|
الدين والجنون – 6 - المدينة – 4
عبدالله الداخل
الحوار المتمدن-العدد: 3950 - 2012 / 12 / 23 - 20:20
المحور:
الادب والفن
المدينة – 4
-"لنحلم بالمدينة! هل الحُلـْمُ ممنوعٌ؟"
-"في الصحارى فقط تكبُر الأحلام في الريح والأقمار، فدعني أحلمْ إذاً: ماذا أريد من القمر غيرَ المُنى وماذا رجوتُ من الرياح سوى حريتي التي تجتاحني ليلاً لأني أنا؟"
-"أرى ذاتـَكَ تطفو!"
-"ما الذي نجني من تربةِ الخيباتِ غيرَ جذور ِالغرور؟ فحين كانت الألغازُ المخيفة ُتأتي من جنوننا السرّيّ إلى كتبٍ حشوناها بخط اليد شموساً باردة ًوعقاربْ تزحفُ صوبَنا من ثقوب الهزيمةِ فينا عرفنا أنّ الأكاذيبَ التي من شروط العيش هنا وهناك تلوحُ في حَراكِ الحياةِ كما في دبيب الموتِ والعَفـَن ِ لأني تعلـّمتُ ما يُخجـِلـُني مني كي أخجلَ مني علموني: أهمّ ُما في الحياةِ أكذوبة ٌ علموني الفشلْ فمن حواشيه الغرور هكذا فقدنا الأرض والأفكار والجرأة هكذا ضـُيِّعْتُ وهكذا ضيّعوا وطني! فهل من حدودٍ لجنوننا المعقول في السرِّ والعلن ِ؟"
-"في الشك الهداية ُوالسعادة!"
-"إن ِانتزعوا شكّي بالمقابلْ، وصرتُ أعمى، فكيف أ ُقاتلْ؟ وإنْ خطفوا في شتاءٍ من وجهيَ ضِحْكـَهُ، كيف يمكنني الصمودُ بوجه الزمهرير؟ إذاً سيُقتـَلُ فوراً من ليس برأسِهِ شكّ ُ ويجمُدُ كلّ ُوجهٍ ليس على شفتيه ابتسامة! كما الموتُ يعشق الخرابَ الذي يطوّق الأسوارَ والأسرارَ في المدن الحصينة، يبقى بخيبات القانطين بها وخوفِ الضعفاء فما يُحيط بالأسوار سورٌ من الخبث والهزيمة والجريمة والسلاح يدور حولها خالداً بغباره فيبقى فجرُها الموعود يغطـّ ُفي منام الليل فقد ضاق نهارُ أزقتِها لصوصاً فكلّ ُما يحدث في المدينة مكتوبٌٌ على ذرات التراب بها موتاً وسكينة!"
المدينة - 3 *
- "أليس مِنْ مدينةٍ بعدُ؟"
- "جنون! قلتُ عَشْرَ مرّاتٍ: ليس من مدينة! أفي قِواكَ خطوة ٌأخرى؟"
- "تولـَدُ الخـُطى من قوةٍ في النوايا قبل الرأس والقدم ِ!"
- "دعنا بهذه البَيْدا، إذاً فهل تريد مدينة؟ فإني لا أفهم شيئاً: كيف لا تهتز هذه القارة عندما يأتي المدينة َأوغاد يُحيلون شوارعَها ساحاتِها، ملاعبَها معتقلاتْ؟ ألم يصدّروا الكبريتَ مجاناً؟ أما استوردوا حَمْضاً يذوِّبُنا؟ فكيف أتتهمْ قدرة ُاللهِ على اغتيال ٍبحجم الأرض؟ وكيف تريد مدينة ً يحـْكـُمها دينٌ أو جنون؟"
- "كلاهما!"
