|
أما في الأرض من لبيب
جواد بولس
الحوار المتمدن-العدد: 3940 - 2012 / 12 / 13 - 22:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حاولت معظم الأجسام السياسية الناشطة بين جماهيرنا العربية في إسرائيل أن تستفيد من إطلاق نداءات الوحدة والتأكيد على حاجتنا إلى إتمامها كفريضة مستوجبة ووسيلة أمست قدرًا لمجابهة ما آلت إليه أوضاعنا وما سينتظرنا خلال وبعد الانتخابات الإسرائيلية المقبلة. المضحك المبكي في هذه القصة أنّ ما كان محتومًا منذ البداية تجسّد. بكوا في طريقهم إلى وحدة ضائعة وبكوا أكثر في طريق عودتهم من وحدة عاقر بائسة. ليس لتجّار السياسة أكتب، بل لأصرخ، كما صرخ أبن المعرة وأتوجع: "أما في الأرض من رجل لبيب"؟ كتاباتهم أعادتني لصيحات تلك الأيام، إلى توالي السبعينيات، يوم كنّا نصرّ على أن نفهم الصخر بأن لا صوت يعلو فوق صوت شعب يطيرعلى نصل برق ويحط "كمطوّقة بباب الطاق"، تنوح فيبكي "شيخ وعكاز وحجر". يومها كنّا نحب من الأدب ما حمله "سَحَر" فلسطين من صبّار وخجل "عباد شمسها" وكنّا نسمع من أشعار مَن جعلنا "نعطي نصف عمرنا لمن يجعل طفلًا باكيًا يضحك"، يومها كانت براعم الفاشية تُبذر في كل منحنى وكل رابية وكنّا نحاول أن نجهضها كي لا نكبر "تحت أعواد المشانق". سلّحونا بالهويّة والنوم في حضن قصيدة وبيت شعر وحصيرة. قالوا اثبتوا وتعلّموا من تلك القوافل التي قادها من كان قلبه في جناحي طير. توحّدوا فالوحدة قوّة، هكذا علّمت الهزيمة. كنّا في عمر النبع وقلقه.كان الانتماء الحزبي مصالحة مع الذات وغمدًا. أحببنا اكتشاف انسانيتنا، بكينا مع من سقى الفولاذ، وتعلمنا من "ديمتروف". هل تذكرونه يا رفاق الشقاء والعزاء والخسارة؟ قبل أكثر من ثلاثين عامًا انتشينا حين علمنا ذلك الثائر البلغاري كيف "للجبهات" أن تكون سدودًا منيعة تصدّ الريح وتدحر الفاشية. رحل ورفاقه وتركوا للبشرية إرثًا انسانيًا من نضارة تتجدد ونضار لا يشبه معادن الأرض. تركونا في شرق ينوء بأثقال لا يقدر عليها "أطلس". شرق يحاول أن يصحو والكل ينشط على "جبهات" وفي "وحدات" تصد المارد وتقهر الظلم. هنا، في الشرق، خسر "ديمتروف" الرهان والقضية. فهنا كانت يد السماء أقوى وأعلى. والساحة الأهم عندي تبقى ساحتنا، نحن ضحايا ما يتشكل من نظام خطير في إسرائيل وما سيكون في الانتخابات المقبلة. المسألة الأساسية ستكون في التصدي المشترك لخطر اليمين الداهم والمطلوب تحالف القوى الوطنية العربية ومشاركة القوى الديمقراطية اليهودية. هكذا كتبوا وعند البعض كانت زيادة نسبة التصويت هدفًا سيتحقق من جراء الوحدة المفقودة. لم أستوعب ما هو شكل الوحدة التي لم تكن؟ هل هي دمج الأطر الحزبية الممثلة في الكنيست في قائمة واحدة؟ هل كان ذلك ممكنًا من الناحية العلمية السياسية والعملية النضالية؟ ألا يجب لبناء وحدة/جبهة قادرة على العمل أن يتوافق المتوحّدون على تشخيص عدوهم (الطبقي، القومي، الاجتماعي).فهل يكفي أن يكون حليفي عربيًا لينضم إلى هذا الجسم دون أن يهمّني ما هي قاعدة بياناته الفكرية السياسية الاجتماعية وما هو رصيده في تاريخ هذه الجماهير؟ من سيحدد من هي القوى الوطنية العربية، لا سيما في زمن كثرت فيه الرؤوس وغابت الأذناب؟ من سيحدّد من هي القوى التقدمية اليهودية؟ هل يضم يهود يلاحقهم النظام وأشهروا موقفًا واضحًا من الفاشية المتشكلة وأبدوا خوفًا واستعدادًا للعمل ضدها وما زالوا يعرّفون حالهم بصهاينة. إذا كنّا في صدد بناء وعاء فوقي يضم الأحزاب الممثلة في الكنيست والمستحزبين، فليكن واضحًا أنّ هذه ليست وحدة أو جبهة عمل سياسية. مثل هذا الجسم قائم ومتمثّل في لجنة المتابعة، فتوجّهوا لهناك وخذوا العبر وأصول النضال والصمود والتصدي. وإذا كنا نبحث عن وحدة تضمن القيام وتنفيذ برنامج عمل كفاحي يستشرف المستقبل، فسؤالي ما يمنع الاتفاق على مثل هذا البرنامج قبل وبعد الانتخابات مباشرة؟ وإذا كان المطلوب بناء جبهات على أسس سياسية علمية، عرفها العمل الوحدوي في تاريخ نضالات الشعوب، فأسأل ما الخلل في إطار الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة فهي جبهة بكل المعايير وإن كانت بعض التحديثات واجبة؟ ولماذا لا تعتبر القائمة الموحّدة نوعًا من أنواع الجبهات وهي تضم حزبًا إسلاميًا وحزبين قوميين عربيين وحركة عربية تنادي بالتغيير. هل من وعاء سيحتمل أكثر من ذلك؟ لن نتصدّى للفاشية بزيادة ثلاثة مقاعد عربية. لم يكن غياب الوحدة سببًا وعاملًا في نكوص الجماهير عن المشاركة في الانتخابات. عوامل كثيرة أدّت لذلك، لن تُشفها وحدة مصطنعة كاذبة. يجب مداواة أسباب هذه النزعة والنزوع. إلى حين ذلك، استهداف مجتمع الأكثرية وإيجاد وسائل التحالف مع من يؤمن أن التناقض والخطر الأساسيين القادمين هو نظام سياسي عنصري يتسم علميًا بتعريفه كفاشي، هو الواجب وأساس برامج العمل السياسية الوحدوية القادمة. وإن كانت الوحدة المرجوّة هي وحدة صمغها دم الضحية المؤجل فلن نسلم على طريقة نوح والعجائب، وما في حكم الغيب جليّ اليوم وحاضر، فإما كسر القوالب وإما جبر الخواطر. وتبقى الحكمة والحل كما أورثنا من عاش في حبسين حرًا: أين اللبيب لـ"يفرق بين إيمان وكفر"؟ [email protected]
#جواد_بولس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صوت صارخ في الصندوق
-
تقاسيم على صبا تشرين
-
شرعية على صفيح ساخن
-
الضياع في غزة
-
هل سنحبك يومًا أمريكا؟
-
ونجّنا من الشرير
-
في وحدتكم ضعفنا
-
خسارتنا أمام -البارسا-
-
عندما تصير أمريكا ملاذًا
-
الزهايمر ... نسخة فلسطين
-
سعاد
-
الشيخ والمحكمة
-
لا تطفئوا اللهب
-
تساريح
-
كل -لينش- ونحن سالمون
-
نساء على المريخ ودرّاجة
-
ما زالت السفارة في العمارة
-
بين برلمانَيْن: كن واقعيًا واطلب المستحيل
-
وشمان على صخر الجليل
-
بسيخوَطني (2)
المزيد.....
-
معالجات Qualcomm القادمة تحدث نقلة نوعية في عالم الحواسب
-
ألمانيا تصنع سفن استطلاع عسكرية من جيل جديد
-
المبادئ الغذائية الأساسية للمصابين بأمراض القلب والأوعية الد
...
-
-كلنا أموات بعد 72 دقيقة-.. ضابط متقاعد ينصح بايدن بعدم التر
...
-
نتنياهو يعطل اتفاقا مع حماس إرضاء لبن غفير وسموتريتش
-
التحقيقات بمقتل الحاخام بالإمارات تستبعد تورط إيران
-
كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|