أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - سهر العامري - نقمة الامطار في العراق














المزيد.....

نقمة الامطار في العراق


سهر العامري

الحوار المتمدن-العدد: 3953 - 2012 / 12 / 26 - 13:46
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    



كان العرب يتفاءلون خيرا بهطول الامطار ، فهي سبب الخضرة والنماء ، ولم يقفوا عند هذا الحد بل دعوا الى أن تسقي تلك الأمطار الأرض التي تحل بها قبور موتاهم مثلما يقول متمم بن نويرة في أخيه مالك :
سقى الله أرضا حلها قبر مالك * * ذهاب الغوادي المدجنات فأمرعا
كتبت بعد خروجي من العراق ، وكنت قد زرته بعد اثنتين وثلاثين سنة ، أن القوم الحاكمين هناك لا يملكون رؤية واضحة في إدارة الحكومة والحكم ، وكل زائر للعراق مثلي يتلمس هذه الحقيقة من خلال سيره في شارع ما ، أو مراجعته لدائرة من الدوائر فيه ، فالشوارع تحولت الى حفر وبرك ، والدوائر الى فوضى وقصور في العمل ، والجيش تحول الى شرطة داخل المدن وخارجها .
كان سبب ذلك واضحا ، فالدولة العراقية انهارت بكل مؤسساتها بعد الاحتلال الأمريكي للعراق ، وقد حلها الخطأ بدل الصواب ، وصار القوم الذين يديرون الحكم فيها يجانبون الصحيح والقويم من الفعل ، فهم على جهل بالحكومة ، ونقص بالمؤهل ، وانعدام في الخبرة ، وصار الواحد منهم ينظر الى المنصب على أنه غنيمة يجب أن يستأثر فيها دون غيره ، فقد سمعت مسؤولا في تلك الدولة يقول : جئنا نحن الى الحكم من أجل تعويض "المجاهدين" والمجاهدون عنده لون واحد ، وليس الألوف من العراقيين الذين جاهدوا أكثر مما جاهد الرجال الذين يعنيهم هذا المجاهد ، ونسى هذا المسؤول أن المجاهد الأول هو الشعب العراقي الذي تعرض للظلم والاضطهاد على مدى عقود من الزمن .
تحت منطوق نظرية : تعويض المجاهدين ، ضاعت الدولة بعد أن عوض المجاهدون بمناصب حكومية هم ليس أهلا لها أبدا ، وإنما وصلوها عن طريق شهادة مزورة ، أو عن طريق شهادة من كتاتيب دينية لا يرقى تحصيلها الى شهادة المدرسة الحديثة لا في القيمة العلمية ولا في الاختصاص ، ومن هنا صار الجهاز الإداري في العراق أعمى لا يفرق بين الخطأ والصواب ، أو بين الصالح والطالح ، فضاعت أموال الشعب ، وصارت نهبا للسراق من متحيني الفرص .
انتدبت أنا للعمل في القطر الجزائري مع ثلاثمئة مدرس ومدرسة عراقي وعراقية ، كان الهدف من انتدابنا هو المشاركة في عملية تعريب الثانويات الجزائرية ، وكان هذا بعد سنوات قليلة من طرد المستعمرين الفرنسيين ، وبزوغ فجر انتصار الثورة الجزائرية ، تلك الثورة التي نهض فيها الفلاحون في الأرياف بالدرجة الأولى ، وكانوا هؤلاء على حظ قليل من التعليم أو أن البعض منهم لا يعرف القراءة والكتابة ، ولكن الجميع كانوا يسمون بالمجاهدين كذلك.
ظهر وقتها سؤال صعب : أين يذهب هؤلاء المجاهدون بعد الانتصار ؟ هل تسلمهم حكومة الثورة مناصب مهمة في الدولة ، وهم لا يحملون مؤهلات لذلك ؟ هذا في الوقت الذي كان فيه جهاز الدولة الجزائري في تطوره وانتظامه يوازي تطور وانتظام الجهاز الفرنسي ، فقد اعتبر المستعمرون الفرنسيون أن الجزائر هي فرنسا ما وراء البحار ، فكيف لمجاهد متدني التعليم ومنعدم الخبرة أن يدير ماكنة جهاز إداري ارتقت به العقلية الرأسمالية الفرنسية مراحل متقدمة في العلم والمعرفة ؟ ولهذا وجدت حكومة الثورة أنه من الحكمة أن تبقي على الجهاز الإداري الذي نشأ زمن المستعمرين من أجل أن يقوم بإدارة الدولة الجزائرية بعد تحررها ، ولا تعمد الى تزوير شهادات للمجاهدين ، وتضعهم في مناصب حكومية هم غير قادرين على إدارتها أبدا.
