أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - المنطلقات النظرية للاشتراكية الصهيونية البروليتارية















المزيد.....


المنطلقات النظرية للاشتراكية الصهيونية البروليتارية


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 3955 - 2012 / 12 / 28 - 19:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تشغل الصهيونية الاشتراكية مكانا خاصا بين التيارات " الاشتراكية القومية " والمذاهب الاشتراكية غير الماركسية . وترجع جذور الفكر " الاشتراكي الصهيوني " ، بصورة اساسية ، الى ايديولوجية " الاشتراكية الحق " التي ظهرت قبل تأسيس الحركة الصهيونية بعشرات السنين ، حيث سبق لأحد مثلي هذه الايديولوجية اليهودي الالماني موسى هيس ان طرح فكرة انشاء " دولة اشتراكية يهودية " في فلسطين ، وذهب الى ان اليهودية هي تجسيد كامل للأخلاق والمبادئ الاشتراكية ، واعتبر بعث الدولة اليهودية نموذجا مثاليا للدولة الاشتراكية . ومن المعروف ان هيس بالذات قد قام بأول محاولة لدمج الاشتراكية و الصهيونية رغم ما بينهما من تناقض ، وكان بالفعل اول من عرض المسلمات الاساسية للصهيونية الاشتراكية في خطوطها العامة .
ان النزعة القومية المتطرفة ذات الغلاف الاشتراكي المقترنة بالمهدوية الصهيونية ، والأهداف الاستيطانية الاستعمارية كانت ، في هذه الدرجة او تلك ، الاجزاء المكونة للفكر الصهيوني الاشتراكي العنصري .
1 ) الصهيونية الاشتراكية المزيفة واستيطان فلسطين : ان نشاط الاحزاب والتكتلات الصهيونية الاشتراكية في فلسطين والبلدان الاخرى ، وكذلك ممارسات " الدولة اليهودية " تكشف بصورة واضحة عن النزعة القومية المتعصبة ، والطباع الرجعي للصهيونية الاشتراكية .
لقد لعب زعماء الاحزاب العمالية الصهيونية دورا هاما في استعمار فلسطين ، وخاصة بعد اعلان وعد بلفور المشئوم ، وكان هناك بين هذه الاحزاب نوعا من " تقسيم العمل " . فقد ضم ( حزب اتحاد العمال ) في صفوفه العمال المهاجرين الذين كانوا يعتبرون انفسهم اشتراكيين ويؤمنون الى هذا الحد او ذاك ، بفكرة الصراع الطبقي . واستغل زعماء هذا الحزب بصورة ماهرة الميول الاشتراكية للعمال وغيرهم من المهاجرين اليهود الى فلسطين ، فبذلوا قصارى جهدهم لجعل هؤلاء اداة في ايدي الصهيونية . وقد ارتكز الحزب على فكرة البرنامج الصهيوني الذي اعلنه عام 1906 وحدد فيه اسس الهجرة اليهودية وتوجيهها نحو العمل الى فلسطين .
لقد قامت قيادة الحزب بمساعدة المنظمات المماثلة في البلدان الاخرى ، ببذل جهود ضخمة لكي تضمن التأييد للعمال من جانب زعماء الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية الدولية ، سواء بالنسبة لاستعمار فلسطين ، او للإيديولوجية الصهيونية في صورتها الاشتراكية المزيفة . ومن اجل تضليل الشغيلة اليهود في فلسطين والبلدان الاخرى ، وكذلك الرأي العام العالمي ، كانت جماعة الحزب تتظاهر بأنهم من انصار تطور البلاد الاشتراكي عن طريق " الاشتراكية البناءة " ، وكانوا جد دغمائيين في حديثهم عن الصراع الطبقي والدفاع عن مصالح العمال . كما سعى رجالات الحركة العمالية الصهيونية بكل قواهم ، وخاصة ممثلي ( حزب اتحاد العمال ) لكي يتوغل المستعمرون اليهود في اقتصاد فلسطين ، وفي هيئة الادارة المحلية ، والشرطة التي انشأتها سلطات الانتداب البريطاني . وكان الاشتراكيون الصهيونيين يقيمون مستوطنات جديدة ، ويوسعون المستوطنات القائمة من اجل تحويل التجمع اليهودي في فلسطين الى " دولة تمهيدا لإقامة الدولة اليهودية " . وباسم " الوحدة القومية " كان ( حزب اتحاد العمال ) يتخلى عن افكاره و " ’منطلقاته الاشتراكية " الاصلاحية الواحدة تلو الاخرى ، وينعطف تدريجيا نحو اليمين الفاشي الشوفيني .
