خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال
(Khaled Juma)
الحوار المتمدن-العدد: 3948 - 2012 / 12 / 21 - 19:44
المحور:
الادب والفن
يا صاحب المقام: يا مزوّقاً بالمندلينا، يا عارفاً لغة الطير، ونائماً في حضن السديم، أعطِ هذه المدينة سرباً صغيراً من الضحكات، وستصلي لك إلى الأبد.
يا صاحبَ المقامِ: كنتُ أريدكَ شاعراً فصرتَ مقاتلاً تفتح البلدان وتفرغُ شهوةَ سيفكَ في الشجرِ الحيّ، يا الله كم مدينةً أبكيتَ، وكنتُ أريدكَ عاشقاً فصرتَ نبيّاً، تكلّمُ الطيرَ وتبتعدُ عن طريقِ النملاتِ وتعاقبُ الهدهدَ على توقيتِهِ، كنتُ أريدكَ عاشقاً يا سيّدي، يا الله كم امرأة أبْكَيتَ.
يا صاحبَ المقامِ: كأن المدينة على جناح قبّرةٍ كسولةٍ تنام، وتصحو في فم فرخِ صقرٍ فوق القمة بقليل، ناهدةٌ كعرقِ حبقٍ تعرَّفَ على الشمسِ صدفةً، وناعمةٌ كأنف قطّةٍ أليفةٍ فوقَ سريرِ طفلةٍ سعيدة، همجيةٌ كأعشاب السافانا، رقيقةٌ كرمل البحر، ثائرةٌ كلبؤةٍ هوجم شبلها، هادئةٌ كتمثالٍ في متحفٍ منسي، هي المدينة، على جناح قبّرةٍ كسولةٍ تنام، ويلمسها هواء الجليل فتصحو.
يا صاحبَ المقامِ: ناديتُ الولدَ، تعال إلى الحلمِ أيها الولد، تعال واحمل معك نيّتك السيئة في إيذاء القطة الصغيرة، وعنادك وقت كأس الحليب في الليل، احمل غضبك حين يغير أبوك الكرتون إلى نشرة الأخبار، ونزقك حين يسبقك تلميذ في الفصل، تعال وسأعطيك كل ما كنت أرفض أن أعطيك إياه، فقط غادر موتك وتعال إلى الحلم، أرجوك...، يا صاحبَ المقامِ، أعِدْهُ إليَّ طافحاً بالعنادِ وسعيداً كطفلٍ عاديّ.
يا صاحب المقامِ: حلمتُ أنّ لي بداً بنفسجيةً، كبيرة ما يكفي لتحمي العالم من المطر والشمس، رقيقةً بما يكفي لتمسح رؤوس الأطفال، سحريةً بما يكفي لكي تغربل المشاعر من أحزانها، دافئة بما يكفي لتطمئن الخائفين، قويةً بما يكفي لتشلَّ آلات القتل عن حركتها، شابةً بما يكفي لترقص وترقّص العاشقين، عجوزاً بما يكفي لتعطي طعماً للحكايات الليلية، واسعةً بما يكفي لتحط عليها الفراشات والعصافير، ضيقة بما يكفي لتكونَ ملجأ الهاربين من وقتهم الحجري، خشنة بما يكفي لتعطي للأرض معنى، ناعمة بما يكفي لتنظّف مجازي الأنهار، طرية بما يكفي للأغاني، صلبة بما يكفي لتحملَ الأرض وتحميها من السقوط...
يا صاحبَ المقامِ:
كُن
يدي
تلكَ...
التاسع عشر من كانون أول 2012
#خالد_جمعة (هاشتاغ)
Khaled_Juma#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