أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الغفار غيضان - أم فرحات (من حكايات غيضان الحكيم)














المزيد.....

أم فرحات (من حكايات غيضان الحكيم)


محمود عبد الغفار غيضان

الحوار المتمدن-العدد: 3941 - 2012 / 12 / 14 - 12:24
المحور: الادب والفن
    


أم فرحات (من حكايات غيضان الحكيم)

البكارة في قرية غيضان الحكيم ... كرةٌ مِن لهبِ القلق المفزع تكبرُ حتى سن الرشدِ، ليُبردها رجلٌ ذات مساء على منديلٍ أبيضَ تاجًا للفخر تزركشه بقعُ دمٍ لا يتكرر أبدًا، أو يشعلها جُرنًا مِن حطب الخزي تطوفُ ذراتُ رماده كل الأرجاء، فتكنسها بخجل انحناءة رأس ذوي القربى، أو تلعكها ألسنة عدّة اعتادت أنْ تمضغ عورات الناس بكلِّ شماتة.

علمت قريتُنا أم فرحات أن البكارة لا تُباع ولا تشترى... وعلمت أمُّ فرحات كل بنات القرية فور ولادتهن أنَّ البكارةَ عِرضٌ؛ موتٌ وحياة. قبيل غروب الشمس... تنطلق الزغاريد... يصطف الأهل أمام منزل العروس... ينطلق الجمع الغفير من هناك سالكًا أطول الطرق وأيسرها وصولاً لدار العريس... تخرج النساء من بيوتهن، يقف الرجال الجالسون على المصاطب للتحية أو للمشاهدة متهامسين عادة بجمال العروس أو قبحها... يتوقف الموكب عند بيوت الأعمام والأخوال والأقارب ويعلو صوت الغناء.

كان مألوفًا جدًّا أن تلف عمة أو خالة - دون أيّ اعتبار لعُمرها- خصرها بعمامة أحد الوقفين بالقرب منها، ثم تدخل وسط الدائرة التي تتشكل حول موكب العروس، ويبدأ الرقص والغناء... يزداد اتساع الدائرة بازدياد المتجمعين... يشكل الرجال والصبية حلقة حولها... تدك أقدامهم الأرض، وبظهور منحينة للأمام قليلاً، يتحركون بمقدار خطوة واحدة عادة للأمام فتكون الدائرة في وضع الانغلاق الذي يصحبه ويتزامن معه تصفيق حاد وقوي يزيد اقتراب الراقصين وحماسهم من صوته ارتفاعًا، كما يكون مصحوبًا بشطر بيتٍ شعريٍّ من أغنية شعبية يرددها أحد الصفين حول العمة أو الخالة التي ترقص: "يا ما خالق يا ما صوَّر.." ثم تعود الأجسام المتمايلة بوضع معتدل للخلف مسترجعة وضع الكفين والقدمين للحالة الأولى، مع قيام الصف الآخر بأكمال شطر البيت الذي غنَّاه الصف الأول: "كعب البت ريال مدوّر".. ويتبارى الصفان في ترديد الأغنيات، كما تتسابق الزغاريد مداعبةً أشعة الشمس الحانية قبيل الغروب؛ تقطفُ ما تيسر مِنها لتزين به وجه العروس ليزداد ملاحةً لا يقشعها الظلام القادم... على أنغام الطبل والزمر تصل العروس إلى دار زوجها. يتعالى الصياح المبهج، ويأخذ الرقص والغناء طابعًا أكثر حماسة، وكلما انحسر النور، استعدَّ صدى الأغنيات الريفية التي تحضن الأرجاء ليأخذ كلَّ أماكنه: "قولوا لأبوها إن كان جعان يتعشى... وديناها وجينا عُقبال عوضها" ... يدخل العروسان ومعهما أم فرحات والمنديل الأبيض... يتنظر الجميع بالخارج على بقايا من غناء ورقص شاغبهما التعب.. لم يتسن لي أبدًا أن أرصد إلا ترقب الواقفين أمام الدار... فعلى وجه الأب ترتسم علامات الاطمئنان المصطنع... والأم تتوارى وسط زحامٍ غير منظم... والأخوة ُ يأخذهم خجلٌ ما إلى نقطة بعيدة عن مركز الحدث... والأخوات ينتظرن بشغف إعلان سلامتهن جميعًا... بعد دقائق، لا يمكن أن يصف سماجتها إلا أهل العروس، يُفتح الباب... يد مرفوعة بمنديل مخضب بدماء الطهر هي يد أم فرحات...تُعاود الزغاريد القفز بفرح طفولي على سماء الدار... ثم يمضي الكل إلى حال سبيله... تنفرجُ أسارير الأب.. تتلقى الأم التهنئة الوحيدة التي انتظرتها طيلة حياتها، وتعود أم فرحات إلى بيتها ببعض النقود والطعام وبكثير من الأسرار التي تراكمت في صندوق زمنها..

تودعُ القريةُ أم فرحات ذات مساءٍ.. يتذكرها الناس بكل الخير.. وعلى غير عاداتها تمرُ الأيام تباعًا، ولصوص الزمن الجديد يسرقون بكل هدوءٍ شيئًا من ملامح القرية وسمتها.. تعرفُ الأفراح مكبرات الصوت العالية، ودون أقدام تدق الأرض فرحًا، تتعلم مواكب العرس ركوب السيارات، ويصبح المنديل الأبيض نوعًا من الفولكلور، وتبقى أم فرحات وحيدةً بعيدةً هناك، دون أدنى نية في أن تحل أم فرحاتٍ أخرى محلها، لا يتذكرها أحدٌ من أهل القرية.

محمود عبد الغفار غيضان
14 ديسمبر 2012م
[email protected]



#محمود_عبد_الغفار_غيضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مِن نسْلِ غيضان الحكيم
- إنهم يلعبون -السيجه- في بلد غيضان الحكيم.
- سيجه
- عندما غضب غيضان الحكيم (من حكايات غيضان الحكيم)
- جنازير النهضة (من حكايات غيضان الحكيم)
- عودةُ الضَّخَّاخ ( على هامش: ما أشبه العتبة بالسيدة)
- عودةُ الضَّخَّاخ (على هامش: ما أشبه العتبة بالسيدة)
- حلم -أبو الشِّهيبْ-
- طاقية أبي
- شَالُ جَدِّي
- عالمٌ ثالث
- عالمٌ ثالثٌ مختلف
- عم عليّ رضوان والفرَّاز


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود عبد الغفار غيضان - أم فرحات (من حكايات غيضان الحكيم)