اما الحزب العمالي ( العامل الفتي ) فقد كان من الناحية العملية ، قريبا جدا من ( حزب اتحاد العمال ) ، رغم انه يتميز عن الصهاينة الاخرين ، بأنه كان يعارض فكرة الصراع الطبقي ، ويدافع عن " المنتجين المستقلين " . وتجدر الاشارة الى ان مفكر ومؤسس هذا الحزب آرون غوردن ، الذي يعتبره الصهاينة الى جانب بورخوف وسيركين ، " ابا " و " رائدا " للصهيونية الاشتراكية ، قد قام بصياغة الشعار الصهيوني المشترك " العودة الى التراب " على نحو اكثر ديماغوجية من مفكري الصهيونية الاخرين ، حيث دعا الى ضرورة بناء " مجتمع تعاوني " زراعي غير مركزي ، وزعم ان تشكل " الشعب الجديد " سيأتي عن هذا الطريق .
ان المفاهيم والمقولات الاخلاقية المجردة التي نادى بها غوردون مثل " دين العمل " و " الكمال الاخلاقي والاجتماعي " للكادحين ، كانت تخدم كليا قضية الاستعمار الصهيوني لفلسطين ، اذ كانت تحثّ الشغيلة على الرضوخ للاستغلال ، وتحمّل الحرمان والفاقة في سبيل تحقيق " الاهداف القومية " ، فضلا عن دعوتها لانتهاج سياسة شوفينية تجاه السكان العرب الاصليين .
لقد شارك هذا الحزب مشاركة فعالة في اعمال كافة هيئات المنظمة الصهيونية العالمية ، ورفض في نفس الوقت ، عقد اية صلات حتى مع المنظمات الاشتراكية – الاصلاحية الدولية ، او اقامة علاقات مع الاتحادات " العمالية " اليهودية خارج فلسطين . ومن المعروف ان ( حزب اتحاد العمال ) وكذلك الجناح اليساري لعمال صهيون قامت في عام 1920 بتشكيل الاتحاد العام للشغيلة اليهود في " ارض اسرائيل " الذي كان يتلقى منذ السنوات الاولى لتأسيسه ، مساعدات مالية كبيرة من المنظمة اليهودية العالمية . وان تسمية هذه المؤسسة بحد ذاتها تدل على طابعها الشوفيني والعنصري ازاء العرب والمهاجرين من غير اليهود .
وبين التيارات الثلاثة في الحركة " العمالية " الصهيونية المرتبطة بنظريات بورخوف و سيركين وغوردون ، كان هناك منذ البداية ، ما يجمعها من المسائل المشتركة اكثر مما يفرقها . فقد كانت تتشابك وتلتقي في هذه الجوانب او تلك ، ومع تطور ونمو الحركة الصهيونية والحركة الاشتراكية – الديمقراطية الدولية من جهة اخرى ، كان يجري التقارب والتكتلات الصهيونية الاشتراكية . وقد كانت هذه العملية انعكاسا وضاحا لانتقال الصهيونية بأكملها الى مواقع اكثر رجعية وعنصرية ، والتحول اللاحق للقسم الاعظم من فصائل الحركة الاشتراكية الديمقراطية نحو اليمين ، هذا التحول بدأ على تخوم القرن التاسع عشر والعشرين .
لقد كان لمختلف اشكال الاشتراكية التعاونية ، تأثير ملحوظ على المنطلقات النظرية ، والنشاط العملي لقيادات الاحزاب الصهيونية العمالية ، وخاصة خلال مرحلة استيطان فلسطين . واختلطت هذه النظريات ضمن اوساط المهاجرين اليهود ببعض تعاليم تولتسوي حول " دور المشاعية الثورية " و " الاشتراكية الزراعية " و ضرورة " العودة الى الطبيعة " .
