|
ذكريات في مدينة تتلاشى ذاكرتها (5 )
خسرو حميد عثمان
كاتب
(Khasrow Hamid Othman)
الحوار المتمدن-العدد: 3951 - 2012 / 12 / 24 - 15:25
المحور:
الادب والفن
ذكريات في مدينة تتلاشى ذاكرتها (5 )
((تلاقى الجمال والقبح ذات يوم على شاطئ البحر، فقال كل منهما للآخر هل لك أن تسبح؟ ثم خلعا ملابسهما، وخاضا العباب. وبعد برهة عاد القبح إلى الشاطئ وارتدى ثياب الجمال، ومضى في سبيله. وجاء الجمال أيضاً من البحر، ولم يجد لباسه ، وخجل كل الخجل أن يكون عارياً، ولذلك لبس رداء القبح، ومضى في سبيله. ومنذ ذلك اليوم والرجال والنساء يخطئون كلما تلاقوا في معرفة بعضهم البعض. غير أن هناك نفراً ممن يتفرسون في وجه الجمال، ويعرفونه رغم ثيابه. وثمة نفر يعرفون وجه القبح،والثوب الذي يلبسه لا يخفيه عن أعينهم.....)) جبران خليل جبران.
لم أجد ما يُعينني على تجاوز حالة الإحباط التي أصابتني في الصميم، بسبب عجزي عن إيجاد أى تفسير أو مبرر لما كنت أراه، عن قرب، من أعمال في غاية القُبحْ بجميع المقاييس ، رغم إعتقادي، في ذلك الوقت، بإنني مؤهل لقراءة الملامح العامة للواقع الجديد وتفسير الكثير من الظواهر الغريبة المثيرة للإشمئزاز، والتي بدأت بالبروز للسطح مع حلول (العهد الجديد)، عشية إنسحاب الحكومة المركزية من المنطقة، بإستثناء محاولة الإتيان بعمل (جميل) أو التفكير في عملٍ إبتكاري نافع. لم أجد في هذا المناخ العام، المتسم بالكثير من السلبية، غير التورباين الذي كان يُصنع في ورشتي وعلى وشك الإنجاز، مصمم لنصبه في قرية پيران الواقعة على سفح جبل پيران الشاهق، وكان بطاقة خمسين كيلواط ويعتمد في دورانه على تحويل الطاقة الكامنة للماء إلى طاقة حركية( ميكانيكية) خلال مروره بين الزعانف المثبتة على المحور إعتماداً على حسابات هندسية دقيقة والذي يقوم بدوره بتحريك المولد الكهربائي، بدأت بمقارنة هذا التورباين بمحرك الديزل الذي كان يُحرك مولدة الكهرباء بطاقة خمسين كيلواط أيضاً، موجودة في الورشة : حجم محرك الديزل الياباني كان أكبر بعشرين مرة، بدون مبالغة، عن حجم التورباين الذي كنا بصدد إنتاجه بالإضافة إلى إستهلاك الوقود والزيوت و الضوضاء والملوثات الأخرى، المضرة للإنسان والبيئة... هذه المقارنة الأنية جعلتنى أشعر بالتقصير تجاه ماكانت تُنتج في الورشة، بصورة عامة، بسبب عدم إهتمامي بالمظهر الخارجي لها ولم أقصد بذلك النواحي الجمالية التى لها معايير تعتمد، أساساً، على النسبة والتناسب للأبعاد عند المصممين، وإنما بكيفية تلاقى المساحات من خلال خطوط مستقيمة مشكلة زوايا(حادة وقاسية) للناظر بالإضافة إلى أثار اللحام. تخيلت لو تمكنت في الإنتقال من مساحة إلى أخرى تقاطعها من خلال منحنيات بطريقة إنسيابية بحيث تُمحى الزوايا من أمام عين الناظر لأصبحت هذه الماكنة التي في مراحلها الأخيرة، الجميلة بالمقايس الهندسية، كإمرأة تعرف كيف تُجسدُ مفاتنها من خلال المنحنيات التي تُشكل ملامح جسدها، ولتكون متناغماً مع طبيعة المكان الذي يدخل فيه إلى الخدمة ، حيث يندر أن يجد الأنسان خطاً مستقيما في مجمل المشهد الطبيعي و بضمنه خط الأفق المتعرج الذي يتشكل من تناطح قمم الجبال الشاهقة للسماء التي تُغير ألوانها تبعاً لموقع