|
التيار الوصولي
فاخر السلطان
الحوار المتمدن-العدد: 3937 - 2012 / 12 / 10 - 12:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
التعاطي السياسي في الساحة المحلية الكويتية، أفرز تيارا واضح المعالم في وصوليته، في وجود أولوية للمصالح الشخصية لأفراده على حساب مصالح الأغلبية أو مصلحة البلد. هو تيار لا يقل خطورة عن غيره في معاداته للديمقراطية، بل يبدو أكثر خطورة لأنه يرفع شعارها لكنه يناهضها في ممارساته ويشوّهها في سلوكه. هو يدّعي محاربة الممارسات غير الديموقراطية وغير الدستورية، وأنه يسعى إلى إنقاذ البلد من المؤزمين ومن معرقلي التنمية، لكن سلوكه يعادي الديموقراطية بكل وضوح، ويرسخ لتنمية "فاسدة" إن صح التعبير. في المحصلة هو نتاج للواقع. التيار الوصولي يرفع "شعار" الديموقراطية، لسببين: إمّا جهل بالديموقراطية، وإمّا ضحك على الذقون من أجل ترسيخ الهوية النفعية التي تنتج مسارا يناهض المسار الديموقراطي. لذلك، يشدد على التزامه بالديموقراطية "كآلية" لتنظيم العمل السياسي، لكنه يرفض الاعتراف بروح الديموقراطية ويعادي محتواها ويسعى إلى مواجهة المفاهيم التي تتأسس من خلالها. فالديموقراطية تستند، من ضمن أشياء عدة، إلى النقد الصارم للممارسات المناهضة لها الصادرة عن المسؤولين أيا كانوا، وإلى محاسبة أي توجه خاطئ أو فاسد أو غير تنموي، كما لا يمكن أن تتعايش في إطار الثقافة الفردانية المتكئة على الشعبوية والتي تستلهم وجودها وطريقها من "الطاعة" و"العين الحمرة" أو من "المعزّب" و"الفداوية". التيار الوصولي يقف في منطقة تبدو آلية الديموقراطية فيها منفصلة عن المحتوى، رغم أن الآلية ليست سوى وسيلة يستحيل أن تنفصل عن المحتوى، وإذا ما انفصلت فستصبح هي الهدف ويتم تجاهل المحتوى، وهذا من شأنه أن يساهم في التفريط بالكثير من القضايا المرتبطة بالمحتوى، كقضايا الحقوق الدستورية والحريات ومبدأ المحاسبة والنقد والسؤال. هو تيار يتمسك عادة بآلية الديموقراطية لإنتاج مخرجاته الخاصة، وإلغاء ما يتعارض مع مصالحه حتى لو خالف ذلك روح الديموقراطية. والنتيجة، أن الحياة المدنية والسلم الاجتماعي سيتهددان، وأن المفاهيم التي تبرّر الوسيلة من أجل تحقيق غاية المصلحة ستبرز، أو بعبارة أخرى ستظهر أجندات غريبة على الديموقراطية. إن تأسيس إنسان "ناقد" هو من نتاجات الحياة الحديثة، في حين أن التيار الوصولي يرفض ذلك في غالب الأحيان، ويدفع به فقط حينما تتعرض مصالحه للخطر. هو يسعى أن يكون النواب والمواطنون "منقادين ومطيعين وتابعين" للأوامر. ولا يريد للنقد أن يرتبط دائما بسلوك النائب والمواطن، لأن ذلك لا يتماشى مع ثقافة الطاعة، التي تحتّم اللانقد في مواضع كثيرة. وفيما لا يمكن للإنسان الديموقراطي أن يكون منقادا مستسلما مطيعا، فبسبب تعارض ذلك مع أطر الحياة الجديدة وثقافتها، والمستندة في أسسها إلى حرية النقد والسؤال وإلى أوليّة إرادة الاختيار. في المقابل، يبدو طبيعيا أن يكون اللااختيار الصورة التي تعكس ثقافة المتسلقين على ظهر الديموقراطية، فلا تقبل للإنسان أن يكون حرا في اختيار مواقفه بل تريده منقادا لمواقف نفعية خاصة ضيقة. إن أسباب حل جميع مجالس الأمة في الكويت، بل وجميع الأزمات التي حدثت بين السلطة والمعارضة، أو بين الحكومة والمعارضة، تنحصر في عوامل تقع تحت عنوان رئيسي هو: ضيق صدر السلطة والحكومة من الديموقراطية كمفهوم ومحتوى ونهج وأسلوب وممارسة وأطر وشروط. وباعتقادي فإن حرية الرقابة والنقد والمحاسبة التي كفلها الدستور لنائب مجلس الأمة، وكذلك للمواطن، هي أحد الأسباب التي تشرح الأزمات السياسية في البلاد. فهي تدافع عن حق النائب في ممارسة دوره الرقابي والتشريعي بصورة "مزعجة"، كما تكفل للمواطن ممارسة دوره الناقد للأوضاع السياسية. وذلك يجعل السلطة والحكومة تضيقان من هذا الأمر، وتسعيان إلى تقزيمه حد الإمكان بمعيّة التيار الوصولي. بل إن مخرجات ثقافة المراقبة قد تجعل السلطة والحكومة في الضد مما جاء في الدستور من حثٍ على المساءلة والمحاسبة والنقد، ما يساهم في توتير العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وإدخال البلاد في أزمات متتالية. من الطبيعي في ظل ذلك أن يطول زخم الأزمات، وأن تتصاعد الدعوات لحلّها، ما يجعل صورة الوضع السياسي في مواجهة أمرين: إما القبول بالديموقراطية بجميع شروطها، والمكفولة بالدستور، والمطالبة بأكثر من تلك الشروط في ظل حراك يدعو لذلك. وإما استمرار الأزمات السياسية وتعطّل حركة الإصلاح والتغيير والتنمية. لذلك، لا يمكن أن نجرّد الديموقراطية عن الواقع الاجتماعي، أو نزعم بأنها لا تحمل في طيّاتها أهدافا أخلاقية وإنسانية. ونزع الخوف من نفس الإنسان كفيل بحصوله على جرأة تساعده في طرح مشاكله وقضاياه والحلول لها دون خوف من أحد أو رهبة من سلطة. ليس هذا فحسب بل سيصبح الإنسان معتدلا في طرحه يحسب حساب الآخرين الذين ينافسونه. فالديموقراطية تطرح حلولا للقضايا والمشاكل بوسائل سلمية غير قائمة على القهر. والحكومة الديموقراطية تستطيع أن تنجز التغيير دون اللجوء إلى العنف، وهو أمر لن يتحقق إلا بتفعيل آليات الديموقراطية بحيث يستطيع الناس عن طريق الانتخابات والاستفتاءات والحريات، ممارسة ضغوط لتغيير الوضع وإصلاحه. لو فقدت تلك الآليات وجودها فإن فلسفة الديمقراطية ستفقد معناها. فالديموقراطية تعتمد على مجموعة من الآليات التي تحقق الإصلاحات دون الحاجة إلى "الثورة" ضد التوزيع غير العادل للقوى والسلطات، وتهدف إلى اتخاذ قرارات وتنفيذ خطط بحيث لا تنبع من مصدر واحد يحتكر جميع السلطات والإجراءات والتفسيرات، وتشدد على الدفاع عن حقوق الإنسان وعن حرية الرأي والتعبير دون أي سقف أو خطوط حمراء فكرية أو رهبة من جهة معينة. غير أن الوصوليين ساهموا في فرض واقع مغاير، يدعو إلى التعايش في إطار ديموقراطية مزيفة أو منقوصة، من أجل تكريس وجود واهم للقوى الديموقراطية، وتحقيق واقع سيئ يقوم على المصالح الضيقة، ويصطدمون بمفاهيم رئيسية يحتاجها العمل الديموقراطي، كالحرية والتعددية والاختلاف والتنوع والمساءلة والمراقبة والنقد واحترام حقوق الإنسان، فتؤثر تلك المفاهيم على مصالحهم، وعلى مشروعية نشاطهم السياسي، وتضيق الخناق على مختلف صور الشراكة السياسية التي يعتاشون عليها. لذلك، هم يكرهون الحرية التي تستوجبها الديموقراطية، لأنها تعرضهم لانتقادات تفضح نواياهم وخططهم. ويخشون من التعددية السياسية، لأنها تضيق عليهم سلطاتهم وتفقدهم مصالحهم. ويهمشون من قواعد احترام حقوق الإنسان لأنها تجبرهم على تقديم تنازلات جمة. في المقابل، هم لا يمكن أن يحظوا بشعبية واسعة في المجتمع، بل القلة هي التي تقف وراءهم، القلة التي تنفذ إرادتهم انطلاقا من تشابك المصالح. إن من عاش لعقود طويلة في ظل نظام ديموقراطي مزيف، دون القدرة على ممارسة المحاسبة الحقيقية والنقد المؤثر، ودون تفعيل المفاهيم الرئيسية للديموقراطية، ودون الاستفادة الكاملة من وسائلها، عليه العمل على مواجهة هذه الثقافة والسعي إلى تغييرها إذا ما أراد أن يساهم في تكريس الديموقراطية الحقيقية، لأنه إن لم يقم بذلك سيؤصل لنظام يجبر الناس على الرضوخ لوضع غير ديموقراطي في ظل الاكتفاء ببعض آليات الديموقراطية، فيما يجري ذلك من دون توجيه أو تمحيص، أو من دون قدرة على المحاسبة والنقد، بل في ظل سيطرة مبدأ "السمع والطاعة".
#فاخر_السلطان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحراك.. ووقوده
-
دور مبهم
-
هل مقاطعة الانتخابات في صالح الديمقراطية؟
-
العلمانية الإقصائية
-
رداً على عبداللطيف الدعيج: من يختطف من؟
-
حراك التغيير في الكويت.. فرصة تاريخية
-
السقف العالي للإصلاح.. في الكويت
-
-الرقيب- السياسي والديني.. في الكويت
-
قرار الأغلبية -غير الديموقراطي-
-
-تحديات- مرجعية الشاهرودي في النجف
-
المساس بالنقد
-
أسلمة القوانين
-
الصنمية
-
النسوية الإسلامية
-
مشروع -الأمّة- الشمولي
-
المعادلة الطائفية في مجلس الأمة الكويتي
-
الفردانية.. و-الربيع- العربي
-
علمانية التيار الوطني
-
التعددية.. وتعديل المادة الثانية
-
الحلال والحرام
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|