أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مديح الصادق - خيطُ الدِما من بغدادَ إلى الشامِ... قصة قصيرة














المزيد.....

خيطُ الدِما من بغدادَ إلى الشامِ... قصة قصيرة


مديح الصادق

الحوار المتمدن-العدد: 3944 - 2012 / 12 / 17 - 15:08
المحور: الادب والفن
    


عنه بعيداً تدحرجت عربة من أسموهم - مجاملة - بذوي الاحتياجات الخاصة، وعلى هواها راحت تتقلب حرة طليقة في واد عليه أشرفت دار هرمة من آجر صدئ، وكوى كضيق رزقه مذ ترك الوظيفة، وما ملكت يداه؛ في بغداد قسراً، إذ عليه تكالبت قوى الظلام من كل لون، ذلك الذي امتطى دبابة الأمريكان واستباح العباد وما بأيديهم من متاع، وذلك الذي أطال اللحية وقصَّر السروال والثوب، وكلهم إلى كتاب الله زوراً يحتكمون، فما نالت منه عبواتهم غير ساقين بهما كان يحث الخطى، ليُطعم خمسا ممن أوصى الله بأنَّ من يرعاهُن؛ يُفلت من حسابه يوم الحساب، ورمادا معه تناثرت أبيات شعر حكت عنه وسوسات شياطين الصِبا، وأولى المغامرات، فتح الصنبور على شجيرات الياس، دفن الساقين تحت الزيتونة تذكارا، واستبدلهما بعكَّازتين به تحْديان إلى حيث غطَّت بنومها دولة أجداده الآراميين

جرمانة ليست ككل ليلة، أنوارها قد خفتت، وأمست حزينة واجهات محال تجارية اعتادت أن تسامر مُرتاديها حتى الفجر، وتحضن جُلاَّسَها بدفء خرافي، هرب المُغنُّون من مكبرات الصوت، ومن على الجدران اختفت صبايا جميلات راقصات، وما عاد في المخازن من فائض الطعام كي يرتجي خازنوها مزيدا من العملاء، أما الحانات وما يباع فيها فقد أعلنت التوبة واستغفرت ربها مع دوي أول انفجار وسط الحي، حيث استعصى على الآباء لمَّ شتات أشلاء لأطفالهم تناثرت على أرصفة نظيفة كانت، واصطبغت بدمائها الجدران، وأمّ على صغيرها انحنت، إلى صدرها بقوة تضمُّهُ؛ توهَّمت أنها من الموت قد تحميه، وهكذا تفعل الأمهات، في بغداد، أو في دمشق، وعلى مثل هذا اعتاد النافذون بجلودهم من محارق الطوائف وتجار الدين عبر بوابات الحدود، سائلين عن زوايا بها تطمئن القلوب، وتهنأ النفوس؛ لعل وفدا من دولة بعيدة يرأف بحالهم فتهتز أبدانهم طربا لمكسب به يحلمون، إعادة التوطين

لم يُعِر اهتماما لعربته التي انزلقت، فنامت في قعر الوادي بانتظار أن يتبعها؛ وفاءً لما بينهما من ملح وزاد، بعكازته رفس الباب بعنف صرخت معه مزاليجها التي غنَّى طويلا عليها الزمان، وعليها تعاقبت أنامل المهاجرين من أرض السواد في كلا العصرَين، عصر انفراد واحد من الطغاة في إذلال بني الإنسان الكرماء، وعصر انقلاب ضحاياه على أهلهم مُستسيغين دماءهم، وبما يملكون مُتلذذين، أما من اتصال هاتفي يقشع عنَّا الخوف على البنات؟ لقد فات موعد عودتهن من أعمالهن؛ صرخ بأعلى صوته مثل أصمٍّ تملَّكه الخوف، ألم أنهاهُنَّ عن الذهاب هذا اليوم؟ كفى، كفى بالله، أن يقعدن في البيت، ونأكل من بقايا المزابل؛ لأهوَنُ علي من أن أرى فيهُنَّ ما لا أتمناه، أو أن أعود أدراجي من حيث أتيتُ عاريا؛ لعلي أجد قبرا جوار أهلي الذين مُرغما فارقت، عليك اللعنة يا محطات المهاجرين، فعلى أعتابك تُذلُّ أنوف، وفي دهاليزك تذوب كرامات، وما فتات خبز به تتكرم منظمات إنسانية يديرها اللصوص إلا جرعات تخدير ليحرقوا ما لهذا اليوم اختزنوا من صايات وصرمايات