- "كلاهما؟ حَسَناً إذن! كلاهما! فكيف بقصف مدينةٍ، كلـِّها، وإحراق ِبلادْ؟ وكيف بحرق الأرض، كل الأرض ببحارها من "معبد" الدين؟ تعالَ قل لي إذاً:
أيّـُهما وباءٌ أيّـُهما الدفينْ؟
أيهما صنمٌ أيهما الطين؟
أيهما الذبابُ أيهما الطنين؟
أيهما ظنّ ٌمُعْلـَنٌ؟ وأيهما وهمٌ تشبّهَ باليقين؟
أيهما العَمى والظمَا * وأيهما الجفافُ يُصيبُ العيون؟
أيهما طوقٌ وحصارٌ ومذبحُ أطفال ٍ؟ وأيهما موتُ الرجال شباباً عند أسوار الحصون؟
وأيهما نراه مكتوباً على وَجَناتِ النساء خريفاً؟ وأيهما النديفُ المبكر في رؤوس ٍتشيّبُها السنون؟
فأيهما ذخيرة المنجنيق من جثث الموتى وأيّـهما الطاعون؟
وأيّهما فخ ّ ٌكبيرٌ وأيّهما كمين
فأيهما خائنٌ إذاً، وأيهما محتلـون؟
أحقا تريد مدينة؟"
المدينة -1
-"ماذا ترى؟"
-"لا شيءَ سوى الأفق؛ ولكن: لا تمُتْ هنا الآن."
-"لستُ إلهاً."
-"مُتْ في المدينة!"
-"مَن يقدَر على التأجيل؟"
-"كنْ إلهاً، ولو لخطوةٍ أخرى."
-"أتعرف الآلهة ُالخـُطى؟"
-"ولكنْ أنت تعرفها!"
-"ماذا ترى الآن؟"
-"حتى الأفق يختفي."
-"غير معقول!"
-"وأي شيءٍ معقول؟"
-"لا بد من مدينة."
-"مدينة؟"
-"قرية، أي شيء!"
-"ليس سوى يباب."
-"يباب؟"
-"الحقََّ الحقََّ أقول لك: ليس جنونا فالجميعُ بكامل ِعقلِهم بكل مكانٍ، من هنا وحتى كل أفـْق ٍمُختفٍ، لأنه تجنين! فالمدينة ُابتعدت وما زلنا سائرَيْن ِأو جالسَيْن ِهنا بانتظار قدوم مدينةٍ أخرى لا تعود لنا لأنـّا لا نعودُ لها فليس في عمر زمانها كثيرٌ من عمرنا فلا شيءَ يعود لنا."
-"أقلتَ ابتعدت؟ لأني لم أرَ منها شيئاً قريبا، كأني لم أكن فيها، كأني ما غرقتُ في بحر آمالها، كأني غريب."
-"كنا في سالفِ ذاكَ المزيج ِالنادر من الموت والأمل لأنّ الآمالَ، كالمكان وكالأشياء، تغيّر نفسَها تراوغ بين ايدينا كأسماكٍ تعاندُ النزع َالأخيرَ من ضحل المياه تجحظ في وجوه الجائعين، كذلك الزمنُ الذي أخضعَنا لآلهةٍ صغيرة لأن كلَّ ما غير مقبول ٍلدى الصغار من كلا النوعين يكون جنوناً، إنه حقاً لعُمرٌ قصيرٌ فكيف له أن يمرّ دون أن أشتمهم في قـُدْس أسرارِهم؟ أشتمهم لأني هنا، فوق الجدار، فإني ما زلتُ أشم وإياهمُ ذاتَ الهواءَ الذي لوّثوه عند وجهي كلما مررتُ بقريتي وطالما لوثوا عليّ قريتي أشتمهم ألفَ مرةٍ لأن ما سيبقى هنا من الكلام بعدي سوف لا يبقى، سوى غضبتي.
المدينة – 2
الحصانُ وراكبـُهُ يهبطان من السماء مسرعَيْن ِعلى جبل ٍ يحملان الوصايا للمدينة وليس من مدينة فتهيّأوا للحظة ارتطامْ تحتلّ ُتأريخَ الغبار والظلام!
دعوتُ الى فراش ٍدافئ ٍ في فجر صيفٍ باردٍ ملاكـَيْن ِعاريَيْن رقصا على منضدة الليل طولَ الليل، لم يسمعاني وعندما اتحدا أزحتُ الستارة كي يدفأ الجسدان ِ بنور الشمس لكنهما إختفيا
قرى السماءِ والإلهِ والقـُباب قرى الوحول ِوالدماءِ والذباب تحثّ ُخـَطـْوي نحوَها هَـبّة ٌ من النسيان وعصْـفتان في ظهري، بريح ٍ من طفولةٍ وشباب، حملتـُها على رأسي كملابسي عابراً على مضض ٍ فأترعَتـْني على الضفتين من مرّ الشراب؛ وجدتـُها في متاحفهم هنا حملـَتـْني على جناحين ِمن حَجَر ٍ وأرجعتني للحليب تخاطب كلََّ من بَنى أوطانـَه سهواً من أجل أن يبقى، تقول لكل ذي قرن ٍنما له بين عينيه أسبابَ الخراب، تسقيني سراباً فأسقيها على البعد قذفـتين، كالدماءِ، من قلمي إلى رَحِم ِالكتاب
فكم توكـّأ الأغرابُ بها على بريق ٍشاحبٍ ينحني خجلا ً كعادة الضوء في مقبض العصا وصفرةِ الخـَيزران وكم تهتزّ ُ من العار أغصانٌ عند زوايا الفأس بما تنوء به تواريخ الأكفِّ من المسامير في الراح وأذرع الصلبان وكم يُحمَـلُ جرمُ الله كجذع ٍميتٍ ملفوفاً في حرير براءتِه يعبّئُ بالخطايا الثقال المكان وكم كان تذمر الأشجار تنفض أرؤسَها بزرقة الله محتجة ً لثرثرة الرجال إذ تملأ جنتـَهم هنا وتملؤها في الخيال.