الشمس في قبتها. دفعتني هذه الخواطروغيرها للذهاب إلى المنطقة الصناعية الشمالية لأكتسب بعض الخبرة من صباغي السيارات عن المواد التي يستعملونها لإعادة الإنسيابية إلى القشرة الخارجية لأبدان السيارات التي تتضر نتيجة الحوادث، وأثناء وصولي إلى نقطة سيطرة حزبية مسلحة كانت متمركزة عند ملعب الإدارة المحلية* حوالي الساعة العاشرة صباحاً، بعد أن تأكد القائم بإيقاف السيارات من هويتي ورقم سيارتي أخذ يضربني بعقب رشاشته الكلاشنكوف وأنا خلف مقود السيارة من خلال الشباك الذي كان مفتوحاً على أخره وبدون أن يتفوه بأية كلمة، نزلت من السيارة متسائلاً عن سبب ضربي بهذه الطريقة، أجابني بصفعة قوية على خدي الأيمن وقائلاً: أنت پارتي**. ثم أمرني بالذهاب والوقوف بجانب سياج الملعب، إنصعت لأمره متوجهاً نحو السياج وأنا أعيد في خيالي مشاهد قتل الجنود الرومان للعالم (أرخميدس) في الأسكندرية بسبب إمتناعه للإنصياع الفوري لأوامرهم ومتذكراً قول كارل ماركس بأن التأريخ يُعيد نفسه مرتين... .
* لم يكتفوا بخطف إسم هذا الملعب الرياضي من ذاكرة مدينة أربيل بتحويل تسميته من إسم دائرة حكومية كانت لها باع طويل في إنشاء معظم الدوائر الحكومية والمرافق الخدمية على مستوى المحافظة كلها منذ نشوء الدولة العراقية إلى مادة حزبية لتخليد إسم أحد الكوادر الحزبية، وإنما قضموا جزءاً كبيراً من مساحته أيضاً، لتحويلها إلى أملاك خاصة ذات طابع تجاري مما سبب في فقدان الملعب لبهائه وهيبته وإختفائه من أمام أنظار المارة في الشوارع التي كانت تحيط به من الجوانب الأربعة بسبب هيمنة ما بُنيت من منشأت تجارية على المساحات المقضومة من أرض الملعب الرياضي الواقعة على جانبين من جوانبها الأربعة، وهنا أود أن أشيد بكوكبة من الرواد الأوائل من المشجعين الأربليين، كمثال لا للحصر، من الذين يبدوا أن أسمائهم على وشك أن يدخل عالم النسيان رغم باعهم الطويل في تشجيع الرياضة بروح رياضية وإنتشارها في مدينة أربيل بعيداً عن مكاسب شخصية أنانية أو دوافع حزبية وسياسية أو تجارية: إبو بَربَر إبراهيم ناناوا حيدر أفندي صابر حنا عيسى سبزچي مصطفى ناناوا صلاح شهاب المدرب ممو خليل: بمواقفه وإنفعالاته خصوصاً عند خسارة الفريق في مسابقات الدوري. **تسمية شائعة للمنتمين للديمقراطي الكوردستاني. أربيل 23/12/2012
#خسرو_حميد_عثمان (هاشتاغ)
Khasrow_Hamid_Othman#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ذكريات في مدينة تتلاشى ذاكرتها (4)
-
ذكريات في مدينة تتلاشى ذاكرتها(3)
-
ذكريات في مدينة تتلاشى ذاكرتها(2)
-
ذكريات في مدينة تتلاشى ذاكرتها(1)
-
إعادة صياغة الذات
-
ميثاق شرف!
-
التمهيد لتأسيس لغة كوردية رسمية
-
الفارغون رقم 2
-
26// بين عامي 1984 و 1987
-
حورية ومعلقاتها على أبواب معبد(1)
-
ما كنت أحلم به (12)
-
تعقيبا على مقال…بمنظور غير سياسي(8)
-
25// بين عامي 1984 و 1987
-
هي تسأل وهو يٌجيب
-
ما كنت أحلم به (11)
-
تعقيبا على مقال … بمنظور غيرسياسي (7)
-
من أوراق باحث عن اللجوء (3)
-
24// بين عامي 1984 و 1987
-
من أوراق باحث عن اللجوء (2)
-
ماكنت أحلم به…(10)
المزيد.....
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|