ما من مجيب سوى صدى عربته التي فارقته واستقرت هناك، وجدران تآكل الطلاء منها؛ فعجزت عن تنظيف رذاذها ربة البيت حتى تراكمت على كل الجهات، حالها يشبه همَّاً عشعش في صدر من أحاطت به في ليل بهيم قطعان الذئاب، فلا هي عنه براحلةٍ، ولا إلى النجاة لديه سبيل، أيها المسكين، عبد الله، ليس سوى العزاء بما هُم عليه جيرانك يُنجيك مما على صدرك غمّ، والغريب نسيبٌ للغريب، كرِّر الصوت، ما من أحد يرد، يا امرأة، لقد أفاق الأموات من قبورهم وأنت لا تسمعين، أين هنَّ البنات الصغيرات الباقيات؟ ألم يعدن من المدرسة بعد؟ لقد تعدى الوقت بساعتين، تراقصت كتفاه وردفاه، وما تبقى من ساقيه، تشبث بالعكازتين كي يحكم السيطرة على جسده الذي انهار فلم يحمله إلى باحة البيت، في جوفه انحبست صرخة لو انطلقت لاهتزت لها الأرجاء، كادت أذناه تنفجران، العرَق من وجنتيه لم يأبه ببرد كانون، شعرات بيضاء يتيمة انتصبت واقفة على المفرقين، بكل ما تبقى له من قوة ضرب الباب، على أحجار عتبتها استقر قفاه، برأسه مالَ صوبَ الجدار، دمُهُ بارداً كانَ، وصوت مزاميرها بعيد جدا، جدا جدا، عربات الإسعاف، وصفَّارات الإنذار


كانون الأول 2012



#مديح_الصادق (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوَّل شِيخته شَرَّم تراجيها
- عَزفٌ مُنفرِدٌ على الناي.. قصَّة قصيرة
- عركة بَلَشْتِيَّة .. قصة قصيرة
- محروس بحرز السيِّد، شرهان
- الأركان الأساسية في كتابة القصة الفنية
- النار لا تحرق سوى الهشيم .. قصة قصيرة
- في بيتك - يا أكيتو - يلتقي العراقيون، لمناسبة عيد رأس السنة ...
- للعيد 78 لميلاد الحزب الشيوعي العراقي: هُمْ يأفَلُونَ ونجمُك ...
- شرَيْدَه اليوم شيخ العشيرة
- عامِر مضيفَك، حَجِّي مِحْكَان
- كاكه شاهين: عربي نه كه هشتم
- لسْتُ بَحثيِّاً، ولا شُوعيِّاً؛ أنا مُخْراطي
- ( فهد من مات؛ ذب ضيمه على عتيوي )
- مِنْ أخطاءِ الكتابةِ : مَنعُ المَصْروفِ، وصَرفُ المَمْنوعِ
- لكيلا نُخطِئ في الكتابة؛ مواضع همزة الوصل أول الكلمة
- أميثاقُ شرفٍ لِمَنْ ليسوا بشرفاء قط ؟
- أوقفوا مجازركم بحق معسكر أشرف، أيُّها الديمقراطيون
- اليسارُ والشيوعيَّة، وربيعُ الثوراتِ العربيَّة
- من أخطاء الكتابة، إهمال علامات الترقيم
- يُلقى القبضُ على هادي المهدي .. لمناسبة أربعينية الشهيد، أقا ...


المزيد.....




- الفنانة ثراء ديوب تتحدث عن تجربتها في -زهرة عمري-
- إلتون جون يعترف بفشل مسرحيته الموسيقية -Tammy Faye- في برودو ...
- معجم الدوحة التاريخي ثروة لغوية وفكرية وريادة على مستوى العر ...
- بين موهبة الرسامين و-نهب الكتب-.. هل يهدد الذكاء الاصطناعي ج ...
- بعد انتهاء تصوير -7Dogs-.. تركي آل الشيخ يعلن عن أفلام سعودي ...
- برائعة شعرية.. محمد بن راشد يهنئ أمير قطر بفوز «هوت شو» بكأس ...
- -خدِت الموهبة-.. عمرو دياب يقدم ابنته جانا على المسرح في أبو ...
- وفاة الفنان العراقي حميد صابر
- فنانة سورية تفجع بوفاة ابنها الشاب
- رحيل الفنان أمادو باغايوكو أسطورة الموسيقى المالية


المزيد.....

- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مديح الصادق - خيطُ الدِما من بغدادَ إلى الشامِ... قصة قصيرة