إزاء هذا الوضع عمدت حكومة الثورة الى تأسيس وزارة جديدة اسمتها وزارة المجاهدين أخذت على عاتقها العناية بحياة مجاهدي الثورة ممن كانوا على قيد الحياة ، أو العناية بأسرهم ممن كانوا من الأموات ، كما خصتهم بأفضلية الحصول على عمل يتوافق مع قدراتهم الثقافية فعلى سبيل المثال يمنح المجاهد إجازة سوق سيارة إجرة بأفضلية على متقدم مثله الى هذه الفرصة من العمل حين يكون ذاك المتقدم ليس من مجاهدي الثورة .
على هذه الشاكلة وعلى الاستعانة بخبرات البلدان الأخرى ، وضمن ضوابط محددة ، لم تبذر فيها أموال الشعب على لون واحد من المجاهدين مثلما هي الحال في عراق اليوم ، استطاعت الجزائر أن تتجاوز المحن التي لاقتها بعد انتصار الثورة على المستعمرين الفرنسيين الذين جثموا على صدر الجزائر لمدة زادت على مئة وثلاثين سنة .
إن ضعف الجهاز الإداري في العراق ، والقضاء على السمة العصرية فيه ، هما سببان يكفيان لتفسير حالة التدهور التي تعيشها الدولة العراقية اليوم ، فالجهاز الإداري العراقي فقد المسميات الوظيفية العصرية من مثل : مدير دائرة ، أو معاون مدير ، أو محاسب ..الخ ، فقد استبد بي العجب حين كنت أراجع دائرة من دوائر ذلك الجهاز ، طرحت فيها سؤالا عن الجهة التي يمكنني أن أقدم طلبي لها ، فجاءني الجواب حالا : إذهب الى الحجي ( الحاج ) قلت للمجيب من يكون هذا الحجي ، قال مدير الدائرة ! ضحكت في سري وقتها ولم أزد على ذلك حرفا . وعلى هذا فأنت الآن تسمع في الدوائر العراقية مسميات لا تمت بصلة لأجهزة الدولة الحديثة التي وصلت لها البشرية بعد مكابدة طويلة ، فهناك سيقال لك : إذهب للشيخ ! أو إذهب للسيد ( أي الذي ينتسب الى أل البيت )
تلكم هي الأسباب التي أدت الى غرق المدن العراقية بما فيها العاصمة بغداد هذه الأيام ، وليس كمية الأمطار التي تساقطت في الساعات الأخيرة ، والتي عرفتها مدن العراق في سنوات خلت لكن دون غرق ، ودون أن تسقط البيوت على ساكنيها فتميت بعضهم وتجرح البعض الآخر منهم .



#سهر_العامري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سقوط الاخوان في مصر
- القذافي حيّا !
- وما أدراك ما لندن ! (4 )
- وما أدراك ما لندن ! (3 )
- وما أدراك ما لندن ! (2 )
- وما أدراك ما لندن ( 1 ) !
- الطبقات والصراع الطبقي
- حال المرأة بعد الثورات العربية !
- برافو
- حديث ليبيا ( 5 )
- حديث ليبيا (4)
- حديث ليبيا (3)
- حديث ليبيا ( 2 )
- حديث ليبيا (1)
- الأسماء المكروهة !
- الغرفة رقم 400
- مقابر تتسع باطراد !
- البلاد العظيمة (5)
- البلاد العظيمة (4)
- البلاد العظيمة ( 3 )


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- علاقة السيد - التابع مع الغرب / مازن كم الماز
- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - سهر العامري - نقمة الامطار في العراق