-"إذن متى نصل المدينة؟ أما من أمل ٍ؟"
-"أمل؟"
-"لن أموت قبل الوصول إليها."
-"قد نموتُ في الطريق، كما ماتوا."
_"ماذا ترى في الأفق؟"
-"قلتُ لم يعد من أفق ٍ."
-"إذن فقد وصلنا." ــــــــــــــــــ *نص"المدينة -3" هنا يختلف عما نـُشِر سابقاً، وذلك بإلغاء "تجربة" لمفردة "ضمى" الواردة في عبارة "ضمى وعمى"، وإعادتها الى ما ورد في المسودة الأولى "العمى والظما"! وهي تجربة تختلف أساساً عما ورد في عبارة "وهذا الظمى الذي اعتصر المعاني من الشفاه" في المقطع الثاني من "أنت معنى" المنشورة في الحوار المتمدن في 19-5-2008، حيث "الظمى" بالألف المقصورة، مع إبقاء الظاء (وعدم تغييرها الى ضاد) تعني "السّـُمْرة" وليس "العطش" كما يبدو لأول وهلة! هل يُسمَح بتسمية "بعض" الهفوات "تجارب"؟ ما العلاقة؟ لأن الأولى كانت تجربة جدية وأصيلة، أما الأخيرة فهفوة، رغم إدراكي للفروق الدقيقة بين هذه المفردات من عقود!
#عبدالله_الداخل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدين والجنون – 5 – المدينة - 3
-
حوارات من سِفْر التحدّي البدائي - 2
-
ثلاث
-
القرية - 79
-
في اللغة – 4 – -المادة- و -المال- وأهون الشرين سياسياً
-
في اللغة -3- ملاحظات للكتّاب العرب
-
مندائيو المهجر – 2 – المفارقات ال-روحانية-
-
مندائيو المهجر -1 - هل هم بحاجة الى مجلس -روحاني-؟
-
عصر الرصاص 19-22
-
المندائيون وقطيع دراور - 3
-
العشب
-
القرية – 78
-
كبار منسيون -1- عبد وحواح
-
القرية 77
-
مظفر النواب - 1 - بدايات الفرار الدائم
-
حوارات من سِفْر التحدّي -البدائي- - 1
-
القرية - 76
-
فتوى الشيخ عبدالله الداخل برجال الدين!
-
كامل الشوك
-
مقدمة جدية في تحليل جذور شخصية ابراهيم عرب - 2
المزيد.....
-
ما حقيقة الفيديو المتداول لـ-المترجمة الغامضة- الموظفة في مك
...
-
مصر.. السلطات تتحرك بعد انتحار موظف في دار الأوبرا
-
مصر.. لجنة للتحقيق في ملابسات وفاة موظف بدار الأوبرا بعد أنب
...
-
انتحار موظف الأوبرا بمصر.. خبراء يحذرون من -التعذيب المهني-
...
-
الحكاية المطرّزة لغزو النورمان لإنجلترا.. مشروع لترميم -نسيج
...
-
-شاهد إثبات- لأغاثا كريستي.. 100 عام من الإثارة
-
مركز أبوظبي للغة العربية يكرّم الفائزين بالدورة الرابعة لمسا
...
-
هل أصلح صناع فيلم -بضع ساعات في يوم ما- أخطاء الرواية؟
-
الشيخ أمين إبرو: هرر مركز تاريخي للعلم وتعايش الأديان في إثي
...
-
رحيل عالمة روسية أمضت 30 عاما في دراسة المخطوطات العلمية الع
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|