وبعد ان اصبح الزعماء الاشتراكيين الصهيونيين القوة الرئيسية في فلسطين ، طرحوا في بادئ الامر ، النظرية الاصلاحية التعاونية كدليل لتبرير بناء " الاشتراكية اليهودية " ثم استخدموا هذه النظرية في العقود الاخيرة من اجل دعم اطروحة " الطريق الثالث " للتطور الاجتماعي المستقل والمتحرر من الجوانب والظواهر السلبية للرأسمالية والاشتراكية .
اما بالنسبة لقضايا بناء المستوطنات في فلسطين ، فان الاشتراكيين الصهيونيين استندوا كذلك ، شأنهم شأن الصهيونيين الاخرين ، على افكار عالم الاقتصاد والاجتماع الالماني فرانز اوبينغيمير الذي دعا الى دمج النظرية الاقتصادية الكلاسيكية مع الفكر الاشتراكي الزراعي . هذا وقد لعبت التيارات الاصلاحية النقابية والفابية دورا هاما في صياغة ايديولوجية ونشاط الحركة العمالية الصهيونية . وفي العقود الاخيرة اصبحت هذا التيارات الاشتراكية الاصلاحية في " اسرائيل " على نحو اوضح ، اجزاء مكونة للإيديولوجية الرسمية الصهيونية والنزعة العنصرية والتوسعية .
وبما ان الزعماء البرجوازيين للمنظمة الصهيونية العالمية ، والأحزاب الصهيونية البرجوازية في اوربة والولايات المتحدة الامريكية ، كانوا " جنرالات من دون جيوش " ، ناهيك عن عدم رغبتهم في الهجرة الى " ارض الاجداد " ، فان المواقع القيادية في المعسكر الصهيوني ، سواء في فلسطين ، ام داخل المنظمة الصهيونية اليهودية والعالمية على انهم ليسوا ، في حقيقة الامر ، اشتراكيين ، وإنما هم قوميون متعصبون وشوفينيون .
ولم يتطلب الامر من رجالات الحركة العمالية الصهيونية بذل مزيد من الجهد والعناء لإقناع المؤسسة الصهيونية ، وزعماء المنظمة الصهيونية العالمية بان عليهم ، وبصورة مستمرة ، زيادة المعونات المالية للمنظمات " الاشتراكية " و إلا فان الهجرة من فلسطين ستتجاوز الهجرة اليها ، او ان الاخيرة ستنخفض انخفاضا حادا ، مما سيعرض للخطر عملية الاستيطان ومخططات بناء " الوطن القومي " .
لقد اتخذ زعماء المنظمة الصهيونية العالمية في عام 1927 قرارا بعدم عرقلة تقدم الصهيونيين الاشتراكيين نحو المواقع القيادية في الجالية اليهودية بفلسطين ، ومنح التأييد اللازم لهم ، حيث ادركوا ان بنغريون وزملاءه ، بما في ذلك الذين يعتبرون انفسهم " ماركسيين " سيبدلون كل ما في وسعهم لإنشاء قاعدة جماهيرية في فلسطين من اجل تحقيق المخطط الصهيوني الرامي الى استعمار هذا البلد .
ان التجربة التاريخية قد برهنت على ان خطط بورخوف وسيركين حول " النضال من اجل الاشتراكية " على " ارض الاجداد " بقيت تماما حبرا على ورق . اما الارضية البرجوازية ذات النزعة القومية المتعصبة لنظرياتهما والنشاط الاستعماري لتلاميذهما ، وأتباعهما ، وأخلافهما ، فقد اعطيا نبتات سامة تنضج بالروح الشوفينية والعنصرية .
وجاء اندماج ( حزب اتحاد العمال ) بالأحزاب والمنظمات الشوفينية الصهيونية ، نقطة واضحة وبارزة في تحقيق " تآلف واتحاد " الاشتراكية الصهيونية ، اي الانتقال الى مواقع اكثر يمينية سواء في الميدان النظري او في الممارسة السياسية . ففي مطلع عام 1930 اعلن في فلسطين عن انشاء حزب اشتركي صهيوني جديد وهو ( الماباي ) اي ( حزب عمال ارض اسرائيل ) . ومن خلال استخدام الامكانيات الاقتصادية للهستدروت ، والاعتماد على دعم المنظمة الصهيونية العالمية ، والوكالة اليهودية لفلسطين ، استطاع زعماء ( الماباي ) ان يشغلوا منذ الثلاثينات من القرن الماضي ، موقعا مهيمنا في الساحة الداخلية كما في الساحة الخارجية ، وهذا ما اهلهم بالطبع لتسلم القيادة السياسية لليهود في فلسطين ثم في الدولة الصهيونية .
2 ) البوند والصهيونية الشوفينية : تشكلت " الرابطة اليهودية لعمال ليتوانيا وبولونيا وروسيا " ( البوند ) في مدينة فيلنو عام 1897 ، اي في العام نفسه الذي انعقد فيه المؤتمر الصهيوني الاول . وقد انضم هذا الحزب على اسس فدرالية عام 1906 الى حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي ، ثم ما لبث ان ’فصل عنه في عام 1912 .
وكان يوليوس مارتوف احد مؤسسي الحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي وزعيم جناح المناشفة ، قد صاغ الاساس " النظري " للنزعة الانفصالية والقومية المتعصبة عند جماعة ( البوند ) وذلك في خطابه الذي القاه عام 1895 بمدينة فينلو ، اي قبل عامين من ظهور الحركة الصهيونية العالمية وتأسيس حزب ( البوند ) . وقد حاول مارتوف في هذا الخطاب ان يبرهن على ضرورة انشاء حزب خاص بالبروليتارية اليهودية .
ان مزاعم قادة ( البوند ) والاشتراكيين الديمقراطيين ، وكذلك المؤلفين البرجوازيين والصهيونيين القائلة بان ( البوند ) عدو للصهيونية لا تتفق وواقع الامر . فالمعروف ان الجدال الصاخب والعنيف الذي كان يجري في المرحلة الاولى بين جماعة ( البوند ) وممثلي " عمال صهيون " وغيرهم من الاشتراكيين الصهيونيين ، لم يكن يخرج عن اطار النزعة القومية اليهودية المتعصبة . فعلى الرغم من معارضة قادة البوند لشعار " العودة الى ارض الاجداد " او الحصول على ارض ما اخرى ، كانت نظرية " الكيان الثقافي المستقل " تسمم افكار الشغيلة اليهودية ، وتغرس في نفوسهم النزعة الشوفينية والانفصالية ، وتصب في المحصلة النهائية ، في مجرى المخططات الصهيونية العنصرية . ولم تكن النزعة القومية المتعصبة الامر الوحيد الذي يجمع بين ( البوند ) وأنصار الاشتراكية الصهيونية ، وإنما كان بينهم في الواقع ( رغم الخلافات الثانوية حول هذه المسائل او تلك في فترات مختلفة ) تطابق تام فيما يخص البرنامج الاشتراكي اليميني وأساليب العمل اليهودي الانتهازي .
لقد اقتبس زعماء ( البوند ) من الصهيونية نظرية " الامة اليهودية " ذات الحصانة الخاصة وغير المتمركزة في ارض معينة . وفي البداية ذهب مفكرو هذا الحزب الى ان السكان اليهود في هذا البلد او ذاك يشكلون قومية مستقلة ، ثم ما لبثوا ان وسعوا من مفهومهم ل " القومية اليهودية " ليشمل اليهود القاطنين في بولونيا وليتوانيا وجنوب روسيا وغاليتسيا وبريطانيا والولايات المتحدة الامريكية . وانتهوا اخيرا الى المفهوم الصهيوني حول " الامة اليهودية العالمية " . وهكذا فان مبدأ " الوضع الخاص للبروليتارية اليهودية " قاد جماعة ( البوند ) الى الاعتراف بالفكرة الصهيونية حول " الشعب اليهودي المتميز " و " حصانة " " الامة اليهودية " .
