عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .
الحوار المتمدن-العدد: 3935 - 2012 / 12 / 8 - 23:44
المحور:
الادب والفن
2 - نسيمات زقومية
صباح قاتم تتخلله نسيمات زقومية ؛ غادرت حجرتي النتنة صوب القلعة العفنة ؛ إنها رحلة طويلة حافلة بالصخب، والجلبة، والإكتظاظ ؛ إلى أين ؟ إلى الكوس ؛ قذفت منه، وإليه ؛ تارة أعدو، وتارة أمشي ؛ من هناك تتراءى القلعة الكئيبة ؛ تتراءى الموت ؛ أحمل محفظتي، و أضع وزرتي على ساعدي ؛ لا أحب أن أرتديها ؛ ببساطة لا أحب الإختزال بقدر ما أحب الإمكان.
هذا هو شارع الحنصالي ؛ آه لو عدت أيها الحنصالي لأفنيت بالحنق ؛ عوادم مائية تطال الرصيف ؛ روائح تبعث على القيء ؛ محلات تستولي على القارعة ؛ أدخنة تتصاعد إلى علو السماء ؛ باعة متجولون ؛ أجساد من كل الأشكال ؛ هاهي تتجمهر حول هذه السقاية ؛ هاهي تشتري من ذاك البائع ؛ لا أدر أين أنا ؛ أتيه كما تتيه الحبة وسط الرمال.
كل صباح أقطع هذا الشارع ؛ لكن ما ألاحظ من مظاهر لا تمت بصلة لثورية رجل قدم نفسه للنضال، ولحرية الإنسان، وكرامته ؛ بل ما يوجد هو التسول، والفقر، والجوع، والألم.
آه أيها الحنصالي!!! ألهذا الغرض أفديت جسدك الغالي ؟ إن مغرب العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين لا يبشر بخير ؛ بل يبشر بالنذالة، والسفالة، واحتقار الكرامة الإنسانية.
أقترب شيئا فشيئا من عالم لم أجد ذاتي فيه ؛ إنه عالم الرتابة ؛ ها هو السمسار الجيلالي يجلس مكورا كالبالون المنتفخ ؛ إن ما يهمه هو اصطياد الفرص ؛ شكله يشبه السلحفاة ؛ أسلم عليه ؛ يضحك في وجهي ؛ آه ماذا أرى ؟ أرى عبيدا يقادون نحو المعتقلات ؛ آه ماذا أرى ؟ أراهم يسيرون في خط واحد، وما أتعس الخطوط ؛ تبا للخطوط، وتبا للنقط ؛ تبا للإستعباد، والذل، والعار ؛ آه ماذا أرى ؟ أرى ذاتي تتفتق على صباح زقومي ملؤه الكاوس، والموت، والنفي.
شتبر 2012
بني ملال
#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