بودلير منذ صغره ، نظرا لتعلقه الشديد بأمه. فكانت بداية نشأة القلق الوجودي لدى الشاعر الطفل ، الذي سرعان ما عبر عن رفضه للمؤسسة العائلية بكل ارتباطاتها وطقوسها وعلاقاتها ، ليرتمي بمحض ارادته في العالم السفلي بمومساته ومخدراته وتسكعاته وأمراضه الاجتماعية والجسدية .
وكان طرده من ثانوية" لويس الكبير " Louis -Le grand، هذا الطرد الذي ظل طلسما وغامضا الى الآن ، بمثابة القطيعة النهائية مع مؤسسة العائلة ، والانخراط الكلي في حياة البوهيمية ، التي ابتكر منها الدانديسم -Dandisme ,و(الدانديزم) بتعريف بودلير هو :" المعادلة الخيميائية التي بفضلها يلتحم الشاعر بالإنسان لانجاب الكائن الأسمى : الداندي.. هذا الداندي عليه، حسب بودلير، أن يعيش ويموت أمام مرآة، وأن يكون عظيما في نظر نفسه قبل كل شيء إذ أن (الأمم لا تنجب العظماء الا مرغمة.. اذن لن يكون الرجل عظيما الا إذا انتصر على أمته جمعاء)" 1-ويكيبيديا ، والانسان الداندي هو المنخرط كليا في قيم الفن باعتباره طاقة جمالية ، والجمال هنا لا يكمن في التعريفات النمطية ، والأشياء المتعارف عليها ، انما الجمالية تكمن في ذلك التذوق العميق والأصيل للأشياء ، وان كانت سيئة في عرف المجتمع والأخلاق المتوارثة .
ورغم عودته الى مؤسسة تعليمية أخرى بضغوط من أمه التي كان يحمل تجاهها شعورا متناقضا ، يتراوح بين حب عميق وكره متجذر ، الا أن التشكل النفسي للفتى اليافع كان قد استقر في الراقة التحتانية للاوعي الشاعر . لتبدأ مغامرة شعرية جديدة في تاريخ الشعر الانساني .



#خالد_الصلعي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدولة الانشائية
- أمطار الجحيم -رواية-16-
- الشعرية المبكرة -1-
- بارمينديس يتهجى أفكاره
- الفيتو الأمريكي والصمت العربي
- تعزية لا شماتة
- الشريعة أم السياسة-3-
- النفاق أو لغة الكون
- العرب والانقسام الأزلي
- شهود لا متأثرون
- الشريعة أم السياسة_2_
- في مفهوم التواضع
- اعدام شاعر
- الجزء 12 من رواية -أمطار الجحيم
- الشريعة أم السياسة...
- الشعوب وما أدراك ما الشعوب
- الشعر والدين ، وتجاوز المتن القديم _1_
- من المسؤول...؟
- طريق أبيض
- بنية- نظام المخزن - بالمغرب


المزيد.....




- مقتل المسعفين في غزة.. مشاهد تناقض الرواية الإسرائيلية
- مقتل عمال الإغاثة.. فيديو يكشف تناقضا في الرواية الإسرائيلية ...
- -القيامة قامت بغزة-.. فنانون عرب يتضامنون مع القطاع وسط تصعي ...
- لقطات فيديو تظهر تناقضاً مع الرواية الإسرائيلية لمقتل المسعف ...
- سوريا.. تحطيم ضريح الشاعر -رهين المحبسين- في مسقط رأسه
- نيويورك تايمز تنشر مقطعاً مصوراً لمركبات إسعاف تعرضت لإطلاق ...
- وفاة الفنان المالي أمادو باغايوكو عن عمر ناهز 70 عاما بعد صر ...
- -نيويورك تايمز- تنشر فيديو لمقتل عمال الإغاثة في غزة مارس ال ...
- سفير ايران لدى موسكو: الثقافة والفن عنصران لاستقرار العلاقات ...
- الرواية القناع.. توازي السرد في -ذاكرة في الحجر- لـ كوثر الز ...


المزيد.....

- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد الصلعي - الشعرية المبكرة -شارل بودلير-2-