غير ان جماعة ( البوند ) تختلف عن " الصهيونيين السياسيين " بأنهم وقفوا ضد انشاء الدولة اليهودية في فلسطين او اية منطقة اخرى ، كما انهم عارضوا فكرة اقامة " وطن قومي " في فلسطين كمركز ثقافي وديني لليهود ، واعتبروا ان مستقبل اليهود في العالم لا يرتبط بمركز واحد وحيد ، وإنما يتعلق بالعديد من المراكز الاخرى في البلدان التي يقطنونها ، وذهبوا الى ان الوسيلة الوحيدة لحل المسالة اليهودية ، تنحصر فقط في انشاء " كيان قومي ثقافي مستقل " . وبتعبير آخر فان ( البوند ) طرح مقابل النزعة القومية الصهيونية الاشتراكية ، مفهومه القومي المتعصب الخاص الذي يبدو في الواقع اكثر تفننا وحذاقة وتنكرا ومكرا .
وقد كان الصراع بين ( البوند ) والصهيونية يتخذ احيانا طابعا حادا في الصحف والمجلات ، وأثناء اللقاءات والاجتماعات الخطابية ..لخ . ولكن هذا كله لم يكن صراعا بين عقيدتين متعارضتين جذريا ، وإنما كان مجرد مواجهة بين اشتراكية ( البوند ) المزيفة ، وبين الصهيونية الاشتراكية القائمة على اساس التنافس في سبيل بسط النفوذ على الشغيلة اليهودية ، حيث ان كلا الاتجاهين ، وبصرف النظر عن النقاشات والاتهامات المتبادلة ، كانا ، في حقيقة الامر ، يمارسان عملا واحدا ، وهو غرس فكرة القومية المتعصبة في اوساط اليهود المثقفين والحرفيين والعمال .
ان الزعماء الصهيونيين كانوا عموما يدركون تمام الادراك ، ان البوند مهما انتقد الصهيونية قولا ، فان نظرية " الكيان القومي الثقافي " والنشاط الفعلي لجماعة البوند ، وخاصة جناحه اليميني ، سيؤدي عمليا الى تعزيز وترسيخ الآراء والميول الصهيونية في اوساط العمال اليهود . ولهذا السبب بالذات اعترف فلادمير جابوتينسكي بان " نشاط البوند يسهل علينا الى حد كبير مسألة تحقيق اوسع المهام السياسية للصهيونية .. فالبوند والصهيونية ليسا نبتتين من جذر واحد ، وإنما البوند يشكل فرعا اصيلا من الصهيونية " .
ولم يكن قادة البوند يرغبون في ادراك الصلة العضوية القائمة بين الصهيونية والامبريالية وجوهر الاستعمار الصهيوني في فلسطين .
3 ) صراع البلاشفة ضد الصهيونية والبوند : بعد ان فقد الصهاينة جانبا كبيرا من تأثيرهم على الجماهير اليهودية في روسيا السوفيتية خلال السنوات الاولى لثورة اكتوبر ، و ’منوا بالهزائم الواحدة تلو الاخرى ، وجدوا انفسهم منذ عام 1920 مضطرين الى تغيير تكتيكهم ، فاتجهت المنظمات الصهيونية اليمينية الى العمل السري ، اما الصهيونيون اليساريون فقد مارسوا نشاطهم علانية ، وكانوا يؤكدون في كل مناسبة على ولائهم وإخلاصهم للسلطة السوفيتية ويسعون في الوقت نفسه ، للقيام بالدعاية لصالح " المشروع الفلسطيني " . وأثناء ذلك تحالف كلا الجناحين الصهيونيين مع شتى المنظمات المعادية للسوفييت ، فانضم الصهيونيون اليمينيون الى القوى البرجوازية المعادية للثورة ، وقام الصهيونيون الاشتراكيون بالتعاون على نحو سري للغاية مع المناشفة و ( حزب الاشتراكيين الثوريين ) وأنصار النزعات الانفصالية .
لقد بذلت الحكومة السوفيتية قصارى جهدها لكي تزيل خلال فترة تاريخية قصيرة كافة الآثار السلبية للتركة القيصرية بالنسبة للمسألة اليهودية ، وشغلت قضية انتقال السكان اليهود الى العمل الانتاجي الزراعي والصناعي مكانا بارزا في نشاط الحزب البلشفي والدولة السوفيتية . وأحدثت آنذاك لهذه الاغراض مفوضية ( وزارة ) للشؤون اليهودية .
