صالح إبراهيم انجابا
الحوار المتمدن-العدد: 3935 - 2012 / 12 / 8 - 22:05
المحور:
الادب والفن
الوداع الأخير
بقلم: صالح إبراهيم أنجابا
جلست على حافة السرير تنظر الى ابنها الذى يغط فى نوم عميق, ويغرق فى حلم جميل . تفحصت وجهه الملائكى الذى شعت منه براءة تحوم حول البيت العتيق.. تحسست وجهه الذى يبتسم حين تلامسه اصابع امه ,ودعت له بدعاء الأم المستجاب . قبل ان تنتقل الى سرير ابنتها الذى ينزوى فى الطرف الآخر حدقت ملياً على الصورة العائلية المعلقة على الجدار , وذرفت دموع ساخنة براقة اوهجت الغرفة الصغيرة وواصلت سيرها,حتى وقفت تتأمل إ بنتها الجميلة التى ورثت لون البن الإرترى الجذاب ,وطفقت تعبث بغدائر شعرها الفاحم ففجأة صحت الطفلة وقالت لأمها
" اماه كنت ارقبك تذرفين دموع ساخنة الهبت غرفتنا الصغيرة . ارجو ان لا تبكي لان بكاؤك يؤلمني ويبكيني كثيراً".
قالت ألأ م وقلبها يتقطع من كلام قرة عينها ذات العشرة ربيع" لآ انا لم ابكى ,ولكن الزكام جعلنى اسكب هذه الدموع ولكنى الحمدلله انا بخير".
الطفلة الذكية لم تقتنع بكلامها وقالت " اماه ابى ان شاء الله سوف نراه قريباً وسوف نمرح ونلعب ونضحك كما كنا نفعل فى حضوره".
حضنتها الأم بقوة وقبلتها فى خدها قائلةً " طالما انت واخوك معى سوف اكون سعيدة مدى العمر ".
شهقت الطفلة شهقة سرور وارتياح قائلة" ماما احبك جداً ".
ربتت على ظهرها قليلاً وقا لت" الا ن نامى لتكونى غدا ًنشيطة فى المدرسة".
اطفأت الأنوار واقفلت الباب خلفها بهدوء وذهبت الى غرفتها .
كل شئ فى البيت منسق ومنظم .على الركن الشمالى توجد سجادة زوجها ,والطاولة التى يقرأ عليها ,ودولاب الكتب امامها . على اعلى الجدار علقت خمس صور اربعة صور انفرادية وصورة واحدة جامعة.
تفاصيل البيت ذكرها بزوجها الغائب الحاضر فى القلب. تمددت على السرير لتنام ,ولكن هيهات ان تنام لأن الذاكرة نشطت وبدأت تعيد شريط الذكريات الذى خزن محطات فرح وحزن تعتبر علامات فى درب حياتها . تذكرت اول سنة من زواجها الذى جمع كل الأحبة والأهل والأصدقاء . تذكرت زوجها حين جاء الى تراب الوطن فى مقتبل العمر بعد عشرة عاماً قضاها متغرباً . عاد بعد الإستقلال الى الأرض التى اشتاق اليها ,والى الأرض التى توارى فيها جسد ابيه الطاهر الذى قضى ريعان شبابه يناضل من اجل حرية بلاده .
تذكرت ولادة إ بنتها وكيف عمت الأفراح عشها الجميل . لم تدم هذه السعادة التى مرت كلمح البصر. لأن النظام الد كتاتورى باشر فى تكميم الأفواه, وزج المعارضون فى دهاليز لا يعرف لها مكان وزاد الطين بلة حين ورد نصاً اذاعياً على النحو الأتى:
سيداتي سادتي وردنا في التو بيان وزارة الدفاع
علي كل شاب وشابة إرترية دون ال 50 من العمر ان يسجلوا اسماءهم لدي اقرب مركز للشرطة وذلك للالتحاق بالوحدات العسكرية للتصدي للعدوان الذي تتعرض له البلاد ، وان كل من لم يقم بتسجيل اسمه سيكون تحت طائلة العقاب.
فا لتحق شريك حياتها بالصفوف ألامامية فى الحرب التى نشبت بين ارتريا واثيوبيا ,وبالرغم من انتهاء الحرب لم يسرح من الخدمة الإلزامية إذ قضى فى رحابها تسعة اعوام متتا لية . ياتى لقضاء شهر بين اسرته ومن ثم يعود الى خطوط الدفاع فى الحدود .
