عبد الرزاق عيد
الحوار المتمدن-العدد: 3944 - 2012 / 12 / 17 - 19:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كنا في السبعينات نكتب في الملاحق الثقافية للجرائد الثلاثة (تشرين –البعث –الثورة)، ولقد تزامنت هذه الفترة مع بناء (الجيفة) الأسدي الأول لعرين استقرار نظامه (المقبري)، قبل إطلاق مخالبه في عنق المجتمع السوري لذبح السياسة في سوريا باسم المعركة مع الأخوان المسلمين في بداية الثمانينات ...
ذهبت إلى إحدى هذه الجرائد للحصول على مكافأة مقال لي بإحدى هذه الجرائد التي لم أعد أذكر أية واحدة منهن قصدت ..لكن ذلك ليس مهما، فهن تسميات ثلاث لجريدة واحدة هي الجريدة (الأسدية)، وكنت حينها في دمشق أنفذ خدمتي الإلزامية في (الجيش الأسدي) في منطقة حوران ... التي انتظرت أربعة عقود أطفالها ليثأروا لكرامتي -(كرامة جدهم )- المهدورة في خدمتي العبودية عند بيت الأسد في جيشهم المغوار ضد اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين ...
دخلت إلى قسم المالية في الجريدة، فوجدت رتلا من الكتاب يقفون أمام رجل وراء طاولته يقعد على سرير عسكري يقلم أظافر أقدامه، دون أن يلتفت للرتل المصفوف أمامه، لم أعد أتذكر بدقة وجوه الكتاب الواقفين بانتظار المحاسب الذي يقلم أظافر قدميه، لكن ذاكرتي لا تغادرها صورة أول الواقفين في الصف، إذ كان هذا الواقف الأول الروائي والأستاذ الجامعي الذي كان أشهرنا حينها، حيث كان له زاوية ثابتة مع صورته الوسيمة ضاحكا، وهو الراحل هاني الراهب ...الذي كان –حينها- يقف على يسار الجميع في جملته الثورية الساخرة من يساريتنا الكلاسيكية حينها، وهي مطمئنة بشكل مضمر بأنها ذات حظوة ونفوذ، لكونها تنتمي للحاضنة الطائفية للجيفة الأسدية الأول ...الذي كان قد أتم بناء مستعمرة الخوف في أواخر السبعينات لإطلاقها في الثمانينات، حيث بدأت ظاهرة (أمننة دوائر الدولة الأسدية بعد تطييفها: حيث تغدو كل دوائر الدولة صفات لذات واحدة هي ذات المخابرات)، رفع المحاسب رأسه عن قدميه، فاتحا دفتره أمامه، سائلا لهاني الراهب : نعم شو اسمك ؟؟ التفت المرحوم هاني بضحكته الساخرة نحونا نحن الواقفين بالدور بعده محرجا مستغربا وقائلا : للمحاسب ولو !! معقول يا رجل أنك مانك عارفني !!! أجاب المحاسب قائلا : لا والله ...بلا زغرة ..!!
عندها وجنا أنفسنا –لا شعوريا –نقف باستعداد أمام المحاسب الرمز(الأمني) والطائفي الذي أشعر هاني الراهب، أنه مع الزمن الأسددي سينتهي زمن (هالة مثقفي الطائفة ليبدأ زمن الشبيحة!!)، شعرنا جميعا بإطباق أبواب القفص الأسدي على رجولتنا، وأن ثمة زمنا مخصيا قادما، لم نكن متأكدين أننا سنعيش فيقوقة خصبه ورجولته، حتى أرسلت لنا السماء ملائكة تمثلت بأحفادنا أطفال حوران ...مؤذنة بزمن جديد، برجولة جديدة من طراز نوعي آخر، ومن جينات مختلفة ستكون نواة الثورة السورية ...إنها جينات الحرية التي صادرتها الحقبة الأسدية، لينتزعها أطفال حوران بأظافر أيديهم الغضة من بين مخالب الوحشية الأسدية ...نقبّل ونبوس يا أحبائي أطفال حوران أصابعكم المنزوعة الأظافر التي كتبت بالطبشور على الحيطان ...مسجلة بداية ثورة الحرية لسوريا ونهاية زمن الذل والخصيان ...
#عبد_الرزاق_عيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