في عام 1922 سمحت الحكومة السوفيتية لمنظمة ( الرائد ) اليهودية ، بممارسة نشاطها الذي انحصر بصورة اساسية ، في مساعدة الفقراء والمحرومين من اليهود ، للانتقال الى بعض المناطق الزراعية في البادية بغية تحويلهم الى فلاحين ، وجمعهم لاحقا في مزارع جماعية تعاونية ( كولخوزات ) . وكان بوسع هذه المنظمة استخدام الاموال والمعدات والآلات الزراعية التي كانت ترسلها من الخارج بعض المنظمات اليهودية ، بما في ذلك البرجوازية منها . غير ان الصهيونيين الذين تمرسوا في قيادة هذه المنظمة ، كانوا يسعون الى ان تصبح فرعا للحركة الاشتراكية الصهيونية ، و يعملون على اعداد الاطر الفنية والزراعية لاستعمار فلسطين . ولذلك اضطرت الحكومة السوفيتية في نهاية المطاف الى حظر نشاط هذه المنظمة سنة 1928 .
في عامي 1917 – 1919 قام بعض الصهيونيين اليساريين ، بطرح وترويج فكرة " توحيد الصهيونية العمالية والشيوعية " ، وكان هؤلاء يدعون ، وبكل اصرار ، بأنهم شيوعيون . وبعد انفصال الجناح اليساري لحزب ( عمال صهيون ) تشكل على اساسه ما يسمى ب ( الحزب الشيوعي اليهودي ) الذي ما لبث ان اسس في عام 1920 ، بالاشتراك مع بعض الاحزاب المماثلة في اوربة وأمريكا ( الاتحاد الدولي الشيوعي اليهودي لعمال صهيون ) .
لقد حاول هذا الحزب تمويه جوهره الحقيقي ، وتغطية اهدافه الفعلية عن طريق استخدام الشعارات والعبارات الاشتراكية المزيفة ، والتصريحات الرنانة المفعمة بالرياء حول اخلاصه للسلطة السوفيتية . وكان اعضاءه يعملون في اوساط الشغيلة اليهودية ضمن المنحى الاشتراكي الصهيوني ، ويسعون الى تجريد رؤية لينين للصهيونية من جوانبها النقدية الاساسية ، ودفع العمال والحرفيين اليهود للهجرة الى فلسطين من اجل " تحريك الصراع الطبقي والتحضير للثورة الاشتراكية " . كما ان زعماء الحزب المذكور لجأوا الى اقناع الكومنترن وفروعه بتأييد ودعم " المشروع الفلسطيني " ، اي فكرة اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين . وعلى العموم فقد جاء انشاء هذا الحزب تعبيرا عن تطلع الصهيونيين الى الاحتفاظ بنفوذهم في اوساط الجماهير اليهودية تحت الستار الشيوعي ، وتمييع نقد " المشروع الفلسطيني " ، واستخدام جهاز الكومنترن لتسهيل تغلغل اشكال الصهيونية الاشتراكية الى بلدان الشرق الاوسط .
ان الحلقات والمنظمات الشيوعية المزعومة التابعة ( للاتحاد الدولي الشيوعي اليهودي لعمال صهيون ) الموجودة في النمسا وايطاليا و تشيكوسلوفاكيا سابقا ورومانيا وليتوانيا ولاتيفيا وبولونيا والولايات المتحدة الامريكية والأرجنتين وفلسطين ، كانت تعمل ضمن المنحى الصهيوني على نشر تأثيرها وتعزيز نفوذها في اوساط الشغيلة اليهودية ، والتحكم بمواقف الاحزاب الشيوعية في تلك البلدان من المسألة اليهودية ، والحصول على اعترافها بالاتحاد الدولي المذكور ، ونيل تأييدها للمبادئ الصهيونية في ضوء تأويلات بورخوف الذي حاول الجمع بين العقيدة الصهيونية والفكر الماركسي . لكن الكومنترن لم يعترف بهذا الاتحاد ، وأصدر مذكرة خاصة حول هذه المسألة اكد فيها على ان الاتحاد الدولي لعمال صهيون ، قد اصبح جزءا من الصهيونية العالمية التي اقام معها علاقات تنظيمية وسياسية ، وارتبط بواسطتها بالعالم البرجوازي الامبريالي . ورغم التنوع الهائل للعناصر المنتمية الى هذا الاتحاد ، بدءا من عملاء الدول الغربية المباشرين ومرورا بحلفاء المناشفة ، وانتهاء بالعناصر التي تتعاون مع السلطة السوفيتية ، فان جميع هؤلاء ينطلقون ، في المحصلة الاخيرة ، من اهتمام مشترك ، ويخضعون لفكرة اساسية مسيطرة ، هي النزعة القومية اليهودية المتعصبة و " المشروع الفلسطيني " ، اي ( المشروع القومي لليهود ) .