ست البنات تغرق فى بحر همومها عميقاً جداً وتصل الى نتيجة مأساوية , وقا لت لنفسها" هذا قدرك يا ست البنات .عليك ان تتصبرى وتنتظرين الأسوأ لأن مصيرك مربوط با لخدمة الإلزامية ,وحياتك مربوطة بها ,,والعمر مربوط بالدفاعات الأمامية ".
وتواصل فى الحديث مع نفسها" لم يكن هذا حلمنا .انه زمن الأوباش الذين قتلوا صوتنا , وهدموا سور افراحنا , ونصبوا على كل شبر من ارضنا خيمة احزان".
وتحاول النفس ان تسكتها من الكلام ولكن تواصل" انا اشتقت اليك يا زوجى الغالى أشتقت الى صوتك , ضحكك ,وغضبك, وتذمرك ,والى حضورك الذى يبعث البهجة فى حياتى ودنياى " وتواصل " لماذا يفعلوا فينا ذلك اوغاد النظام الحقير ؟ لماذا يتلذذون بعذابنا , وإمتها ننا اليس فيهم من يحس او يحمل ضمير إنسان؟".
وتفكر كثيراً فى الوضع المعيشى الذى تدهورمنذ غياب الزوج طيلة هذه الفترة إذ لا يكفيها المبلغ الذى تقدمه الحكومة . لو لا عبد الحكيم الذى يرسل إعانة شهرية من الولايا ت المتحدة لمات افراد الأسرة جوعاً ,وايضاً لولا بيت الوراثة لتشردوا فى العراء .
وتتحدث مع نفسها التى تعبت من الحديث " ما ذنب عبد الحكيم الأخ الأكبر لزوجى ليعانى فى غربته, ويتألم لظروفنا ,ووضعنا المبكى ,هذه الظروف القا سية تمر بها كل البلاد ولم يسلم منها حتى الذين غادروها واختاروا الغربة وطن".
ست البنات فى تلك الليلة لم تستسلم للنوم حتى تسلل ضوء الصباح الى غرفتها . ايقظت الأطفال ليتجهزوا ويستعدوا للمدرسة .
جاء ابنها ذو السبعة سنوات فا تحاً ذراعيه وقال" ماما اتعرفى البارحة احسست باصابع يديك التى اطلقت من اطرافها شحنات حنان اخترقت جسدى وعقلى وبعثت فىَّ السرور والأحلام السعيدة".
ردت الأم " كنت اعتقد انك غارق فى نوم عميق ".
فأجاب الطفل " ماما مهما كنت نائماً احس بوجودك ,وحضورك, وعطرك ,ونفسك ,ودقات قلبك , وحتى حبك يتخلل جسدى النحيل ,وشعاع عينك يخترق عينى ليقوى بصيرتى, اماه احس بك بعيدة ,او قريبة منى".
تحضنه بقوة وتقبله بحرارة على خده قائلة" احبك يا ابنى الغالى يا وريث والدك فى كل الصفات الجميلة ".
ذهب الأطفال الى المدرسة ,وكالعادة تنشغل فى البيت بتجهيز كل مستلزمات ذلك اليوم, وحين تكمل واجباتها المنزلية تذهب الى الأقرباء و الجيران لِتُصبِح عليهم ,وتتفقد احوالهم ,وتجلس معهم لشراب قهوة ذات طقوس ارترية تُنفِس فيها احزانها ,والآمها, وفى نفس الوقت تجد المتعة والترفيه فى التحدث مع الجيران الذين يؤازرونها ويخففون من همومها ويبعثون فى دنياها الأمل الذى غاب من ارتريا اول ارض تطؤها اقدام المهاجرين من اصحاب رسول الله (ص).
تنتهه جلسة القهوة وتعود الى منزلها فى انتظار ابنائها العائدين الى البيت بعد الظهر. تلاعب ابنائها ,وتساعدهم فى الواجبات الدراسية , وهكذا ينتهى اليوم .
قبل ان يأوى ابنائها الى فراشهم , تقبلهم وتقرأ لكل واحد منهم المعوذتين.
فى تلك الليلة يُطرق الباب بطرقٍ خفيف فتخرج خائفة ومضطربة من سماع خبر مشئوم اوقبيح ومكروه فسألت بصوت منخفض جداً " من الطارق؟"
جاء من خلف الباب صوت تعرفه ,ويطربها حين تسمعه ,ويأثر حواسها ,ويغزو قلبها, وبدون اى تردد فتحت الباب واسعاً وجرت كالمجنونة حتى تعثرت ووقعت فلحقها زوجها نور حسين ورفعها وحضنها وقالت بنبرات متقطعة " لا لا اااصدق ع ع ع عيناى يايا يا غالى ويا قمر هذه الليلة ".
ورد عليها بصوت متلهف ومتشوق " انا هنا بشحمى ولحمى وبكل كيانى انا هنا يا حبيبتى الغالية انا هنا يا ملاكى الذى اشتاق اليه ويكون معى مهما بعدت المسافات نعم انا هنا يا ام رُمانة الجميلة وام جمال البطل ".
بعد ان دخل صحن الدار قال لها لا تصحى الأطفال وذهب الى سرير ابنته يلاعب يدها ويقبلها على جبهتها وهمس بصوت ابوى حنون" كم اشتقت اليك يا اجمل هدية سماوية؟".
وقبل ان يسير نحو سرير ابنه تقفز رُمانة كأن صعقة كهربائية تنبهها بحضور الوالد وصرخت بأعلى صوتها " بابا بابا با با "
صحى جمال من صريخها وقفز وعيناه مقفلة على ظهر ابيه صارخاً "بابا بابا متى جئت ؟ كنت احلم بقدومك ".
رُمانة تقول وهى مبتسمة وفرحة " ماما البارحة كنت تبكين واليوم ارى وجهك الجميل شع منه السرور, وانا ايضاً كلما اراك تضحكين احس ان الدنيا كلها فى قبضة يدى الصغيرة". قاطعها جمال " بابا انا احبك جداً انا سعيد جداً "
جلس الأبناء يضحكون ويتسامرون مع والدهم حتى منتصف الليل دون كلل وملل واخيراً قا لت الأم " الآن وجب النوم لأنكم سوف تصحون مبكراً للذهاب الى المدرسة".
رد جمال بوجه عبوس قائلاً " ماما لا اريد الذهاب الى المدرسة اريد ان اقضى اليوم مع ابى".
قال الأب بهدوء"جمال المدرسة مهمة جداً لمستقبلك فلذا عليك ان تذهب اما انا موجود لمدة شهر وستجدنى فى انتظارك حين تعود".
امرتهم الأم بحزم " هيا اذهبوا الى مضا جعكم لتناموا ".
فيضطر لأطفال للذهاب . الوالدين لم يناموا فى تلك الليلة الزاهية
وبعد ذهاب الأبناء سألت الأم حبيبها " اى مستقبل سوف ينتظر اطفالنا. اتقصد ساوا والمعاناة فى هذا السجن الكبير الذى يسمى الوطن".
فيرد الأب " نعم مستقبل اطفالنا سيكون مشرقاً لأن التغيير قادم على روح من ارواح شهدائنا الأبرار نعم سوف لا يستمر هذا الطغيان ولن يستمر معسكر ساوا او ويعا ".
قاطعته ست البنات بصوت منخفض" اصمت هنا كل الأشياء لها اذان. المناضد والمقاعد والجدران الخ ...ويمكن ان يسمع همسك ومناجاتك لنفسك ".
حاولت تغيير دفة الحديث والقفز الى موضوع اخر وقا لت" ارى الشيب بدأ يزحف على شعرك ". وتواصل فى الكلام" لا اصدق دخلت فى بدايات العقد الرابع من عمرك".
رد نور حسين" نعم قد ولى زمن الشباب و ".
تقاطعه قائلة" الد فاعات الأمامية سرقت حياتنا ووئدت احلامنا فى جوفها .ولا ندرى اذا كان الزمن سوف يسعفنا لننعم بحياة زوجية ها نئة وممتعة ".
يطمئنها بصوت الواثق من قوله" ا لأمل عند الله كبير وسوف تفرج قريباً".
قالت بنبرة حزينة" اتأ لم كثيراً حين ارى اطفا لنا يكبرون وانت بعيداً عنهم".
قا ل منزعجاً من جو الحديث" ارجوك ان نترك الهموم وراء ظهورنا ونقضى ليلة يعمها التفاؤل والأمل ".
اطفئت الأنوار واسدل الليل ستاره على الغرفة.
فى الصباح الباكر ذهب الأبناء الى مدرستهم, وعادوا كالعادة بعد الظهر ليجتمعوا على طاولة الغداء بعد غياب الأب لمدة نصف عام . السعادة غمرت وجوه الطفلان اللذان يضحكان ويقهقهان , ويكركران حتى تأمرهم الأم با لسكوت فى اثناء الأكل.
يأكلون وتنتهى فترة الغداء فأنتهز جمال الفرصة قائلاً " ارجوك ان لا تتركنا هذه المرة لأنى بصراحة افتقدك كثيراً".
وزادت رُمانة على كلام اخيها " الى متى يستمر الحال هكذا . تتركنا شهور وتقضى معنا شهر فقط ؟".
قال الأب بنبرة اهتمام " مهما غبت عنكم انتم فى بالى وخاطرى وروحى سوف تحرسكم ".
يسكتون لفترة قصيرة وتكلمت الطفلة المتأ لقة" اتعرف حين تغادر البيت كيف تتأ لم امى ؟ وكيف تكون حزينة وساهية ؟ بصراحة انا احس بالآمها واحس بفراقك الذى يجعلنى اكره كل شئ فى حياتى وحتى المدرسة".
تقطع قلب الأب وإهتز فى الأعماق وإبتعد لمسافة بعيدة وذرف دموع حارة وعاد ليظهر لهم تماسكه وصلابته امام هذا الدراما الحية.
رد بصوت الأب الحنون الصابر" انتم افضل من اطفال كثيرين ايتام فقدوا إحد الوالدين وها انا حىٌ ازوركم الفينة بعد الفينة".
قضى نور حسين شهراً كاملاً مع اسرته حتى حان وقت العودة الى معسكر ساوا القبيح و احس الطفلان بإقتراب يوم السفر فقال الإبن قبل ذهابه الى المدرسة " بابا ارجوك ان لا تذهب قبل ان تودعنا "
وزادت ابنته فى كلام جمال بإستياء " اننى اعرف سوف تعود فى خلال اليومين فلذا ارجوك هذه المرة ان تسرع فى العودة ".
إختار نور حسين غياب الطفلان فى المدرسة خوفاً من مواجهت موقف إنسانى مؤثر تدمى له القلوب . حضن زوجته وودعها كانه الوداع الأخير فقالت الزوجة باكية ومنتحبة " اتمنى ان لا يكون الوداع الأخير".
رد نور حسين " لا تتشائمى سوف اعود لنتذوق فرحة اللقاء ساعود لأنفخ الحماس فى ارواح ابنائى سأعود لهذا البيت الذى تسكنه روح والدى وروح والدتى الغالية".
ركضت ست البنات الى داخل البيت و أجهشت بالبكاء وخرج نور حسين قافلاً الباب وراء ظهره دون ان ينظر الى الوراء.
ذلك اليوم كان ممطراً دون الأيام السابقة . والرعد بدأ يزمجر كأنه غاضب على سفر رب البيت, والنهار كان داكن القسمات ,وعابس الوجه كانه يشارك هذه الأسرة احزانها , وهزيز الريح يعلن وداعاً يا نور حسين كأنه الفراق الأبدى . كلب الجيران عوى واصدر انيناً اغلق اهل الحارة كأنه ينذرهم ان لا يسمحوا لسفر الأب.
عاد الطفلان الى البيت. بلغتهم ست البنات بذهاب الأب . كان ذلك اليوم يوماً ثقيلاً . الصمت طغى على الأسرة والأعين ترسل رسائل حزن واسى والقلب يلعن النظام البغيض الذى يجند الشباب للإلتحاق بالخدمة الإلزامية التى ليس سقف يحدد نهايتها . جيلاً كاملاً اختار الهروب من معسكرات التدريب الى الدول المجاورة وبعضهم قطع الفيافى والبحار ليهاجر الى الدول الغربية ,وبعضهم يعانون العبودية ,وبعضهم تباع اعضاؤهم فى وضح النهار دون وازع انسانى او دينى.
لم يخرج جمال كالعادة ليلعب مع اطفال الجيران ,وحتى رُمانة لم تذهب الى صديقاتها واخيراً استسلموا للنوم مبكراً.
اما الأم لم تنم تلك الليلة الطويلة المثقلة بالهموم بل حاولت ان تشغل نفسها بتنظيم البيت وفى اثناء تحركاتها طرق سمعها صراخ ابنها الذى قال " ابى لا تتركنى ابى احبك ارجوك لا تتركنى ".
لحقته بسرعة وجلست بجانبه وقرأت اية الكرسى لتهدئ من روعه وسألته برفق" بماذا حلمت يا جمال ؟.
