أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الغفار غيضان - قدمانِ مألوفتانٍ جدًّا














المزيد.....

قدمانِ مألوفتانٍ جدًّا


محمود عبد الغفار غيضان

الحوار المتمدن-العدد: 3948 - 2012 / 12 / 21 - 11:49
المحور: الادب والفن
    


قدمانِ مألوفتانٍ جدًّا

الوصف الوحيد الذي أعرفُه محاكاةً لتشقُّقاتِ قدميه اللتين لم تُوضعا طوعًا أو كرهًا في حذاء؛ هو سطح الأرض الصفاري التي فلقَ العطشُ أوصالها بعد انتظارٍ طويلٍ لدورةِ ريًّ لم تأتِ... الكرةُ الأرضية الشاسعة مؤطرة في عالمه بحدّين لا ثالث لهما؛ الغيط والبيت والطريق الذي يربطُهما... تملاُ تفاصيلَ المكانين ظلالٌ متكررة لرجال ونساء، كبار وصغار، ودواب هي أقربُ إليه من الجميع، حتى أنه لم يعد يتحدث كثيرًا مع الناس، وإنْ ردَّ التحية أو فاجأك بإلقاء السلام، تدهشك غرابة صوته الخشن، وتصرفك لوهلةٍ عن الإجابة. لم يكن يميز بين أوراق النقود رغم اختلاف حجمها الواضح، لأنه لم يُمنح فرصة اقتنائها، ولا يتذكر أحدٌ أنه رآه أمام دكاكين القرية، أو جالسًا مع صديقٍ يحتسيان الشاي، أو راكبًا سيارةً إلى المدينة.... الاستثناء الوحيد كان رؤيته على المقابر عند تشييع جنازةٍ ما... قيل إنه لم يكن يعرف بعد الخبز وما تيسر من الطعام سوى الشاي، وقيل إنه كان يحب التدخين كثيرًا لكن هناك من علمه أن أكثر من سيجارة واحدة في اليوم قد تدخله جهنم وبئس المصير... فكانت امرأةٌ يقالُ إنها زوجته تسرق بعض البيض من الدار وتشتري لأجله من الدكان القريب سيجارتين فرط أو يزيد قليلاً، وتستحلف البائع كلَّ مرةٍ أن يحفظ السرَّ عن ربة البيتِ كي لا تطردهما.

لا يعرف جسده كما لا تعرف ملابسه فرقًا بين الشتاء والصيف، الليل والنهار... يرقدُ على مشارف الترعةِ منتظرًا ساعة الري قرابة الفجر في يناير دون أدنى شكوى ظاهرة من البرد. يعودُ في الصباح الباكر إلى بيته، يصادفه الطلاب الذاهبونَ إلى المدرسةِ في مشهد اعتيادي، يمرُّ أمامهم دون كلامٍ سوى بعض همسٍ أو تندرٍ بهيئته وشكل قدميه... تقرعُ قدماه الخشنتان جدًّا الأرض بصوتٍ مسموعٍ بوضوحٍ، يتضاءل الصوتُ تدريجيًّا مع مرورٍ سيارةٍ ملاكي الفيوم يقودها رجلٌ مهندمٌ... تقفُ السيارةُ بمحازاته، يسأله صاحبها عن نوبةِ الري الأخيرة، فيردُّ بصوته غير المألوف مطمئنًا إياه أنَّ كل شيء على ما يرام. دون سلامٍ، تمامًا كما بدأ الاستيقاف والحوار، ودون إية إشارات لغوية تكشف عن هوية أخٍ يتحدثُ إلى إخيه ابن أمه وأبيه، يهرولُ صوتُ الرجل الغريب مختبئًا بحنجرةٍ يمكن دون مشقةٍ حساب عدد اهتزازات أحبالها في اليومِ الواحد... .. وتُمعنُ الإطاراتُ في دهسِ الأسفلتِ الأسود الباهت مبتعدةً، بينما تتلذذُ ذراتُ الطريق المختلطة بالتراب بالاختباء في شقوق قدميه، ليعاود صوتُ القرع الخشن المألوف الظهور مِن جديد مستوليًا على كل مساحة أمكنه اجتياحها فوق الأسفلت.

محمود عبد الغفار غيضان
21 ديسمبر 2012م
[email protected]



#محمود_عبد_الغفار_غيضان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الحاجة-.. -أم محمود- و..- لقب آخر محبب-
- مشاهد غير متقطعة لطفولة غيضانية
- مشاهد من طفولة غيضانية: مشهد داخلي
- دهاليز عالم ثالث
- أم فرحات (من حكايات غيضان الحكيم)
- مِن نسْلِ غيضان الحكيم
- إنهم يلعبون -السيجه- في بلد غيضان الحكيم.
- سيجه
- عندما غضب غيضان الحكيم (من حكايات غيضان الحكيم)
- جنازير النهضة (من حكايات غيضان الحكيم)
- عودةُ الضَّخَّاخ ( على هامش: ما أشبه العتبة بالسيدة)
- عودةُ الضَّخَّاخ (على هامش: ما أشبه العتبة بالسيدة)
- حلم -أبو الشِّهيبْ-
- طاقية أبي
- شَالُ جَدِّي
- عالمٌ ثالث
- عالمٌ ثالثٌ مختلف
- عم عليّ رضوان والفرَّاز


المزيد.....




- صورة شقيق الرئيس السوري ووزير الثقافة بضيافة شخصية بارزة في ...
- ألوان وأصوات ونكهات.. رحلة ساحرة إلى قلب الثقافة العربية في ...
- تحدث عنها كيسنجر وكارتر في مذكراتهما.. لوحة هزت حافظ الأسد و ...
- السرد الاصطناعي يهدد مستقبل البشر الرواة في قطاع الكتب الصوت ...
- “تشكيليات فصول أصيلة 2024” معرض في أصيلة ضمن الدورة الربيعية ...
- -مسألة وقت-.. فيلم وثائقي عن سعي إيدي فيدر للمساعدة بعلاج مر ...
- رايان غوسلينغ ينضم لبطولة فيلم -حرب النجوم- الجديد المقرر عر ...
- بعد ساعات من حضوره عزاء.. وفاة سليمان عيد تفجع الوسط الفني ا ...
- انهيار فنان مصري خلال جنازة سليمان عيد
- زمن النهاية.. كيف يتنبأ العلم التجريبي بانهيار المجتمعات؟


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الغفار غيضان - قدمانِ مألوفتانٍ جدًّا