ان كافة محاولات " الشيوعيين " اليهود للتغلغل الى الحركة الشيوعية الدولية ، انتهت بالفشل التام . وقد رفض الكومنترن في عام 1922 قبول ( الاتحاد الشيوعي اليهودي الدولي لعمال صهيون ) في صفوفه نظرا لعدم استعداده للتخلي عن برنامجه القومي اليهودي القديم ، حتى اقترح الكومنترن على الاتحاد المذكور ان يحل نفسه لإتاحة الفرصة امام البروليتارية اليهودية من اجل الانتماء الى الاحزاب الشيوعية في بلدانها .
وبالرجوع الى تاريخ الشيوعية اليهودية المزيفة سنجد انه حتى 1958 ، كان برنامج الحزب الشيوعي من ( المابام ) الى ( راكاح ) ينص ، وبدون اساس او مبرر ، على ان " الماركسية اللينينية " هي الاساس النظري للحزب ، وكما جاء في مقررات المؤتمر الثالث ان الحزب يدعو الى " دمج الاشتراكية والصهيونية واللينينية " ، وقد ’عدلت هذه الصيغة فيما بعد على النحو التالي " دمج الاشتراكية والصهيونية والماركسية " .
ولا تزال عبارات " الصراع الطبقي " و " النضال ضد الامبريالية " و " الاشتراكية الثورية " و " النموذج الاسرائيلي للاشتراكية " و " النظرية الماركسية " تستخدم في وثائق الحزب وأعمال وخطابات بعض قياداته ومفكريه . والى زمن قريب كان الحزب يدعي احيانا ب " الحزب الماركسي " ويعلن انه يسعى للتوفيق بين الصهيونية والشيوعية ، وينادي بإنشاء " دولة ماركسية " لخ .
ولكن ليس لهذه المزاعم كلها اي اساس واقعي ، فمن المعروف ان الصيغة الاكثر راديكالية للصهيونية " ألاشتراكية والمتمثلة في فكر بورخوف العنصري لم تكن ’تمتّ بأية صلة فعلية الى الماركسية . وقد اتسم يسار الاشتراكية الصهيونية حتى في جميع مراحله وتطوراته ، بوجود خليط عجيب من منطلقات ايديولوجية وسياسية متناقضة ، واعتراف دغمائي كاذب ببعض المبادئ الماركسية . لقد كان تاريخ الحزب الشيوعي دليلا ساطعا على نهج الازمة السياسية – الفكرية المستمرة ، والإفلاس التام ، والارتداد الذي تسلكه " الحركة العمالية الصهيونية " . ان هذا التذبذب المتواصل لقيادة الحزب بين الاشتراكية اليمينية والصهيونية ، كان يؤدي دائما الى حلول تصب لمصلحة الصهيونية ، والى الانتقال اكثر فأكثر نحو اليمين سواء في المجال النظري ، ام على صعيد الممارسة السياسية والعملية ، وكذلك في ميدان السياسة الداخلية والخارجية . وتجدر الاشارة الى ان الحزب الشيوعي مثله مثل حزب العمال والحركات اليسارية اليهودية ، يؤيد مشروع " اسرائيل الكبرى " ، كما لا ننسى تأييده للعدوان الثلاثي على مصر في سنة 1956 ، ويتحمل كامل المسؤولية ، الى جانب الاحزاب اليهودية ، عن حرب 1967 والسياسة العدوانية الشوفينية التوسعية اللاحقة التي انتهجتها الحكومات الائتلافية التي شارك فيها . كما ان هذا الحزب اعلن عن تأييده لضم القدس الشرقية للدولة الصهيونية وسياسة الاضطهاد والقمع التي يمارسها الصهاينة ضد السكان العرب في قطاع غزة والضفة الغربية .
وللفت الانتباه فان جميع الحروب التي خاضتها اسرائيل ضد العرب ، كان يتولى زمام الحكم فيها حزب العمال المدعوم من قبل الحزب الشيوعي والنقابة العمالية الصهيونية ، كما ان جميع اتفاقيات الذل التي ابرمتها اسرائيل مع الدول العربية ، كان في وقت كانت فيه اسرائيل ’تسير من قبل الاحزاب اليمينية .
واذا كانت الاحزاب الاسرائيلية على ملة واحدة حين يتعلق الامر بمستقبل الدولة العبرية المغتصبة ، اذ لا فرق بين ( اليمين ) و ( اليسار ) ، فان ما اضحى يثير الشك والاستغراب ، هو ان تقدم بعض الاحزاب الاسلاموية تجار الدين ( حزب العدالة والتنمية المغربي ) على استضافة الصهاينة في مؤتمرهم الاخير ، ضاربين عرض الحائط بالشعارات التي كانوا يتغنون بها في الجامعة ( خيبر خيبر يايهود جيش محمد سيعود ) ، وهو الشيء نفسه فعله العيّاط محمد مرسي حين بعث برسالة الى شيمون بيريز يصفه بالصديق الكبير لمصر وللشعب المصري ، كما لا ننسى حضور العديد من الاحزاب العربية التي تدعي ( التقدمية ) مؤتمرات الاممية الاشتراكية التي هي في الاصل مؤتمرات الاممية الصهيونية للتطبيع مع هذه الاحزاب العربانية . انه نفس الشيء تقوم به العديد من الاحزاب العربية التي ترفع شعار الماركسية حين تحضر اللقاء السنوي ، الى جانب حزب العمال والحزب الشيوعي الصهيوني ، لاحياء ذكرى تأسيس جريدة الحزب الشيوعي الفرنسي ( الانسانية ) بباريس .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحركة الاسلامية بالمغرب ( 6 )
- الحركة الاسلامية الاخوانية بتونس ( 5 )
- الحركة الاسلامية في لبنان ( 4 )
- الصراع بين حزب البعث والسلفية الاخوانية في سورية ( 3 )
- التيار السلفي في مصر ( 2 )
- ملف عن السلفية الاسلاموية ( 1 )
- النخبة وزمن التّيه السياسي
- الثورة آتية لا ريب فيها
- عودة كريستوفر رووس الى المنطقة
- في الثقافة الوطنية القومية الاصيلة
- الماركسية والتراث والموقف من الدين
- تسعة واربعين سنة مرت على حرب اكتوبر . ماذا بعد ؟
- الموقع الطبقي لحركة الضباط الاحرار
- لبنان وسورية في فوهة البركان الصهيوني
- عالم آخر ممكن
- اتجاه العنف في الاستراتيجية الامبريالية الامريكية
- البنك العالمي للانشاء والتعمير في خدمة الادارة الامريكية
- ( الدولة اليهودية ) ومفهوم الحدود الآمنة
- حركة التحرر العربية : ازمة عارضة او بنيوية ؟ الربيع ( العربي ...
- الصهيونية العالمية والنازية وجهان للصهيونية الاخوانية


المزيد.....




- قطار يمر وسط سوق ضيق في تايلاند..مصري يوثق أحد أخطر الأسواق ...
- باحثون يتكشفون أن -إكسير الحياة- قد يوجد في الزبادي!
- بانكوك.. إخلاء المؤسسات الحكومية بسبب آثار الزلزال
- الشرع ينحني أمام والده ويقبل يده مهنئا إياه بقدوم عيد الفطر ...
- وسقطت باريس أمام قوات روسيا في ساعات الفجر الأولى!
- الدفاعات الروسية تسقط 66 مسيرة أوكرانية جنوب غربي البلاد
- -يديعوت أحرنوت-: حان الوقت لحوار سري مع لبنان
- زعيم -طالبان-في خطبة العيد: الديمقراطية انتهت ولا حاجة للقوا ...
- الشرع: تشكيلة الحكومة السورية تبتعد عن المحاصصة وتذهب باتجاه ...
- ليبيا.. الآلاف يؤدون صلاة عيد الفطر بميدان الشهداء في طرابلس ...


المزيد.....

- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - المنطلقات النظرية للاشتراكية الصهيونية البروليتارية