قال مفزوعاً ومرتجفاً"لا يا اماه لا استطيع ان اخبرك , لا استطيع ان اخبرك ".
سقته كوب حليب طازج , وبارد , ومسحت على وجهه وسأ لته للمرة الثانية " خبرنى بماذا حلمت؟".بدأ بالحديث منزعجاً" ماما انه كابوس فظيع . كنا انا وابى نسير الى سوق المدينة ومررنا بميدان الكرة الواسع , وفجأة دون سابق إنذار انفتحت الأرض وهوى والدى فى قاع بئر عميق جداً . لم استطع ان انقذه , وابتلع البئر والدى الذى صرخ قائلاً "احبك يا ابنى الغالى لا تبكى كن رجلاً ناجحاً يتخطى الصعاب ولا ترهق امك واهتم واعتنى بأختك " وبعدها لم اسمع صوته.
صمتت الأم لمدة طويلة وقالت" اللهم اجعله خير ,اللهم اجعله خير".
فى تلك الليلة الرهيبة و المزعجة نامت بجانب ابنها ولكن نومها لم يكن مريحاً بل كان متقطع .
مرت فترة اربعة اشهر من حدوث الحلم المخيف و غياب نور حسين الذى كان يراسلها من حين الى اخر سائلآً عن احوالهم و يطمئنها عن احواله ويخبرها سوف يعود قريباً .
فى إحدى ايام الإجازات المدرسية يطرق الباب فى منتصف النهار فتفتحه ويسالها شخص قصير وضخم الجسم " اانت زوجة نور حسين".
فترد "نعم انا زوجته ".
قال بصوت خشن واجش " انا مرسل من قبل وزارة الدفاع لأسلمك هذا المظروف".
أخذت الظرف ويدها ترتجف ودخلت الغرفة على عجل وقبل ان تفتحه جهزت كوباً من الماء وبكل اضطراب وخوف فتحت الظرف وقرأت الأتى :-
الأخت الفاضلة : ست البنات مصطفى
نأسف كثيراً ونحزن لفقدان مناضل ومقاتل اعطى الكثير لوطنه ,وندعوا لكى بالصبر والسلوان .انتقل زوجك الى بارئه مؤدياً واجبه الوطنى بتفانى وإخلاص. وإذا اردت اى ايضاح راسلى وزارة الدفاع او احضرى الى مكتب الوزارة فى اقرب فرصة ممكنة .
وزارة الدفاع الإلرترية
مكتب وزير الدفاع
اسمرا
تلفون : 7272 888 800 1
صرخت بصوت عالى سمعه الجيران وجاء الطفلان يهرعان لنجدت امهم ويصرخان " اماه ماذا الم بك ؟ ماذا حدث؟".
ولولت بنبرات التحسر والألم قائلة" مات زوجى منذ ولادة معسكر ساوا ومعسكر ويعا قبل عشر سنوات . العسكرة دخلت فى حياتنا ,هدمت احلامنا , دمرت مستقبلنا ". وتواصل فى الكلام دون توقف" عيون ساوا ,وويعا ,وجبهات الدفاع الأمامية تطاردنا فى الحمامات ,وغرفنا الخاصة . تتبعنا حين نأكل ,ونلبس ,وتتبعنا فى المقاهى ,والمساجد ,والكنائس ,والطرقات والأوغاد يحزنون حين نفرح ,ويفرحون حين نحزن وغرزوا اظافرهم القبيحة فى كل يوميات حياتنا ."
ولم تقف على ذلك بل تزيد فى الحديث " الخدمة الإلزامية التى ليست لها نهاية دفنت فى تربتها ربيع اعمار جيل كامل , لا ادرى الى متى قطارها ا لمشحون بالآمنا ومأ سينا وإحبا طا تنا
يدوس على قلب دنيا نا؟".
واخيراً صمتت وأخذت فلذات كبدها الى داخل الغرفة وحضنتهم ونظرت الى وجوههم الكالحة من الأسى على فقدان والدهم وهمست " ادعوا الله ان لا افقدكم , ادعوا الله ان لا افقدكم , ادعوا الله ان لا افقدكم".
ساوا , وويعا : معسكران يدرب فيه جيش الخدمة الإلزامية. المعسكران مشهوران بسمعة سيئة جداً نتيجة للمارسا ت الغير إنسا نية من قبل جنرالات النظام الد كتا تورى الإقصائى والجدير بالذكر الخدمة الإلزامية ليست لها سقف محدد فى ارتريا .
#صالح_إبراهيم_انجابا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