الفيتو الأمريكي والصمت العربي

خالد الصلعي

الحوار المتمدن-العدد: 3948 - 2012 / 12 / 21 - 20:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

الفيتو الأمريكي والصمت العربي
__________________________
شيئ لا يصدق ، فرغم أن الفيتو الأمريكي الأخير حول ادانة وشجب التوسعات الاستيطانية الاسرائيلية في الضفة الغربية ، جاء مجلجلا وسط تأييد أممي غير مسبوق ، الا أن تداعياته الاعلامية والسياساسية مرت بردا وسلاما على جميع المهتمين اعلاميا وثقافيا وسياسيا بأم القضايا العربية ، وهي القضية الفلسطينية .
ولا أدري السبب الحقيقي وراء هذا التغييب المتعمد لهذا الحدث الدولي الهام ، وكأن هناك تواطؤا مشبوها بين الارادة الأمريكية وجميع المهتمين والمتتبعين للقضية الفلسطينية عربيا ، برغم التأييد الأممي المطلق ،وهو ما يعطي للعرب وللفلسطينيين خاصة ،قوة ضغط اضافية ، وزخما ديبلوماسيا أمميا للتصدي للولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت منعزلة تماما عن الاجماع الدولي ،فالأمر يتعلق بتصويت أربعة عشر دولة تأييدا للقرار ضد دولة واحدة متمترسة وراء باطل الفيتو ديمقراطيا .
ولعلها من وجهة نظر علم الحضارات اشارة قوية للشيخوخة التي بدأت تزحف بقوة على الحضارة الأمريكية ، وبداية أفول حضارة الوجبة السريعة" الهامبورغر "، فبعد انهيار ثقافة القوة العسكرية وتراجع البطش الاستخباراتي ، هاهي الولايات المتحدة الأمريكية تعود القهقرى وراء الاجماع الدولي حول قضية سبق وأن أدانتها عبر مؤسساتها الرسمية ،حيث سبق للمتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض وسفيرة الولايات المتحدة الأمريكية بالأمم المتحدة أن أصدرا بيانات تهاجم رغبة وارادة الكيان الصهيوني بتوسيع المستوطنات ،واعتبرت هذه البيانات أن قرارات التوسيع لا تخدم ترتيبات السلام .
من المعلوم قانونيا أن التوسعات الاستيطانية تنتهك كل المواثيق والأعراف الدولية ، وأي دفاع أو تستر هو شراكة معلنة في هذا الانتهاك ، وعلى الرغم من أن تبني اسرائيل أمريكيا أصبح من نافل القول ،الا أن التحولات الدولية ،هي أيضا أصبحت من نافل الأحداث . أمريكا الأمس ليست هي أمريكا اليوم ، وروسيا البارحة كما الصين والهند وايران وغيرها من البلدان القادمة بقوة الى الساحة الدولية ،ليست هي نفس بلدان البارحة . لكن دول العرب تبقى هي هي ،رغم أنها تعتبر قلب متغيرات الكون ونبضها ، لكنه كما يبدو قلب توقف عن النبض مؤقتا ،الى أن يرحل عنه هؤلاء الحكام المعينون بظهائر غربية ،فهم الآن أصل بلاء الأمة العربية وسوسها . انها الحظة التاريخية المفصلية التي كان بالامكان اغتنامها كي يثبتوا وجودهم ،كقوى ناهضة ،تمتلك كل أسباب النهوض والتقدم والحضارة ، لكنهم للأسف مهتمون بنهب خيرات أوطانهالم وشعوبهم والتنكيل بهم وسجنهم والتضييق عليهم ومحاصرتهم ،عوض قيادة هذه الأوطان والشعوب الى مستويات راقية وسامية ,
الكل بات يعترف بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية ،أن سياسة الاستيطان تهدد السلم والأمن الاجتماعيين الهشين أصلا ، وأن التراكمات لا بد وأن تفضي الى احتقانات وتفجرات بالمنطقة التي أصبحت خارج معايير الضبط والتدجين كما في السابق . حتى وان تواطأت المؤسسات الرسمية والاعلامية والثقافية التي أصبحت تحتكم لأجندة واحدة ،وهي أجندة تمييع ما تبقى من بصيص أمل في هذه الأمة وتجفيف البقية الباقية من وعيها الوجودي والانساني . وكأن هناك صراعا خفيا بين ارادة البقاء ورغبة المحو ، والتاريخ هو الحكم النزيه .
الولايات المتحدة الأمريكية تجيب الآن بصوت عالي وجهور أمام صمت الدول العربية وأبواقها الاعلامية ، وفي فورة أممية ، أنها عدوة الشعوب العربية ،وبخاصة الشعب الفلسطيني ، وضد العالم أجمع ،ومع اسرائيل فقط .فأن تعلن بريطانيا وفرنسا ،حليفاها التقليديان عن مساندتهما لقرار الشجب الأممي ،بما فيه قرار الأمين العام نفسه ،فهذا لايعني الا أمرا واحدا سبق للمفكر الفرنسي "جان بورديار أن لخصه في قولة له عن الرأسمالية التي بدأت تقضم جسدها .
قبل أيام اعتمدت صحيفة "البرافدا "الروسية ما كتبه عراب الوجود الأمريكي بداية السبعينيات من القرن الماضي وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية "هينري كيسنجر" ، حين تنبأ بأفول اسرائيل بعد عشر سنوات ، وهو التنبؤ الذي لم يؤاخذ به العراب برغم أنه يعاكس أحلام هرتزل ، ووعد بلفور ، ويسفه رومانسية محمود عباس .لكن أحدا من محاميي السامية لم يرفع قضية ضد كيسنجر .
وأمام الفيتو الأمريكي والصمت العربي بكل مؤسساته الرسمية والشبه رسمية وغير الرسمية ، لايمكن تفسير هذا التكالب الاستيطاني الصهيوني ، الا على ضوء المثال الشعبي المغربي ، الذي يقول : حين تزداد سرعة الطبل ، فتلك علامة على توقفه .

#خالد_الصلعي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات